الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسول فيه و فيه

مصطفى العوزي

2009 / 1 / 31
الادب والفن


نحن ألان بمحطة أولاد زيان بمدينة الدار البيضاء ، ننتظر الحافلة التي ستقلع بعد حوالي نصف ساعة في اتجاه مدينة طنجة ، يصعد الحافلة بائع متجول يحمل بين يدايه علب من الشكولاطة و يلح على الزبناء بعبارات اغرائية حتى يقتنوا منه بعض تلك العلب ، بعد هذا البائع يصعد الحافلة متسول في حالة لا يمكن التعليق عليها ، و يشرع في إطلاق كلمات تعود على النطق بها ، نص الكلام طويل و مسترسل بشكل يصعب معه التذكر ، لكن فحو الكلام ليس إلا سرد للمعاناة الطويلة التي يؤرخ لها صاحبها بحادثة سقوطه من عمارة على علو ثلاث طوابق ، هذا حدث مؤسف ، لكنه في ذات الوقت بطولي ، البقاء على قيد الحياة بعد هذه السقطة المميتة هو من شيم أبطال المسلسلات و الأفلام الأمريكية و الغربية عموما ، حيث يصور لنا البطل بكونه إنسان لا كباقي الناس ، قدرته على التحمل و الصبر و تحدي الصعاب كبيرة جدا . و من أشد ما علق بذهن من كلام هذا الرجل ، هو طلبه للناس بالجود عليه بمبلغ هزيل جدا هو (10 ريال ) ، و الريال المغربي طبعا ليس كالريال الخليجي ، حيث أن هذا الريال ليس إلا 50 سنتيم مغربية ، طبعا الأمر يبدوا عاديا ، لكن الحقيقة عكس ذلك ، و ببساطة حاولت القيام بمقارنة بين هذا المتسول و بعض المتسولين في شمال المغرب في طنجة و تطوان و المضيق و النواحي ، حيث أن غالبية المتسولين تصرح بالمبلغ المطلوب و تترك المجال مفتوحا لجود يد المتصدقين من الناس ، غير أن هناك فئة أخرى تطالعك في الشوارع الكبيرة لهذه المدن بعبارة مثيرة للاستغراب و الضحك ( عطيني شي 100 درهم ) ، ينطق بالمبلغ في راحة تامة و عزة و كرامة عالية ، حتى يخال للمرء أن الواقف أمامه ليس إلا ملحق إدارة الضرائب يقوم بمهامه بشكل عادي و تلقائي ، حادثة المتسول بالمحطة هذه تقف بنا على موضوع غاية في الأهمية و هو مستوى التفاوت الحاصل داخل البلد حتى بين مدينة و أخرى و في المدينة الواحدة ، طبعا هناك عوامل أخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كعدد السكان و غيرها ، حتى التسول فيه و فيه ، هناك من يكتفي بعشرة ريالات مغربية و هناك من تدفعه الجرأة لطلب مبلغ كبير ك 100 درهم ، و هذا لا يمكن تفسيره إلا من خلال العودة إلى التعريف الذي قدمه علماء الاجتماع للفقر ، حيث أقروا بوجود نوعين من الفقر ، هناك الفقر المطلق و المرتبط بشروط الكفاف في العيش ، في المقابل هناك فقر نسبي يرتبط بالكماليات المصاحبة لحياة الفرد ، و بإسقاط قد يكون عشوائيا نقول أن المتسول الأول ينتمي لخانة الفقر المطلق حيث أن المبلغ الذي يطلبه لن يكون إلا لتسديد أشد متطلبات الحياة البسيطة ، في حين أن المتسول الثاني ينتمي لخانة أخرى ضمن الفقر النسبي ، و عليه يبقى التعريف المقدم من طرف علماء الاجتماع معمول به بشكل كبير في مواطن عديدة و هذه واحدة منها ، و ختاما يبقى من الواجب الإشارة إلى حادثة بسيطة مصاحبة هي بالأساس نهاية مشهد متسول المحطة ، و هي صدقة بسيطة تبرع بها رفيق في المحطة للرجل ليس لأنه فقير و محتاج ، و لكن لأنه ظل على قيد الحياة بعد حادثة السقوط الهوليودية .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع