الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان ... التحول الديمقراطي وقراءة في معايير وأسس الحكم الراشد

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2009 / 1 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قراءة في معايير وأسس الحكم الراشد
عقب توقيع إتفاقية السلام في يناير 2005 تجتاز بلادنا اليوم مرحلة خطيرة في تاريخها وهي مرحلة التحول الديمقراطي وتأسيس للحكم الراشد أو الرشيد الذي يمكن خلاله إتاحة أكبر فرصة للمواطنين في حكم أنفسهم بأنفسهم من خلال اجازة الدستور المعبر عن هويتهم السودانية المميزة. وفي الواقع فإن هناك عوامل كثيرة من الجهل و من الغرض معا قد تزيف الدستور وتعوق من ثم سعى أبناء الشعب السوداني الحادبين علي مصالحه الحقيقية من تحقيق الحكم الديمقراطي الراشد. ولذلك يجب أن يحرص كل منا على هذا الشعب وعلي كيانه من التفتت والتضليل الذي يمارس بإسمه كثيرا، وذلك بحماية الحقوق الأساسية، من خلال تنويره دائما بمايجري حوله، وتقديم المعلومات الصحيحة ليكون علي بينة من أمره. الحقوق الأساسية التي يجب أن تكون في دستوره الدائم للحكم الراشد: هي حق الحياة وحق الحرية وما يتفرع عليهما: ويتفرع على حق الحياة الحقوق الإقتصادية ويتفرع على حق الحرية حرية العقيدة وحرية الرأي ويتفرع على هذه الفروع فروع كثيرة غرضها كرامة حياة بني آدم .. ينصص عليها الدستور ويستوعبها القانون .
ومن أهم الوسائل لتحقيق الحكم الراشد المشاركة، وإجراء الإنتخابات الحرة النزيهة، وإتاحة الفرصة لمساهمة المجتمع المدني في الحياة السودانية بصورة عامة، وذلك لأن الغرض الأساسي للحكم الرشيد هو تحقيق التنمية البشرية والتي ما التنمية الإقتصادية إلا وسيلة لها. المشاركة مفهوم مرتبط بالمجتمع المفتوح والديمقراطي، وهي مكوّن أساسي من مكونات التنمية البشرية كما يفهمها ويسعى من أجل تحقيقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حرفيا، المشاركة تعني أن يكون لنا دور. ويجب أن يكون لجميع الرجال والنساء رأي في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم سواء بشكل مباشر أو من خلال مؤسسات شرعية وسيطة تمثل مصالحهم. وهذا النوع من المشاركة الواسعة يقوم على حرية التنظيم وحرية التعبير، وأيضا على قدرات المشاركة البناءة. يمكن للمشاركة أن تتم مباشرة أو بواسطة ممثلين شرعيين. ولكي تكون المشاركة فعالة، يجب أن يتوفر لأعضاء الجماعات فرصة وافية ومتساوية لإدراج مطالبهم على جدول أعمال الحكومة، ولطرح همومهم تعبيرا عن الخيارات التي يفضلّونها كحصيلة نهائية لعملية صنع القرار.
يتألف مفهوم التنمية البشرية الذي يقدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من ثلاثة عناصر رئيسية هي: تنمية الانسان، أي تعزيز القدرات البشرية والصحة لكي يتمكن الناس من المشاركة الكاملة في مختلف نواحي الحياة. والتنمية من أجل الانسان، بمعنى توفير الفرصة لكل الناس للحصول على أو اكتساب حصة عادلة من المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي. والتنمية بالانسان، بمعنى توفير الفرصة لجميع أعضاء المجتمع للمشاركة في تنمية مجتمعهم. التنمية بالانسان من خلال زيادة مشاركة الناس ليست ممكنة ما لم يتوفر توزيع القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على نطاق واسع في المجتمع. فهذا التوزيع يمكّن الناس من التأثير على الأداء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع. وهذا الأداء ركن أساسي في التنمية البشرية. وهذه الرؤية للتنمية البشرية ترى ضمنا أن للناس الحق في أن تتاح أمامهم سبل متنوعة لممارسة السلطة. ويوحي المنطق الكامن خلف هذه الرؤية بأن المشاركة وسيلة وغاية في آن واحد، وأن تطبيق اللامركزية على الصعيد الحكومي أمر مرغوب لذاته. وتتفاوت الآليات التي يمارس الناس نفوذهم من خلالها تفاوتا كبيرا. فيمكن للناس كأفراد أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات أو أن يمارسوا الأنشطة التجارية. ويمكنهم كجماعات أن يؤسسوا منظمات مجتمعية مختلفة الأنواع أو أن ينضموا إلى الاتحادات المهنية أو إلى الروابط والجمعيات الإثنية. وتمنح مستويات المشاركة المرتفعة للقدرات والإبداع البشري تعبيرا طبيعيا، وتسمح للجماعات وللأفراد بأن يحققوا ذاتهم وأن يشعروا بالإنجاز.
نجد في معظم المجتمعات عددا من الجماعات المهمشة بشكل دائم من حيث فرصها في المشاركة. وتضم هذه الجماعات بشكل ثابت الفقراء والنساء والأطفال والأقليات الدينية والإثنية، وسكان الريف، والمعوقين. وهذه الجماعات هي الأقل تمكينا في المجتمعات. ويقدّر تقرير التنمية البشرية لعام 1993 أن أكثر من 90 بالمئة من سكان العالم يعجزون عن فرض أي تأثير حقيقي على الأداء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات التي يعيشون فيها. ولهذا السبب فإن إعطاء حق التعبير للناس عبر زيادة مستويات مشاركتهم يشكل تحديا رئيسيا يواجه عملية التنمية. وتعتبر المساواة في إمكانية المشاركة وفي الفرص مقومات رئيسية لهذه الرؤية للوضع الانساني. وسوف تجد الحكومات أنها بحاجة للبحث عن حلول مقبولة ثقافيا لقضايا المشاركة الشعبية لكي تتمكن من التعامل مع الحاجات والتطلعات البشرية بعدل وبدون إبطاء. وتشمل الاعتبارات الرئيسية في هذا السياق مدى وطبيعة اللامركزية في الإدارة العامة، ومقدار التشجيع الذي يعطى لتأسيس منظمات المجتمع المدني ولاستقلالها الذاتي.
تمثل المنظمات الشعبية مصالح أعضائها وتنزع إلى إقامة هياكل تنظيمية تقوم على المشاركة. فالمجتمع المدني هو الجزء من المجتمع الذي يربط الأفراد بالمجال العام وبالدولة. أما منظمات المجتمع المدني فتعمل على توجيه مشاركة الناس في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وتنظمهم في جماعات أكثر قوة للتأثير على السياسات العامة وللتمكن من الوصول الى الموارد العامة، وخصوصا بالنسبة للفقراء. والأمر الأهم، تسهّل الشبكات المدنية مأزق العمل الجماعي عبر مأسسة التفاعل الاجتماعي، وتقلل من الانتهازية، وتعزز الثقة، وتسهّل التعاملات السياسية والاقتصادية. كما تزيد الشبكات المدنية المطورة جيدا تدفق المعلومات، مع العلم بأن المعلومات تشكل أساس التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي الموثوق وأساس مشاركة أعضاء المجتمع المدني في الحياة العامة. وتشمل المشاركة حرية تأسيس الجماعات الدينية والروابط المهنية وغيرها من المنظمات التطوعية ذات الأهداف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية. فالمساعدة الفنيّة الموجهة إلى هذا النوع من المنظمات والجمعيات والتي غالبا ما تقدّم من خلال المنظمات غير الحكومية طريقة فعالة للوصول إلى الفقراء وغيرهم من الجماعات المهمشة. هذا ويشدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عند صياغته وتنفيذه للبرامج والمشروعات المعنية بالحكم على المشاركة وعلى قيام إجماع حول هذه البرامج والمشروعات. ويركز برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بنائه للقدرات الاستراتيجية الوطنية على البرامج ذات الاستمرارية والتي يشكل الناس محور اهتمامها، وخصوصا المهمشين منهم.
من أجل تحقيق أوسع مشاركة ممكنة، يؤيد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تأييدا شديدا اللامركزية الإدارية. فان تفريع الحكومة المركزية من المستوى الوطني إلى الأقاليم والمقاطعات والمدن والبلديات والمناطق الريفية والمستوطنات والمجتمعات المحلية أمر يمكّن الناس من المشاركة في عمليات الحكم بشكل مباشر أكثر، ويساعد على تمكين الجماعات التي استبعدت سابقا من عملية صنع القرار. وبهذه الطريقة يمكن لدولة ما أن تخلق فرصا منصفة لجميع مواطنيها وأن تحافظ على استمرارية هذه الفرص. ويشجع التواصل الأقرب بين المسؤولين الحكوميين والمجتمعات والمنظمات المحلية أيضا على تبادل المعلومات التي يمكن استخدامها لصياغة برامج تنمية مبنية وفق الحاجات والأولويات المحلية، مما يجعلها أكثر فعالية وديمومة أو استمرارية.
في دراسة للبنك الدولي بخصوص الحكم الراشد في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حددت معيارين: الاول حكم القانون والمساواة وحق المشاركة والفرص المتساوية للاستفادة من الخدمات، اما الثاني: التمثيل والمشاركة والتنافسية والشفافية والمساءلة. وذهبت دراسة ثانية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتأكيد على اربعة معايير هي دولة القانون وادارة القطاع العام والسيطرة على الفساد وخفض النفقات العسكرية في حين ان البرنامج الانمائي للامم المتحدة UNDP ركز على تسعة معايير وهي :المشاركة ، حكم القانون، الشفافية ، حُسن الاستجابة، التوافق ، المساواة ، الفعالية ، المحاسبة ، حسن الاستجابة حكم القانون ، المساواة الفعالية والرؤيا الاستراتيجية.
وبالطبع لا يمكن الحديث عن هذه المعايير دون سلام وإستقرار سياسي ، ووجود مؤسسات وتداول سلمي للسلطة وإقرار بالتعددية وانتخابات عامة دورية وادارة اقتصادية ومشاركة شعبية. وقد تبلور هذا المعيار في الثلاث عقودالماضية في ضوء تجارب تنموية مختلفة من حيث المضمون والنتائج، ناجحة وفاشلة. ولعل هذا جزء من نقاش حول دور الدولة في عملية التخطيط والمعوّقات التي تواجهها، او انسحاب الدولة بعد فشل عدد من التجارب وترك عملية التنمية لآليات السوق والمنافسة بالتركيز على الانتاجية والربحية وتقليص حجم الدولة عبر الخصخصة، وإهمال التعاونيات ومنظمات المجتمع المدني. لكن هذا التوجه لم يؤدي الى نتائج ايجابية في الكثير من الدول النامية خصوصاً في اميركا اللاتينية مثل البرازيل والارجنتين ومصر في الانفتاح الاقتصادي وازداد التفاوت الاجتماعي عمقاً والهوّة اتساعاً.
الحكم الرشيد أو الصالح يركزّ على دور مشاركة الدولة بالدرجة الاساسية، اضافة الى القطاع الخاص والمجتمع المدني، بحيث تكون الدولة اللاعب الاساسي في وضع السياسات العامة في مجالات التعليم والعمل والتدريب المهني والاشغال والبيئة وتوزيع الموارد بعدالة وعلى تقرير دور التعاونيات والمجتمع المدني ودفع القطاع الخاص نحو المشاركة في المشاريع الانتاجية او الاهتمام بالجندر " المرأة"، خصوصاً في البلدان التي تحتاج الى دور اكبر للدولة مع مراعاة دور القطاع الخاص وحمايته وتشجيعه وكذلك الى مساهمة المجتمع المدني. وإذا كان الحكم الرشيد أو الصالح يعني حسن التصرف في إدارة الحكم لجهة الشفافية والمساءلة والمساواة ، لحدودها الدنيا وللشرائح الدنيا أحياناً ، فإنها يمكن أن تساعد في تحقيق التنمية وتشتبك مع الديمقراطية ، التي تعني أشكال وأساليب ممارسة السلطة السياسية وآليات اتخاذ القرار إضافة إلى مجموعة الضمانات القانونية ضد العسف السياسي من جانب السلطة على حقوق الفرد والمجتمع كما ورد في أعلاه .
في الخلاصة، إن المجتمع القائم على المشاركة شرط مسبق للتنمية في عالم اليوم. فالمشاركة تمكّن المجتمع من الاستخدام الأمثل لطاقات وقدرات أفراده وجماعاته المنظمة. فهي تدعو إلى إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني، وتوجب تطبيق اللامركزية على صعيد الإدارة العامة أو الحكومية، وتمكّن المواطنين من المشاركة في بنية السلطة ومن التأثير على السياسات الاجتماعية. وأخيرا، تحرر المشاركة قدرات المرأة وتفسح المجال أمام تنمية تراعي النوع الاجتماعي (الجندر).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا