الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصلاح يا حكومة اقليم كوردستان قبل فوات الأوان!!!

عصمت موجد الشعلان
(Asmat Shalan)

2009 / 1 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تناقضات تحت السطح ظهرت الآن للعلن كنتيجة حتمية لأصطفاف القوى الجديد بين القوى والأحزاب الطائفية العربية من جهة والتحالف الكوردستاني من جهة اخرى، بين حكومة الأقليم والحكومة الفيدرالية برئلسة نوري المالكي، المالكي يريد تعديل الدستور وحكومة الأقليم تعارض ذلك ومسؤول منها يهدد بالأنفصال وأن تم نفي ذلك مؤخرا ولكن الشواهد تبين العزف على ذلك الوتر.

ولد الدستور من زواج المتعة بين الأتلاف العراقي الموحد الذي له 28 عضو في لجنة صياغة الدستور والتحالف الكوردستاني له 15 عضو من مجموع 69 عضو، طبعا زواج المتعة قصير والمأذون كان الولايات المتحدة الأمريكية،فاللدستور ملامح طائفية كالديباجة والمادة الثانية، وله ملامح عرقية كالمادة 140 و143.

يتكون التحالف الكوردستاني من حزبين كبيرين وهما حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني وحزب الديمقراطي الكوردستاني وبضعة احزاب صغيرة، فعراب التحالفات هما الحزبان الكبيران، حزبان علمانيان مارسا الديمقراطية لحدما في الحياة الحزبية والحكم، فألقاء الضوء على تحالفات الحزبين السابقة يبين مدى التزامهما بحق الشعب الكوردي في انشاء دولته المستقلة.

اوقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني (حدك) انتفاضته المسلحة ضد نظام عبد الكريم قاسم بعد استيلاء حزب البعث العربي الأشتراكي وحلفائه على الحكم سنة 1963، تفاوض الحزب مع الأنقلابين بينما كان حلفائه الشيوعيين يذبحون، علما بأن الشيوعيين يناصرون القضية الكوردية و هم الذين سيروا المظاهرات الصاخبة التي تطالب بالسلم في كوردستان، فلم يحقق حدك شيئا وعاد يحمل السلاح في نفس السنة بعد استيلاء عبد السلام عارف على السلطة، وفي سنة 1973 تحالف حدك مع حكومة الشاه في ايران ضد حكومة صدام في بغداد، وفي آب 1996 استنجدت قيادة حدك بصدام فأرسل قطعات عسكرية لقتال قوات حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني (اوك)، فأحتلت اربيل وارتكبت مجزرة بأعدام العشرات من المعارضين لحكم صدام.

انشق كل من جلال الطالباني وبراهيم احمد من حدك وشكلا حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني (اوك) في حزيران 1975 الذي تحالف مع نظام بغداد من اجل ملأ الفراغ الذي تركه استسلام قوات البيشمركه للحكومة العراقية بعد اتفاقية الجزائر سنة 1975، وفي سنة 1996 تحلف اوك مع نظام الملالي في ايران لقتال حدك وجيش صدام.

وصف الباحث مايكل روبن العلاقة بين كوردستان والولايات المتحدة الأمريكية بأنها دعم على المستوى العاطفي وقال بأن رعونة القيادة الكوردية في العراق تجعل أي تحالف طويل الأمد بين الولايات المتحدة والأكراد خطوة لا تتسم بالحكمة، ولأهمية البحث نرفقه مع هذا المقال،ومنذ 1992 تملق الحزبان الولايات المتحدة الأمريكية ورهنا القضية الكوردية بيدها، وخاصة بعد ابرام الأتفاق بين الحزبين سنة 1998 بوساطة امريكية، لا تفرط امريكا بمصالحها وحلفائها في المنطقة من اجل سواد عيون الطالباني والبارزاني،لذا وقفت الولايات المتحدة مع تركيا وحكومة العراق الفيدرالية ضد عمليات حزب العمال الكوردستاني في شمال العراق، وموقف حدك واوك لا يختلف عن موقف هذه الدول بل كان اتعس، في وقت من الأوقات قاتل اوك قوات حزب العمال الكوردستاني ووافق حدك على اعطاء قواعد عسكرية ثابتة لتركيا قرب العمادية ومناطق اخرى من كوردستان العراق.

اذا لم نكن مخطئين، ازدهرت الديمقراطية والحريات العامة في شطري كوردستان العراق بين 1992 و 2003 وذلك للتنافس بين الحزبين من جهة ولأظهار حكمهما اكثر ديمقراطية من حكم صدام حسين، والفساد المالي كان محدود وذلك لقلة الموارد المالية لحكومتي حدك واوك، بينما انتعش الفساد الأداري.

بعد احتلال الولايات المتحدة وحلفائها العراق سنة 2003 وضع الحزبان خلافاتهما على جنب وشكلا قيادة مشتركة تطالب بالحقوق القومية للكورد كما يدعيان، وقبل ذلك التاريخ كان الصراع دموي بينهما وخربت اجمل بقعة ارض في المنطقة وهي ارض كوردستان.

انهمر المال على حكومة الأقليم ( 17% من واردات الحكومة الأتحادية) ما يقارب 10 بليون دولار سنويا، وبدون رقابة ومحاسبة مما شجع ذلك على سرقة المال العام بشكل مباشر وغير مباشر، وازداد عدد القطط السمان عفوا البقرات السمان كما ورد في احد مقالات الكتاب، معطم الأيرادات تذهب للميزانية التشغيلية أي رواتب للموظفين الذين يبلغ عددهم اكثر من مليون (موظف واحد لكل اربعة مواطنين)، وبأنخفاظ اسعار النفط ستنخفض حصة الأقليم من واردات الحكومة الأتحادية الى اقل من 5 مليار دولار، نتوقع من ذلك قيام القطط السمان بأكل بعضها البعض كالفئران عندما لا يتوفر لها الغذاء.

اصبحت الحكومة في الأقليم هي الحزب والحزب هو الحكومة، توغل الحزب في جميع مفاصل حكومتي الأقليم، فلا يعين مدير عام او رئيس دائرة أذا لم يكن حزبيا، ولا وظيفة بدون توصية من الحزب، اتبعت سيلسات الترهيب والترغيب في كسب المؤيدين والمنتسبين للحزبين ، حتى القضاء لم يسلم من التدخل الحزبي فالترشيح لمجلس القضاء الأعلى يتطلب تزكية حزبية.

اصاب المؤسسات الديمقراطية الخدر والكسل، فمنظمات المجتمع المدني غير مستقلة تابعة للحزبين، وبرلمان الأقليم دخل في كوما (فقدان الوعي) بعد المحاصصة وترهل الكروش، فليس له دور رقابي لا يسائل وزير أو مدير عن الفساد الأداري أو المالي في وزارته أو في دائرته ( لا ياخذ ولا يطي)، المجالس البلدية ومجالس المحافظات مجرد يافطات على بنايات، لا يهم الأعضاء سوى إرضاء القيادات الحزبية والحصول على الأمتيازات والمنافع.

تطلع الديمقراطيون العراقيون من غير الكورد وكورد الدول المجاورة الى تجربة اقليم كوردستان لبناء نظام ديمقراطي علماني يحتذى به في المنطقة، ولكن ما تم بنائه وتحالفات حكومة الأقليم كانت مخيبة للآمال.

فقبل فوات الأوان يطلب من قيادة الحزبين الأصغاء الى مناشدات الأحزاب الكوردية والمثقفين الكورد ومناشدات محبي الشعب الكردي القيام بالأصلاحات التالية:
1- التحالف مع القوى العلمانية الديمقراطية العراقية من غير الكورد.
2- تعديل الدستور العراقي والتخلص من المواد الطائفية والفأكيد على الحوار في حل المسائل الخلافية بين الحكومة الفيدرالية وحكومة الأقليم.
3- احترام إرادة الشعب العراقي وذلك بالأمتناع عن التبرع بأعطاء قواعد عسكرية للأمريكان.
4- الفصل بين العمل الحكومي والحزبي في الأقليم.
5- الفصل بين السلطات في الأقليم واحترام استقلال القضاء.
6- اجراء انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات والمجلس النيابي في المواعيد المحددة على أن يكون التنافس بين قوائم الأحزاب وليس بين قوائم الأتلافات أو الأتحادات.
7- انشاء مجلس خدمة في كل محافظة من محافظات الأقليم ليقوم بتعيين الموظفين حسب التحصيل الدراسي والنزاهة والكفاءة.
8- انشاء مؤسسات مستقلة للرقابة المالية والنزاهة والأنتخابات.
9- وضع سياسات اقتصادية قصيرة وطويلة الأمد لبناء الصناعة والزراعة.
10- بناء وتطوير المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية.

تورونتو في 26-1-2009

تقرير مايكل روبن

يناير ٢٠٠٨, No. 1

يمكننا أن نتفهم الدعم الأمريكي لكردستان العراق على المستوى العاطفي البحت. (1) ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، ضاعت من الأكراد فرصة تأسيس دولتهم المستقلة كما تأتى لشعوب أخرى. و اليوم لم يزل الأكراد هم المجموعة العرقية الأعظم عددا بغير دولة تجمعهم، حيث عانوا الأمرين على أيدي الآخرين في دولهم. لكن، و بينما صار كردستان العراق قاب قوسين أو أدنى من الحلم، تأتي رعونة القيادة الكردية في العراق لتجعل أي تحالف طويل الأمد بين الولايات المتحدة و الأكراد خطوة لا تتسم بالحكمة. فبدلا من أن تتحول لمنارة للديمقراطية، تبدو القيادة الكردية في العراق عازمة على أن تحذو حذو النماذج الأكثر سلطوية، و بدلا من أن يسعى الرئيس الكردي "مسعود برزاني" لأن يكون "نيلسون مانديلا" المنطقة، فإنه يرسم طريقه ليكون "ياسر عرفات" جديدا. و بالرغم من الأقوال المنمقة حول ملاءمة كردستان العراق كحليف، تأتي الأفعال الصادرة عنه لتدل على أنه بعيد عن يكون أهلا للثقة.

ربما كان كردستان العراق هو المستفيد الأكبر من تحرير العراق. فاليوم يتمتع الأكراد بأعلى مستويات المعيشة و أفضل معدلات الاستثمار الأجنبي و الاستقرار الأمني في العراق. لقد انتهى عهد الانعزال عن العالم، فالطائرات الأوروبية تنقل الركاب و حتى السياح من ميونيخ و فيينا مباشرة للسليمانية و أربيل، و القوات متعددة الجنسيات تتمتع بالراحة و الاسترخاء في فنادق دهوك و منتجعات دوكان، فيما يتنافس ممثلو شركات البترول الأمريكيون و الأوروبيون على جذب اهتمام الأكراد. بل إن "بيتر جالبريث" الدبلوماسي الأمريكي في إدارة "كلينتون"، و الذي فوضه الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني ليتفاوض باسمهم، يقترح تأسيس قاعدة عسكرية أمريكية في الإقليم. (2)

شتان الفرق ما بين الوضع اليوم و ما كان عليه منذ خمس سنوات. ففيما تمتع الأكراد بالاستقلال الفعلي (الحكم الذاتي) منذ عام 1991، كان المجهول يخيم على حياتهم اليومية. لم يكن أكراد العراق واثقين أن الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة ستقدمان على ما يتجاوز الشجب أو رفع مستوى العقوبات المفروضة على بغداد إذا ما تحرك الجيش العراقي باتجاه الشمال. ففي العام 1975، ضحى وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" بأكراد العراق في صفقة على نهج الواقعية السياسية مع بغداد التي كان يسيطر عليها بالفعل "صدام حسين"، نائب رئيس الجمهورية آنذاك. فيما حافظ المجتمع الدولي على صمته حين استخدمت الحكومة العراقية السلاح الكيميائي في مجزرة ضد المدنيين الأكراد عام 1988. و لم تقم القوات الأمريكية إلا بالقليل حين أمر "صدام" الحرس الجمهوري باحتلال أربيل عام 1996، و بينما شجبت إدارة "كلينتون" هذا التحرك، كان بوسع الحلفاء و الأصدقاء على حد سواء أن يروا كيف جاء رد الولايات المتحدة خفيض الصوت، حتى بعد أن قام الحرس الجمهوري باحتجاز معارضين عراقيين يعملون بالتنسيق مع واشنطن ثم إعدامهم بغير توان. و في العام 2000 لم تلق القوات العراقية عواقب وخيمة بعد قيامها بتجاوز خط عرض 36 لتخترق الدفاعات الكردية بالقرب من قرية "باعذرة". (3)

لقد تجاهلت الدول الغربية و منظمات حقوق الإنسان الدولية المنطقة الوحيدة التي تتمتع بالحرية الجزئية فيما كانت تعاني ليس فقط في ظل عقوبات الأمم المتحدة بل و تحت حظر إضافي فرضه نظام "صدام" في بغداد، و الذي فوضه سكرتير عام الامم المتحدة "بطرس بطرس غالي" في تخصيص الغذاء و الدواء لإقليم كردستان في ظل برنامج النفط مقابل الغذاء. (4). كما أن وزارة الخارجية أبقت على عدم قانونية سفر المواطنين الأمريكيين بجوازات سفرهم الأمريكية إلى كردستان العراق حتى العام 2001، في ظل العقوبات المفروضة من قبل كل من الولايات المتحدة و الأمم المتحدة.

فرصة كردستان العراق

في 1 مارس 2003، جاء القرار التركي بعدم المشاركة في "عملية عراق حر" ليعطي حكومة إقليم كردستان دفعة استراتيجية غير متوقعة. و بينما تعاونت فرق القوات الخاصة و أجهزة المخابرات الأمريكية مع ميلشيات البشمرجه الكردية و القيادة السياسية الكردية في الأشهر التي سبقت بداية العمليات العسكرية، كان المخططون العسكريون الأمريكيون يتوقعون شراكة أكثر عمقا بكثير مع تركيا. ففي فبراير 2003، خرج علينا السياسيون و العسكريون الأمريكيون و الأتراك بمذكرة تفاهم موسعة حول الخطوط العريضة للتعاون الأمريكي- التركي في العراق. كان المسئولون الأكراد في العراق مقتنعين أن العلاقات التركية مع واشنطن سيكون لها الأسبقية على الشأن الكردي، إلى حد أنهم سارعوا لا إلى منع انخراط تركيا في الحرب، بل للوصول إلى اتفاقية تنص أولا على أن البنتاجون سيقصر الوجود التركي في العراق في عدد من ممرات المؤن في شمال العراق، و ثانيا أن أية وجود تركي أكبر من ذلك سيكون في المنطقة الواقعة جنوبي أو شرقي تكريت – و هي المناطق التي حددتها أربيل للحد من النفوذ التركي في مدينة كركوك المتنازع عليها.

و بالطبع جاء رفض البرلمان التركي المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ليقلل من الأهمية الاستراتيجية للأتراك و يعزز من أهمية الدور الاستراتيجي للقوات الكردية في تحقيق الأهداف الأمريكية. و بدلا من استخدام تركيا كمحطة، هبطت القوات الأمريكية بالمظلات على مطار حرير شمالي أربيل. و ربما كان صحيحا أن البشمرجه نهبوا أكثر مما قاتلوا في الأسبوع الأول من القتال، إلا أن مشاركتهم ساهمت) و لو رمزيا، في تعزيز العلاقات مع القيادة الأمريكية المتشككة في صدق نواياهم، بسبب اعتيادها على وجهة نظر القادة العرب (العراقيين) و أقاربهم في مواقع القيادة العراقية. كما أسهمت النظرة "الرومانسية" للأكراد في تعزيز العلاقات الأمريكية-الكردية. كان من الصعب على العسكريين الأمريكيين ألا يتعاطفوا مع أكراد العراق: فقد تعامل معظمهم مع أكراد العراق لأول مرة عام 1991 حين ساعدوا في التصدي للهجرة الجماعية و المجاعة عبر "عملية توفير العون". و وجدوا الإقليم ،إذ عادوا إليه بعد 12 عاما، قد تغير تماما بسبب القيادة الكردية و بالرغم من العديد من العقبات.

كما أسهمت الثقافة الكردية في دعم أواصر العلاقات مع الولايات المتحدة. فالعسكريون و الدبلوماسيون الأتراك غالبا ما يتقيدون بالرسميات و يلتزمون حرفيا بالبروتوكول، الأمر الذي يؤثر على العلاقات سلبا بدلا من أن يدعمها (5). و قليل من الدبلوماسيين الأمريكيين من يعجبون بمن يحاورهم من الأتراك. أما أكراد العراق، على العكس من ذلك، يغدقون الكرم على زوارهم من المسئولين الأمريكيين، و يعدون لهم الولائم ببذخ، بل، و في أحيان قليلة، يرتبون لهم العلاقات النسائية. بل إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستضيف المسئولين الأمريكيين في بيوت ضيافته الخاصة و يقدم للمسئولين العسكريين و مسئولي وزارة الخارجية الهدايا على حد سواء، و التي تتراوح من السجاد الحريري إلى المجوهرات الذهبية. و بينما يرفض معظم المسئولين الأمريكيين مثل هذه الهدايا، فلقد قبلها بعض المسئولون المدنيون و العسكريون أثناء فترة سلطة الائتلاف المؤقتة.

و من أجل تعزيز النفوذ الكردي في واشنطن، قامت حكومة إقليم كردستان بتوظيف مسئولين عسكريين و سياسيين أمريكيين سابقين لتمثيلها. فعلى سبيل المثال، خاطبت القيادة الكردية شركة للضغط السياسي يديرها "روبرت د. بلاكويل"، و هو نائب سابق لمستشار الأمن القومي، لتمثل المصالح الكردية في واشنطن و لترتيب اللقاءات مع مسئولي الإدارة. (6). فيما استقال "هاري شوت"، القائد السابق لفرقة الشئون المدنية رقم 404 المرابطة في أربيل، من منصبه العسكري ليصبح مستشارا مدفوع الأجر لرئيس وزراء كردستان "نشرفان برزاني". و كل من الجنرال المتقاعد "جاي جارنر" و الكولونيل المتقاعد "ديك ناب"، و الذين توليا الإدارة المدنية في بغداد و أربيل بعد الحرب، على الترتيب، عادا إلى العراق بحثا عن عقود مشابهة. فيما طلب "قوباد طالباني"، ابن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، من الأكراد و أصدقاء أكراد العراق للتبرع للحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس المتعاطفين مع الاستقلال الكردي.

و قد قادت المشاركة الكردية على جانب القوات الأمريكية في تحرير العراق، و خاصة بالتناقض مع الممارسات التركية، القيادة الكردية إلى التعبير عن استحقاقها لرد الجميل. ردا على سؤال في مقابلة عام 2003 حول ما يتوقعه أكراد العراق نم دعمهم للولايات المتحدة، قال "مسعود برزاني": "إن طلبنا الرئيسي من الولايات المتحدة و بريطانيا... هو مساندتنا في نضالنا من أجل الحصول على حقوقنا القومية"(7). و في مقال له في العام 2005 حول نفس الموضوع، أوضح "برزاني" أن "قوات البشمرجة جاءت في المرتبة الثانية عددا بعد القوات الأمريكية في قوات التحالف"(8).

منارة للديمقراطية؟

يبدو التحالف مع كردستان العراق طبيعيا في ظل "مبدأ بوش"، فدبلوماسية التغيير و التحول الديمقراطي جاءت في مقدمة سياسات البيت الأبيض، على الأقل على مستوى الأقوال. و هنا قد يبدو كردستان العراق نموذجا مثاليا. فقبل سنتين من سقوط "صدام" وصفت "كارول أوليري"، الباحثة بمركز السلام العالمي بالجامعة الأمريكية، كردستان العراق بأنه "بوتقة للديمقراطية و نموذج لعراق ما بعد "صدام"". (9). فيما أسمى "سفيركر أوردسون" و "أوللي شميدت"، و هما مؤرخ بجامعة لاند و سياسي سويدي على الترتيب، إقليم كردستان العراق بـ"منارة ديمقراطية في الشرق الأوسط" (10). و في العام 2006، بثت شركة تنمية كردستان المدارة من قبل حكومة إقليم كردستان إعلانا تليفزيونيا في الولايات المتحدة يسمي كردستان العراق "ديمقراطية حقيقية على مدار أكثر من عقد من الزمان" (11). و بالرغم من كونها مبالغة، حيث لا يسمح الحزب الديمقراطي الكردستاني و لا الاتحاد الوطني الكردستاني بأية منافسة انتخابية حقيقية، فبالمقارنة مع حكم "صدام" في باقي أراضي العراق، فالمناطق الثلاثة الخاضعة لـ"مسعود برزاني" و قائد الاتحاد الوطني الكردستاني "جلال طالباني" كانت أكثر حرية بفرق شاسع.

لكن أي من "برزاني " و "طالباني" ليس ديمقراطيا. ففي فترة الحرب الأهلية الكردية 1994-1997، انتهك كلا الطرفين حقوق الإنسان على نطاق واسع: حيث اختفى المناهضون، و أمر كلا القائدين بإعدام الأسرى. و اليوم، و في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الزعيمين السياسيين، يقدر النشطاء الأكراد عدد المعتقلين المفقودين بثلاثة آلاف (12) إلا أن – كما تؤكد المنظمات الإقليمية – القيادات الكردية تحظر أية نشاط بالنيابة عن أسر المفقودين. و أثناء محاكمة "صدام" عام 2006، أبدى العديد من المثقفين الأكراد في جامعات و مقاهي الإقليم ملاحظات ساخرة حول قيام القيادة الكردية في العراق بارتكاب العديد من الجرائم المشابهة – بالطبع ليس بنفس الأعداد و دون استخدام السلاح الكيميائي – لتلك التي يحاكم "صدام" من أجلها.

لقد تغير العراق، لكن كردستان العراق لم يتغير. فعقب سقوط "صدام"، توقع الكثيرون من بين أكراد العراق أن المنطقة ستتحرك باتجاه الليبرالية و الديمقراطية. فبدلا من الإصلاح، أصيبت السياسة في الإقليم بالتكلس، حيث يحكم "برزاني" قبضة ديكتاتورية على محافظتي دهوك و أربيل، فيما يسيطر "طالباني" على السليمانية. و بالرغم من أن وصف القيادة الكردية – على الأقل في نصفها الخاص بالاتحاد الوطني الكردستاني – بالقبلية لن يكون دقيقا، يعتمد كلا الطرفين على العوائل في سيطرتهم. "برزاني" عين ابن أخيه رئيسا للوزراء و ألقى عاتق جهاز الاستخبارات المحلي على كاهل ابنه البالغ من العمر 35 عاما. فيما يتحكم باقي أقاربه في شركة التليفونات المحلية و الصحف و الإعلام.

فيما تدير زوجة "طالباني"، هيروخان، المحطة الفضائية المحلية، يتولى أحد ولديه الإشراف على استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما يمثل الآخر حكومة الإقليم في واشنطن. و حين جاء وقت توزيع الحقائب الوزارية في بغداد، استعان القائدان الكرديان بأبناء عائلتيهما: فأعطى "برزاني" خاله حقيبة الخارجية، فيما أعطى "طالباني" صهرا له وزارة الموارد المائية و عين آخر سفيرا للصين. و إحقاقا للحق، فإن الرجلين الذين عينهما "طالباني" مؤهلان مهنيا لتولي الوظيفتين.

كما يتحكم كل من "برزاني" و "طالباني" في شركات قبضة، بعضها يديرها أقارب و بعضها ملحقة بحزبيهما. فـ"طالباني"، بصفته رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، قام بنقل ملكية أراض تمتلكها الحكومة إلى أقارب له لاستخدامها في طرق تهدف إلى الربح. و في إحدى الحالات التي لم تزل قائمة إلى الآن، استخدم نوكان، مجموعة الشركات التي يمتلكها حزبه، كوسيط لإخلاء اللاجئين عن قطعة أرض كان الحزب يرغب في استخدامها لمصلحة أعضائه. و لما كانت التعيينات القضائية في يد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني، يفتقر اللاجئون و المواطنون العاديون إلى أي سبيل للطعن فيما يتخذ ضدهم من إجراءات. و أثناء الزيارات الدورية للسجون، اكتشف مراقبو حقوق الإنسان المستقلون وجود رجال أعمال مسجونون بلا تهمة، و الذين قالوا أنهم سجنوا بأمر أحد أبناء "برزاني" بعد رفضهم دور الشريك الصامت مع رجال أعمال من عائلة "برزاني".

و لقد حصد كل من "برزاني" و "طالباني" أثناء وجودهما في منصبيهما ثروتين تقدران بـ 2 بليون دولار و 400 مليون دولار على الترتيب. (13) و بينما تصارعت القيادة السياسية الكردية على عائدات الجمارك في وقت من الأوقات، اليوم تختلط خزانة الإقليم بأموال الحزبين و الأرصدة الشخصية. فالفرق العملي بين ما يملكه "برزاني" و "طالباني" بشكل شخصي و ممتلكات حزبيهما و حكومة الإقليم ككل ضئيل للغاية. فـ"برزاني" حول منتجع عام في ساري راش إلى مجمع شخصي، و بنى أفراد عائلته و وزراؤه قصورا لهم على الأراضي الحكومية القريبة.
و توضح مفاوضات النفط في الآونة الأخيرة الخلط القائم بين المجالين السياسي و التجاري في كردستان. فلكي تنال الشركات عقود التنقيب عن النفط و استخراجه في إربيل و دهوك، فإن عليها أن تضم إليها شريكا يعينه "برزاني". و العديد من المسئولين القريبين من المفاوضات يقولون أن الشركاء المعينين من قبل "برزاني" طلبوا أن يذهب ما يصل إلى 10 % من الربح المستقبلي إلى "برزاني" شخصيا و نفس النسبة إلى حزبه. و الخزانة العامة للإقليم تأتي في المرتبة الثانية، حتى و لو كان النفط، نظريا، من موارد الإقليم كافة، إن لم يكن للعراق كافة. إلا أن تضارب المصالح هذا ليس بالأمر الجديد. فهناك وثائق تم العثور عليها بعد سقوط "صدام" تأتي على ذكر تعاملات اقتصادية بين "نشرفان برزاني" و أبناء "صدام". و لم يزل الفساد يتراكم، فطبقا لإحدى المنظمات الأهلية في حلبجه، اندلع حريق ليدمر سجلات اتحاد معلمي الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2006، بعد أن تم الأمر بتحقيق محاسبي بشأن اختلاس لأموال اتحاد المعلمين. إلا أن الكثير من أكراد العراق يقولون أنهم كانوا يأملون أن وجود الولايات المتحدة كان ليدفع الإصلاح و الشفافية و المحاسبية إلى الأمام.

آليات السيطرة

تضرب السيطرة السياسية بجذورها في العمق. و في حالة ضحية يتعلم من معذبه، قام الحزبين بإعادة إنتاج آليات السيطرة السياسية الخاصة بحزب البعث. فالحزبان يرسلان ممثلين عنهما ليس فقط إلى الجامعات بل و إلى المدارس الثانوية. و في بعض الحالات يكون هؤلاء الممثلين السياسيين طلابا في الرابعة عشر و الخامسة عشر من العمر، و يكون عليهم أن يكتبوا تقارير عما يجري في حجرة الدراسة و في المحادثات الخاصة، و التي تعمل استخبارات الحزبين بعد ذلك على مقارنتها و تصنيفها. فأجهزة المخابرات تضرب بجذورها في العمق، و استخدام التعذيب شائع. (14) و كلا الحزبان يضع نصب عينيه حزب البعث كنموذج. و بينما لا يلتزم أي من الحزبين بأيديولوجيته التأسيسية (فالقليل من أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، يأخذ "الدولية الاشتراكية" على محمل الجد، بالرغم من عضوية الاتحاد فيها)، لم يزل الأعضاء المتسلقين يتقدمون الصفوف عن طريق الوشاية بزملائهم. و بالرغم خمن الأكراد يعاملون الأجانب جيدا، فإنهم ينظرون إليهم بعين الشك: إذ يسلم سائقو التاكسي العاملين خارج فنادق السليمانية تقاريرهم إلى استخبارات الاتحاد الوطني الكردستاني. فيما يستضيف الحزب الديمقراطي الكردستاني ضيوفه غالبا في بيت ضيافة صلاح الدين. و بالرغم من كون بيت الضيافة منزلا مريحا، إلا أن الضيوف يضطرون للاعتماد على سائقي الحزب (حيث لا يمكن لسائقي التاكسي العادي الاقتراب من المبنى). و غالبا ما تأمر استخبارات الحزب الديمقراطي الكردستاني سائقي التاكسي بعدم اصطحاب الغربيين الذين لم ينالوا تصريحا من رئيس جهاز الاستخبارات بالتنقل بين المدن.

فيما يجب أن العاملين في الفنادق الكبرى أربيل و دهوك و السليمانية من الحزبيين، و العديد منهم يعملون مع أجهزة الاستخبارات و يجمعون التقارير عن الضيوف و من يلتقونهم. فيما تستخدم جامعة دهوك برنامجا لتعقب أجهزة الكمبيوتر التي يستخدمها العاملون الأجانب، و من الوارد أن الجامعات و الكليات الأخرى في الإقليم تتصرف بالمثل.
و عواقب عدم الانصياع أيضا تضرب بجذورها في العمق. حيث يوضع الطلاب الذين يتحدثون عن الحزب أو قيادته على القائمة السوداء فيما يخص فرص العمل و التعليم. ففي جامعة صلاح الدين، على سبيل المثال، قد يجد الطلبة من أصحاب التقديرات الأعلى أنفسهم مستبعدون من دوائر التكريم الأكاديمي إن لم يكونوا على علاقة بالحزب الديمقراطي الباكستاني.

كما يتمتع "برزاني" و "طالباني" بآليات أخرى للسيطرة. فالبشمرجه – حرفيا، أولئك الذين يواجهون الموت – يعملون بوصفهم جيشا لكردستان العراق أقل مما يعملون كميليشيا لفرض رغبات القادة السياسيين. و بالرغم من الوحدة الاسمية بين الإدارتين الكرديتين التابعتين للقائدين السياسيين، لم تزل الأجهزة الأمنية و الميلشيات متمايزة بين الفريقين. فالقادمين إلى كويسنجق، أولى المناطق التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني على الطريق القادم من الأراضي التابعة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، تتم مساءلتهم بواسطة البشمرجه التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني، و غالبا بواسطة الاستخبارات التابعة للحزب كذلك.
و البشمرجه غالبا ما يكونون فوق القانون، ففي إحدى الحالات الحديثة، أطلق أحد البشمرجه التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني النار على ضابط شرطة عند إحدى النقاط المرورية. ثم قام زملاء الجاني بتحريره من قبضة الشرطة للحول دون توجيه الاتهام إليه. (15)

و ليس هناك رقيب ولا حسيب. فحرية الصحافة في كردستان العراق في انحسار، بينما تنمو في المناطق غير الكردية. فزوجة "طالباني" تستغل سيطرتها على المحطة الفضائية المحلية و إحدى المجلات الإقليمية للهجوم على المنتقدين.
و بالرغم من وجود صحيفتين مستقلتين في كردستان العراق – " آوينه" و "هاولاتي" – فإنهما خاضعتان لقيود متزايدة. حيث يستخدم كلا الحزبان سيطرتهما على المحاكم لترهيب و إفلاس بل و سجن الصحفيين الذين ينتقدون الحزبين الحاكمين و مسئوليهما. فالاتحاد الوطني الكردستاني، على سبيل المثال، قام بمقاضاة محرري "هاولاتي" بعد اتهامهم لرئيس الوزراء بإساءة استخدام السلطة. (16) بل و لقد هدد مكتب "نشرفان برزاني" برفع قضايا انتقامية ضد الكتاب و المحللين الأجانب ممن لا يوافقون على الخط السياسي لحزبه.

أما أولئك الذين يرفضون المشاركة أو على الأقل لا يؤثرون الصمت يجدون أنفسهم في مواجهة أجهزة الأمن الكردية. ففي أكتوبر 2006، اختطفت أجهزة الأمن الكردية الصحفي الكردي النمساوي "كمال سيد قادر" بعد كتابته لعدد من المقالات حول الفساد في قبيلة "برزاني" الحاكمة، كما نشر وثائق تبين علاقة الملا "مصطفى البرزاني" – القائد الوطني الكردي و والد "مسعود برزاني" – و جهاز الاستخبارات السوفييتي "كي.جي. بي". (17) و بعد محاكمة دامت 15 دقيقة، حكم القاضي الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني على "كمال" بالسجن ثلاثين عاما – و هو الحكم الذي لم يتم تخفيفه إلا بعد ضغوط من المنظمات الدولية و إدانة وزارة الخارجية للحكم. (18)

تبدو الأجهزة الإدارية الكردية عاقدة العزم على تأكيد سيطرتها السياسية المحكمة على الصحافة. فالقانون الكردي لم يزل يستند إلى القانون العراقي، و بنص المادة 433 من قانون العقوبات العراقي – الذي أقره حزب البعث – يستوي النقد في كل الحالات تقريبا مع جريمة القذف. و لقد واجهت الاتحادات الصحفية المحلية التي حاولت تغيير هذا القانون غضب "برزاني"، الذي طلب من برلمان كردستان، في 20 ديسمبر 2007، إعادة النظر في تشريع مقترح لتغيير قانون الصحافة البعثي و بشكل يسمح بانتقاد الحكومة. (19)

و ليست المنظمات الأهلية بأفضل حالا، حيث لم تزل معظم المنظمات الأهلية الكردية تعمل تحت مظلة القيادة السياسية. ففرع منظمة "أنقذوا الأطفال – save the children" في كردستان، على سبيل المثال، يعتمد على رعاية زوجة "طالباني" له، و يعمل في إطار الأهداف الحزبية إلى حد كبير. فيما يقول العاملون في منظمات المساعدات الأجنبية أن كلا الحزبين أصر على قيامهم بتعيين أعضاء منهما إذا أرادوا التعاون مع الإدارات الإقليمية، و حين رفض الموظفون الأكراد المستقلون من العاملين في وكالة التنمية الدولية الأمريكية الانصياع لتعليمات الحزب الديمقراطي الكردستاني، قام المسئولون الأمنيون بالحزب برفع تقارير عنهم مدعين وجود مشكلات أمنية مع المسئولين عن الوكالة، الذين قاموا على الفور بفصل المستقلين و تعيين أعضاء من الحزب في أماكنهم. أما منظمات حقوق الإنسان المحلية باستثناءات قليلة جدا – إضافة إلى وزارة حقوق الإنسان التي تسيطر عليها الحكومة – فإنها تركز على الفظائع التي ارتكبها نظام "صدام" ضد الأكراد، بدلا من الانتهاكات التي تقترفها الإدارة السياسية الحالية.

و بينما تزداد الفجوة بين القيادة الكردية و بين من يدعون أنهم يمثلونهم اتساعا، ينمو الرفض الشعبي. فالكثير من الأكراد يشعرون بالعجز، فليست هناك محاسبية، حتى حين تتخذ الحكومة قرارات متعجرفة مثل توفير الكهرباء على مدار الأربع و عشرين ساعة لإنارة مقبرة "إبراهيم أحمد" – صهر "طالباني" – فيما تقطع الكهرباء عن اللاجئين الأكراد. فيما جاء قرار الحزبين الكرديين بنزول الانتخابات على نفس القائمة و تقسيم المناصب فيما بينهما سرا ليسلب الأكراد قرارهم. و حين بدأ الاتحاد الإسلامي الكردستاني – و هو جماعة لا تتبنى العنف و ترتبط بالإخوان المسلمين – في تحقيق بعض النجاح، قامت عصابات شباب الاتحاد الوطني الكردستاني بإحراق مقرات الاتحاد الإسلامي في عدة مدن و قتلوا رئيسه في دهوك. (20)

و حتى بعد أن نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني في تفادي المنافسة الانتخابية، فلقد أشار كل من الدبلوماسيون الأمريكيون و لجنة الانتخابات العراقية المستقلة إلى الحزب بسبب قيامه بأكثر أحداث التزوير الانتخابي فداحة في كل أرجاء العراق، حيث استخدم البشمرجه للحول دون وصول الناخبين، فيما يقوم المشرفين الحزبيين بتعبئة الصناديق. و لم يكن هناك منطق وراء التزوير، أخذا في الاعتبار أن أجهزة الحزب و قدراته كانت كافية لضمان النصر، و لو على مستوى أقل من ذلك الذي يناله طغاة المنطقة مثل "حسني مبارك" و "بشار الأسد".

تحليل السلوك الكردي

ربما لا يكون كردستان العراق منارة الحرية التي يدعيها ممثلوه، إلا أن الواقعيين من المشتغلين بالسياسة الخارجية الأمريكية قد يحاجون بأن ممارسات القيادة الكردية تجاه شعبها لا تمت للمصلحة الأمريكية بصلة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تأييد المنطقة المتنامي للولايات المتحدة.

على أن هذه الحسابات قصيرة النظر. حيث أن دعم الولايات المتحدة للزعيمين الكرديين، أدى إلى ربط الأكراد بين تصرفات قادتهم و بين السياسة الأمريكية، حيث يرتفع صوت همهمات السخط حين يعزي الأكراد سوء سلوك القيادة السياسية الكردية للمصالح الأمريكية: ففي 2006، على سبيل المثال، حين طلبت الولايات المتحدة توفير مكان لمكاتب ممثليها في السليمانية، قام "طالباني" بإخلاء الكلية الفنية دون سابق إنذار، ناهيك عن عدم قانونية هذا الإجراء، مثيرا غضب قطاع واسع من الأكراد. كما يتهم الأكراد مسئولين أمريكيين بالضلوع في عمليات التعذيب فيما يعتقد أنه كان مركزا للتحقيقات في عهد "صدام" بين تسلوجا و باراماجرون. و فيما يتباهى القادة الأكراد بميل شعبهم للأمريكيين، فإن هذه الصورة تزداد خفوتا اليوم بعد الآخر. فالعداء للولايات المتحدة أضحى مسيطرا في كردستان العراق، و إذا عجزنا عن استيعاب ذلك و اتخاذ ما يتوجب من إجراءات لتصحيح الوضع، فسوف يؤثر ذلك بالسلب على الفرص الاستراتيجية للولايات المتحدة في المستقبل.

و ربما يتناسى استراتيجيو الولايات المتحدة ذلك إذا ما وعدهم أكراد العراق بتعزيز فرص مصالح الولايات المتحدة في الإقليم، إلا أنهم – للأسف – لم يفعلوا ذلك. فبالرغم من أن أكراد العراق قد سمحوا للقوات الأمريكية بالتمركز في الإقليم ثم شاركوا بقواتهم في الهجوم في أبريل 2003، ليملئوا الفراغ الذي خلفه الجيش العراقي المتهالك، فإن السلوك الكردي بعد ذلك يتركنا أمام تساؤلات ضخمة حول مدى إمكانية الاعتماد على كردستان العراق كحليف للولايات المتحدة.

فخلال الأسبوع الأول من يوليو 2003، عثرت وحدة عسكرية أمريكية في دورية في شمال شرق العراق على بعد ما يقرب من 30 ميلا من الحدود الإيرانية على نقطة مراقبة غير مصرح لها تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، و صادروا فيها عددا من جوازات السفر و بعض النقود الإيرانية المخبأة. حيث أن مسئولو الحزب قد استخدموا هذه النقطة لتسهيل التسلل الإيراني – بالسماح لعناصر إيرانية باستبدال جوازات السفر الإيرانية بأوراق هوية كردية – بمقابل مادي. هذا و يعترف المسئولون الأكراد في حواراتهم الخاصة بأن هذه ليست الحالة الوحيدة. و في بداية التمرد العراقي في أبريل 2004، تحول كردستان العراق إلى محطة لأنصار السنة: حيث دخلوا إلى كردستان العراق عبر إيران و حصلوا على مزية المرور الآمن إلى الموصل في مقابل اتفاق بعدم تنفيذ عمليات في المحافظات الشمالية الثلاث و ربما بمقابل مادي أيضا.

و لم تزل الصفقات مع إيران تجري إلى الآن. ففي 11 يناير 2007 و 20 سبتمبر 2007، هاجمت القوات الأمريكية مبان في إربيل و السليمانية ملقية القبض على ستة من عملاء المخابرات الإيرانية. عقب الحالة الأولى، أصدر مكتب "برزاني" بيانا يقول أنه "من الأفضل إعلام حكومة كردستان قبل اتخاذ أية إجراءات ضد أي أحد" (21). و في الحالة الثانية، وصفت حكومة كردستان الاعتقال بـ"غير الشرعي" و أن "أفعلا كهذه لا تفيد أحدا". (22) و لم يكن قرار عدم إعلام السلطات الكردية ناجما عن خطأ دبلوماسي بل كان نتيجة للتجربة – فصناع القرار الأمريكيون لم يعودوا يثقون في قدرة أكراد العراق على حفظ معلومات سرية على هذه الدرجة من الحساسية. و القول بأن القيادة الكردية أو من يتبعها في البشمرجه و الأجهزة الأمنية تقوم بذلك لتعزز من علاقاتها بالقوى الإقليمية أو لأسباب تتعلق بتحقيق الثراء الشخصي لا يغير من الأمر في شيء. و جاء قرار السلطات الكردية بالامتناع عن تسليم المسئولين الأمريكيين قائمة بالدبلوماسيين – من جانب كل من حكومة الإقليم و وزير خارجية العراق "هوشيار زيباري" خال "مسعود برزاني" و المعين من قبله – لينتقص من ثقة القوات متعددة الجنسيات في القيادة الكردية. و قد كانت هذه القائمة – التي لا داعي هنالك لإبقائها سرية – لتمكن السلطات الامريكية من تحديد التوصيف الدبلوماسي للأهداف قبل تنفيذ أية عملية. الأمر الذي يبين افتقار الأكراد إلى نية مساعدة الولايات المتحدة للتصدي لتسلل عناصر من قوات الحرس الثوري الإيراني.

اللعب بورقة الإرهاب

يهدد العداء الذي يكنه "برزاني" لتركيا أية إمكانية لتحالف بين الأكراد و الولايات المتحدة. و العديد من المسئولين الأكراد ينظرون إلى العلاقات الأمريكية التركية بوصفها لعبة لا تخرج نتيجتها عن احتمالين: إما الصداقة مع أربيل أو التحالف مع أنقرة. على أن ما لا يدركه معظم المسئولين الأكراد هو أن إحدى العلاقتين لا تستبعد الأخرى بالضرورة. فكثيرا ما يخبر المسئولون الأكراد زوارهم الأمريكيين أن كردستان العراق سيكون حليفا أفضل كثيرا من تركيان فهم لا يستوعبون عمق العلاقات التركية الأمريكية من جهة و لا الاستقبال الفاتر لما يطلبه الزعماء الأكراد من الولايات المتحدة بأن تعيد النظر في تحالفاتها على أساس مصالح دول أخرى. فكل من السعودية و إسرائيل، على سبيل المثال، يأملان أن تخفض واشنطن من مستوى علاقاتها بالطرف الآخر، لكن كليهما يستوعب أن هذا لن يحدث. لكن هذا ليس الحال مع "برزاني" و يبدو عاقد العزم على إجبار الولايات المتحدة على الاختيار بين أربيل و أنقرة. لكن إذا كان لا بد من هذا، فستصاب القيادة الكردية بخيبة الأمل.

ليس هناك على الإطلاق ما يمنع "برزاني" من أن يدافع عن مصالح كردستان العراق، إلا أن خطابه غالبا ما يئول إلى التهديد. ففي ديسمبر 2005، على سبيل المثال، أعلن أنه حال عدم انضمام مدينة كركوك الغنية بالبترول إلى حكومته بحلول ديسمبر 2007، فإنه قد يشعل الحرب الأهلية في شتى أرجاء العراق. (23) ثم، و في أبريل 2007، هدد بدعم التمرد في تركيا إذا لم تنصع أنقرة لمطالبه في كركوك. (24) فيما تنخرط وسائل الإعلام التابعة لحزبه في التحريض ضد تركيا بنفس الطريقة التي يحرض بها الإعلام الفلسطيني ضد إسرائيل. و الخرائط المباعة تحت مظلة البرلمان الكردي تظهر كردستان الكبرى ممتدة إلى العمق التركي، فيما تشير الصحف الكردية إلى كردستان العراق باسم "كردستان الجنوب"، في مطالبة ضمنية بالجزء الواقع جنوب شرقي تركيا تحت اسم "كردستان الشمال". و مثلما هو الحال مع السلطة الفلسطينية، فإن النزعة الشعبوية التي تثير مطالب مثل هذه هي التي تجعل من كردستان العراق مثارا للقلاقل، لا مستقرا للأمن و الأمان.

و في هذا الإطار تصبح علاقة "برزاني" بحزب العمال الكردستاني إشكالية إلى أبعد حد. فربما كان "برزاني" قوميا كرديا، لكنه أيضا واقعي، لذا فهو لن يرضى بوجود حزب عمال قوي، ليس لأن اعتناق هذا الأخير للإرهاب يهدد القضية الكردية القومية، بل لأنه سيكون بديلا لحزبه. فلقد سعى "عبد الله أوجلان" لتأكيد زعامته على حساب منافسيه في العراق. "إن "برزاني" و "طالباني" مثل الأقدام أو الأذرع، أما أنا فأنا الرأس أو العقل الرئيسي"، كما أوضح "أوجلان" في مقابلة عام 1998. (25) و خلال عقد التسعينات، أمر كل من "برزاني" و "طالباني" وحدات البشمرجه التابعة لهم بمقاتلة حزب العمال كلما حاول بناء معاقل لهم في الأراضي الخاضعة لهما. و في هذه الأثناء، طلب "برزاني" من الحكومة التركية أن تدعم البشمرجه التابعين له في حربه ضد الجماعة الإرهابية على حسب ما أكده العديد من اليبلوماسيين و مسئولي الاستخبارات الأتراك. فلقد عرف "برزاني" أن أي ملاذ آمن لحزب العمال سيكون كارثة على مصالحه و من ثم تحرك ليحول دون تحققه. لكن مع وجود "أوجلان" في السجن ليس هناك تهديد لزعامته السياسية، تبنى "برزاني" حزب العمال ليستخدمه كسلاح ضد تركيا.

و بعد قرار البرلمان التركي في 1 مارس 2003 بعدم المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "صدام"، سيطرت الثقة الزائدة على "برزاني" في شأن صداقته مع واشنطن و من ثم اتبع خطا متشددا باتجاه أنقرة، فرحب بقادة حزب العمال في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، و بالذات في منطقة المثلث الحدودي بين إيران و العراق و تركيا. و فيما وعد "برزاني" و حكومته الإقليمية بالهجوم على حزب العمال، فقد قام على العكس من ذلك بالتشبه بالرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات": ينفي دعمه للإرهاب و بالرغم من ذلك يسعى لاستخدامه للحصول على مكاسب دبلوماسية.

حيث يخبر "برزاني" الدبلوماسيين الأمريكيين أن حزب العمال سيختفي إذا ما قدمت أنقرة تنازلات أكبر في شأن العفو عن مقاتليه، و البث الإذاعي و الإصلاح الدستوري، و في نفس الوقت يحض قادة حزب العمال على مواصلة هجماتهم بل و يمهد الطريق لعملياتهم الإرهابية.

و السلطات التركية تقول أن لديها صورا لقيادات كبرى في حزب العمال يتلقون العلاج في مستشفيات أربيل و يلتقون مع حلفاء "برزاني" في المطاعم القريبة. و عبر بيعه للطعام و المؤن، نجح "برزاني" في الحصول على أرباح هائلة، و التي أدمنها أفراد عائلته فيما بعد، حيث يشك المسئولون الأتراك أن ابن "برزاني" متورط في بيع السلاح لحزب العمال، و هو الامر الذي قاد أنقرة إلى اتخاذ هذه السياسة المتشددة تجاه كردستان و أقنع مسئولو الولايات بتأييد أنقرة، حتى في ظل قيام الطائرات التركية بقصف أهداف كردية.

مستقبل العلاقات الأمريكية الكردية

لم يزل كردستان العراق يعيش في الماضي، يقتات على سمعة كاذبة معزولا عن الحقائق بمدائح مناصريه و مستشاريه. و لكل من "برزاني" و "طالباني" أسبابه التي تدعوه للفخر: فخلال نهاية التسعينات و قبل الإطاحة بـ"صدام"، كان كردستان العراق قصة نجاح، في ظل ديمقراطية نسبية و اقتصاد ينمو رغم العقوبات. و قد يلتمس الأكراد العذر لقادتهم بسبب محنتهم الكبرى، لكنهم كانوا يأملون في مستقبل أفضل.

إلا أن كردستان العراق، و بعد أن تحرر من ظل "صدام"، قد تراجع إلى الوراء. و بعد رفع العقوبات، استشرى الفساد في كل أرجائه. و تاريخ علاقة عائلة "برزاني" بالشعب الذي تسعى لقيادته يسير بمحاذاة أجيال آل سعود في السعودية: فكل من الملا "مصطفى البرزاني" (1903 – 1979) و الملك "عبد العزيز آل سعود" (1876-1953) حافظ على مسافة قريبة من القيم القبلية لمجتمعه و نال بذلك احتراما يداني التقديس. لكن كل جيل جديد يأتي، يزداد عزلة و فسادا.
و بينما يكشف "برزاني" للمستثمرين عن نيته تحويل الإقليم إلى دبي جديدة، فإنه لا يدرك أن فساد إدارته سيحول دون مثل هذا النجاح. و فيما تزداد الفجوة بين الفقراء و الأغنياء اتساعا، و بينما يستخدم كل من "برزاني" و "طالباني" آليات السيطرة لإخماد المعارضة في مهدها، ستزداد شعبية الأحزاب الإسلامية – و لقد نجحوا بالفعل في شق طريقهم، إن لم يكن بسبب آرائهم الدينية، فلأن الأكراد يرون فيهم بديلا "نظيفا" لفساد الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني. و العديد من الأكراد يتفادون الأصولية الدينية التي يتبناها الاتحاد الإسلامي، لكن و بينما يزداد الحزب شعبية، سيتغلغل انتقاده للسياسة الأمريكية و نظرياته التآمرية حول النوايا الأمريكية بين الأكراد.

و العديد من مسئولي كردستان العراق، و بعض المحللين الأمريكيين يرون أن كردستان العراق يمكن أن يستضيف وجودا عسكريا أمريكيا طويل الأمد. الأمر الذي سيسمح للقوات الأمريكية بالانسحاب من باقي مناطق العراق، حيث الترحيب بهم أقل كثيرا. و ربما كان هذا خيار مناسب في وقت مضى، إلا أن سلوك "برزاني" قد جعله خيارا مجاف للحكمة. و بينما تبدو قاعدة عسكرية في كردستان العراق، على الورق، مكسبا سياسيا للبنتاجون، فإنها في الحقيقة ستكون نقطة ضعف. و لأن برزاني يسمح – إن لم يكن يدعم – لحزب العمال الكردستاني بممارسة الإرهاب ضد تركيا، فسيحول أي وجود عسكري أمريكي دون محاسبة كردستان على مواقفه. فـ"برزاني" يريد قاعدة أمريكية في أراضيه لأنها ستحصنه ضد انتقام الأكراد. و في الحقيقة فإن تأسيس أي قاعدة أمريكية في كردستان العراق، طالما بقي "برزاني" في السلطة، قد يقود إلى تعميق جذور الصراع لا إلى حله. "برزاني" ليس ممن يؤثرون الغير: و الاختباء خلف جحافل القوات الأمريكية سيكون، فعليا، ضمانة للحصانة التي يسعى إليها. و لو قام البنتاجون بتأسيس قاعدة في كردستان العراق، فعليه أن يتوقع تفاقم كل من مشكلة حزب العمال الكردستاني و استفزاز "برزاني" لجيرانه. "برزاني" يريد قوات أمريكية متمركزة في أراضيه لنفس السبب الذي تريد لأجله كل من فتح و حماس مراقبين أوروبيين على الحدود بين غزة و إسرائيل، و يتبنى حزب الله وجود قوة مؤقتة من الأمم المتحدة في جنوب لبنان. فبعيدا تماما عن ضمان انسحاب القوات الأمريكية، ستكون أي قاعدة عسكرية أمريكية في كردستان في الظروف الحالية ضمانة لتعقيد الصراع. فالطغاة – و خاصة أولئك الذين يرفضون تخليص أنفسهم من الإرهاب – حلفاء سيئون.

و إذا كنا نريد لكردستان العراق أن يصبح حليف جيد، و قوة تدفع باتجاه الاستقرار، و سدا ضد أيديولوجيات الدمار بين القومية العربية و الإسلام السياسي، يجب أن تركز استراتيجية الولايات المتحدة على المصالح بعيدة الأمد. فكردستان العراق له أهمية استراتيجية كبيرة، فالفيدرالية مستقبل العراق، و بينما يقول الكثير من الخبراء و الكثير من العراقيين، في الواقع، أنهم يتوقون لعودة نظام الرجل القوي و الحكم المركزي، فالحقيقة أن هذا النظام لم يكن ناجحا أبدا: فالعراق كان في حالة حرب أهلية أو شبه ذلك ما بين 1961 و 2003، حيث كان العراقيون دوما يقاومون محاولات بغداد فرض إرادتها الديكتاتورية. صحيح أن القيادة القوية تبدو خيارا جيدا، لكن العراق يبقى بلدا بمائة جنرال لكل جندي.

و على واشنطن أن تنتهج طريق اللاتسامح مع الإرهاب. لقد نجح كردستان العراق في تحقيق نجاحات عدة – إلا أن "برزاني" يخاطر بكل ما جناه أكراد العراق بتوريط نفسه مع حزب العمال. كما أن كلا من الحزبين الكرديين قد خان ثقة واشنطن في تعاملاتهما مع إيران. و بينما هو من الطبيعي أن يكون لكل من الحزبين علاقات مع جيرانهما، فإن بيع المعلومات أو تسهيل تسلل العملاء وسائل غير مقبولة للتقرب إلى الجيران.

إن مسئولية القيادة ليست اختيارية، و أية قيادة كردية في العراق كانت لتنهي كافة أعمال التحريض. و الديماجوجية قد تكون سياسة مناسبة لتشتيت الأنظار عن قضايا الفساد و المحاسبية التي يأمل "برزاني" في تحاشيها، لكن التحريض يرتد في وجه من يقوم به. و وسائل الإعلام الكردية التي يسيطر عليها الحزبان الحاكمان غالبا ما تبث نيران الشعور الوطني، فعبر تخصيص 25 دقيقة من مجمل نصف ساعة هي زمن النشرة الإخبارية للمطالب الوطنية بالاستقلال – مثلا من خلال لقاءات مع تلاميذ المدارس يلقون فيها مطالب الاستقلال على مسامع المشاهدين – يجلب "برزاني" على نفسه و على منطقته عواقب الصراع مع جيرانه. لقد تجاهلت وزارة الخارجية تحريضا مشابها في السنين الأولى من عمر السلطة الفلسطينية حتى تحلل كيانها إلى فوضى، فلا يجب تكرار نفس الخطأ مع السلطة الكردية.

و بينما تقصف المقاتلات التركية القواعد الإرهابية في كردستان العراق، جاء الوقت الذي يتعين فيه على كل من واشنطن و أربيل مراجعة سياستيهما. فالتعاطف مع كردستان مفهوم لكنه يبنى على أسطورة تتهاوى يوما بعد يوم، و حسن نية الولايات المتحدة لا يجب أن مجالا للرهان؛ فربما بقي "برزاني" حليفا، لكنه استبعد نفسه من أية شراكة حقيقية. لقد آن أوان معاملة كردستان العراق بمنطق الحب الصارم، فلا يجب أن يكون هناك مساعدات و لا شرعية دبلوماسية طالما بقي الإقليم ملاذا آمنا لحزب العمال الكردستاني، يباع فيه أمن الولايات المتحدة لمن يدفع أكثر، و يترك الإصلاح الديمقراطي ساكنا كالمياه الراكدة.

مايكل روبن ([email protected]( باحث مقيم في معهد "أمريكان إنتربرايز" لأبحاث السياسة العامة

قامت كريستي هول روبينسون بمساعدة السيد روبن في تحرير و إصدار هذه الورقة

PDF.

1- للاطلاع على أفضل مثال على هذه الفكرة، أنظر "مايكل ج. توتن"، "لا أصدقاء لهم إلا الجبال"، أزور 5768، العدد 30 (خريف 2007)، متاح على الرابط http://www.azure.org.il/magazine/magazine.asp?id-407 ) تم الدخول عليه في 2 يناير 2008)
2- "بيتر و. جالبريث"، "العراق، الطريق الصحيح"، "نيويورك ريفيو أوف بوكس" 54 رقم 13، (16 أغسطس 2007) متاح على الرابط http://www.nybooks.com/articles/20470 ) تم الدخول عليه في 2 يناير 2008)؛ و "آل كيمن"، "الرابط الكردي؟"، "واشنطن بوست"، 15 يناير ، 2007.
3- "ديفيد نيسمان"، "القوات العراقية تتجاوز خط عرض 36"، "تقرير العراق 3"، العدد 41 (8 ديسمبر 2000) ، راديو أوروبا الحرة/راديو الحرية، متاح على الرابط http://www.rferl.org/reports/iraqreport/2000/12/41081200.asp ) تم الدخول عليه في 2 يناير 2008).
4- سلسلة معاهدات الأمم المتحدة، رقم. 32851، "مذكرة تفاهم بين سكرتير عام الأمم المتحدة و حكومة العراق حول تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 986 (1995)"، 20 مايو 1996، متاح على الرابط http://untreaty.un.org/unts/120001_144071/25/7/00020981.pdf ) تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
5- "إيلتر تركمن"، "البروتوكول و السياسة الخارجية"، "تيركيش ديلي نيوز"، 17 نوفمبر 2007
6- وزارة العدل الأمريكية، تقرير المحامي العام إلى الكونجرس حول قانون تسجيل الممثلين الأجانب لعام 1938، و المعدل للستة أشهر المنتهية في 30 يونيو 2006، 6 يونيو 2007، 101، متاح على الرابط
www.usdoj.gov/criminal/fara/reports/June30-2006.pdf ) تم الدخول عليه في 2 يناير 2008)
7- "برزاني: الموصل و كركوك أراض كردية"، الشرق الأوسط، لندن، 7 أبريل 2003
8- "مسعود برزاني"، "رؤية كردية للعراق"، أخبار الخليج، دبي، 30 أكتوبر 2005
9- "كارول أوليري" (محاضرة، المكتب الإعلامي الكويتي، 6 يوليو 2001)
10- "سفيركر أوردسون" و "أوللي شميدت"، "كردستان، منارة ديمقراطية في الشرق الأوسط"، شركة تنمية كردستان، ديسمبر 2004
11- لقطات تليفزيونية على موقع العراق الآخر (نص، "لقطة الولايات المتحدة رقم 2: العراق الآخر)، متاح على الرابط http://theotheriraq.com/images/Advert2.pdf ) تم الدخول عليه في 2 يناير 2008)
12- الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجلسة الحادية و الخمسون، موضوع 110 على جدول الأعمال، "أسئلة حقوق الإنسان: مواقف حقوق الإنسان وتقارير المقررين و الممثلين – حالة حقوق الإنسان في العراق"، إعداد "ماكس فان در شتول"، المقرر الخاص لبعثة حقوق الإنسان، بالتوافق مع قرار المجلس الاقتصادي و الاجتماعي رقم 277/1996، أ/51/496، 15 أكتوبر 1996، فقرة 96، متاح على الرابط http://daccessdds.un.org/doc/UNDOC/GEN/N96/277/88/PDF/N9627788.pdf?OpenElement ) تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)، و "باتريك كوكبيرن"، "وفاة الزعيم الكردي تقرب شبح الحرب الأهلية" الإنديبيندنت، لندن، 6 يوليو 1996
13- للحصول على خلفية لهذا الموضوع، أنظر "مايكل روبن"، "لعنة الشرق الأوسط الحقيقية: الفساد"، ديلي ستار، بيروت/ 15 نوفمبر 2005
14- هيومان رايتس ووتش، "السقوط في الدوامة: التعذيب و الحرمان من الإجراءات القانونية بواسطة القوات الكردية (يوليو 2007)، متاح على الرابط http://hrw.org/reports/2007/kurdistan0707/ ) تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
15- "كمال سيد قادر"، "كردستان العراق يهوي إلى الأسفل"، ميدل إيست كوارترلي، 14 رقم 3 (صيف 2007)، متاح على الرابط http://www.meforum.org/article/1703 ) تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
16- لجنة حماية الصحفيين، "العراق: صحفيون في صحيفة كردية أسبوعية يواجهون الاعتقال و المحاكمة"، خبر صحفي، 2 مايو 2006 متاح على الرابط http://www.cpj.org/news/2006/mideast/iraq02may06na.html ) تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
17- الوثائق السرية السوفييتية حول تعاون "برزاني" مع الكي جي بي. أنظر، على سبيل المثال، "بيتر إيفاشوتين" إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي، 27 سبتمبر 1961، كما هو مقتبس في "كمال سيد قادر" ، " برزاني الحرباء"، ميدل إيست كوارترلي، 14 رقم 2(ربيع 2007) متاح على الرابط
http://www.meforum.org/article/1681 (تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
18- أنظر، على سبيل المثال، "كاثي مكان"، "العراق: اعتقال الكاتب "كمال سيد قادر" دون اتصال بالعالم الخارجي"، إنترناشيونال بن، 16 ديسمبر 2005، مراسلون بلا حدود، "المعارض على الإنترنت لم يزل في السجن بالرغم من الإعلان عن الإفراج عنه"، بيان صحفي، 2 فبراير 2006، متاح على الرابط
www.rsf.org/article.php3?id_article=16104 (تم الدخول عليه في 3 يناير 2008) و "كمال سيد قادر"، "كردستان العراق يهوي إلى الأسفل"
19- حكومة إقليم كردستان، "الرئيس "برزاني" يطلب من البرلمان إعادة النظر في قانون الصحافة"، بيان صحفي، 20 ديسمبر 2007، متاح على الرابط http://www.krg.org/articles/detail.asp?lngnr=12&smap=02010100&rnr=223&anr=22047 (تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)
20- "الهجوم على الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، رويترز، 6 ديسمبر 2005
21- "جيمس جلانز"، "الجنود في العراق يهاجمون مكاتب الإيرانيين"، نيويورك تايمز، 12 يناير 2007
22- "جاي برايس" و "ياسين طه"، "الأكراد يدينون احتجاز الأمريكيين لإيرانيين"، خدمة مكلاتشي-تريبيون الإخبارية، 20 سبتمبر 2007
23- "برزاني: ضم كركوك إلى كردستان"، تيركيش ديلي نيوز، 2 ديسمبر 2005
24- "مسعود برزاني"، مقابلة مع "إيلي ناكوزي"، بصراحة، تليفزيون العربية، 6 أبريل 2007
25- "عبد الله أوجلان"، "سنقاتل الأتراك في كل مكان" ، ميدل إيست كوارترلي 5 رقم 2 (يونيو 1998* متاح على الرابط http://www.meforum.org/article/399 (تم الدخول عليه في 3 يناير 2008)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة