الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف لا يشهر إلا للرقص

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2009 / 1 / 14
القضية الفلسطينية


مليون ونصف مواطن فلسطيني ينتظرون القرعة التي تجريها آلة الموت الصهيونية ويتوقعون النهاية إما بتدمير المنزل فوق رؤوسهم , أو الاحتراق بقذيفة حارقة معبأة بالمواد السامة والقاتلة , أو بتقطيع أجسادهم بغارة أثناء محاولتهم الحصول على بعض الطعام أو الاحتياجات الضرورية للحياة , عائلات مشردة, أطفال يتامى , أمهات ثكالى ,وجرحى أقرب إلى الموت , وشهداءٌ كثيرون قد عرفوا مصيرهم وقابلوا وجه الله تعالى .
هذا حال قطاع غزة المنكوب والذي تحوّل لبورصة من المساومات بين الأنظمة العربية الرديئة التي تختلف على مكان عقد قمة فاشلة قبل عقدها , وتختلف على حيثيات البروتوكول والبرستيج الذي يجعل من هذه الدولة أو تلك سيدة للأمة أو صاحبة الدور الأعظم في الشرق الأوسط بدلا من أن تسارع بحقن دماء الشعب في غزة بأي وسيلة كانت , ولا نتحدث هنا عن الوسائل الخرافية التي طالب بها بعض الناطقون باسم هذا الفصيل أو ذاك من مد جسرٍ جوّي للإمداد بالسلاح فهذا ما لن ننتظره من الدول العربية ولا حتى في أشد الأحلام تفاؤلا ولربما كان صاحب الصوت المطالب بهذا الجسر الجوي يحلم بأن غيمة محملة بالكرامة والنخوة صبّت ما تحمله على رؤوس الزعماء العرب .
كان من الأجدر أن نطالب دول النفط التي لا تفهم مدى السلاح الذي تملكه , ولا تفكر حتى بتجربة تثيرها ولو نخوة عابرة بالتلميح فقط بإيقاف ضخ النفط ولو لمدة يومين .إن مجرد تصريح إعلامي بهذا الشأن كفيل بأن يقلب موازين اللعبة السياسية بالكامل في الشرق الأوسط ويفرض واقعا جديدا , لكن الجبن والتخاذل والتشبث حتى الموت بكرسي الحكم في معظم الأنظمة العربية لا يمكن أن يفرّخ لنا إلا الموت في فلسطين وفي لبنان وفي كل بلد عربي يناضل من أجل كرامته وأرضه .
وصل الزعماء العرب لأرذل العمر وما زالوا لا يفكرون بتشريف أنفسهم باتخاذ موقفٍ نقي ولو لمرة واحدة,ما زالوا لا يفكرون بأن من الضروري قبل أن يغادروا إلى الجحيم أن يبيضوا صفحتهم السوداء ولو بقرار واحد
لكنهم يأبون إلا الخيانة والتخاذل , يأبون إلا أن يساقوا كالخراف بيد الراعي الأمريكي والصهيوني , إن هؤلاء يحملون السيف الذي لا يشهر إلا للرقص به على السامر الذي تقيمه "اسرائيل " على أشلاء الضحايا في غزة .
ومع أننا مقتنعون تماما بمدى التخاذل العربي ولا نعوّل على أي نظام عربي ولا غربي بأن يكون عونا لنا أو يساندنا إلا أننا مضطرون للتعاطي مع مبادرات تحقن الدم الفلسطيني الذي يراق بلا توقف , وأن نوقف إزهاق الأرواح الذي بلغ حدا من البشاعة والإجرام ما لا يمكن وصفه ,علينا أن نتعاطى مع الموقف بحكمة وعقلانية ولا نندفع للتصريحات النارية التي تطلق من بعض العواصم العربية من هذا أو ذاك , فأهل غزة أدرى بدمائها ومن تسيل دماؤهم ويقتَل أبناؤهم هم من يدركون حجم المأساة و ليس أولئك الذين يجلسون بالغرف الفارهة وقاعات المؤتمرات الفاخرة ليتحدثوا باسم الدم الفلسطيني ويدعون الجبروت والشموخ , في حين أنهم لا يريدون إدراك دقة الموقف ولا مدى الخسارة الفادحة التي يتكبدها شعبنا الفلسطيني يوميا , نعم ,نحن صامدون صابرون على ما ابتلينا به ,ونحن شعب مكابر وعظيم ومقاوم لكننا لا يجب أن نكون شعبا أخرقا ولا أن نسمح لأي طرف أن يحارب من خلال بنادقنا ويتشدق في بلاده بأنه داعم للقضية الفلسطينية وإلا فنحن خاسرون .
على قادة هذا الشعب بفصائله وسلطته وكافة من يوجه دفة الوطن أن يتنبه للمؤامرات التي تستغل شعب غزة وتحيكها جهات عدة لتحقيق مآربها وأجنداتها السوداء , وأن يبادروا باستغلال النصر الذي حققته المقاومة حتى الآن وألا يضيعوا المزيد من الأرواح البريئة, فالمقاومة كانت تسير على وتيرة عظيمة ووفق معايير محكمة خلال العشرة أيام الأولى من الحرب حتى بدأت الأمور تتغير واختلط الحابل بالنابل واندلعت حمى التصريحات التي تدمر انتصارات المقاومة ولا تعزز من ثباتها أبدا ,فالنصر العسكري يجب أن يستغل معنويا وسياسيا , وما دامت معنويات المقاتلين الصامدين بخير وتوافرت فرصة للخروج من الحرب بطريقة مشرفة فلماذا نكسر تلك الإرادة والمعنويات أو حتى نعرضها للخذلان ؟
إن المرحلة تتطلب جدية شديدة في التعاطي مع هذه الهجمة الصهيونية المجرمة بحكمة للخروج من مستنقع التماسيح بسلام .
إن حصول فصائل المقاومة على ضمانات لفتح المعابر بآلية توفر حياة كريمة للشعب الفلسطيني في غزة كافٍ جدا للخروج منتصرين من هذه الحرب ,ولا يجب أن نقول أن المبادرة المصرية تعني الاستسلام , فلو أننا استسلمنا لكانت الاملاءات من كل حدب وصوب تنزل علينا ونحن مجبرون على التنفيذ ولكن طالما أننا نفاوض ونحقق تقدما بالحصول على نسبة معقولة من اشتراطاتنا ومتطلباتنا فإنه من الحماقة أن نستمر بالرفض وأن تقول بعض الفصائل أن التعاطي مع المبادرة المصرية انهزامية واستسلام , فهذا غير صحيح على الإطلاق وأن يتحدث هذا وذاك من دمشق وهو يتابع الفضائيات لمعرفة الأوضاع في داخل غزة ويقرر بشأن أرواح أبناءنا في غزة فهذا ليس ضمن النضال في شيء ولا ضمن الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني في شيء .
المقاومة منتصرة وعليها أن تخرج بحنكة من هذا المستنقع ولا تتكبد المزيد من الخسائر , وعلى حركة حماس أن تعي جيدا ضرورة التعاطي مع المبادرة المصرية والخروج بأكبر قدر من الإنجازات السياسية بعد هذا الصمود الجبار من أهل غزة والتضامن الكبير من أهلها مع المقاومة بأسرها , وأن لا تخسر حماس ما كسبته على الصعيد الشعبي العربي بالمعاندة التي قد تحملها مسؤولية خسارة المزيد من الأرواح .
ومن الواضح جدا أن قادة الحركة في قطاع غزة يدركون جيدا حساسية الوضع ويتفهمون الصمود ويتفهمون مدى النصر ومدى الخسارة, والأهم وما نأمله هو أن يدركوا ضرورة التوقف والخروج من عنق الزجاجة بانتصار سياسي في المواجهة مع "إسرائيل" لأن هذا يمهد لأفق سياسي فلسطيني ,يدعم التفاوض بشأن إنهاء الاحتلال ويدعم الموقف التفاوضي في حال تم الاتفاق على استئنافه .
وعلى الحركة أن تتوافق مع بقية فصائل المقاومة ومع السلطة الفلسطينية في الضفة لإعادة بناء قطاع غزة وإعادة الحياة لأوصاله التي قطعتها آلة الحرب الصهيونية , بهذا فقط نكون الشعب الذي لا يقهر وشعب الجبارين الذي يصمد أمام العواصف ويبني ويعمّر دوما مهما كان حجم المأساة , أما التصريحات النارية والخيالية من هنا وهناك فهي لا تفيد بشيء بل تدمر كل ما حققته المقاومة العظيمة من إنجازات .
ندعو الله أن يحفظ لنا نصرا كريما لا يضيع ثماره أحد ,و أن يتقبل الله شهداءنا العظماء وأن يهدي ولاة أمرنا لما فيه خيرٌ لهذا الشعب الصابر .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان