الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معارضة في جيب الموالاة

عمر شاهين

2009 / 1 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها رموز من أحزاب المعارضة الأردنية مسألة السلطة السياسية، والمطالبة بالملكية الدستورية أو الحكم النيابي. يتميز الطرح كالعادة بعدم الوضوح، ويفتقر إلى آليات التنفيذ، وحتى أسماء أصحاب المبادرة.

بداية، لا يوجد تعارض بين الملكية الدستورية والحكم النيابي. الأول يعبر عن اسم النظام أو الدولة، والثاني طريقة الحكم. وهو نيابي من الناحية الدستورية والقانونية، وما من داعي لإجراء تعديل على الدستور. فالملك يلي الحكم بواسطة الوزراء، والتعليمات الشفوية والخطية للملك لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم، كما ورد في الدستور. والملك لا يكلف الأمراء بتولي الوزارة كما يحصل في الدول المجاورة. فليس لدينا حكم مطلق، وإنما نيابي ملكي وراثي، كما هو في إسبانيا أو بريطانيا، رغم عدم وجود دستور في الأخيرة.

وقد استخدم البعض تعبير "حكومة برلمانية منتخبة" كأحد الحلول، بالطبع لا يجري في أي مكان في العالم انتخاب أعضاء الحكومة، ربما يوجد في مكان ما، أي على غرار النقابات فهذا سيفضي إلى الفوضى. بيد أن بعض الدول ذات الحراك البرلماني الحزبي العالي، حيث تفتقر الأحزاب فيها إلى الأكثرية، بسبب عدم شطب الأحزاب الصغيرة تحت نسبة معينة لتعدد الأعراق، كإسرائيل مثلا، تلجأ إلى الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء فقط. بيد أن رفع النسبة إلى 10% مثلا يدفع الأحزاب إلى الوحدة والائتلاف وهو أكثر شيوعا.

إن الخوض في تعديلات دستورية يؤدي إلى تمييع المواقف, ولا يشير إلى موطن الخلل. فنحن لم نجرب الدستور الحالي بعد، وهو يتيح لنا بناء دولة ديمقراطية عصرية إلى أبعد الحدود.

وفي حالتنا فإذا حصل أي حزب على الأكثرية في مجلس النواب ولم يتم تكليفه بتشكيل الحكومة، فيستطيع إسقاط المكلفة بحجب الثقة. ولا يجوز حل مجلس النواب بوجود أكثرية. وقد تم ذلك في عهد الأحكام العرفية، وقد انتهينا من هذا الوضع إلى الأبد. ويمكن حل مجلس النواب لإعادة الانتخابات لتعذر الوصول إلى الأكثرية، أي من أجل الاحتكام للشعب، وهي حالة صحية نادرة الحدوث. فأين هو الجرح أيها السادة تجمع أحزاب المعارضة؟ فلماذا لا تحصلون على الأغلبية النيابية وتشكلون الحكومة المرة تلو الأخرى، وأين تكمن المشكلة؟ ألا يمكن الإفصاح عنها بلغة يفهمها الجمهور وتضعه أمام مهمات نضالية واضحة؟

المسألة ليست في الدستور، بل تكمن في تزوير الانتخابات وتوفير أغلبية نيابية مريحة لصالح الحكومات اليمينية والرجعية، وعند تعذر ذلك، نتيجة النهوض الجماهيري، كان يتم تجاوز الدستور وتعطيل الحياة النيابية، وانتشار القمع بتواطؤ مع الحركة الإسلامية. وكان الأردن يحظى بدعم الغرب تحت حجة مكافحة الشيوعية. وبعد انتهاء الحرب الباردة كان يجب الانتهاء من هذه الصيغة إلا أنها تفاقمت، وأصبحت أكثر خبثا وتعقيدا، والتزوير أكثر نجاحا مع قانون الصوت الواحد واستخدام التكنولوجيا الحديثة والرقم الوطني.

القانون الحالي يتيح حصر أعداد الناخبين، وتوزع الأصوات في كل دائرة بسهولة، وبناء توقعات أقرب إلى الصحة من الناحية الإحصائية، فهو صوت واحد، إما هنا أوهناك، مما يمكن من التلاعب بواسطة المرشحين وسحب الأصوات، أو التزوير بواسطة نقل الأصوات السريع، دون الاضطرار إلى عمليات فاضحة كثيرة بزيادة أو إنقاص الأصوات. وفي حالة اللجوء إلى الأخيرة فلا تبحث الطعون من خلال القضاء. فهل كانت أحزاب المعارضة تعلم ذلك أم لا، وفي الحالتين فالمصيبة كبيرة.

ويبدو أن الحركة الإسلامية قد عقدت صفقة مع المخابرات على خمسة أو ستة مقاعد في مجلس النواب، بعد الاحتجاج على تزوير الانتخابات البلدية، مقابل السكوت لاحقا. وتركت حلفائها القوميين واليساريين ليخوضوا معركة محسومة النتائج سلفا. لذلك فلا يمكن الاعتماد على الحركة الإسلامية في المطالبة بإصلاح سياسي حقيقي.

وتقوم دائرة المخابرات العامة بتنظيم العملية من الألف إلى الياء، ابتداء بتحضير المرشحين، ودفع هذا للترشح، وثني ذاك عن الأمر بالترغيب والترهيب... وهي متهمة بالاعتداء الجسدي على النواب، أو الإعدام السياسي بواسطة بناء قضايا تؤدي إلى السجن لأغراض غير سياسية، وبالتالي الحرمان من الحياة السياسية.

لقد أفضت هذه السياسة إلى برلمان ضعيف، تنازل عن صلاحياته المحاسبية والرقابية إلى الحكومة ذاتها, وأعطاها السيطرة على القضاء، كما هو واضح في القوانين الأردنية، إذ أفضى هذا الوضع إلى قيام الشمولية. ورغم ذلك بقيت الحكومات ضعيفة، فالشيء يموت في المبالغة، وهي تدير البلاد وفق مبدأ زيادة الإنفاق العام، وأحداث عجز في الموازنة وسد هذا العجز بالاقتراض، وعن طريق استدرار الهبات والاقتراض، خاصة من العربية السعودية والولايات المتحدة. وبذلك يمكن تسجيل زيادة في معدل النمو الاقتصادي يتغنى به المسؤولين وزيادة في المديونية لا نتحدث عنها كثيرا إلا عندما تنفجر.

القطاع الإنتاجي ضعيف، وعجز هائل في الميزان التجاري. والأردن أبعد ما يكون عن مفهوم الاستقلال الاقتصادي. وحتى مصادرنا المائية فهي خاضعة للابتزاز من قبل إسرائيل.

إضافة إلى المحبسين الاقتصادي والقضائي، فهنالك المحبس السياسي. إذ ارتبطت السياسة الخارجية للأردن بالمراكز الرأسمالية والدول الممولة. وهذه نتيجة طبيعية، ليس بمعنى التبرير، بل بمعنى أن الحكومات المتعاقبة رهينة هذا الوضع وتحافظ على استمراره وتحارب من يسعى إلى تغييره.

السياسة الخارجية الأردنية مسخرة لإرضاء الغير، أو بالون اختبار للآخرين. وفي ظل هذا الوضع يمكننا أن نفهم ماذا جرى في مجلس النواب، عندما افتعل نواب الأكثرية خلافا حول مسألة هامشية أدى إلى انسحابهم من الجلسة، أو هروبهم بالمعنى الحرفي، لإنقاص النصاب كما حدث في مؤتمر الدوحة من قبل بعض الدول العربية، لكي لا يناقشوا مسألة غزة ومؤتمر الدوحة، بما قد يحرج الحكومة. فمن يستطيع أن ينظم مثل تلك المسرحية؟ وأشير إلى دائرة المخابرات العامة، فهي التي فبركت الانتخابات من أولها إلى أخرها. وإذا كان النواب الذين قاطعوا الجلسة، يهمهم رأي الناخب أو الشارع الأردني، فلن يفعلوا ذلك. ولأنهم مطمئنون للنجاح مرة أخرى بتدبير الدائرة، فهم رهن إشارتها، فهي من أدخلهم تحت قبة البرلمان. وهم أصوات الأغلبية الدائمة، التي لا تستطيع تشكيل حزب لها، فلا يراد لولائها أن يرتقي إلى مستوي حضاري أو مؤسسي.

وهؤلاء النواب هم من يصوت دائما لأي حكومة مكلفة، وهم دائما من يفتعل المسرحيات ويميع المواقف، لكي تبدوا الحكومة أكثر عقلانية من النواب. وبالتالي الإساءة للمجلس كمؤسسة أمام الجمهور، وإعطاء صورة سلبية للحكم النيابي وايجابية للحكم المطلق كحاكمية رشيدة، وتصوير الأمر وكأن الشعب والأحزاب لم ينضجا بعد لمزاولة الحكم النيابي، وبحاجة إلى التنمية السياسية، وبأن الشعب يكره الأحزاب ومع العشائرية والصوت الواحد.

هذه الصورة أسفرت عن موقف أردني هزيل إبان مؤتمر الدوحة، لا يتناسب مع نبض الشارع الأردني، ومع ما عهدناه من النشاط الدبلوماسي الأردني المنقطع النظير، الذي يفوق مثيله لقارة بأكملها في أوقات أخرى. وعلى الصعيد الاقتصادي فموقف الحكومة كان مخيبا للآمال، فهي لا تستطيع التحكم بأسعار المواد التموينية بعد هبوطها عالميا. ولم تحسن تحصيل ضريبة الدخل. فمجلس نواب ضعيف يؤدي إلى حكومات ضعيفة وسياسات داخلية وخارجية ضعيفة.

من الضروري تعديل المادة (3) ب من قانون رقم (24) لعام 1964، قانون المخابرات العامة الذي نص على وجود "مكتب التحقيقات السياسية" وذلك بشطبها وإلغاء المكتب، فهو يتعارض مع قانون الأحزاب، والدستور والميثاق الوطني.

وإذا كانت الدائرة قد مارست الضغط على المواطنين لمنعهم من العمل السياسي أيام الأحكام العرفية، فمع دخول الأردن مرحلة الديمقراطية، فقد جاء دور الأحزاب لإبعاد الدائرة عن العمل السياسي كأفراد ومؤسسة. وإلى أن يتحقق ذلك، يتعين مقاطعة الانتخابات البلدية والنيابية وفضح دور الأجهزة الأمنية فيهما، لحين تعديل القانون، وإجراء الانتخابات القادمة بوجود مراقبين دوليين.

لقد أظهرت التظاهرات الأخيرة موقفا حضاريا من الشعب الأردني، ومقدرة تنظيمية عالية للأحزاب السياسية. وقد آن الأوان لاستلام الأحزاب للملف السياسي، وأن تتفرغ الدائرة مشكورة لحماية البلاد من الإرهاب والتجسس.

مطلوب أخيرا من مجلس النواب الحالي أن يقر قانون انتخابات نيابية عصري من شان تطبيقه أن يقضي على التشكيلة الحالية غير الشرعية، وهي مسألة بحاجة إلى بحث خاص. المطلوب من النواب إقرار ما هو ضد مصلحتهم الشخصية، لكنه يشكل لب الإصلاح السياسي، ولب الميثاق الوطني والدستور الأردني. مطلب صعب إلا أن مصلحة الأردن دائما فوق أي مصلحة شخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي