الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة وجود قطاع خدمي تخصصي في الصناعة النفطية

حمزة الجواهري

2009 / 3 / 31
الادارة و الاقتصاد


""لقد ولى زمن التفاوض مع الشركات الأجنبية مثلما فعل صدام، بل عليها التنافس للحصول على عقد خدمة لتطوير الحقول العراقية"" هذا ما قاله وزير النفط خلال زيارته إلى فرنسا على رأس وفد يمثل حوالي عشر وزارات عراقية.
ثمة نجاح:
بالفعل نجح العراق باستجلاب كبريات شركات النفط العالمية رغم زوابع التشكيك التي أثارتها جهات صاحبة مصلحة بنهب ثروات العراق النفطية والغازية، مدعية أن هذا الأمر مستحيلا وإن الشركات سوف لن تعمل على تطوير الحقول العراقية على أساس عقود الخدمة، لكن التجربة أثبتت العكس، فها هي الشركات تقف اليوم أمام وزارة النفط طوابير طويلة أملا بالحصول على عقد خدمة في مجال التطوير بالصناعة الاستخراجية، هذا فضلا عن العروض في صناعة تكرير النفط أو الصناعات البتروكيماوية التي تعتمد على الغاز الطبيعي أو المصاحب، ورغم أن شروط الوزارة كانت شديدة وانتقائية إلى حد بعيد، لكن العدد قد وصل إلى أكثر من120 شركة عالمية كبرى لها باع طويل في الصناعة النفطية، فقد تم استبعاد جميع الشركات الصغيرة من المنافسة كونها لا تستطيع التعامل مع الحقول العراقية العملاقة بطبيعتها، لأن مثل تلك الشركات الصغيرة قد تستطيع التعامل مع الحقول المصرية الصغيرة جدا، على سبيل المثال وليس الحصر، لكنها لا تستطيع التعامل مع حقول عملاقة كما أسلفنا.
إن ما تقدم يثبت بشكل قاطع صحة ما ذهبنا إليه مع الكثير من التكنوقراط النفطي من أن إحجام الشركات عن العمل في العراق في المرحلة السابقة سببه أمني من حيث الأساس وليس الرغبة بالحصول على عقود مشاركة بالإنتاج كما يدعي البعض "لغاية في نفس يعقوب"، ذلك لأن الشركات تعمل حيثما يوجد الربح والبيئة الآمنة إضافة إلى أن العالم بحاجة إلى زيادة الإنتاج النفطي والغازي من العراق لسد النقص المتوقع خلال السنوات القادمة والذي يعجز العالم بتأمينه من مواقع الإنتاج الأخرى.
استثمار النجاح:
أثير أكثر من مرة موضوع ربط الصناعة الاستخراجية بتصنيع النفط والغاز، وكان هناك اعتراض محدد يحد من محاولة الربط هذه، ألا وهو إعراض عن تطوير الحقول العراقية كما أسلفنا، ولكن النجاح المتحقق لحد الآن، رغم محدوديته، يسمح إلى حد ما بربط الصناعتين الأبستريم بالداون ستريم، بمعنى أن تشترط الوزارة على المستثمر الأجنبي تصفية نفطه في العراق قبل نقله للخارج، حيث أن الربحية تتضاعف أكثر من مرة بالنسبة لطرفين العراقي والأجنبي، وإن هذا الربط سوف يوفر إمكانية تشغيل وتأهيل كوادر بشرية خمسة أضعاف ما يمكن تشغيله وتأهيله في الصناعة الاستخراجية، أضف إلى ذلك محدودية الرأسمال العراقي الاستثماري والذي لا يسمح بتطوير صناعة داونستريم يعتد بها. كما وأن تصنيع النفط في العراق يبعده عن محاصصة الأوبك في المستقبل العاجل.
إنها مجرد محاولات، ربما متعبة، ولكن إذا تحقق منها نجاح ما، فهو يعتبر نقلة موضوعية كبيرة لتكون مسألة الربط بين الصناعتين سنة يجب أن يلتزم بها المسؤول العراقي والشركات الأجنبية.
النجاح المتحقق لحد الآن محدود جدا:
في الواقع إن هذا النجاح يعتبر محدود وما هو إلا مقدمة لنجاحات أخرى يجب أن تتحقق في المستقبل، لكن مع الأسف أجد أن الوزارة لم تعمل لحد الآن على توفير ما هو أهم من هذا النجاح بكثير، ذلك أن العراق لا يملك لحد الآن قطاع الخدمات التخصصية التي تقوم على أكتافها جميع عمليات التطوير التي تقوم بها الشركات الوطنية العراقية أو تلك الشركات العالمية التي تتنافس مع بعضها للحصول على عقود خدمة لتطوير حقول جديدة أو الاستمرار بتطوير الحقول المنتجة أو الحفاظ على مستوى الإنتاج فيها. فالإنتاج يتناقص يوما بعد يوم من الحقول المنتجة حاليا، وهذا أمر طبيعي جدا، حيث ما نحتاج له هو تلك الخدمات التخصصية من شركات خدمية عالمية أو محلية أو مشتركة، سواء كانت هذه الشركات تعود ملكيتها للقطاع الخاص أو العام أو المشترك.
ما هي الخدمات التخصصيبة المطلوبة؟
• خدمات حفر آبار وخدمات تدخلات في الآبار:
هذه الخدمات تتمثل بالحفر والخدمات التخصصية التابعة له ومن ثم خدمة الآبار بعد بدء التشغيل، من هذه الخدمات: إنزال البطانة وتسميتها وإنزال معدات استكمال الآبار، وخدمات الحفر المائل والأفقي وطين الحفر، وخدمات أخرى متنوعة كثيرة كالجس البئري بأنواعه وخدمات الإنعاش المتطورة بوجود الكويل تيوبنك وخدمات الواير لاين السلكي إضافة إلى خدمات الصيانة والتجهيز المختلفة، وهي بحد ذاتها خدمات تعمل على كل أنواع التدخلات بالآبار بدون وجود منصة الحفر أيضا، حيث أن هذا النوع من الخدمات تستمر مادام البئر منتجا حتى نهاية عمر الحقل النفطي سواء بوجود منصة الحفر أو بدونها.
• خدمات بناء صناعية:
هناك خدمات أخرى مثل مد الأنابيب السطحية للآبار ومد خطوط الأنابيب الكبرى وبناء محطات عزل الغاز ومعالجة النفط والغاز المنتج ومحطات الضخ، أي خدمات بناء، تقدمها شركات إنشاء صناعية متخصصة لبناء جميع المنشآة السطحية، حيث عمليات الإنشاء تعتبر خدمات بناء ولا تختلف عن عملية بناء بيت مثلا.
• خدمات تجهيز:
كما ونحتاج إلى خدمات تجهيز من قبل مجهزين معتمدين من قبل الشركات المصنعة، التي تعمل على وفق المواصفات العالمية القياسية المعروفة، وذلك لضمان أكبر قدر من الجودة، هذه الخدمات وغيرها من خدمات تخصصية غير موجودة في العراق، وإن وجدت فإنها محدودة ولا تفي بالغرض.
• خدمات استشارية متنوعة.
• خدمات تشغيل وصيانة عامة وأخرى تخصصية.
• خدمات عامة بسيطة كالنقل أو الخدمات المكتبية أو الفندقية وما إلى ذلك.
التطوير عبارة عن مجموعة خدمات:
مما تقدم، نستطيع القول إن عمليات تطوير الحقول النفطية أو الغازية هي عبارة عن مجموعة خدمات تخصصية لتفضي في نهاية المطاف إلى تطوير كامل، وكل ما يحتاجه المنتج صاحب التطوير هو إدارة هذه العمليات وتوفير الأموال المطلوبة. أما إذا عجز عن إدارتها، فإن العالم يزخر بالمؤسسات الاستشارية التي تقوم بالمهمة بدءا من وضع التصميمات الهندسية، إلى كتابة المناقصات والعقود الخدمية إلى تقديم خدمات استشارية متنوعة خلال القيام بتنفيذ العقود، ومن ثم التشغيل للمشروع في حال عجز أيضا صاحب المشروع التطويري توفير الكوادر التي تقوم بتشغيل المشروع وصيانته وفق عقود خدمة معروفة عالميا.
أول فقرة في برنامج الوزير:
من هنا أستطيع القول جازما إن أول فقرة في برنامج الوزير يجب أن تكون العمل على توفير هذه البيئة الخدمية وفق الأسس التي سوف نتطرق لها من خلال السياق، حيث بوجود هذا القطاع نستطيع تقليل كلف التطوير إلى مستوياتها العالمية وليس أكثر منها بأربعة أضعاف.
يمكن العودة إلى دراسة كنت قد نشرتها أواخر العام2006 بعنوان "القطاع الخاص والخصخصة في الصناعة النفطية" نشرت بستة حلقات، يجدها القارئ الكريم على موقعنا الخاص المتفرع من الحوار المتمدن أو العديد من المواقع العراقية.
بدون وجود هذا القطاع الواسع والكبير جدا ستكون عمليات التطوير غير مستحيلة ولكن مكلفة جدا كما أسلفنا، حيث في الوقت الحالي يتم استقدام هذه الشركات من الخارج وإن كلف هذه الخدمات تعتبر عالية جدا، بل مبالغ فيها، ففي بعض الأحيان يصل ثمن الخدمة عشرة أمثاله في الدول التي لديها مثل هذا القطاع كدول مجلس التعاون الخليجي أو الدول المتشاطئة على بحر الشمال أو أمريكا.
لذا يجب أن تبذل الوزارة جهدا استثنائيا لاستجلاب هذه الشركات وتشجيعها على عقد شراكات مع الشركات العراقية التابعة للقطاعين الخاص والعام على غرار ما فعلته الوزارة مع شركة الحفر الوطنية حين عقدت شراكة مع شركة ميزوبتوميا البريطانية المتخصصة بحفر الآبار، فهذه الشركة المشتركة خطوة كبيرة على الطريق الطويل ومثالا يحتذى.
بالفعل هناك الآن شراكات قم تم عقدها بين شركات عراقية وأخرى أجنبية لجلب الخبرة في هذا المجال الحيوي الذي يعد حجر الزاوية لعمليات التطوير، ولكن مازالت هذه الشراكات في طور التسجيل، أو تهيئة المعدات وما إلى ذلك من مستلزمات عمل الشركات مثل توفير الكادر، أو أماكن لاحتضان المعدات، أو العمل مع الوزارة والشركات المنتجة حاليا للحصول على عقود خدمة لتقديم هذه الخدمات التخصصية.
الأرضية القانونية والدعم المطلوب:
في الواقع إن هذه الشركات المشتركة قد توفرت لها الأرضية القانونية التي تنظم علاقاتها من خلال قانون الاستثمار العام لأنها تستطيع توفير خدماتها إلى جميع القطاعات الإنتاجية في العراق وليس القطاع النفطي فقط، فالشركة التي تعمل في مجال الإنشاءات الصناعية تستطيع العمل في جميع ساحات العمل العراقية الواعدة جدا، وكل ما تحتاجه العملية هو تشجيع القطاع الخاص على هذه الشراكات وتقديم التسهيلات له مثل سهولة حصوله على عقود خدمة مادام الشريك الأجنبي متخصص في مجال عمله وله ماض مشهود له في أماكن أخرى من العالم، لأن بدون هذا الشرط لا يمكن للمستثمر العراقي أو الأجنبي العمل في هذا المجال.
الشراكة مع الأجنبي المتخصص:
مسألة الشراكة بين الشركة الوطنية الخدمية، سواء كانت قطاع خاص أو عام، مع الأجنبي في هذا المجال أمر لا مناص منه وذلك لضمان النوعية ونقل التكنولوجيا والخبرة الأجنبية وتدريب وتطوير كادر عراقي متخصص من خلال إشراكهم مع الأجنبي صاحب الخبرة، كما وإن العراق بحاجة إلى قيم عمل راقية متطورة وهذه أمور مهمة جدا ولا يمكن ضمانها ما لم تكن هناك شراكة مع الأجنبي المتخصص.
إن وضع مسألة الشراكة بين العراقي والأجنبي تعتبر شرط أساسي لقبول هذه الشركات، لأن هذا الأسلوب يعتبر الضمانة الوحيدة لتطوير قطاع خدمي تخصصي عراقي، لهذا السبب يجب الامتناع عن منح شركات الخدمات الأجنبية عقود خدمية تخصصية دون وجود شريك عراقي، لأن وجود هذا الشرط سوف يجبر الشركات الأجنبية على تقديم خبراتها للعراقيين، وبالتالي نستطيع خلق قطاع خدمي تخصصي وطني سواء كان تابع للقطاع الخاص أو العام أو المشترك. مثل هذه الشراكات مع الأجنبي المتخصص كانت هي الأساس لنمو قطاع خدمي تخصصي في دول مجلس التعاون الخليجي، ولو لم تضع الدولة هذه الشروط لما كان في هذه البلدان أية خدمات تخصصية وطنية يعتد بها، حتى وصل الأمر بشركات القطاع الخاص الكويتية، على سبيل المثال، أن تطالب الحكومة من خلال البرلمان القيام بتطوير الحقول بشكل كامل بأيدي كويتية بعد أن تحرر معظم تلك الشركات الكويتية من الشراكة مع الأجنبي، وذلك بعد أن اكتسبت الخبرات الكافية.
شروط أساسية للمطور والوزارة:
في الصناعة النفطية موضوع البحث، على الدولة أن تتمسك بإدارة العمليات الأساسية، في حال كان التطوير مباشر من قبل شركات الوزارة، وأن تضمن لها دورا في الإدارة في حال وجود شريك أجنبي كما هو الحال في عقود الخدمة التي تقدمها للشركات العالمية من خلال الجولات التعاقدية التي تقوم بها الوزارة حاليا، وكضرورة موضوعية يجب وضع شروطا على هذه الشركات تلزمها بتوفير الخدمات التخصصية من خلال الشركات العراقية التي تحدثنا عنها.
منح الشركات الكبرى عقود خدمة لتطوير للحقول لا يحل المشكلة:
إن الشركات الوطنية كشركة نفط الجنوب أو نفط الشمال لا تستطيع الآن الحصول على هذه الخدمات كون هذه البيئة الخدمية معدومة في العراق حاليا، لذا فهي مضطرة لاستقدامها من الخارج بكلف عالية جدا كما أسلفنا، فإذا كانت الشركات الوطنية لا تستطيع الحصول على الخدمات التخصصية كالجس البئري أو تسميت الأبار أو إنعاشها، أو إصلاحها بدون استعمال أبراج الحفر، فكيف تستطيع الشركات العالمية توفير هذه الخدمات ما لم تستقدمها من الخارج بكلف خيالية؟ أي سيبقى هذا الأمر على حاله في حال بدأت الشركات العالمية الكبرى بتطوير الحقول في القريب العاجل وأن كلف التطوير ستكون عالية جدا، بل خيالية.
الحد الأدنى من الخدمات التخصصية:
من هنا نستطيع تقدير مدى حاجتنا إلى هذه الخدمات التخصصية ومدى الضرورة الملحة للبدء فورا لكي نستطيع على الأقل توفير الحد الأدنى لما هو أساسي من هذه الخدمات الضرورية لعمليات التطوير، لأن في الواقع إننا بحاجة إلى آلاف الشركات الخدمية التخصصية لكي نستطيع القول أن العراق لديه بيئة خدمية متكاملة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل، قد يصل إلى عشر سنوات أو أكثر.
ضرورة وجود قطاع عام إلى جانب القطاع الخاص يعمل في مجال خدمات النفط:
إن إعادة هيكلة كاملة للقطاع النفطي التي يتحدث عنها البعض كضرورة، وهي فعلا كذلك، يجب أن لا تكون فقط على مستوى الشركة الأم، شركة نفط الجنوب أو الشمال، ولكن وضع الهيكلة اللازمة لتأسيس ودمج القطاع الخاص الوطني والأجنبي والمشترك في عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج، وذلك بفصل الأقسام الخدمية عن الشركات الأم، وتأسيس شركات خدمية تابعة للقطاع العام أولا، لأن القطاع العام هو الضمان الأكيد لمصالح الشعب وهو الذي سيحد من جشع الرأسمال الخاص، سواء كان وطني أم أجنبي.
القطاع الوطني العام الذي يعمل في مجال تقديم الخدمات التخصصية يجب أن يعمل وفق معايير الربحية، وأن يمنح فرص متكافئة مع القطاع الخاص، وهذا ما يشكل الضمانة الأكيدة لاستمراره بالعمل بقوة، وأن لا يترهل ويفسد كباقي شركات القطاع العام الفاسدة إداريا وماليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة