الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: الانفراج السياسي وعلاقة السلطة بالمعارضة -الحزب الديمقراطي التقدمي نموذجا-

الهادي خليفي

2009 / 2 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


رغم مواقفه المبدئية الراسخة فيما يتعلق بالديمقراطية والحقوق السياسية والحريات العامة وضرورة الاصلاح السياسي الشامل ودعوته الدائمة الى ضرورة اقرار نظام جمهوري يقطع مع الصورية فان الحزب الديمقراطي التقدمي لم يكن عرضة لقمع السلطة الذي طال اغلب خصومها السياسيين في بداية واواسط تسعينات القرن الماضي ولم يشمله استهدافها في حينها ولما بدات الان الة العنف والقسوة تلين مع أولئك الخصوم ازدادت حدة واستهدافا وان مقنعا لهذا الحزب .فما سبب هذا الانقلاب في التعاطي مع هذا المكون من مكونات المشهد السياسي في تونس؟ والى أي حد يمكن الحكم بالإيجاب عن نوايا السلطة تحقيق انفراج سياسي يهدئ الاوضاع قبل الانتخابات القادمة ؟.لا يكون للحديث عن الانفراج السياسي معنى اذا لم يترافق مع بحث في اسباب التوتر والاحتدام السابقين للتفكير فيه والذين يفرضانه خيارا وحلا لاوضاع حياة سياسية معينة انتهت الى انسداد الافق فيها .لقد اتسمت الحياة السياسية في تونس بعدم الثبات في اغلب ردهاتها منذ الاستقلال الى الان وحتى ماكان يتم الترويج له دائما من استقرار ما كان ابدا ليخفي الثمن الفادح من الحريات الذي دفعه الشعب التونسي ونخبه.ولان موضوع هذه الورقة سيتناول علاقة السلطة بمكونات المعارضة المختلفة مركزا على الحزب الديمقراطي التقدمي كنموذج فانه سيبحث في اثناء ذلك وبالضرورة في اسباب التوتر بينهما وسينتهي الى الحكم على مدى امكانية تحقق فرضية الانفراج السياسي محاولا الاجابة عن سؤال :هل ان السلطة هي اللاعب الوحيد والقادر على انهاء التوتر في الحياة السياسية في تونس ؟ عند بدء التقصي في اولى اسباب التوتر في الحياة السياسية التونسية التي اعقبت الانفراج المؤقت والقصير بعد 7/11/1987فان اولى تلك الاسباب هي المواجهة بين السلطة والتيار الاسلامي .
استهدفت الة قمع السلطة وبدون هوادة وبكل قسوة حركة النهضة المحظورة بعد انتخابات 1989 وما تلاها من عمليات ارهابية غامضة نسبت اليها. والنهضة حركة تسعى الى فرض الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع ونظاما للحكم في بلد يمنع دستوره قيام احزاب على اساس ديني اواذا كانت لاتؤمن بمبادئ الديمقراطية وقيم الجمهورية الامر جعلها تفشل في الحصول على تاشيرة عمل ،الا ان الحركة رات انه بالامكان الاستعاضة عن الشرعية القانونية بالشرعية الجماهيرية او الشعبية فاتجهت منذ نشاتها الى التاطير والتوسع القاعدي وقد تجلت مظاهر قدرتها على الاستقطاب في مظاهرات عمت الشارع التونسي غداة حرب الكويت في اوت 1990 وحتى فيفري 1991 تاريخ بدء تحريرها . لم يكن امام السلطة وهي ترى خصما لها بدا يصبح مقتدرا وفي طور متقدم من بناء قوته الا ان تخشى على استمرارها فكانت هجمة بداية التسعينات التي شردت انصار هذه الحركة ومزقتهم بين السجون والمقابر والهجرة القسرية وفي افضل الحالات تطليق الحياة السياسية والعيش كمواطن بدرجة متدنية وتحت خوف مستديم .اما ثاني الضحايا فكان في الجهة النقيض اي اقصى اليسار ممثلا في حزب العمال الشيوعي وقد ظهر هذا الحزب للعلن في 4 جانفي 1985 أي بعد مرور سنة على ما عرفته تونس من احداث اصبحت تسمى لاحقا بثورة الخبز وهي ردة فعل شعبية عنيفة ضد قرار اتخذته السلطة بزيادة كبيرة في سعر الرغيف لا يمكن للمقدرة الشرائية للمواطن ان تحتملها وقد غذت اطرافا من داخل الحكم قيام هذه الثورة وسهلت اتساع رقعتها ضمن صراع كان محتدما بين مجموعة من اللاعبين تحكمهم اطماع الخلافة في زمن بدات فيه مظاهرالضعف غير خافية على حكم الرئيس بورقيبة المسن. استنتج حمة الهمامي صحبة مجموعة من الشباب الجامعي اليساري المؤمن بطروحات ماركس والمتاثر بتجارب لينين وكاسترو ان الظرف كان ملائما لانهاء النظام السياسي القائم في تونس عند اندلاع ثورة الخبز في جانفي 1984 الا ان ما منع ذلك هو ان المشهد كان منقوصا من وجود قيادة طليعية ثورية تسير الجماهير وترسم اهدافها فاعلن تاسيس حزب العمال الشيوعي في الذكرى الاولى لتلك الاحداث وهكذا ولد هذا الحزب الا انه ظل خارجا عن الشرعية نتيجة لان السلطة لم تكن قد امحت من ذاكرتها احداث الستينات والسبعينات التي كان اليسار بمختلف اطيافه الفاعل الرئيس فيها ولانها رات في ادبياته التي لم تخل من ديكتاتورية البروليتاريا والمساواة الاجتماعية مصوغا كافيا لاعتباره خطرا على النظام الجمهوري والديمقراطية وقداسة الملكية الخاصة التي تضمنها الدستور . وحين حدث تغيير 7/11/1987استثني الحزب ممن منحوا التاشيرات القانونية وتعرض في منتصف التسعينات الى عملية ضرب منظمة استهدفت استقطاب بعض رموزه لشق صفه واضعافه ومطاردة اخرين واجبارهم على العمل السري ومحاسبتهم على نهجه . وفي هذه الفترة من تاريخ تونس لم تسلم حتى تلك الاحزاب التي دعمت السلطة في كل خطواتها وساعدتها في عمليات إقصائها للأطراف السابقة ،فحركة الديمقراطيين الاشتراكيين اتهمت بالتعامل مع الخارج وتلقي تمويلات اجنبية وحوكم زعيمها وسجن ليفرج عنه لاحقا بعفو انهى حياته السياسية وكرس تدجينا وارتباطا لحركته بالحزب الحاكم لم تنفصل عراه الى الان.وحصل نفس الامر مع اختلاف في التفاصيل مع الاتحاد الديمقراطي الوحدوي حيث زجّ بزعيمه في السجن اثر قضايا حق عام لم يفرج عليه منها الى الان والت قيادته الى من مضى قدما في التطبيع مع نهج السلطة والابتعاد من موقع المنافس النزيه الى موقف التابع المطيع.. ان بقاء الحزب الديمقراطي التقدمي طيلة هذه الفترة بعيدا عن استهداف السلطة يعود الى اتزان خطه واعتدال خطابه وابتعاده في مستوى العمل عن التحالفات المشبوهة وغير المتكافئة مع السلطة والى ايمانه الحقيقي باليات النظام الديمقراطي وقد سهل عليه هذا النهج في البدء الحصول على تاشيرة سمحت له بالعمل المشروع كما ان من اسباب بقاء الجزب بعيدا عن الاستهداف طبيعته النخبوية اذ لم يكن يتجه الى التوسع القاعدي ولم يكن له من الحجم جماهيريا ما يجعله منافسا "خطرا" على مصالح الحكم او على بقائه مثلما كان الشان بالنسبة لحركة النهضة او حزب العمال الشيوعي ولا يحمل في طيات خطابه أي تهديد بالانقلاب او الثورة او حتى بالعصيان المدني الذي نادى به حزب المؤتمر من اجل الجمهورية رغم ظئالته حجمه على الخارطة السياسية لتونس.ان الحزب الديمقراطي التقدمي رغم عدم تعرضه الى ما تعرضت اليه اغلب مكونات المشهد السياسي في تونس من عنف واضطهاد فان علاقته بالسلطة ظلت متميزة ببرودها الدائم نتيجة لعدم اقدامه على خطوات تترجم التنازل عن خطه المستقل والحر مثلما فعلت احزاب اخرى وقبضت الثمن تمثيلا في البرلمان ونتيجة لدعمه لمختلف التيارات السياسية الوطنية المغضوب عليها من الحكم في حقها من اجل ممارسة العمل السياسي .
لقد تجلى تمسك الحزب بمبادئه من خلال اعلان لمؤسسه كان ضد التيار حيث عبر فيه في اوج هجمة السلطة على حركة النهضة في اول التسعينات من القرن الماضي انه مع العدالة في التعاطي مع المتهمين وانه يرفض ان تتجاوز الممارسات ذلك الحد الى الانتقام والتشفي ثم كانت انتخابات 1999وفيها سجل الحزب موقفا فضح فيه ممارسات السلطة القائمة على التزييف والتلاعب بارادة الشعب وفي 2002عارض بشدة مشروع تعديل الدستور منطلقا من ان الحكمة من ايجاد الدساتير هي الحد من سلطة الحاكم وتقييدها ومن المؤسف ان في تونس كان المقصود من التعديل هو فتح الطريق امام ولايات غير محددة امام الرئيس وتكريس الرئاسة الابدية من جديد وهو انقلاب صريح على ما جاء في بيان 7/11/1987 وفي 2004 قاطع الحزب الانتخابات التشريعية لغياب اليات تضمن اجراء العملية بصورة نزيهة وموضوعية واقصي من المشاركة في الانتخابات الرئاسية بقانون فصل على مقاس يختار الحاكم وفقه منافسيه ومع التحاق زعيم الحزب بزعامات وطنية في نسج شبكة علاقات خارجية مع منظمات حقوقية وهيئات دولية بغية فضح ممارسات السلطة وايجاد شكل من الضغط يخفف عن الداخل مع ترافق اتجاه صلب الحزب يدعو الى اعادة بناء هياكله باتجاه التركيز على الاستقطاب ومزيد الانتشار والتوسع قاعديا بالتزامن مع المطالبة بالحصول على الحقوق المشروعة كالحق في المقرات على المستويين الجهوي والمحلي او الحق في ابلاغ الصوت الحر والمستقل سواء عبر الوسائل المكتوبة او الالكترونية والحق في استغلال الفضاءات العامة على قدر المساواة مع الحزب الحاكم ...ساهم كل ما سبق ذكره في بقاء البرود مسيطرا في علاقة السلطة بالحزب الديمقراطي التقدمي الا ان ما افقدها مرونة التعاطي مع هذا الحزب_ التي تحلت بها سابقا _ما قام به زعيمه ولعبه من دور محوري في جمع زعماء المعارضة التونسية ذوي الميولات والمشارب المتناقضة في هيئة انبثقت عن حركة احتجاجية تزعمها تمثلت في اضراب جوع في 18اكتوبر2005 وعرفت لذلك بهيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات، ثم نتيجة لما تلى ذلك من تنازل الاستاذ احمد نجيب الشابي في مؤتمر ديسمبر 2006 عن الامانة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي لتخلفه لاول مرة في تاريخ الحياة السياسية التونسية امراة هي السيدة " مية الجريبي".لقد كانت تلك الحركة تلوّح بمعان كثيرة ربما اهمها ان نجيب الشابي بعد نشاة هيئة 18 اكتوبر لم يعد زعيما لحزب وحسب بقدر ما اصبح زعيما وطنيا بقبول اليسار واليمين والوسط به زعيما غير معلن لحركتهم الاحتجاجية تلك اما المعنى الثاني الذي يستقى من تلك الحركة – التخلي عن امانة الحزب- فهي ان الشخص الذي اتاها ليس مهوسا بحب الكرسي او وهم الزعامة فهو يقبل بالتنازل عن المنصب مختارا وطوعا وهو ايماء وتضمين واشارة الى ايمانه العميق بالديمقراطية والتداول السلمي على السلطة الامر الذي يجهد الحكم نفسه في كل مرحلة على ايجاد مبررات وطرق ملتوية تضمن عدم الالتزام به.
ان ما سيق يعدد الاسباب التي انتهت بالحزب الديمقراطي التقدمي من حزب نخبوي الى حزب ذي قاعدة تمتد افقيا وقيادة تشبثت الى اقصى حدود الممكن السياسي بمواقعها مما عدّها عند اقلام صحافة الدعاية معارضة راديكالية ، مع ان هذا الوصف يمكن ان تنعت به السلطة التي تابى الاتجاه نحو نقطة وسط تجمع بين الطرفين والذي يمنع وقوع ذلك ان الحزب الحاكم - والذي يبلغ عمره الان اكثر من 80عاما لم يعرف خلالها داخله أي تغيير انتخابي لزعيمه الاول – ليس على استعداد لان يخطو تلك الخطوة بل هو مستعد الى ان يستعيض عنها بحلول هي امر منها عندما يحاول الايهام بتحقق انفراج سياسي في البلاد عن طريق اطلاق مجموعة من سجناء حركة النهضة او بالسماح لمهجريها وحتى زعيمها بالعودة دون السماح لهم بممارسة العمل السياسي او حتى العيش بحرية ودون تضييق امني.وعن طريق رصد اعتمادات مالية ضخمة لجهة الحوض المنجمي تفضح الغبن الذي كانت تعانيه الجهة وزيف ادعاء قلة الامكانيات وان المانع من رصد المشاريع التنموية والاموال الكافية لخلق مواطن الشغل لم يكن الا سياسيا..ثم ان رصد هذه الاموال والاعتمادات لن يغطي ابدا طبيعة التعاطي الوحشي مع من دفعهم الفقر والخصاصة الى التظاهر السلمي ولن يغطي قتلهم وتلفيق تهم الاهاب بهم وغيرها من التهم الجنائية الخطيرة.كما لن تجعل الممارسات الامنية المتواصلة في الجهات والهادفة الى مواصلة حرمان المواطنين من حقوقهم المشروعة والمضمونة بمقتضى الدستور والقانون في ممارسة حرية التعبير والانتماء الى الاحزاب السياسية والتجمع السلمي كما حدث في بنزرت وسيدي بوزيد من الحديث عن الانفراج السياسي الا خطابا خشبيا ممجوجا لا ينطلي الا على على ذوي القناعات المعلبة والوعي المحدود .
لا يتحقق الانفراج بين طرفين ما لم يكن كلاهما مؤمنا باهمية الثاني في ضمان الاستقرار لارضية الحياة السياسية التي ينشطان فيها ويمارسان عملهما عليها فالانفراج السياسي القادر على الانتقال بالحياة السياسية من واقع الانغلاق والتضييق الى واقع يتسع لكل مكونات المشهد السياسي ويضمن للافراد التمتع بما منحتهم اياه النصوص الوطنية والدولية من حقوق وحريات لا يتم الا اذا امن الطرف القوي انه في نفس حاجة الطرف الضعيف الى هذا الانفراج وهو ما لا يبدو الان قريب التحقق في تونس اذ ان السلطة تفهم الانفراج على انه القبول بشروطها _التي سطرتها عبر قواعد وعبر ممارسات خارجة عن القواعد _ من الاطراف المكونة للمشهد السياسي وهذا الحال يقصي أي حزب او جمعية تلتزم استقلالها و يعرقل عملها.
تستطيع السلطة بامكانياتها وممارساتها ان تسوي بعض الملفات العالقة بينها وبين بعض اطراف الحياة السياسية في تونس الا ان ذلك لن يرقى الى مستوى اتفاق ندي ينهي اسباب التوتر ويحقق فعلا انفراجا سياسيا وهي لن تستطيع في ظل ايمانها الشديد بفكر الاستئثار وتمسكها برفض المشاركة جر بعض اطراف اخرى الى التسليم لها برسم وتحريك وتصريف شؤون البلاد منفردة ونتيجة لذلك ستزداد مواجهاتها معها حدة الامر الذي ينبئ بان الانفراج السياسي كما يرد في خطاب السلطة نتيجة عدم تلازمه مع تغيير في سلوك الحاكم و مع النية في الاستمرار في تسيير البلاد بنهج مستهلك اصبح مرفوضا من قطاعات واسعة من الشعب وحتى داخل الحزب الحاكم نفسه سيكون مجرد تلميع لصورة حكم يبحث جاهدا عن شرعية جديدة له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كفى تزييفا
قارئ ( 2009 / 2 / 22 - 20:48 )
الهادي الخليفي لا يعرف تونس على ما يبدو ، ربما كان يعيش فى تورا بورا ، و يتصور ان تونس ضيعة ظلامية ، ما نقله عن مسيرات حرب الخليج الاولى لا اساس له من الصحة ، انه محض تزييف للوقائع ، ففي ذلك الوقت وقفت الحركة الظلامية الى جانب امارات الخليج و المملكة السعودية و لم يكن لها حضور يذكر في المسيرات الى هيمن عليها اليسار و النقايون و القوميون ، و اليوم فان حركة النهضة الظلامية و مثيلاتها تعاني من عجز كبير و حضورها في المسيرات الاخير حول غزة شبه معدوم

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي