الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبل مواجهة المأزق التنموي في العراق

فلاح خلف الربيعي

2009 / 2 / 21
الادارة و الاقتصاد


رغم ما يحظى به الاقتصاد العراقي من مزايا مادية وبشرية، وهيكل إنتاجي متنوع، مقارنة بالاقتصادات النفطية ذات الطبيعة الريعية البحتة، فأنه يعيش ومنذ عقود تحت ضغط مجموعة من المعضلات التنموية،التي نجمت عن الفشل في تنفيذ الخطط و البرامج التنموية التي تم تبنيها خلال العقود الأربعة الماضية،وازدادت تلك المعضلات تفاقماً في بداية عقد التسعينات لتتحول الى مأزق تنموي حاد، بعد توجه صانع القرار الاقتصادي نحو التخلي التام عن البرامج التنموية، وتبني مجموعة من التوجهات والسياسات الاقتصادية غير العقلانية، كان الهدف منها هو توظيف للإيرادات النفطية لخدمة الطموحات السياسية والعسكرية والأمنية للنظام في تلك الفترة ،وقاد هذا التوجه الى حالة إهمال شبه كامل للإنفاق الذي يخدم الإغراض الإنتاجية والإنفاق الذي يساهم في رفع مستوى التنمية البشرية، فكانت الانتكاسات الخطيرة والتشوهات الهيكلية العميقة التي تعرض لها الاقتصاد العراقي خلال عقد التسعينات هي الثمرة المرة لتلك التوجهات، وجاءت الضغوط الخارجية الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تلت غزو الكويت، لتعمق من سوداوية هذا المشهد، و بعد سقوط النظام السابق في العام 2003 جاء الاحتلال الأمريكي وأعمال السلب والنهب والإعمال الإرهابية، ليجهزوا على الجزء المتبقي من البنية الإنتاجية، ويدمروا جزء كبير من البنية التحتية وبخاصة خطوط أنابيب وخطوط نقل الطاقة الكهربائية ومحطات توليد الكهرباء،.
وساهمت كل هذه التطورات في دخول الاقتصاد العراقي في حالة من الركود التضخمي الطويل الآجل، نتيجة لحالة الشلل أو التوقف شبه التام للقطاعات التي تشكل المصادر الرئيسية للعرض السلعي وبخاصة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية ، والارتفاع الكبير في معدلات البطالة .
وعلى الرغم من الطموحات والآمال العريضة التي كانت معلقة على سقوط النظام،باعتباره مفتتحاً للخروج من المأزق التنموي
، إلا أن استمرار حالة الاحتلال وحالة التدهور الأمني، وضعت العديد من العراقيل أمام المشاريع الهادفة الى تحقيق التنمية الاقتصادية وتصحيح الاختلالات الهيكلية .
العوامل التي ساهمت في استفحال المأزق التنموي :-
أن أي محاولة جادة للخروج من هذا المأزق التنموي ، ينبغي أن تنطلق من التشخيص الدقيق للعوامل التي ساهمت في استمرار هذا المأزق وأدت الى تفاقمه،والتي يمكن أن نعزوها الى العوامل الآتية :-
1-استمرار تبعية السياسة الاقتصادية للإيرادات النفطية، التي كانت تبنى السياسات التوسعية في ظل انتعاش تلك الإيرادات ، والسياسات الانكماشية في ظل انكماش وتراجع تلك الإيرادات .
2- استمرار الطابع غير الإنتاجي لتوجهات السياسة الاقتصادية التي ساهمت في تدهور المساهمة النسبية للقطاعات السلعية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية، وكرست الطابع الريعي – الخدمي للاقتصاد العراقي .
3- استمرار ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الخاص والعام وبخاصة الإنفاق الدفاعي في أجهزة الدولة، قد فتح الباب واسعا لشيوع مظاهر الفساد المالي والإداري في جميع أنشطة الدولة الاقتصادية والإدارية والأمنية. وأقترن هذا التوجه بضعف مرونة الجهاز الإنتاجي، مما أدى ارتفاع معدلات الاستيراد.
4- استمرار التناقض بين التوجهات المطلوبة لرفع معدلات الاستثمار في المجالات الإنتاجية والتوجهات الاستهلاكية لصانعي السياسات الاقتصادية، الذي حسم التنافس على التخصيصات لصالح الأنشطة الاستهلاكية ،وتحديدا لصالح الأنشطة الدفاعية والأمنية ،وترتب على هذا التوجه زيادة مستمرة في الإنفاق العسكري،على حساب الاستثمار قي المجالات الإنتاجية وفي التنمية البشرية.
5- التبدل العنيف في نمط تخصيصات الاستثمار لصالح الأنشطة التي تخدم الإغراض الأمنية والدفاعية على حسب التدهور النسبي للاستثمارات الإنتاجية، الأمر الذي زاد من تفاقم حالة الاختلال بين رأس المال الفوقي والاجتماعي ورأس المال الإنتاجي المباشر .
6- التركيز على التوسع في التشغيل في مؤسسات القطاع العام، والأنشطة الحكومية التقليدية وإهمال الاعتبارات الإنتاجية .
7- شهد الاقتصاد العراقي خلال العقود الماضية، أسوء أنواع الاختلال القطاعي،حين تعمقت حالة عدم التناسب بين القطاعات التي تشكل مصادر العرض المحلي للناتج السلعي غير النفطي، والقطاعات التي تعمل كروافد للطلب المحلي،وقد أنعكس ذلك،بشكل اختلال بين القدرات الإنتاجية الحقيقية المتولدة في الاقتصاد الوطني،التي تعبر عنها القيم المضافة المتحققة في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، والقدرات الاستهلاكية الكبيرة المتمثلة بالدخول المتولدة في الأنشطة غير السلعية، وبخاصة أنشطة الإدارة العامة والدفاع ، فتدهورت حصة الفرد من الدخل القومي، ووصلت معدلات الفقر الى أكثر من 70% من الشعب العراقي، وتدهورت عملية التوازن الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية التفاوت في توزيع الدخول .
8-ضعف عملية التشابك القطاعي والترابطات الإنتاجية بين الأنشطة الاقتصادية ، كنتيجة لتحيز الهيكل الإنتاجي في العراق لحلقات الإنتاج النهائية، لغياب دور الأنشطة الصناعية الوسيطة،وضعف الآثار التحفيزية المتولدة لمعظم الأنشطة الإنتاجية.
9-ضعف دور قطاع الصناعة التحويلية في تمتين الترابطات الإنتاجية وتوفير المدخلات الوسيطة والإنتاجية لسائر قطاعات الاقتصاد الوطني، وهذا يفسر أيضا الارتباط القوي بين كل من عملية الإنتاج والاستثمار وعملية الاستيراد. وارتفاع حجم التسرب من دورة التدفقات الوسيطة،خلال عملية الاستيراد لمختلف السلع الوسيطة الإنتاجية .
7- هيمنة الصادرات النفطية إلى الناتج المحلي الإجمالي على تجارة العراق الخارجية، إذ تتجاوز نسبتها (95%) من مجموع الصادرات .
ما العمل للخروج من المأزق التنموي
وبعد الانتهاء من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق حاليا وانتهاء حالة الاحتلال العسكري و تحسن الوضع الأمني ، فأن الجهود الهادفة الى الخروج من المأزق التنموي وتصحيح مسار التنمية ينبغي أن تراعي المقترحات الآتية :-
1- ضرورة توجيه النسبة الكبرى من التخصيصات الاستثمارية وموارد النقد الأجنبي وتهيئة الظروف التي تكفل تحقيق ارتفاعا مطردا في الناتج السلعي غير النفطي،وعلى أساس تعجيل النمو في القطاع الصناعي الصناعة التحويلية وتحقيق معدلا ت نمو منتظمة في القطاع الزراعي، وجعل هذين القطاعين أكثر استيعابا للقوى العاملة ولحركة رؤوس الأموال .وتبني إستراتيجية للتنمية تهدف الى تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد استخراجي-خدمي الى اقتصاد صناعي –زراعي.
2-لابد من إعداد برنامج بعيد المدى لتتصرف بموارد النقد الأجنبي، ووضع الآليات الكفيلة بتحسين توظيف تلك الموارد ،وفي مقدمتها الموازنات بعيدة المدى للنقد الأجنبي ،التي تأخذ في الحساب إمكانيات تعويض الاستيراد وتنويع هيكل الإنتاج و هيكل الصادرات
4-تهيئة المناخ الاقتصادي الملائم، الكفيل بتعزيز حالة التنافس بين القطاع العام والقطاع الخاص وعلى أساس اعتبارات الكفاءة الإنتاجية والخضوع لقوى السوق، وذلك بالعمل على منح القطاع الخاص الفرصة الكاملة للقيام بدوره في عملية التنمية،على أن تهتم القطاعات الحكومية بتهيئة المتطلبات الأساسية لهذه التنمية من توفير البنية الأساسية كالخدمات والمواني والطرق وشبكات الكهرباء والمياه ، فاستمرار احتكار المؤسسات الحكومية للمشاريع الكبيرة في مجالات القطاع النفط والصناعة الصناعة التحويلية ة والخدمات العامة، وعدم السماح للقطاع الخاص للدخول الى هذه المجالات ، سيحرم الاقتصاد العراقي من استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي من ناحية مثلما يحرمها من المهارات والمعرفة والتكنولوجيا التي يمكن أن تصاحب تلك الاستثمارات
7- تشجيع وتسهيل مشاركة رأس المال الوطني والأجنبي في ملكية المشاريع المحلية وتطوير للسوق المالية لإتاحة الفرصة لمزيد من الاستثمارات،وتوفير المزيد من القنوات لاستقطاب المدخرات
5-إعادة توزيع القوى العاملة على الأنشطة الاقتصادية في ضوء احتياجاتها الفعلية،وبما يكفل زيادة مستويات الكفاءة الإنتاجية للعاملين، وإضفاء نوع من المرونة على سياسات التشغيل والتوظيف خاصة في مجال الاستغناء عن خدمات العمالة الفائضة ، ومعالجة تلك القضية عن طريق رفع مستوى المهارات،والتوسع المستمر في المشاريع الخصخصة وفتح مختلف الأنشطة والقطاعات للمنافسة.
-6 ضرورة التعجيل بحل المليشيات المسلحة المشاركة في إشاعة الفوضى وخرق القوانين والتخريب والقتل وتعطيل العملية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
-7 ضرورة العمل الجاد لمكافحة الفساد الإداري والمالي .
- 8 ضرورة تفعيل دور التنظيمات والأحزاب والشخصيات الديمقراطية صاحبة المصلحة الحقيقة في العراق الديمقراطي الموحد، بعد أن هيمنت المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية على المشهد السياسي في السنوات الماضية .
-9 ضرورة الحرص على ضمان العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع ومكافحة البطالة.
-10 ضرورة تحسين قدرة الاقتصاد الوطني على إنتاج السلع الاستهلاكية الضرورية .
-11 ضرورة تشجيع الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي و تقليص الاستيرادات، تمهيدا لتحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي صناعي –زراعي ، عبر اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتغيير الهيكل الإنتاجي لصالح قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الزراعة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110