الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوهام القومية, بين الركابي والبستاني

عمر شاهين

2009 / 1 / 29
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


يوجد فرق كبير بين مفهوم القومية والأمة. إلا أن العديد من الكتاب يخلطون بين المفهومين ويستخدمون أحدهما مكان الآخر. وآخرون نتيجة العمى القومي, أو الشوفينية والعنصرية, أمثال السيد عبد الأمير الركابي لا يمكنهم رؤية الفرق.

ويوجد فريق آخر أمثال السيد هشام البستاني, لهم طريقتهم في الفهم القومي والقطري, وأرجو أن لا يدفعهم عناد الواقع إلى ذات المنزلق.

القومية أولا هي الانتماء. فعندما يقول أحدنا أنه عربي أو كردي فهذا يعني أنه ينتمي إلى مجموعة من الناس لهم نفس اللغة والثقافة المشتركة والأصل العرقي. أما الأمة فهي مجتمع من الناس, غالبا من أصل اثني واحد, يعيشون ضمن دولة واحدة. أي سوق واحدة وطبقات اجتماعية واحدة.

وعندما نقول أن العرب أمة فهذا الوصف غير صحيح لأن العرب لم يستطيعوا بعد تشكيل مجتمع واحد في دولة واحدة, رغم أنهم قومية واحدة بانتمائهم. وقول سوسلوف أن العرب هم أمة قيد التكوين صحيح. أي على العرب أن يسعوا لتحقيق الوحدة.

السيد الركابي في معرض حديثه عن الأكراد يقول" الشعب الكردي هو مكون فرعي لم يحقق حضارة, وهؤلاء الأكراد المحكومين على مدى قرون من أمم أخرى..." وتلك هي العنصرية المتمثلة في التقليل من شأن الشعوب الأخرى. فالأكراد " لا يمكنهم تقدير زخم نهضة أمة كالأمة العربية... الأمة الأكثر حيوية وفعالية... والأكثر إسباغا لسماتها الحضارية على الأمم المجاورة" وها هي الشوفينية أو المغالاة, وفي وضع العرب فوق الأمم الأخرى إضافة لكراهية تجاه الأكراد.

فإذا كان الأكراد لا يشكلون أمة, إلا أنهم قومية بحكم الانتماء, أو أمة قيد التكوين. ولا يستطيع أحد أن ينكر أو يقاوم حقهم في تكوين أمة, أي توحيدهم في دولة واحدة, طالما لهم نفس الانتماء, وإن كانوا يعيشون في دول مختلفة. فهل نحرم غيرنا من حق نطالب به لأنفسنا؟

والطموح لتشكيل أمة ليس له علاقة بحجم المجموعة القومية فهناك أمم عدد سكانها أقل بكثير من الأكراد, تعيش في جزر صغيرة أو كبيرة في محيطات العالم. ولا يستطيع أحد أن يشترط لقيام الأمة وجودها سابقا في التاريخ. فالأمة يمكن أن تنشأ لأول مرة أو يتأخر تكوينها, كحالنا وحال الأكراد. وعلى طريقة الركابي فكل أمم العالم الجديد لاغية لأنها لم تكن موجودة سابقا, لا بل كل الأمم لاغية, فهي في زمن ما لم تكون أمة.

وها هو الركابي يفرق بين الناس على أساس عرقي فالعرب والفرس والأتراك يحق لهم تكوين أمة أما الأكراد فلا يحق لهم. وتلك هي الشوفينية والعنصرية. إبتدأ ماركسيا ونتيجة لفشل شخصي تحول إلى منظر لأكثر نظام عربي دموي في التاريخ الحديث. وها هو غارق في مستنقع العنصرية ولا ندري من يمده بأسباب الحياة تحت المياه الآسنة.

أما السيد هشام البستاني فينطلق من مقولة رفض الواقع ورفض التعامل معه ويدعي العمل على تغييره. فهو يرفض القطرية لأن الانطلاق منها يوقظه من أوهامه القومية "المعركة مع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة العربية هي معركة أممية، قومية في الحد الأدنى" ومثل تلك المعارك بحاجة إلى قادة عظام أمثال الإسكندر ويوليوس قيصر وستالين... وينجم عنها خلق الإمبراطوريات. ونموذج غاندي مرفوض من حيث المبدأ فهو مسالم, فإذا ما أرادت الأجيال اللاحقة تصوير المعركة مع الإمبريالية فسيكون الفيلم باهتا دون دماء وسلاح أو دبابات...

فالأمر يعبر عن حالة من الفشل السياسي, نتيجة الصدام بين المنظمات الفلسطينية المدعومة من قوى قومية والرجعية الأردنية, الذي انتهى بخروج المقاومة من الأردن عام 1970. وعلى غرار ماركس في شبابه, الذي تحدث عن التشيك وسلاف الجنوب ووصفها بأنها شعوب رجعية يجب تدميرها لأنها تقف في وجه الثورة...ودون إدراك خطأ ماركس الشاب, قام العديد من المنظرين بالقول أن الأردن كيان مصطنع يجب إزالته. فطالما كانت المسألة صعبة الفهم فيجب إلغاء الامتحان بأكمله.

الجانب الأخر للمشكلة أن بعض القوى القومية العربية تدعي التحول إلى الماركسية, نتيجة فشل المشروع القومي العربي. ولكن عملية التحول لم تتم إلى النهاية. فقد حافظت تلك القوى على شعاراتها القديمة, ولكنها تبنت من الماركسية أو الأفكار الاشتراكية نهج التحليل فقط, واعتبرت بذلك أنها أصبحت يساريه. وهي قوى يمينية تلبس ثوبا يساريا أو تستخدم خططا يسارية لتحقيق مآرب يمينية. إن محاولة الأحزاب النازية والفاشية قولبة الأفكار الاشتراكية لخدمة المصالح القومية, قد أدى إلى كارثة الحرب العالمية الثانية.

وهناك قوى أخرى استندت إلى المشروعية القومية الثورية في خداع الجماهير, وإذ رفعت شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر, ورفضت قرار التقسيم واعتبرت القبول به خيانة, ورفضت أي حل سلمي أو مرحلي في منتصف السبعينات, وها هي تقدم التنازل تلو الأخر حتى قامت بالتفاوض بسقف أدنى من قرار 242 وتنازلت عن حق العودة.

اليسار الحقيقي ينطلق من موقف طبقي داخل حدود دولته أو ما يسمى إقليم من المنطلق القومي. وعلى هذه القاعدة سار النضال اليساري والاشتراكي في العالم منذ الأممية الثانية وإلى الآن.

اليسار الحقيقي ينطلق دائما من الواقع الطبقي ويدافع عن المصالح المطلبية المعاشية والسياسية للعاملين بأجر في بلده ( أو في قطره ). والبرجوازية الوطنية الحقيقية ( اليمين ) ستدافع عن برنامجها. وهذا الصراع سيؤدي إلى إضعاف الرجعية أو تحالف الكومبرادور والليبراليون الجدد, وإلى تقارب يساري – يساري عربي وتعميق الديمقراطية, ويميني – يميني عربي وتوسيع العلاقات الاقتصادية البينية, ومن ثم إلى الإتحاد والوحدة وبناء الأمة. فبناء الأمة يعني بناء مجتمع واحد. والعواطف القومية الجياشة لوحدها لا تبني أمة لأنها لا تبني مجتمعا, بل تتحول إلى أوهام تساعد المرء على العيش وسط الفشل كما لدى السيد البستاني في الحد الأدنى, أو تتطور إلى حدها الأقصى وتدمر أوطانا بأكملها, وتجعلها لقمة سائغة للإمبريالية كما هو الحال عند السيد الركابي وصحبه.

وقصة اليسار الاجتماعي الأردني تكمن في أنه يتغنى بكافة مكونات الشعب الأردني ويفتخر بها, ويناضل من أجل المساواة في الحقوق المدنية بينها, ويناضل لتحقيق برامجه السياسية والمطلبية. ونحن لا نتساوق مع شعارات القوى الأخرى مع احترامنا لها مثل " كلنا الأردن" أو "الأردن أولا" فنحن يسار الدولة بمعنى يسار المجتمع وليس يسارا لصاحبه الحكومات اليمينية. وإذا أردنا أن نرفع شعارا على غرار ما سبق فربما يكون " كلنا للأردن " أو " كلنا للوطن ". ويبدوا أن سر النقمة على اليسار الاجتماعي من بعض القوى هو الخوف من نجاحه في امتحان تاريخي رسب فيه الآخرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صحيح جدا
عمرو الخيّر ( 2009 / 1 / 28 - 21:40 )
يبدو واضحا أن مقاربة مثل هذا الإشكال لا يمكن أن تخرج عن حدود التعيين الفلسفي لوضعية العقل البشري في سياقه التاريخي الطويل ، وهو أمر يحتّم البحث الدائم عن جذور مرتهنة أساسا لفاعلية العقل بوصفه فرضية تحقق إشكالي لكل ما هو مختلف وفق منظومة المعرفة الإنسانية .

تأسيسا على ذلك يبدو أن أهم ما يمكن ملاحظته في الموضوع السابق هو دعم ادعاء التباين بين عقلانية الإمام علي وما بلورته من -ملحقات- في تقنين القواعد الإسلامية من جهة، والتماثل الراديكالي للأصولية المقيتة التي تتبانها الأفكار الدينية عموما.

وهو أمر مشكل مرده التحكم السهل للاختلاف الظاهري الذي أعلنته بعض المقولات الفلسفية الشائعة في سياق تفريقها بين مفهومين يعتمدان على متن منهجي واحد. ولعل ذلك يمكن الإشارة إليه في ضوء الاتفاق على تعريف -العاقل- حسب الفلسفات المادية ، التي تحدده وفقا لصيغة جدلية متزامنة إيحائيا مع رؤى ميتافيزقية خاصة .

وعلى مستوى آخر، يبدو أن التزام السفسطائيين بإدراك واقعي لمعنى - العقل - في مقابل - اللاعقل - هو ما يجعل من تمييزهم حكما لا يستند إلى أي يقين منهجي مقبول؛ إذ إنه يفرط بحقيقة التوافق الإجرائي التام بين معطيات المنطق الفلسفي كما حدده كلود ليفي شتراوس في بحثه عن البنية العميقة للعقل الإنسا


2 - مقاله جميله
عوني حدادين ( 2009 / 1 / 29 - 01:52 )
منطق معقول


3 - تحية وتعقيب
منال أحمد ( 2009 / 1 / 29 - 02:54 )
شكراً للأستاذ عمر شاهين على مقاله المتميز ولعل التمييز بين الأمة والقويمة غائب عن وعينا وممارساتنا ، اليسار يظل منهجا لتقويم ما يصيب المجتمع من خلل والتجربة الأردنية كانت ناضجة ومثمرة وإن تخللتها أخطاء ، وهنا أنوّه لتقييم السيد عمرو للمارسة الدينية وتأكيده على العقل الغائب أيضا، وتمميزه بين مفردات العقل والتعصب وإن كان تعليقه بحاجة لتوضيحات حتى ينسجم مع موضوع المقال بشكل أوضح .


4 - لا تدينو..حتى ..لاتدانو
س. السندي ( 2009 / 1 / 29 - 15:10 )
اذا كان من يتهم الاكراد بالتخلف معه كل الحق وهذا واقع، ولكن اليسو معذورين فالف واربعمائة سنة

من الاستعمار الاسلامي ولم يزل ، لم يصب الاكراد وحدهم بالتخلف والصداع بل كل العالم الذي امتد

اليه ،كيف كان سيكون حال اسبانيا لو لم يطرد الاستعمار الاسلامي منها ...؟

واذ كانو يتفاخرون بالاندلس فليس بفضلهم والا لماذا لم يكن كل العالم الاسلامي كالاندلس...؟

والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا كان سيكون واقع الدول الخليجيه لولا النفط والشركات الاجنبية

كردي في بغداد في سنة يتعلم العربية ، وعربي في كردستان يحتاج الى سنوات ...!

فالى رواد الامة ورواد القومية ورواد النضرة الانسانية ...لكم مني الف اعتذار وتحية

سرسبندار السندي

اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا