الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول الغيث مظاهرة البصرة

عدنان عاكف

2009 / 2 / 27
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


في خبر نشر على موقع " الطريق " بتاريخ 22 – 2 -2009 ان مدينة البصرة شهدت مظاهرة حاشدة احتجاجا على نتائج الانتخابات والتي جاءت مغايرة للأرقام التي قدمها مراقبي الكيانات لأحزابهم، والتي تؤشر الى حتمية حصول بعض الكيانات ( الغير فائزة وفق نتائج المفوضية ) على مقاعد ، وخاصة قائمة التيار الوطني في البصرة والتي يرأسها الحزب الشيوعي. وعلت اللافتات تحمل عبارات الرفض والاحتجاج من قبيل:
" لجنة محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي تستنكر سرقة أصوات الناخبين "
" لن نسكت وسنستخدم كافة الوسائل المشروعة لنيل حقوقنا "
" نرفض النتائج الغير عادلة للانتخابات "
" بأي حق تصادرون مقاعد 280000 ناخب "
" المفوضية المستقلة = محاصصة حزبية "
وطالب المتظاهرون بسن قانون جديد للانتخابات يعتمد آلية منصفة تضمن عدالة توزيع المقاعد المتبقية للخاسر الأقوى بدلا من شرعنة سرقتها للقوائم الفائزة. ففي محافظة البصرة تم استحواذ الفائزين ـ وفق النسب التي أعلنتها المفوضية ـ على أكثر من ثلث الناخبين وبما يعادل أكثر من أربعة عشر مقعدا.
القائمة العراقية الوطنية . المؤتمر الوطني العراقي . تجمع الخير والإصلاح . تحالف موطني العراق . الحزب الشيوعي العراقي . الحزب الوطني الديمقراطي . التجمع الشعبي الديمقراطي . الحركة الوطنية لثوار الانتفاضة . تجمع عراق المستقبل . جبهة الحوار الوطني . تجمع وحدة العراق الحر الديمقراطي . حزب الأمة العراقية . منظمة العدالة والتنمية الاجتماعي .
في نفس العدد من موقع " الطريق " نقرأ أيضا عن موقف مشابه لعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عبر عنه في لقاء نظمته منظمة الحزب في السويد، حيث استعرض جملة من الانجازات التي تحققت في المدة الأخيرة على الصعيد الأمني والتشريعي والسياسي، لكنه أضاف بأن " وهذا لا يعني أن ليس هناك مشاكل ونواقص وانتهاكات ترافق العملية الانتخابية كاستخدام المال السياسي وإمكانيات الدولة ومناصبها، وهذا ما يجب ضبطه عبر إصدار تشريعات وقوانين واتخاذ إجراءات حازمة من اجل احترام حرية الناخب ".
قرأت أكثر من مرة عن الغبن الذي أصاب القوائم الصغيرة التي خسرت الانتخابات، بسب قانون الانتخابات المعمول به حاليا، لكني لم أتصور ان الغبن يصل الى هذا الحد، الذي تعبر عنه الأرقام المذكورة. لو قمنا بعملية ضرب بسيطة – 280000عدد الأصوات التي حولت لصالح القوائم الفائزة 4 وهو عدد المواطنين الذين يؤيدون كل ناحب سرق صوته سنحصل على أكثر من مليون محتج في مدينة البصرة لوحدها. واذا كان عدد المقاعد التي استحوذ عليها الفائزون أكثر من 14 فهذا يعني 49% من أعضاء المجلس سرقوا حق غيرهم من المرشحين الذين ظلمهم قانون الانتخابات. وبكلمة أخرى لا أظن ان نتائج هذه الانتخابات تختلف من حيث شرعيتها عن الانتخابات ، التي كان أغلبية الأعضاء يفوزون بالتزكية في العهد الملكي. وبكلمة أخرى نحن أمام انتخابات مزيفة وفق القانون والدستور في العراق الديمقراطي.
ولكن ليست هذه هي الأرقام النهائية. هذه الأرقام هي حصيلة النواقص التي تميز قانون الانتخابات. ولكن ماذا عن الدور الذي لعبته المفوضية العليا للمحاصصة، وكم عضو شغل مقعده زورا بسبب تركيبة هذه المفوضية وتلاعبها ؟ وكم من عضو شغل مقعده زورا بسبب المال السياسي الضخم الذي انفق على الانتخابات، وكم عضو شغل مقعده زورا بسبب استغلال موارد الدولة ومؤسساتها واستخدام المناصب الحكومية للتأثير على نتائج الانتخابات.
ان ما جرى في البصرة يوم 22 -2 هو الخطوة الأولى، انه بداية الغيث ليس إلا. أقصد هكذا يجب أن يكون. والمطالب التي تقدمت بها الأحزاب والمنظمات السياسية في مذكرتها مطالب مهمة ومشروعة. ولكن علينا ان نتذكر ان تحقيق الكثير من هذه المطالب تتوقف بشكل مباشر على قدرة مجلس النواب على التحرك السريع للعمل على إجراء تعديلات جذرية على قانون الانتخابات الحالي، وبالصيغة التي تعطي لكل قائمة ما تستحق وسن القوانين التي تضمن وبشكل قاطع عدم استغلال مؤسسات الدولة والمناصب الحكومية بأي شكل من الأشكال، وإصدار القوانين الرادعة ضد استخدام المال السياسي، وحل المفوضية العليا وإعادة تشكيلها بما يضمن كفاءتها بالعمل ونزاهتها وحياديتها. هل ان مجلس النواب على استعداد على القيام بدوره بالفعل. في مقالة سابقة أشرنا بوضوح: لا مجلس النواب ولا الحكومة ولا إتلاف " دولة القانون " ولا المالكي سيقومون بهذه المهام ما داموا أحرارا بتصرفاتهم. قد يفعلوها لو أجبروا على ذلك. وليس هناك من هو قادر على إجبارهم إلا الشعب، لو عرفت الأحزاب والمنظمات الثلاثة عشر التي شاركت في مظاهرة البصرة كيف يمكن تحريكه. وليس هناك من وسيلة لكسب الشعب إلا بالتقرب من طالبه الضرورية، وهي ليست كثيرة كمطالب من استحوذ على المليارات خلال سنوات قلائل. ولو رفعت الى جانب الشعارات السياسية التي رفعها المتظاهرون في البصرة شعارات تطالب بالخبز والدواء والكهرباء والماء الصافي والمدرسة النظيفة، فسوف تجد الأحزاب السياسية مسنودة بزنود ملايين العراقيين الذين أنهكهم الجوع والمرض، وملوا من الصبر.
وعلى كل من يهمه ان تتواصل مسيرة الديمقراطية في البلاد خطورة المرحلة القادمة. لم يبق إلا فترة قصيرة تفصلنا عن الانتخابات القادمة، والتي ينبغي ان تسبقها جميع الإصلاحات القانونية والتشريعية الجديدة ( إعادة تشكيل المفوضية العليا، صدور قوانين تنظم عمل الأحزاب، وقوانين تنظم الانتخابات والدعاية الانتخابية وما يتعلق بالموارد المالية وغير ذلك ). وبعكس ذلك فان جميع الخروقات ستصبح جزءا لا يتجزء من الديمقراطية العراقية، وسيصبح من المستحيل معالجتها عن طريق مجلس النواب بعد ان يستحوذ الفائزون على غالبيته بسبب الخروقات، وليس لأن الشعب يريد ذلك. سيصبح السائد هو القانون.
ما حدث في البصرة هو أول الغيث، وبوسع القوى الديمقراطية والعلمانية أن يكون الخطوة الأولى في مسيرة العراق نحو آفاق أرحب!!
ولكن ذلك بحاجة التحرك جماعي منتظ ومنسق، وبكلمة أخرى لا بد من البحث عن تحالف جديد، وليكن تحالف انتخابي مؤقت يضع أمامه مهمتين مترابطتين عضويا. المهمة الأولى هي البحث في جميع السبل والطرق المشروعة لمعالجة كل ما ذكرناه عن نتائج الانتخابات وما ترتب عنها. والمهمة الثانية هي التهيئة للانتخابات البرلمانية القادمة. وأعتقد ان نواة مثل هذا التحالف جاهزة وهي تلك الآحزاب التي شاركت في مظاهرة البصرة. وما من شك ان مدن العراق الآخرى لن تتخلف عن البصرة.
ما ينبغي في مقالة نشرت على موقع " الحوار المتمدن " في 22 -2-2009 أشرنا الى من كل هذا نرى ان الحل الوحيد لدفع العملية الديمقراطية المتعثرة نحو الأمام يكمن في خلق الظروف القادرة على مساعدة الحكومة على التخلي عن الماضي، والعمل على تحقيق المطالب الحيوية للشعب. و اذا رفضت الحكومة تلك المساعدة المجانية فعلى تلك القوى ان تكون جاهزة وقادرة على تهيئة الظروف التي تجبرها على التخلي عن مواقفها. هل يمكن فعل ذلك؟ تجربة الفترة الماضية بينت ان التراجع عن الطائفية أمر ليس بالمستحيل، وان القوى الطائفية ذاتها قد وصلت الى قناعة فشل نهجها السابق، لكنها لن تتراجع إلا عندما تجد نفسها مجبرة على ذلك. وبكلمة أخرى ان القوى الديمقراطية والعلمانية ( وفي مقدمتها الحزب الشيوعي ) مطالبة بوقفة جدية مع النفس ومراجعة النهج الذي اتبعته منذ سقوط نظام صدام. أرجو ان لا يفهم باني أدعوا الى القطيعة التامة مع النظام والتشكيك بصحة النهج الذي ساد في المرحلة الأولى. كل ما في الأمر ينبغي التفكير بالخروج من تحت جلباب النظام الحاكم، ومعرفة ما اذا كان النهج السياسي الذي كان صالحا في الماضي ما زال صالحا للمرحلة التالية، والبحث عن نوع جديد من التحالفات السياسية. وأول خطوة في هذا الاتجاه يمكن ان تكون من خلال حملة واسعة ومدروسة للكشف عن جميع الخروقات التي رافقت العملية الانتخابية، واتخاذ موقف حازم تجاه كل ما قيل عن مخالفات المفوضية العليا للانتخابات. لم يعد السكوت على مثل هذه الممارسات أمر يمكن احتماله ، ولا أظن بيانات الاحتجاج والاستنكار يمكن أن تأتي بنتيجة وان أي مماطلة في معالجة هذا الموضوع سيلحق الضرر بالممارسة الديمقراطية التي نسعى الى تطويرها وترسيخها. لقد وضع الأستاذ جاسم الحلفي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والذي سبق ان أشرنا اليه في مقال سابق، آثام المال السياسي بمطاف آثام العنف الطائفي وهذا لوحده يكفي لتحديد حجم المخاطر التي يمكن ان تنجم عن التهاون في هذه القضية. ان الخطورة لا تقتصر على النتائج المزورة لصالح هذا الطرف أو ذاك، الخطورة تكمن في ان مثل هذا السلوك المرفوض سيتحول مع كل تجربة الى سلوك دائم تلجأ اليه السلطة كلما رأت في ذلك ضرورة. وربما سيكون تأثيرها على المواطن ونفسيته هو الأخطر. وتجربة العراقيين مع الانتخابات المزورة من أغنى التجارب. لقد وصل مستوى تزوير الانتخابات في العهد الملكي الى ان 121 نائب من أصل 134 هم أعضاء مجلس النواب فازوا بالتزكية في عام 1954. وتجربة الانتخابات الصورية في عهد البعث معروفة للجميع.
لا يزال نحو عام يفصلنا عن موعد الانتخابات القادمة. وهو وقت يكفي لبدء حملة سياسية منظمة تشارك فيها جميع القوى السياسية التي ترغب ان تكون تلك الانتخابات أرقى وأنظف وأنضج. وتكون من مهام هذه الحملة حصر جميع الخروقات الدستورية والقانونية، التي شهدتها الانتخابات، مهما كانت طفيفة، وحصر النواقص ونقاط الضعف في القوانين التي تنضم العملية الانتخابية ( كل ما يتعلق بالجانب المالي والإعلامي للقوائم الانتخابية والدعاية وغيرها )، والعمل على إصدار قوانين رادعة بحق كل حزب أو مجموعة أو فرد يلجأ الى أساليب غير مشروعة، ومنع أي مسئول من استغلال نفوذه أو استغلال مؤسسات الدولة بأي شكل من الأشكال لصالح حزبه أو منظمته.
في نفس الوقت ينبغي البدء بدراسة إمكانية التوصل الى آلية فعالة لمتابعة ومراقبة عمل مجالس المحافظات الجديدة، وتشكيل لجان لمراقبة عمل المجالس في كل محافظة، والضغط من أجل ان تقوم بتنفيذ الوعود التي تعهدت بها. والأهم من كل هذا البحث عن وسيلة لمراقبة أوجه صرف المبالغ الطائلة التي أصبحت تحت تصرف تلك المجالس.
بهذه السياسة فقط نستطيع ان نساعد السيد المالكي وحزبه على الوفاء بوعوده، وبهذه الوسيلة فقط نستطيع ان نساعد المالكي وأي مسئول غيره على التمسك بالنهج السليم الذي يقود العراق نحو آفاق رحبة، ومن خلال هذا النشاط يمكن أن تبدأ الاستعدادات الجادة للانتخابات القادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - متأخرون
سمير طبلة ( 2009 / 2 / 26 - 23:58 )
وسؤال - بلا مناكدة - اين كنا عن هذه الخروقات والنواقص قبل الانتخابات؟ أ لم نساهم بإقرار القانون، وكانت احتجاجتنا عليه خجولة، أقرب الى الصمت؟ ينبغي ان نجابه الحقيقة المرة، ونعترف بتقصيرنا بلا مواربة.
اما مساعدة المالكي وحزبه على الوفاء بوعوده، فأشك بها بالمطلق. فالمالكي صعد بطائفيته، لا بكفائته. ولا يزال اغلب كادره ومساعديه طائفيون حتى النخاع، وما تبني شعارات عكس ما يضمرون إلا ذر للرماد في العيون. وإن غيّر بعضهم جلده، فجوهره واحد: مصالحه الخاصة قبل مصلحة البلد وأهله.
أرى من المعيب التحدث عن -انجازات كثيرة- حصلت في العراق، ولا يزال اكثر من 4 ملايين من شعبه مهجرين ومهاجرين، ويعيش 4 ملايين آخرين تحت خط الفقر، وعلى أقل من دولار واحد يومياً (اجزم ان عضو البرلمان يكلف ميزانية العراق اكثر من الف دولار يومياً). والقائمة هنا مريرة. انها، ايها العزيز عدنان، ساعة الانتصار لناسنا المكتووين في البلد، بلا اية مجاملة او مواربة، او حسابات -جبهوية- خاسرة. فلنكن بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وإلا لن يرحمنا التاريخ. ولنوفي، على الاقل، أمانة من وهب عمره لقضية شعبه العادلة، وننتصر لها.
اما الحديث عن -مظاهرة حاشدة- فأراه مبالغة، ينبغي الكف عنها، احتراماً للذات، فلم يكن المشتركون اكثر من مئا

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على