الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفاظا على السلم الأهلي.. قدم استقالتك يا سمو الأمير

نذير الماجد

2009 / 3 / 22
المجتمع المدني


كلنا يتذكر التصريحات اللافتة التي أدلى بها وزير الداخلية السعودية الأمير نايف قبل أعوام قليلة في مؤتمر صحفي أعلن فيه انحيازه الكامل للشرطة الدينية والتي تضم حراس الفضيلة وأهل الصلاح ومن بيدهم مقاييس النزاهة، وهو تصريح يأتي عقب جملة تصريحات تصب كلها في خانة الانتصار للتيارات التي ترتاب وتجفل من كل صيحة تحديثية، حتى باتت مفردة الإصلاح نفسها منبوذة تقض مضجع هذا التيار والذي طالما وقف إلى جانبه سعادة الوزير.

هذا الانحياز جاء ليعبر عن دعم سمو الأمير الكامل لترسيخ واقع سياسي مختل التوازن ليس بإمكانه احتضان التعددية السياسية التي هي ليست إلا انعكاس لواقع تعددي راسخ على الأرض، فالسعودية كما يعرف الجميع تضم في أحشائها طوائف وثقافات متعددة وهي حقيقة يحاول الأمير نايف ومن يقف في خندقه القفز عليها أو تجاهلها تماما، فليس هنالك أي تأثير أو انعكاس لهذا النسيج المتنوع على خطاب السلطة، وعلى ما يبدو فإن أمام المختلفين أحد خيارين لا ثالث لهما: إما إلقائهم في البحر وإبادتهم عن بكرة أبيهم، أو انسلاخهم عن جلودهم وقبولهم بخيارات وتوجهات الطرف الذي تباركه السلطة!

من لا يعرف الأمير نايف قد يستغرب انحيازه الكلي لما يسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم استياء الرأي العام الذي كنا نلمسه في المقالات الصحفية والذي كان يتجلى بوضوح في حالة التبرم والتململ الشديد تجاه هذه المؤسسة التي عرفت بانتهاكاتها وتجاوزاتها للقانون والحرية الفردية وسلوكياتها الخشنة تجاه المواطنين وممارساتها الوصائية التي تهتك باستمرار حرمة الخصوصيات الفردية مما يعكس في المحصلة استهتارها بقيمة الإنسان وحرياته وحقوقه.

لكن هذا الأمير القادم على ما يبدو من قرون خلت لم يكتف بإدانة كل صيحة تحديثية وزج أبطالها في السجون كما فعل مع رموز الإصلاح والتحديث منذ سنوات كالبروفسور متروك الفالح والدكتور عبد الله الحامد وغيرهما في حملة نشيطة كانت تستهدف خنق التوجهات الليبرالية وترسيخ أحادية الدولة الثيوقراطية بثوبها السلفي الغارق في الجمود، لم يكتف الأمير بمحاربة التوجه الاصلاحي والانحياز الكامل للتيار السلفي الرافض لأي عملية تغيير لما يملكه من امتيازات وحظوة خاصة في ما هو قائم، بل راح يضفي على طبيعة الصراع بعدا جنائيا يمس الأمن الوطني عندما شكك في مواطنة كل من يلمح إلى ضرورة إلغاء الهيئة كخطوة جوهرية في طريق الإصلاح وحفظ الحريات المدنية. لازلنا نذكر كيف لجأ حينذاك إلى لغة تخوينية عندما قال في جوابه على سؤال حول شطب وإلغاء جهاز الهيئة وقد اعتراه موجة عارمة من الغضب: على الأرجح أن من يقول هذا الكلام ليس سعوديا!!!

هذا السلوك والتعاطي المجحف تجاه أبرز الملفات والعناوين والهواجس التي تسكن عقل واهتمام الفرد السعودي والذي لا يمكن تفسيره إلا إذا عرفنا حجم الإجفال والريبة مما يتصف به أبرز وجوه الحرس القديم ومنهم بالطبع الأمير نايف الذي لا يملك أي حس إصلاحي ويرفض رفضا قاطعا تحديث بنية النظام السياسي حتى وإن كان شكليا لا يتعدى السطح والقشور، حتى مفردة الإصلاح نفسها والتي هي بمثابة ثيمة قارة في عقل ووجدان المجتمع السعودي، والتي لها وقع سحري خلاب يجذب المتلقي ويدغدغ مشاعره، حتى هذه المفردة باتت منبوذة تثير الحنق والقلق بل ربما اعتبرت شاهد إدانة لكل من تسول له نفسه في النطق بها!

ووفقا لهذا الحرس القديم والذي يشكل في الحقيقة أكبر عائق لعملية الإصلاح الضروري جدا لحفظ السلم الأهلي وفتح قنوات التواصل بين المكونات المختلفة للمجتمع، يجب أن تنزاح النمذجة إلى مستنقع الطائفي أو القبلي والمعايير الذاتية بعد أن كان يفترض بها أن ترتقي لتصطبغ بصبغة وطنية جامعة تعكس التنوع والتعدد الذي يميز الواقع السعودي، وهي ميزة كان بإمكانها أن تثري الواقع وتخصبه لو لا مصادرتها وإبطال ما لها من مفعول من قبل هذا الجناح الذي يحاول أن يجعل لمكون أو طرف واحد أحقية الامتياز في رسم معايير ومقاييس الانتماء الوطني، وكأنه يمتلك وحده مفاتيح جنة الوطن والمواطنة، وفي هذه الحالة فإن صكوك الغفران والرحمة لن تشمل أي مارق يجرؤ على الانحراف عن هذه الاستقامة الوطنية "السلفية بالطبع" والويل كل الويل لمن لا يشكل نفسه وفقا لهذه النمذجة. وعليه فليس للفرد السعودي إذا أراد أن يبقى مواطنا صالحا إلا أن يصبح سلفيا في مقاييس هذا الجناح، وبالتالي فالسلفية هي شارة المواطنة الصالحة!!

قد يخيل إلى القارئ الكريم أن كلامي السابق هو لغرض الحشو أو الإثارة والسخرية كعنصر أساسي يلجأ إليه أحيانا بعض الكتاب من أجل خلق حالة من التشويق تشد إليه القارئ، هذا الكلام أيها السادة ليس مجرد تحليل أو تكهن أو مبالغة. فلعل أحدا لا يصدق أن هذا الكلام قد صدر فعلا عن سمو الأمير نايف وزير الداخلية في الحكومة السعودية ، فعندما يقول أن نهج الأمة هو النهج السلفي وعندما يحمل ضحايا واقعة الحرم المدني مسؤولية ما حدث وبالتالي يدين الضحية ويبرئ المتهم من دون إجراء أي تحقيق، فهو يريد أن يقول ضمنيا -على الأقل- أن من يريد العيش بكرامة فعليه أن يكون سلفيا، مما يعني أن مفهوم الإطار الوطني والدولة المدنية والمساواة بين جميع المواطنين وما إلى ذلك ليس سوى بدعة من ابتكار الكفار والمشركين، وإذن فالطائفة هي التي تحكم وهي الشكل الأساسي للحكم، والطائفية هي التي تسم بميسمها الواقع كله.

إلى أين يقودنا هذا التوجه والذي يكشف بأن الأزمة ليست مقتصرة على الإشكالية الطائفية والقطيعة بين مكونات المجتمع بقدر ما تكمن في غياب صوت العقل عن الماسكين بزمام السلطة؟! إن هذه التصريحات لا تعكس عقلانية وواقعية في التعاطي مع التحديات ومعالحة الأزمات.

شيئا من الجنون هو الذي يجعل هذه السلطة تترنح وتتمايل وهي الثملة بالنفس الطائفي. فالسلطة يغيب عنها العقل، هذه هي المشكلة والتي ستؤدي بنا إلى الكارثة، من هنا نجد كيف جاز لوزير الداخلية أن يتصدى لكل الملفات بقبضة أمنية من فولاذ مع أنها ملفات تحتم المعالجة السياسية لأنها ذات طبيعة سياسية، ولكن الجنون الذي بات يعتور السلطة جعلها تقدم على هستيريا الانتقام واستعداء المواطنين.

فعندما يوعز الأمير نايف لجنوده مداهمة البيوت الآمنة وقطع التيار الكهربائي بعد منتصف الليل وأن يسمح لهم بمهاجمة المدنيين العزل بالسلاح وهو ما حدث فعلا مساء الخميس 19/3/2009م في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني كله حيث منها -كما نعرف- ينبت شريان النفط، عندما يقوم الأمير بهذا السلوك فهو بلا شك إما غير مدرك للتداعيات الخطيرة الناجمة عنه أو أنه لا يحمل أي إخلاص وطني أو أنه كان يريد رمي الوطن كله في فوهة البركان الطائفي الذي لازال حتى الساعة خامدا في انتظار لحظة الانفجار!

إزالة هذا الجنون هو مسؤولية كل العقلاء في بلد يغمره الجنون وغيبوبة اللحظة المعاشة، ولكي لا تغرق السفينة فيغرق الجميع لابد من الحسم في تصور ووضع وتطبيق الحلول. وبما أن الأمير نايف جزء من الصراع وليس فوقه وبما أنه انحاز بشكل سافر لشريحة وطنية على حساب أخرى فلم يتمكن من التزام موقف الحياد الضروري لكل من يمارس فعل السلطة وبما أنه يملك القوة والمسؤولية فالأمل يحدوني كما يحدو الكثيرين بأن يغادر السلطة ليمكن رجلا آخر أكثر إخلاص وأكثر وفاء لهذا الوطن الجميل من الإمساك الناعم بزمام المؤسسة الأمنية، وكل ذلك طبعا لرعاية شيء عزيز علينا جميعا هو السلم الأهلي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وهل لندائك من سامع ياترى ؟؟؟
قاسم الدرويش ( 2009 / 3 / 21 - 21:06 )
عزيزي الاخ الكاتب نذير الماجد أحييك فعلا على هذا الطرح الموضوعي وقد كنا من المتابعين لمعاناة اشقائنا في ارض نجد والحجاز وبالذات بشأن ماجرى عند البقيع وكم حزت في نفوسنا الى جانب ماأثارت من مشاعر التقزز والاشمئزاز على ماتصرف به هؤلاء الجهلة والمتخلفين والذين لايعرفون الامر بالمعروف ولاالنهي عن المنكر بل هم الورثة الطفيليين لاعداء الاسلام منذ بزوغه
فهل لهذه الشرذمة من اذان متحضرة لتصغي لصوت العقل والمنطق والتحضر وتعيد حقوق اهل الاحساء والقطيف وتحترم مشاعر مليار مسلم في شتى أنحاء المعمورة وتبتعد عن المارسات والتي هي على الاقل منافية لابسط حقوق الانسان
وشكرا لمقالك الشجاع ودمتم


2 - لو فعلها حاكم عربي قبله... سيتنحى
ايمان ( 2009 / 3 / 22 - 17:31 )
هل تريد من الذي بلغ من العمر عتيه ان يأتي بشي جديد و لا يوجد في مخزونه إلا هذه الثقافة..ثقافة الارهاب والفكر الاحادي ..يعتقل أطفال ويزج بهم في السجون..وهو ضيف في بلد ينادي باحترام حقوق الانسان وحامل راية الحرب ضد الارهاب وخاصة الفكر السلفي وسموه من اسس هذا الفكر بل من حماه وصدره للخارج بدأ من افغانستان والبوسنة و 11سبتمبر والعرآق..ولكنه أمير منطقة المصالح الامريكية..أخي نذير ماذا فعل للأرهابين والعائدين من جونتانامو ..ألم يكرمهم و يأخذ بخاطرهم ونهالت عليهم الهدايا !!! كأنهم عائدين من مهرجان أو مؤتمر علمي شرفوا الوطن فيه..كأني بالوطن عراقا آخر بل أشد فالجهل عدو الانسان وكأني بالرياض صحراء جافة حينها سيقم سموه كغيره بجينف


3 - ظ…ظ‚ط§ظ„ ظ…ظ† ط¯ط±ط±
ظٹط§ط³ظ…ظٹظ† ظٹط­ظٹظ‰ ( 2009 / 3 / 22 - 18:55 )
ط£ط³طھط§ط°ظٹ ط§ظ„ط¹ط²ظٹط² ظ†ط°ظٹط± ط£ظ† ظƒظ„ ظƒظ„ظ…ط© ظ‚ظ„طھظ‡ط§ ظپظٹ ظ…ظ‚ط§ظ„ظƒ ظ‡ط°ط§ طھط¹ط¨ط± ط¹ظ† ظ…ط´ط§ط¹ط± ظƒط«ظٹط± ظ…ظ† ط§ظ„ط³ط¹ظˆط¯ظٹظٹظ† ظˆظ„ط§ظƒظ† ظ…ط§ط°ط§ ظ†ظپط¹ظ„ ط£ظ…ط§ظ… ط¹طµط§ط¨ط© ط§ظ„ط£ظ…ط± ط¨ط§ظ„ظ…ط¹ط±ظˆظپ ظˆط§ظ„ظ†ظ‡ظٹ ط¹ظ† ط§ظ„ظ…ظ†ظƒط± ط§ظ„ظ…ط¬ط±ظ…ط© ظˆط§ظ„ط¨ظ„ط·ط¬ظٹط© ظˆظ‡ظٹ ظ…ط³ط§ظ†ط¯ط© ظ…ظ† ط§ظ„ط­ظƒظˆظ…ط© . ط£طھظ…ظ†ظ‰ طھظƒطھط¨ ط£ظƒط«ط± ط¨ط®طµظˆطµظ‡ط§ ط¨ظ‚ظ„ظ…ظƒ ط§ظ„طµط§ط¯ظ‚ ظˆظپظƒط±ظƒ ط§ظ„ظˆط§ط¹ظٹ ظˆط§ظ„ظ†ط§ط¶ط¬ . ط§ظ„ظپ ط´ظƒط± ط£ط³طھط§ط°ظٹ ظ†ط°ظٹط± . ظˆظ†ط±ظٹط¯ ط§ظ„ظ…ط²ظٹط¯

اخر الافلام

.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا


.. كيف يُفهم الفيتو الأمريكي على مشروع قرار يطالب بعضوية كاملة




.. كلمة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة عقب الفيتو الأميركي


.. -فيتو- أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. عاجل.. مجلس الأمن الدولي يفشل في منح العضوية الكاملة لفلسطين