الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلاف الفلسطيني والسلم الأهلي

ريما كتانة نزال

2009 / 3 / 13
القضية الفلسطينية


في المناسبة الآذارية مخرجات شاشتي تتجمد على صورتنا الفلسطينية ونسخها المعدَلة، طبعة بألوان مذبحة وريدية في غزة، وأخرى لجرافة تذبح خريطة تُقصم وتبتلع دون ضجيج، وهوية تتدحرج بضعف ما بين القدس وبلعين ونعلين، وطبعة ثُالثة تصرخ من بقاء خطيئة الانقسام الجغرافي ومن تمزق المجتمع.
يطل على مشهدنا السريالي، تقرير مثير للاستغراب يتحدث عن ازدياد الزيجات الحزبية في غزة، وحدوث طلاقات بسبب الخلاف السياسي. الخبر عادي في حدوده المذكورة، فمن الطبيعي أن تنشأ العلاقات الانسانية وأن تتوطد في ساحة العمل الحزبي، ومقبول تماما أن تولد المشاعر والعواطف بين صفوف ابناء الحزب الواحد، فالانسجام الفكري والسياسي يجسَر الفجوات ويقرب الافراد ويسرع من التفاهم، وأكيد أن التفاهم في الرؤى سيؤدي الى تفهم ظروف العمل الحزبي والسياسي، يتبعه تقدير افضل للتبعات النضالية واحتمال نتائجها، وهو في المحصلة خيار حر لطرفيه..
لكن من غير المفهوم اطلاقا أن يصبح الانسجام الحزبي بمثابة شرط يسبق الزواج، وأن يدقق الأهل في الهوية الحزبية للعريس قبل التأكد من أهليته الاقتصادية ومستواه العلمي، وأن يسبق حسم الانتماء الحزبي قبل حسم القضية المسلكية والأخلاقية. وأن يتم التعرف على الموقف السياسي للمتقدم للخطبة قبل فحص الانسجام الاجتماعي والقيمي، حيث يصبح موقف المتقدم للزواج من حكومة تسيير الاعمال في رام الله أو تأييده لحكومة غزة المقالة.. أهم من الاتفاق الأساسي على المهر والأثاث والشبكة ومستقبل الزواج.
الزواج الحزبي أو الطلاق على خلفية الخلاف السياسي الفصائلي، يمكن ادراجه في سياق التعصب الفكري السائد في المناطق الفلسطينية بشكل عام. وأحد آليات الفرز تكمن في عملية تمجيد الذات وتنزيهها عن الاخطاء، للنأي بها عن التعرض الى الانتقاد ولإحاطتها بهالة من القداسة، التي تقود الى لجم حرية التفكير، ودفع المجتمع الى النيل من مقدرته او رغبته في تمييز الخطاب الاعلامي والثقافي والسياسي قبل الحكم عليه. وبهذا يصبح المرء محكوما بالمقولة الشعبية " معهم وعليهم" في كل الاوضاع والحالات.
يتعرض المجتمع الفلسطيني لضخ ثقافي عدمي واقصائي منذ سنوات؛ وهو ضخ يجري في اطار عمليات الاستقطاب السياسي الفلسطيني، وعلى خلفية تسييس كل الظواهر والمظاهر لتصبح في خدمة كسب الولاء. ان الثقافة البديلة التي تنتشر هي تكريس ونتاج للخلاف السياسي، وأحد تفاصيلها تغيير العادات والتقاليد المتبعة في المسائل الاجتماعية، بهدف اجتثاث محددات الثقافة الفلسطينية المنفتحة، ومن أجل تغيير الوعي الاجتماعي والفكري وتزويره، وبما يؤدي الى الاسهام في تفكيك التواصل بين وحدات المجتمع، وإعادة تركيبها وبما يصب في مجرى الانعزال والانغلاق؛ محولة الحالة المجتمعية المتقاطعة بالنسب والجوار والمصاهرة.. الى مجموعات مفروضة على بعضها البعض مسكونة بالهواجس ومسوََرة بدوائر الشك والريبة، وما يجمعها هوية أصبحت مبهمة ومهجنة.
الواقع الفلسطيني الممزق لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة لممارسات مستنكرة عاشها المجتمع الفلسطيني، وهو لا زال واقعا تحت تأثيرها، صدمة الفلتان الأمني التي اتبعت بصدمة الاقتتال والحسم العسكري في غزة وتداعياته، الذي أوقع مئات الضحايا، وألحق الخسائر المادية والمعنوية في المجتمع، وأدى الى انتشار ثقافة الكراهية وفقد الثقة بين صفوف أبناء الشعب الواحد. لقد ساهم الاقتتال والفلتان في زعزعة اسس استقرار المجتمع، ومزق النسيج الاجتماعي، وألقى بظلاله وآثاره على حميمية الترابط الاجتماعي والأسري، لينتقل الصراع من أبعاده السياسية والأمنية؛ الى الابعاد الاجتماعية والقبلية والعشائرية، الأمر الذي أعادنا الى مظاهر الفجاجة البدائية.
ان مظاهر الفوضى لا زالت تواجهنا بعيون عمياء، ولا زالت مناخات البغض والصراع الأهلي تخلق التوتر مهددة السلم الاهلي الفلسطيني. ان مشاعر القلق والخوف تحيط بالمواطن من كل الاتجاهات. لقد سقط ست وأربعون قتيلا في الضفة وغزة خلال الشهرين الأوائل للعام 2009 ؛ منهم ثلاثة في ظروف غامضة، واربعة نتيجة التعذيب، وثلاثة نتيجة للضرب، وثلاث وثلاثون في شجارات عائلية، وسبعة في انهيار الانفاق، وواحد في مراكز الاحتجاز.
لقد ترك الانقسام آثارا بالغة الخطورة على المجتمع الفلسطيني، مهددا مقومات الاستقرار والانسجام والاجتماعي، تاركا آثاره في كل بيت وعلى كل أسرة، ليؤثر فيما يؤثر على العلاقات بين الاشقاء، محدثا فجوات وشروخا في العلاقات الإجتماعية بين الجيران والاقارب وعلاقات زملاء العمل، ففي دراسة أعدها مركز اعلام المرأة ذكرت بأن حوالي 84% من الأسر الغزاوية قد تأثرت بالصراع، وأن 40% من الأسر قد دفعت ثمنا من الدم أو الاعتقال أو المطاردة كنتيجة للصراع، وبأن 62% من الأسر أفادت بأن حالة الانقسام قد تسببت في حدوث مشاكل داخل الأسرة.
النسب السابقة تنبئ بأن الأمور تسير الى مزيد من التفسخ والاحتدام في المجتمع، مما يؤشر الى معالجات فورية باتت مطلوبة، وتحديدا مع بدء الحوار في القاهرة. لقد آن الأوان للتعامل مع الحالة الاجتماعية الفلسطينية الممزقة بمسؤولية، ولا بد من ان تكثف المؤسسات الاهلية جهودها، واتخاذ كل ما هو كفيل باستعادة لحمة النسيج الاجتماعي الفلسطيني. فبالتوازي مع الحوارات الفصائلية، لا بد وأن تقوم المؤسسات المجتمعية ومنها النسوية بكل عناوينها بالتداعى الى بحث مستفيض لعناصر ومقومات المصالحة الحقيقية في المجتمع، وذلك للتعامل مع مختلف أبعاد الخلاف وعناصره، بدءا من الجانب الثقافي والقيمي الغائبين عن الحوارات الرسمية، وانتهاء بكل الاجراءات والمتطلبات الضرورية، لاعادة تصحيح كل التشوهات التي أصابت مجتمعنا ومؤسساتنا، واعادة ارسائها على اسس تثير الاطمئنان وتجسر الفجوات المتسعة على نحو غير مسبوق.
ان الخلاف الفكري والثقافة الانقسامية البديلة لثقافة الوحدة الوطنية آخذة بالتمدد والتأصل؛ الأمر الذي يحتاج الى جهد استراتيجي شامل من أجل تصويبها ومعالجتها. فالخلاف الفكري والسياسي كان وسيبقى قائما في المجتمع تبعا للتعددية والتنوع في المجتمع، ويعتبر التنوع ايجابي اذا ما احسن التعامل معه وفق اسس موضوعية، تنطلق من احترام الرأي والرأي الآخر، وتراعي حدود الخلاف وتقاليده. هكذا نصون السلم الاهلي، بأن يكون التباين عامل قوة للقضية والشعب وليس مدخلا للتمزق والانقسام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية