الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صبري حافظ يكتب عن السياب الشيوعي -1 -

عدنان عاكف

2009 / 3 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


من بين المقالات المهمة التي تعرضت الى علاقة الشاعر بدر شاكر السياب بالحزب الشيوعي العراقي هي مقالة " التناص وتحولات الشكل في بنية القصيدة عند السياب " للكاتب والناقد المصري المعروف صبري حافظ ( أستاذ في جامعة لندن ). المقالة، وكما هو واضح من العنوان، نقدية أدبية ، لكن الكاتب ارتأى ان يتوقف خلال عرضه السريع لسيرة حياة الشاعر عند بعض المحطات المرتبطة بعلاقته بالحزب الشيوعي. وبما اني أبعد ما يكون عن موضوع النقد الأدبي سأترك جانبا السياب الشاعر ورائد الشعر الحديث للنقاد، وسأركز على السياب السياسي، كما ورد في هذه المقالة ، التي يمكن ان تعكس لنا جانبا من الطريقة، التي تم من خلالها - تناول علاقة السياب بالحزب ، والتي ما انفك الحديث عنها منذ نحو نصف قرن.. خاصة ان المقالة، وخلافا لما تميزت به عشرات المقالات التي تناولت هذا الموضوع، ابتعدت عن اسلوب التجريح وكيل اتهامات العمالة والخيانة للشيوعيين العراقيين. لقد ركز الكاتب على الاشكالية القائمة بين المثقف المبدع والحزب السياسي. وهذا ما يهمنا في المقام الأول.
يبدأ الكاتب حديثه عن بدر السياسي بقصيدة " شهداء الحرية " التي كتبها وهو في السادسة عشر من عمره يحيي فيها الضباط الأربعة ( مجموعة الصباغ ) الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام عام 1942. ويرى الكاتب ان بدر في هذه القصيدة عبر عن سذاجة سياسية، ويمكن تفهمها وغفرانها. لكنه في نفس الوقت يرى ان تلك السذاجة " ظلت خيطا ثابتا في نسيج رؤية الشاعر الفكرية بعد ما كبر". بعدها ينتقل الى سنوات الدراسة في دار المعلمين العالية، وهي سنوات الانضواء " تحت لواء الحزب الشيوعي العراقي، والذي يبدو أن انخراطه فيه لم يقم على قاعدة سياسية أو فكرية أمتن من تلك التي أسفرت عنها قصيدته عن" شهداء الحرية ". فثمة شواهد عديدة تشير الى أن بدر قد اختار التزامه السياسي على أساس عشائري ". هكذا إذن نجد ان السياب انضوى تحت لواء الحزب لسذاجته السياسية وعلى أساس عشائري وليس عقائدي. لا أدري كيف يكون الانتماء العقائدي؟ ان يكون قد اجتاز الامتحان بكتاب كارل ماركس " رأس المال " ؟ السياب اعترف في مذكراته بانه دخل صفوف الحزب الشيوعي لأنه يكره الظلم والفقر، وكان الشيوعيون يناضلون ضد الظلم ومن أجل نصرة الفقراء.. لا يوجد من يدعي ان بدر كان منظر ماركسي، ولكن القول ان السذاجة هي التي تحكمت بانضمامه الى الحزب يشكل اهانة واستخفاف بحق أجيال متتالية من الطلبة والشباب من أمثال السياب الذين ربطوا مصيرهم بقضية الشعب والوطن. وقد كان السياب في الصفوف المتقدمة من هؤلاء الشباب.
استنتاج الأستاذ حافظ تأملي صرف لا يوجد ما يدعمه أو يبرره. ومع انه يشير الى وجود " ثمة شواهد عديدة تشير ..." الى ذلك، لكنه مع الأسف لا يذكر أي من هذه الشواهد. على العكس، فان الفقرة التي تلت مباشرة تتضمن شواهد تدل على ان الكاتب مخطئ باستنتاجاته. يواصل الأستاذ حافظ : " وأنه برغم تعرضه لبعض المضايقات أثناء فترة الدراسة بسبب هذا الالتزام، فإن تحمله لها لم يكن نتيجة صلابة إيمانه المذهبي، بقدر ما كان نتيجة استمتاعه بحس الشهادة الذي وفرته عملية الانضمام الى عمل سري ممنوع ". لاحظوا كيف يحاول أستاذنا الفاضل ان يلوي الحقائق لكي يجعلها تخدم فكرته. يبدو لي ان التفسير الأقرب الى المنطق لصمود السياب وتحمله ما تحمله لبعض المضايقات (المطاردة والاعتقال والفصل من العمل ) كان بالذات نتيجة لقناعته بالعمل الذي أقدم عليه. أما الحديث عن سذاجة السياب، فينبغي الاعتراف ان الأستاذ حافظ ليس أول أو آخر من تحدث عنها. ويبدو ان البعض لا يتحمل ان يكون شاعر بوزن السياب كان عضوا في الحزب الشيوعي العراقي، وبقي لسنوات طوال مع من تصدر الطلبة والمناضلين الشباب، حتى ولو انه اختلف معه، لا بل وانتقل الى موقع النقيض.
دعونا نتوقف عند ما تقوله بعض هذه " الشواهد " التي أشار اليها حافظ لكنه لم يتوقف عندها :
يشير الأستاذ ناجي علوش ان بدر قد انتمى الى الحزب في عام 1945، وان زميلة له تدعى لميعة كانت تزوده بالمنشورات. وذكر بدر بنفسه ان إيراني كان يتصل به في قريته ويحدثه عن الشيوعية والرفيق فهد. وقد أعجب بدر بصديقه الشيوعي وما لبث ان قبل التوقيع على استمارة الانتساب، هو وعمه عبد المجيد ورفيق ثالث لهما. وما تعرض اليه بدر في دار المعلمين ليست مجرد " بعض المضايقات " كما يقول حافظ، بل فصل من الدار في مطلع عام 1946. وعلينا ان نفهم ان فصل طالب فقير قادم الى بغداد من قرية جنوبية نائية ليس بالأمر السهل بالنسبة له أو لعائلته... فالمسألة لم تكن مجرد استمتاع مراهق بحس الشهادة. ولو كان التزامه السياسي على أساس عشائري لكان الأولى به ان ينتمي الى حزب الاستقلال ( بتوجهاته القومية )، حيث كان عمه عبد القادر رئيس فرع الحزب في البصرة... وجدير بالذكر ان ما ذكره علوش منقول عن ما نشره السياب في مذكراته التي نشرها عام 1959 تحت عنوان " كنت شيوعيا ".
بعد فصله عاد بدر الى البصرة ومكث عند عائلته بضعة أشهر ليعود الى بغداد في شهر آيار. وانظم فيما بعد الى حزب التحرر الوطني الذي ترأسه حسين الشبيبي، ومن ثم انتخب رئيسا لاتحاد الطلبة في دار المعلمين... وكان بدر من بين المساهمين في مؤتمر السباع، وهو المؤتمر الذي أعلن عن تأسيس اتحاد الطلبة العام...
بعدها ينتقل الكاتب الى متابعة حياة بدر ونشاطه السياسي، بعد ان يتم تعيينه مدرسا في مدينة الرمادي في عام 1948 . وفي مطلع عام 1949 يصاب الحزب بنكبته الكبرى عندما أقدمت السلطات على إعدام فهد وثلاثة من قادة الحزب، وفي نفس الفترة فصل بدر من عمله... بعدها يشير الى انتفاضة تشرين عام 1952، ودور بدر في تلك الانتفاضة ومطاردة الشرطة له واضطراره الى الهرب الى إيران التي أمضى فيها شهرين ثم انتقاله الى الكويت، التي أمضى فيها فترة ستة أشهر قبل ان يعود الى العراق ( يبدو لي ان كل هذا من الشواهد التي تتعارض مع فكرة الكاتب عن سبب انضمام بدر الى الحزب ). ويرى الكاتب ان فترة الهرب تلك كانت مرحلة هامة في حياة بدر، حيث أدرك ان النشاط السياسي أبعده عن النشاط الأدبي، وانه خلق للأدب وليس للسياسة. وما هو أهم ان تجربته قد وضعت بداية للشك في " اليقين المذهبي " وكانت فترة وجوده في إيران قد تواقتت " مع تخلي حزب "تودة "عن مصدق حتى تمكن زاهدي منه ". وعاصرت بدايات الشك في اليقين المذهبي. لذلك ما إن عاد الى بغداد مع عام 1953، وحصل على وظيفة في مديرية الأموال المستوردة، حتى بدأ الشقاق بينه وبين الشيوعيين الذين كانوا قد تبنوا الكثير من قصائد البياتي في غيابه، وأصبح البياتي هو شاعر الحزب، مما أشعر بدر بأن الحزب الذي ضحى من أجله قد غدر به في غيابه وهو الأمر الذي أعتبره الشاعر/ الفارس / الحالم خيانة غير مقبولة خاصة وأن تجربة المنفى قد زعزعت إيمانه بالكثير من مقولات هذا الحزب ورؤاه، وكشفت له عن جموده وتبعيته للخط الفكري والمنهجي للاتحاد السوفييتي، دون أخذ العناصر المحلية في الاعتبار ".
كان من الممكن التغاضي عن هذا التقييم الافتراضي ، لو ان المسألة تتعلق بتقييم رجل سياسي اعتيادي. لكن المسألة تتعلق بتقييم مواقف شاعر كان وما يزال يعتبر من رواد الشعر العربي الحديث، ولذلك فان أي تقييم سوف تترتب عليه تقييمات واستنتاجات أخرى، ليست بالضرورة ذات طابع سياسي، بل إبداعية أدبية... وهذا ما حصل بالفعل. فان الاستنتاج الأهم الذي توصلت اليه دراسة الأستاذ حافظ، والمرتبط بإبداع بدر الشعري مبني على الفقرة الطويلة التي أوردناها أعلاه. وهذا ما سوف نلاحظه لاحقا.
كنت أتمنى لو ان الكاتب شرح لنا كيف تخلى حزب تودة عن مصدق، في حين ان الوثائق تشير الى ان مصدق قد تخلى عن نفسه . تعالوا نستذكر الأحداث مع مقتطفات من كتاب " قتل الأمل للكاتب William Blum – عام 2003 : كان حزب توده القوة السياسية الرئيسية التي وقفت الى جانب مصدق في معركته مع أمريكا وبريطانيا، بالرغم من الموقف المعادي الذي وقفه مصدق من الحزب، فقد أقدم عام 1951 على تفريق مظاهرة لأنصار توده بصورة وحشية ذهب ضحيتها أكثر من 100 قتيل و500 جريح. في يوم 16 آب 1953 شهدت طهران مظاهرة لدعم مصدق. وقد وصف روزفلت المتظاهرين بانهم " حزب توده مع قوى من روسيا ". ووصفتهم النيويورك تايمز " متعصبوا توده والمتطرفون الوطنيون ". وكان بين المتظاهرين مندسين من عملاء المخابرات الأمريكية وقد ارسلوا الى الشوارع للقيام بأعمال تخريبية وكأنهم أنصار حزب تودة.. كان مطلب حزب تودة قيام جمهورية ديمقراطية وتشكيل جبهة متحدة وتسليح الشعب للوقوف ضد قوى الانقلاب. في يوم 18 آب أصدر مصدق أمره بالتصدي للمظاهرة التي كانت الى جانبه.. وحسب روزفلت والسفير الأمريكي ان مصدق قام بقمع المظاهرة بعد اجتماعه بالسفير.. وقد مهد بذلك الطريق أمام الشاه وأمريكا وبريطانيا لتنفيذ خطتهم بإزاحته عن الحكم. "..
ومع ان بدر في مذكراته " كنت شيوعيا " لم يبقي على أية قشة أو خيط مع الشيوعيين إلا وقطعه، وتحدث عن تجربته في المنفى، لكنه لم يشر الى ان تلك التجربة قد أحدثت كل تلك الهزات الفكرية العنيفة التي أشار اليها الكاتب. هذه فقرة سياسية مقحمة بصورة قسرية، أريد منها ان تكون سندا يعتمد عليه الكاتب عندما يصل الى استنتاجاته النهائية.... وجدير بالذكر ان الحديث عن تأثير " موقف تودة من مصدق " على السياب، ومسألة الموقف من " احتضان الحزب للبياتي " ( بالمناسبة ان هذا الاحتضان وكما ترويه الوقائع لم يتم خلال وجود السياب في المنفى، بل حصل بعد ذلك بسنوات عديدة ) نجدها عند د. إحسان عباس، وتكاد تكون بنفس الصياغة الأدبية... الجديد الذي جاء به الأستاذ حافظ هو الحديث عن تبعية الحزب الفكرية والسياسية للاتحاد السوفيتي...
بعدها ينتقل الكاتب الى المرحلة التي بدأ فيها السياب يقترب مع مجموعة الأدباء الشباب من ذوي الميول القومية،. وأشار الى مجلة الآداب وحملة المهاترات بينه وبين الشيوعيين ورموزهم، وفي مقدمتهم عبد الوهاب البياتي وعبد الملك نوري. " وبدأت معركته مع البياتي الذي كان يرى أنه "يتطاول صاعدا فيتقاعس قعيدا"، ومع عبد الملك نوري بالرغم من أنه كان مشغولا بكتابة القصة، ولا يشكل أي تهديد لبدر، اللهم إلا اندراجه تحت لواء الخط الحزبي الجاهز. وأخذت تلك المعركة التي حمي وطيسها في الأعوام التالية تكشف لنا عن بعض رؤاه وتصوراته الشعرية ".
ما ذكره الكاتب هنا حقيقة، قد وقعت بالفعل، لكنه مع الأسف ، فهي لا تشكل سوى ربع الحقيقة، وليست حتى نصفها. واذا كان نصف الحقيقة غالبا ما يساوي اللاحقيقة، فما بالك اذا كنا نتعامل مع ربع الحقيقة ؟ الربع الثاني من الحقيقة هي ان الأعوام التالية لم تشهد " حمى وطيس " المعركة بين السياب والبياتي، بل نشأة معركة أخرى " حمى وطيسها " بين رفقاء الأمس، أي بين السياب و صديقه، وزميله في حربه ضد البياتي وعبد الملك نوري، الشاعر كاظم جواد. والنصف المتبقي من الحقيقة ان المعركة التي كانت بين السياب والبياتي ، والتي جرى من خلالها تبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة، قد هدأت حتى توقفت وانتهت كليا لتحل محلها مرحلة من الوئام والسلام، وتبادل المديح وكلمات الود والإعجاب، على صفحات نفس المجلة. وعندما تتجمع أرباع الحقيقة الأربعة تكتمل أمامنا الصورة الحقيقية لهذه المعركة السياسية الوهمية، لتبدو أمامنا صورة للمهاترات الشخصية الاعتيادية، التي كثيرا ما تشتعل بين الأدباء والشعراء، بالرغم من ان هذا الصراع كان يلبس لبوس الصراع الفكري العقائدي... كان على ناقد محترف مثل الأستاذ حافظ ان لا تفوته هذه الوقائع. وكان بوسعه العثور عليها في نفس المصادر التي أخذ منها معلوماته عن الربع الأول من الحقيقة، التي أشرنا اليها. ولكنه لم يفعل ذلك، لأنه كان يرغب بالتوصل الى الاستنتاج المهم التالي، والذي لا يمكن التوصل اليه فيما لو ذكر الحقيقة كاملة. والاستنتاج هو : " وقد واصل السياب حملته على الأدب والفكر الماركسيين دون أن يكون مؤهلا لتفهم الأسس الفلسفية التي ينهض عليها التصور الماركسي للأدب، ناهيك عن تفنيده ودحضه. لكن المهم في هذه الحملة أنها أعلنت، من خلال تنصله من ممارسات الشيوعيين العراقيين وأفكارهم، عن بزوغ يقين داخلي لدى السياب باستقلالية الشعر النسبية، لا عن الواقع - فقد كان مؤمنا بأن علاقة الشعر بالواقع لا يمكن فصمها، بل ولابد من تعميقها - وانما عن أي التزام فكري، أو مذهبي جامد ". هنا أيضا نجد أنفسنا أمام استنتاج نظري يصلح ان يسوق في مقالة تتحدث عن علاقة الأدب بالفكر والأيديولوجيا، لكنها مقحمة هنا بشكل قسري لتبدو انها نابعة من تجربة السياب ذاته مع الفكر الماركسي. لم يفسر لنا الكاتب كيف يمكن لسلاح كليل عاجز عن " تفهم الأسس الفلسفية التي ينهض عليها التصور الماركسي للأدب "، أن يتوصل الى مثل هذا الاستنتاج العميق ؟ لم يسند السيد حافظ رأيه واستنتاجاته بأية دلائل وشواهد، مع انه يقدم لنا استنتاجات تحتل المرتبة الأولى بأهميتها بشأن العلاقة بين الشعر والحزب السياسي. وكل ما ذكره مجرد افتراضات لا علاقة لها بالواقع. يجب ان نتذكر ان الكاتب ما يزال يتحدث عن السنوات الأولى التي تلت عودة السياب الى بغداد، أي الفترة التي سبقت عام 1956. لم تشر أي من المصادر التي تحدثت عن السياب في تلك المرحلة ان السياب قد واصل حملته على الأدب والفكر الماركسيين، ولم تكن هناك حملة من هذا النوع أصلا. ومن يطلع على مقالات الشاعر بشأن الالتزام في الأدب لا بد ان يلاحظ بانه واصل مفهومه الماركسي السابق عن الالتزام، بالرغم من علاقته مع الشيوعيين قد أصابها ما أصابها. وقد تجلى موقفه الواضح من الالتزام في الكلمة التي ألقاهى في مؤتمر اتحاد الأدباء العرب الذي انعقد في دمشق عام 1956. ولم يتغير موقفه من هذا الموقف إلا بعد سنوات، وبالتحديد بعد ارتباطه بمجلة شعر.
بعدها ينتقل السيد حافظ المرحلة التالية من علاقة بدر بالحزب الشيوعي، وهي مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز، وبالتحديد تلك التي تلت حركة الشواف عام 1959. كانت تلك المرحلة قد شكلت الذروة في الاستقطاب السياسي في العراق. وفي تلك الفترة نشر مذكراته المعروفة في جريدة الحرية، التي شكلت المنبر الرئيسي لكل القوى السياسية التي رفعت شعار " يا أعداء الشيوعية اتحدوا "...
ينهي حافظ حديثه عن مواقف السياب في تلك المرحلة بالصياغة الرومانسية البليغة التالية : " ويجب هنا ألا ننسى أن السياب كان يخوض معاركه، ويعبر عن قناعاته بشي ء من روح الفارس التي دفعته الى النضال في صفوف الحزب الشيوعي عندما كان الحزب مطاردا، والى الوقوف ضده عندما بلغ أوج نفوذه السياسي والإعلامي بعد ثورة عبد الكريم قاسم ". ولكن عرس الشيوعيين لم يدم طويلا، اذ سرعان ما وجد بدر نفسه في نفس الزنزانة " مع الشيوعيين الذين تنصل منهم، فكان عذاب السجن مزدوجا، لا من السجان وحده، وانما من الرفاق الذين كانوا يسومونه ألوان العذاب النفسي والتقريع السياسي "... سنؤجل التعقيب على ما ورد في هذه الفقرة الى حين، لكنا نجد من الضرورة ان نذكر القراء الذين ليسوا على دراية بتسلسل الأحداث في العراق خلال تلك الفترة ان عرس الشيوعيين الذي أشار اليه الكاتب قد انتهى قبل ان يبدأ السياب بشن هجومه على الشيوعيين، وقد تزامن بالضبط مع بلوغ ذلك الهجوم الذروة ان كان هجوم القوى القومية والرجعية، أو هجوم حكومة قاسم. والدليل على ذلك ان السياب كان في نفس المقالة التي يهاجم فيها الشيوعيين والشيوعية كان يشيد بمواقف " الزعيم " وحكومته الوطنية التي تعتقل الشيوعيين وتحارب الشيوعية. ومن هذا المنطلق أشار بعض الملاحظين ان السياب كان يخوض معاركه ضد الشيوعيين بروح الانتهازي الذي كان يسعى لكسب رضا عبد الكريم قاسم، وليس بروح الفارس كما يقول حافظ. هنا أيضا يقع الكاتب في المطب ذاته، حين حاول ان يستجرد القارئ الى استنتاجه، معتمدا على ضعف ذاكرة القارئ بتسلسل الأحداث، أو جهله التام لتاريخ تلك الأحداث!! وللحديث صلة في الحلقة القادمة ."...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أية شيوعية !!!يا للمهزلة
حميد كشكولي ( 2009 / 3 / 19 - 22:17 )
السياب كان قوميا وعنصريا وطائفيا حتى لو انتمى الى الحزب الشيوعي العراقي. اقراوا رسائله الى جبرا ابراهيم جبرا و نازك الملائكة و ادونيس و غيرهم ، اقرأوا قصيدته المقززة ثورة 14 رمضان و قصائد اخرى لتبينوا مدى حقده على الشيوعيين والشيوعية والشيعة .. اقرأوا كيف يتشفى بمقتلهم و التمثيل بجثثهم ويبتهج لجريمة البعثيين في 8 شباط 1963 انه كان يؤمن ولا بد انه يؤمن بمقولة عفلق أن أعداء الأمة العربية هم الشيوعيون والاقطاع والاستعمار فلم يجد السياب أمامه لا الاقطاع ولا الاستعمار ليعادي غير الشيوعيين. أية شيوعية هذه التي انتمى اليها السياب ؟
فمثل هؤلاء سوف نراهم يكشفون عن ذيولهم في حالة تكرار 6 شباط آخر في وهذه الفترة العراقية


2 - السياب كشاعر رائد
قاسم الدرويش ( 2009 / 3 / 20 - 12:47 )
اولا تحية للاستاذ عدنان عاكف لأضافته لتراث الشاعر العراقي والرائد للشعر الحديث وهذه حقيقة لايمكن التغاضي عنها وأما إتجاهاته السياسيه والتي جنحت لحد الطائفية كما نوه عنها في مداخلته القيمة الاستاذ حميد كشكولي فهذا شيء اخر وأعتقد إنه قد تأثر بأحد المفكرين الغربيين والتي يقول فيها (أعجب لمن كان في عمر الثامنة عشر ولم يعتنق الشيوعية وأعجب لمن بلغ الثانية والعشرين ولم يتخلى عنها ) كل ذلك يضاف للاضطراب النفسي والصحي وما قاساه من غربة وتشرد والنرجع لنقد الدكتور إحسان عباس في هذا المجال
وشكرا


3 - اختلاف راي النقاد حول التزام السياب السياسي لا يغير من قيمة
خديجة حديد ( 2009 / 3 / 20 - 19:10 )
اشكر للاستاذ عدناان عاكف اجتهاده وما بذله من جهد خصوصا فيما يتعلق بالتركيز على اهمية التزام الموضوعية والحياد في النقد حيث ان الاستنتاجات التي لا تقوم على اسناد منطقي وادلة هي استنتاجات شخصية ولا علاقة لها بالنقد لا من قريب ولا من بعيد.
هذا هو المبدأ البسيط والاساسي والبنيوي التي تقوم عليه اية دراسة يراد منها ان تكون نقدية .
اما بالنسبة الى الشاعر بدر شاكر السياب ’فانني ارى ان سحر اشعاره وفيض المشاعر والاحاسيس التي تتدفق من قصائده ’ تغني وجدان القارئ ايا كان هذا القارئ وترتفع بذوقه الفني وهذه هي وظيفة الشعر وهي وظيفة راقية وسامية والالتزام السياسي لا يشكل اي مرجعية تلقائية لرقي الشعر اوجماله.

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير