الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة ...والعشيرة

هرمز كوهاري

2009 / 3 / 14
المجتمع المدني


يقال :
[ الكلمات الجميلة ليست صادقة ، والكلمات الصادقة ليست جميلة ]
في حوار في فضائية الحرة قبل فترة ، حول دور العشائر في إحلال الأمن ومحاربة القاعدة الذي بدأ قبل أكثر من سنة ولهذا فعلى الدولة أن تؤسس وتدعم العشيرة فهي الدعامة الإساسية لصيانة الأمن وحفظه على حد قول الشيخين في المحاورة ، وهنا طرح الشيخان القضية معكوسة ، وبدءا بموضوع محاربة القاعدة ، أي ليس من بداية القصة ، التي بدأت بترحيب هذه العشائر ، عشائر الأنبار ، بعصابات القاعدة وإعطائهم موطئ قدم في مناطقهم وتوفير المأوى لهم وتزويدهم بالسلاح والعتاد وحتى المال وخرائط وأدلاء للإجهاض على الوضع الجديد خوفا من فقدان السنة السلطة الذي تعودوا أو عوّدوا عليه منذ تأسيس الدولة العراقية ، ولم يقل هذان الشيخان لماذا بدأت هذه العشائر بمحاربة القادة متأخرة أي بعد ثلاث أو أربع سنوات من القتل والذبح والتفجير ضد للشعب العراقي، وهل لم يستيقظ ضميرهم إلا بعد ثلاث سنوات من الجرائم المتواصلة ؟.وعند إقتنعوا بنصيحة وطُعم الأمريكان ؟؟

والسبب ببساطة هو: أن القاعدة إنقلبت عليهم عندما قدم الأمريكان طُعم لهم المال والسلاح والإشتراك في السلطة ، بل عندما خرجوا هم ،أي العشائر عن طاعة تلك العصابات ، وخانوا العهد مع القاعدة !! هذا من جهة ومن الجهة الثانية إن محاربتهم للقاعدة كان دفاعا عن النفس والأرض والعرض ، وذلك عندما بدأت ولا زالت عصابات القاعدة تحاربهم وتفجر شبابهم الذين تطوعوا في الشرطة ، وكما تعرف العشائر أحسن من غيرها أن الدفاع عن النفس والأرض والعرض هو واجب لكل إنسان بل لكل كائن حي وليس فضل أو منّة على أحد أو على الدولة .

.وإذا صح هذا ، أي أن كل فئة تدافع عن نفسها وعن أرضها وعرضها مقابل مكافئة إشراكهم في السلطة لكان الجيش والشرطة الذين يدافعون عن كل الشعب وكل الوطن لا عن أنفسهم وعوائلهم فقط لكانوا أولى بالسلطة من غيرهم ، وأن يشكلوا الحكومة وكل دوائر الدولة لا غيرهم !!.بالإضافة أن الجيش الوطني والشرطة الوطنية لم ترحب وتأوي العصابات الإجرامية ويصبحون لتلك العصابات أدلاء وعونا لهم كما فعلت عشائر الأنبار وخاصة في الفلوجة الذي اصبحت تلك المدينة قاعدة لتلك العصابات بل كأنها مدينة تلك العصابات .

بل إن محاربة العشائر للقاعدة لم يكن إلا تكفيرا عما إقترفوه بمساعد تهم وترحيبهم بتلك بعصابات التي أجرمت بحق الشعب العراقي وعاثت فسادا في المجتمع العراقي ما يقارب أربعة سنوات ، بل أن قسما من شبابهم إنظموا الى تلك العصابات الإجرامية !!
إن إنضمامهم الى الدولة والعملية السياسية يجب الا يكون لقاء مكافئة بالمال والسلطة ،بل هم جزء من الشعب الذي إنخرط في العملية السياسية ، ولا يعني الإنخراط في العملية السياسية هو شرط الإشتراك في السلطة بل الصندوق النزيه يقرر ذلك ،و أن يكون على أساس الأفراد وهذا هو قانون دولة القانون ،لا كما فعلت الدولة في الإنتخابات الأولى على أساس القوائم المغلقة وإستخدام الرموز والشعائر الدينية ، وهكذا بالنسبة الى العشائر و ليس على اساس العشيرة يقودها ويوجهها شيخ العشيرة ويسحب وراءه عشيرته أو يبصم عنهم دون علمهم ! كما كانت العشائر منذ قديم الزمان و في عهد نوري السعيد عندما كان شيخ العشيرة يرسل برقية للباشا يقول فيها :
" أنا وعشيرتي نؤيدكم ونحن رهن إشارتكم سيروا على بركة الله ونحن من وراءكم " أو يعلن إنتمائه هو وعشيرته الى حزب الباشا
و هكذا اليوم تعلن هؤلاء الشيوخ إنتمائهم هم وعشائرهم الى مجالس الإسناد ويبصمون عنهم ، ويرسلوا وربما أرسلوا برقيات أو نداءات أو رسائل أو (طارش )!! الى نوري المالكي يقولون فيها :
" نحن وعشائرنا نساندكم في جهودكم في بناء دولة القانون !!، سيروا على بركة الله ، والله من وراء القصد ..."!!

إن المجتمع العشائري أو الإقطاعي يرجع تكوينه الى ما قبل عصر تأسيس الدولة النظامية أو دولة القانون لأن العشيرة أو القبيلة كانت ضمانة لحماية الفرد في زمن الغزوات عندما لم تكن الدولة من القوى والدراية بالسيطرة على الأفراد كحماية النزاعات وجمع الضرائب والأتاوات والكودا (الضريبة على الماشية )،فتستعين بشيوخ العشائر ، والآن حلت الدولة ، دولة القانون والدستور محل العشيرة أو أجهة أخرى تدعي حماية الفرد بدل الدولة ، والدولة القانونية تستخدم التوعية أولا والعنف ضد كل معتدي على الغير ، وكان الأفراد يلجأون الى العشيرة لحل النزاعات بين بينهم ، هذا من جهة ومن الجهة الثانية فإن العشيرة تعتبر نفسها وحدة إدارية إقتصادية قائمة بذاتها ترفض الطاعة للقانون المدني أو أي قانون آخر غير قوانينها ، ولها تقاليد وعاداتها الثابتة لا تتطور كتطور حياة المدينة وليس المقصود بالعادات والتقاليد أنهم لا يستعملون أحدث السيارات وبسكنون أفخم القصور ويستخدمون أرقى الهواتف النقالة ، بل المقصود أن يبق الشيوخ محتفظين بالأراضي المغتصبة وإستغلال الفلاحين أبشع إستغلال والتكلم بإسمهم دون علمهم أو رضاهم .والشيخ يكون هو الحالكم والحكيم أي هو المعتدي على الفلاح وهو القاضي .

وإن شيوخ العشائر يشكلون عقبة في طريق إنعتاق الفلاحين، والمعروف أن الفلاحين يشكلون أكثرية الشعب العراقي ، فكل تقوية ودعم شيوخ العشائر يكون على حساب حقوق الفلاحين وإمعانا في إستغلالهم وإبقائهم تحت رحمة شيوخهم الذين يعيشون عالة وطفيلين على جهود الفلاح .إن دول القانون دائما تدعم الفلاح بالقروض وتوفير السماد والبذور الجيدة كما تفعل أمريكا وأوروبا فهناك دولا أوروبية تبني إقتصادها على الألبان ومنتجاته واللحوم إضافة على تمتعها بالتكنولوجية ، ففرنسا من الدول الصناعية المتطورة جدا تعتبر الأولى في أوروبا في تصدير الدجاج والرابعة عالميا في هذا الحقل وقد نكون نحن الدولة الزراعية الأولى في إستيراد المنتوجات الزراعية والحيوانية والأخيرة في الإنتاج !!!

فالدولة القانونية تتعامل مع الفرد أياً كان وليس لأحد كائن من كان سيطرة على الآخر أوإستغلاله رغما عنه أو وسيطا وحاجزا بينه وبين السلطة والقضاء ، إلا عن طريق التعاقد والإتفاق والعقد شريعة المتعاقدين شرط الا يتعارض مع القانون والنظام العام . ، فكلما ضعفت الدولة تقوت العشيرة و تصبح العشائر سلطات بديلة لحماية أفرادها من إعتداء الغير ، والعكس بالعكس ،
إن إحياء العشائرية يكون على حساب سلطة الدولة ، دولة القانون ! ونفوذها ، وبالإضافة الى ماذكر أعلاه فأن العشائر دائما تكون مسلحة بداعي الدفاع عن كيانها ومصالحها وهذا مخالف أصلا لمفهوم الدولة ، لأن السلاح يجب أن يحصر بيد الدولة أولا ، وثانيا أن الدولة هي المسؤولة مسؤولية مباشرة لحماية الفرد والجماعات وهي ، أي حماية الفرد والمجتمع من إولى أولياتها على الإطلاق .

كلما خطى المجتمع خطوة نحو تأسيس دولة قانون ونظام ، يخطو خطوة نحو إختفاء العشائرية وكذلك بالنسبة الى التصنيع يكون على حساب العشيرة والقبيلة ، لأن أكثرية الفلاحين يتحولون الى عمال ، وحتى في مجال الزراعة، فتتحول الزراعة الى شركات زراعية مساهمة أو خاصة تخضع للقانون و تستخدم عمالا زراعيين بأجور متفق عليها ، والدولة الديمقراطية تفرض الحد الأدني للعامل غير الماهر ويخضع لقانون العمل في الحقوق والواجبات في حين تختفي مثل هذه القوانين عند العشيرة بل يبقى الشيخ الحاكم بأمره . إن العشيرة تقف حجر عثرة في طريق تأسيس الجمعيات الفلاحية ونقابات عمال الزراعية ، وعليه تكون العشيرة هي حالة متأخرة عن مرحلة بناء دولة القانون و الديمقراطية .

، وهذا ما حدث عند إنتقال المجتمع الأوروبي من المجتمع الإقطاعي الى المجتمع الصناعي وهذه الشركات تخضع لقوانين الدولة من حقوق العمال وتنظيم الضرائب ، ونقابات العمال وهذه النقابات لهم قوة وتأثير تفوق قوة وتأثير الدولة أحيانا ، وكثيرا من الدول تذعن لمطالب النقابات عندما تعلن الإضراب وخاصة عندما تتوسع الإضرابات فتشل الحياة في البلد فحينذ تصبح الحكومة ملزمة لتلبية مطالبهم .

والأهم مما سبق فالعشائرية معناه إلغاء شمولية القانون ، القانون العام اي الدستور ، وشمولية القانون هو من أهم صفات دولة القانون ، فالعشائر لا تؤمن بالحق العام الذي هو أهم مبدأ من مبادئ دولة القانون ، فإذا حدثت جريمة قتل داخل عشيرة واحدة أو عشيرتين تحل بدفع فدية لأهل القتيل وتكون الفدية مالا أو بشرا !! أي المرأة وتسمى ( بالفصلية ) فهي تعامل معاملة الفدية المالية أويكون بأخذ بالثأر، ليس بالضرورة ضد القاتل بل بقتل اي إنسان من القبيلة الثانية وإن لم يكن من عائلة القتيل !! وعليه يختفي الحق العام .كما إنشغلت حكومة العراق الفتية بعد تأسيسها بفض النزاعات بين العشائر ، على الأرض والمياه وحوادث أخذ الثأر أو غسل العار ، وعدم تقديم الجنود عندما سن قانون التجنيد الإلزامي أو إمتنعت عن دفع الضرائب وإعتبرتها جزية وهم مسلمون !!
،وهكذا لم تتمكن الدولة العراقية الفتية عند تأسيسها إلا أن تذعن للعشائرية فسنت قانون العقوبات العشائري بنصيحة من الإنكليز ، الى جانب قانون العقوبات المدني وسمي بقانون العقوبات البغدادي . فهل سيضطر المالكي للعودة الى ما قبل قرن تقريبا ويسن قانونا العقوبات العشائريالى جانب قانون العقوبات المدني ؟؟

لا يعني ، ما تقدم ، أن العشائر ليسوا وطنيين ، أو ليسوا مخلصين للعراق بل بالعكس لا أحد يشك بإخلاصهم ولكن طريقتهم بالإخلاص تخالف القانون وتعارض الديمقراطية وحقوق الإنسان (حقوق الفلاحين وعوائلهم ) وتتصف بالإنتهازية ، ولهذا فمرحلة شيوخ العشائر والقبائل قد إنتهت وحلت محلها مرحلة دولة القانون وأفراد العشائر يدخلون في كل مفاصل الدولة كأفراد كبقية المواطنين وليس كمجموعات يقودهم شيخ العشيرة حسب رغباته وأهوائه ومصالحه ، فالفرد هو كيان قائم بنفسه محمي من قبل الدولة والقانون والقضاء في دولة القانون ، وتتعامل معه دولة القانون ككيان قائم بذاته بحسناته وسيئآته

فإذا لايعرف هذا المالكي فهي مصيبة وإذا يعرفها ويحرفها فالمصيبة أعظم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط