الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوبيا الثقافويين

الهادي خليفي

2009 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما غدت من المواضيع المفضلة لدي استهلاكا وكتابة ان يتعلق الامر بتتبع اسباب انفصال الثقافويين عن مجتمعهم وقضاياه – ولم اشا هنا ان استعمل عبارة المثقفين لان المثقف في نظري بالضرورة مشدود ومرتبط وثيق الارتباط بمحيطه تاثرا وتاثيرا-واكتفائهم بين الحين والاخر باطلاق بعض التعليقات المعيارية من هناك ،من بعيد ،من فوق الربوة ..ومن ساحات امنة خوض المعارك او الصراعات ..في المقاهي وفي الحانات وفي بيوت النوم وفي كل الفضاءات التي تكوّن مجال الثقافة الموازية او ما اصطلح ابناء بلدي على تسميته بثقافة "التراكن" او "التنبير"في هذا السياق..سوف لن اتحدث عن الخواء الفكري والثقافي للمتعلمين والمعلمين ، كما سوف لن اتحدث عن الطمع والانتهازية الذين استشريا ،كما لن اتحدث عن اصحاب الشهادات العلمية العالية ممن يتوارثون الانتماءات السياسية اباء عن اجداد..وانما سافرد الحديث عن فئة من الثقافويين ربما هي اسوء واخطر على سلامة المجتمع من كل من سبق ذكرهم ذلك انها تحمل ازدواجا في المواقف والافعال والاقوال يعجز معه الانسان على الوقوف على حقيقتهم او حقيقة مواقفهم و يخرج افرادها من كونهم أسوياء ليضعهم في خانة المرضى على المستوى النفسي انهم اولئك الذين تملكهم الخوف فيعملون كل جهدهم على مداراته لكنه يغلبهم في سلوكاتهم وتصرفاتهم.
والخوف في حدوده الطبيعية شعور عادي يصيب الناس جميعا حال احساسهم بخطر يتهدد حياتهم او ممتلكلتهم او ما يعز عليهم الا انه اذا تجاوز حده واصبح يسيطر على كل سلوكات الفرد فانه يصير بذلك حالة مرضية تسمى اذا ما عانى من اعراضها جمع من الناس "الفوبيا الاجتماعية" .
الفوبيا الاجتماعية توصف بكونها "حالة متقدمة من الخوف المتواصل والشديد وغير المعقول من شيء اومن موقف معين يؤدي الى تجنب ذلك الشيء او الموقف وقد يتضمن ذلك التجنب درجة من العجز"(1) عن التعاطي في المسائل المطروحة للتداول ان كانت سياسية او اجتماعية او اغير ذلك من المواضيع باعتبارها تقود الى صراعات واتخاذ مواقف قد تتعارض او لا تتفق مع الموقف الذي يخشاه ويرهبه المصاب بالفوبيا الاجتماعية.
ان من بين هؤلاء الذين يعانون من الفوبيا الاجتماعية أولئك الذين "يدعون لاندلس ان حوصرت حلب " اذا استعرنا عبارة درويش في توصيفهم..انهم اولئك الذين يذهبون الى الحدود القصوى في تبرير فعلهم القاطع لكل الاواصر مع المجتمع فيدعي بعضهم ان امكانيات الاصلاح الديمقراطي او التغيير السلمي معدومة في المجتمعات العربية وهو لذلك لا يرى الا امكانية التغيير عن طريق العنف الثوري اوالجهاد والتكفير وحمل البندقية وهو لا يدّعي ذلك ايمانا وانما لانه يعلم استحالة تحقق الفرضية او بعدها فيجعله ذلك الايمان الزائف يامن شر ان يوصف بالجبن ويامن شر ان ينزل الى الساحة وينازل بالكلمة والبرهان والحجة والاحتجاج مع ما يتطلبه ذلك من تضحيات وامكانيات لوقوع مواجهات مع سلطة يسمع ويرهب ربما اكثر مما يعرف عن قسوتها في معاملة من يخالفونها الراي..
وبعض هؤلاء يعمدون الى تقليص علاقاتهم الاجتماعية الى الحدود الدنيا تهربا من وقوعهم تحت طائلة اهتمام الناس وتعليقاتهم فيحرمون المجتمع الاستفادة من امكانياتهم التي يغيبها فقدان الثقة في الذات عن اصحابها ويحرمون انفسهم من العيش الطبيعي في وسطهم او بيئتهم وقد يؤدي الخوف المتفاقم او الزائد عن حده المعقول الى تدمير المسيرة التعليمية او العملية للمصاب به بل قد ينتهي به الى الادمان على المخدرات او المشروبات الكحولية والى الانزواء والعزلة وهو بذلك يلحق ضررا بالمجتمع في هذه الحالة اذ يخرج الخوف مجموع المدمنين والانعزاليين من عداد العمال الذين يعتبرون طاقة محركة للحياة الاقتصادية.
ومن بين هؤلاء من ينخرط في تنظيمات السلطة ليزيد كشف الاعداد فيها دون وعي بطروحات تلك التنظيمات ولا باهدافها او مبادئها انما درءا لما قد يصيبه اذا لم يقم بدخول عبائتها..ويحاجج هؤلاء باستحالة الاصلاح من الخارج فالحل اذا في اعتقادهم بالضرورة يكمن في الاصلاح من الداخل وهو وجه يخفي الخوف من المواجهة وما تتطلبه من مقاومة ونضال..
ومن بين المعانين من الفوبيا الاجتماعية اولائك الناس الذين يبررون واقع التسلط بكونه اختبار من الله لصبر عباده ويدعون الى الامتثال الى قدر الخالق وطاعته..
ان عاملا هاما في تطور وتنامي الخوف او الفوفيا عائدين الى غياب مضادات حيوية لمواجهتهما على الارض التي اتخذاها مرتعا لهما وهي الحياة الثقافية بمدلولها الواسع فما يسّر الامر هو ان تتوافر السنة واقلام ودعاة يتداولون انماط التعبير –حتى لا اقول فكر- تبرر هذا الخوف وترعاه مقدمة للسلطة سلاحا امضى من كل ما تمتلك هو سلاح التسطيح الثقافي او العيش خارج حدود ثقافة الفكر الحر اذ ان ذلك التسطيح يسمح بتوليد واعادة انتاج القطيع ويقطع مع العقل والفكر وما يدعوان اليه من انسان ،مواطن،حر.
ان اعداد الذين يعانون من الفوبيا الاجتماعية كثر بل هم في ازدياد مستمر وهم في جانب كبير لا يتحملون المسؤولية المطلقة في مصابهم رغم مساهمة الثقافويين في التنظير له ونشره بل ان حكومات وسلطات بلدانهم فاعلاساسي فيما لحقهم ويلحقهم اذ عن طريق اعتمادها الدائم على اساليب العنف والقوة في مواجهة خصومها وعن طريق مصادرة حق المواطنين في المشاركة السياسية وفي التعبير عن الراي ساهمت في خلق شعور دائم بالخوف اصبح مع تتالي المراحل التاريخية مستبطنا ومتوارثا لدى عامة الناس .. ان المواطن كان ينتظر مع انبلاج فجر الاستقلال ان يزول خوفه لايمانه بزوال مصدره وهو المستعمر الدخيل الذي سلبه رزقه وهدد امنه في سلامة جسده او عرضه وارضه غير ان واقع ممارسة السلطة الوطنية لم يحقق له كثيرا من انتظاراته بل صدمه ان تتواصل نفس سياسات المستعمر من اشخاص يشاركونه الانتماء الى الوطن والدين واللغة والتاريخ والحاضر والمستقبل،صدمه ان لا يتحقق لفئات كثيرة من الشعب الشعور بالامن من الخوف :الخوف على سلامة الجسد ،الخوف على الفكر ،الخوف على الرزق او مورده ،الخوف على المعتقد،الخوف على التنقل...وهذا الخوف الجماعي او "الفوبيا الاجتماعية" ما لم يتم العمل على استئصال اسبابها الثقافية خاصة ستستمر في تمثيل اكبر عائق امام كل تقدم وتتطور نرنو اليهما باعتبارها مميتة لدوافع التطلع وعوامل الابداع وروح البناء.
1- سمية قموّة- الفوبيا الخوف الشديد – موقع المراة العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Erick Fromm
Talal Alrubaie ( 2009 / 2 / 19 - 23:34 )
Your excelllent article reminds me of seminal work by the Marxist psychoanalyst Ercik Fromms The Fear of Freedom in 1941, in which he argued that the causes of faschism are rooted in the
Narcissistic Personality, which he very well elaborated.
Regards

اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع