الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيل مهدي ورحلة الفرح الجمالي

اطياف رشيد

2009 / 4 / 8
الادب والفن



ينتمي عقيل مهدي الى جيل المخرجين الأكاديميين او ما يعرف بالجيل المسرحي الثالث الذي ضم اسماء مهمة في الحركة المسرحية العراقية ومنها المبدع الراحل عوني كرومي وصلاح القصب وفاضل خليل وشفيق المهدي وجواد الأسدي ممن ثابروا من اجل صنع عوالم ابداعية متميزة مستفيدين من منابع مختلفة . لذا نجد د.عقيل مهدي وقد اكتشف عالمة المنشود مسجلا حضورا خاصا منذ الثمانينات ومن خلال ثلاثين عملا بدأها في مسرح السيرة الذي اخرج فيه اعمالا مهمة منها ( السياب ،حقي الشبلي ،جواد سليم يرتقي برج بابل ، يوسف العاني يغني ) وهو اذ يتعامل مع موضوعات من هذا النوع فأنه يواجه تحديا يتمثل في امكانية كشف الخفايا الأبداعية لمبدع ما وبشكل ابداعي ،

ففي جواد سليم نجد انه اعتمد على اثنتي عشرة لوحة تشكيلية لجواد سليم مفتشا فيها عن قنوات حوارية ،فكل لوحة كانت تمثل جزءا من عالم جواد سليم حاوره وحولة الى لوحة مسرحية تعامل معها المبدع نفسه / الشخصية وحاورها او حاورته كبديل عن المحاور الحقيقي المحرج .كاشفا بذلك عن عوالم خفية في حياة الفنان وفكرة وروحه ومعاناته وهمومه الأنسانية ، كل شاردة وكل اسم عنى له شيئا .واضعا كل هذه المعاني في اطار مسرحي دلالي متجدد اذ يقول (جعلنا الميزانسين يؤكد نفسه بأنفجارات بنائية متوالدة من دون ان نجعل من عملية تهديم المشهد عملية خالية من البنية انما جعلنا من بناء المشهد عند انشائة تقود الى عملية انشاء جديد وهذه الى اخرى )1 مازجا بين الحركات الراقصة الناعمة والتعبيرية التي اعتمدها في بعض اعماله .ويبدو ان هذا السلوك الأخراجي في اختيار الموضوعات انتجته ذهنية مهدي الميالة للتفكيك وللفلسفة ،لهذا راح يفكك لنا اخيلة المبدعين كاشفا عن فلسفتهم ورؤاهم بمنطقه الجمالي المعهود .وعلى هذا فأن العرض /النص لديه لم يعد دلالات ورموزاً مقولبة وجاهزة بل انها لم تعد موضوعا او افكارا فقط بل تحولت الى عملية كشف انساني وهذا الكشف بما فيه من عناصر جمالية يقترب من اعادة بناء النموذج المقدم من خلال قراءه جديده لمفرداته الأبداعية والحياتية والشخصية ،وفق ما يقدم من اشياء خفية كثيرة قد لا يعرفها المتفرج .. وبالتالي صياغة قصة عن حياة مبدع تكون في اجمل صورها انها تمزج بين الحقيقة والخيال ،بين الخفي والمعلن .. الخفي من حياة الشخصية بالنسبة للشخصية ايضا كون ان كاتبها يمتلك عينا اخرى هي عين الناقد / المخرج ،والمعلن لها وللأخرين ،ولك وفق اشتراطات العرض الجمالي وبصيغ احتفالية واحتفائية جديدة .ان فتح ابواب عوالم المبدعين والكشف عن خفايا ابداعهم هو بمثابة دعوة للمتلقي لأيجاد مثاله الثقافي الذي بامكانه ان يحذو حذوه في تفجير طاقاته الداخلية من خلال مفردات وعناصر الأبداع المعروض امامه ،وهو امر اعتبره عقيل مهدي هدفا جوهريا من اهداف المسرح والعلاقة بين العرض والمتلقي ،حيث يرى في العمل المسرحي شكلاً من اشكال ايقاظ الحس الجمالي وتنمية الذوق والمعرفة لدى الجمهور و(اسعاد الجمهور )وتحريك مخيلتة ويتمنى عقيل مهدي (تنميته ذوقيا ومعرفيا ) مقتربا في افكاره هذه من بريشت كما افاد في الأخراج من تجارب بروك وشاينه ومايرهولدوكروتوفسكي وغيرهم تحقيقا لهذه الغاية ، التواصل مع الجمهور،اذ تبدو الظاهرة المسرحية ( كرغبة تنبثق من حاجة الأنسان للتلاحم وابتغاء الطمأنينة والتطهير وتنشيط النفس البشرية )2 كما يعبر بارول . يميز مخرجنا بين نوعين من الجمهور ، جمهور النخبة وجمهور مثقف ويعتقد ان على المخرج عدم (الايغال بتقنية تجريبية عقيمة وغير مولدة للفرح الجمالي )3وان لا ( نقيم طقوسنا التجريبية لارضاء النخبة وشطحات بعض اتجاهاتها )4 وهي افكار يصوغها ويكررها في أكثر من موضع وفي اكثر من مؤلف بل ومجسدة بأكثر من عمل مسرحي معتبرا ان على الفن المسرحي ان يستجيب لحاجات الجمهور ( الروحية ويطور من ذائقتها ووعيها الجمالي ،اكثرمن بحثها عن التسميات )5 ولم يكتف باختيار الموضوعات التي تحقق له هذه الغاية بل جاوزها الى رسم خشبة المسرح وتفاصيل الميزانسين بتلك الروحية الموحية والغنية بالدلالات محققا الأغناء الجمالي والمعرفي في آن ، حيث ان المتفرج يمكنه ان يستنتج (اطاره الخاص ليربط بين المعلومات المتفرقة ليشكل فسيفساء العرض عن عالم الدراما الممكن )6 كما عبر في مقالته الصورة بين المرئي والملفوظ . وهو يفترض بالمشاهد انه متابع للعروض المسرحية ، جمهور مثقف (ليس نخبوياً )لكنه يمتلك قدرة من الفهم تساعده على حل شفرات العرض(حسب قدرته الذوقية والفنية وهي وليدة تجربة المشاهدة للعروض المسرحية المختلفة )7 .
وحيث ان الاساطير والشخصيات الاسطورية هي نتاج نهضة فكرية وثقافية في مرحلة تاريخية مهمة ابدعتهامخيلة فذة فان د.عقيل مهدي ووفقا لأسلوبه في تحقيق التواصل مع الجمهور وتغذيتة الثقافية والجمالية فقد قدم عرضين للنص التاريخي (كلكامش) الاول من تاليفة واخراجة وهو (كلكامش صبيا)والثاني من تاليف عادل عبد الله وهو (خلود كلكامش) تفصل بين العملين فترة زمنية اكسب كل منهما خصوصية من خلال تفرد كل منهما برؤية اخراجية خاصة وعدم تكرار. ففي الاولى (كلكامش صبيا) قام ببناء الاحداث وفق الروح الداخلية للحكاية نفسها رغم سياقها الجديد في استدعاء حدث مستقبلي الى لحظة في دور زمني مختلف وهو الصبا والطفولة حين جعل من الصبي كلكامش ملكا ، حيث تداخل زمني معبر . واتسمت السينوغرافيا برموزها المميزة المتمثلة بالنخلة ، الاختام الاسطوانية ، الخطوط المسمارية . فهذه المفردات الرمزية ادت دورها بشكل فعال ومتفاعل مع ادوات العرض الاخرى ، الموسيقى وطبيعة الزي وتعبيريتة . غير ان الاسطورة لديه لم تستنفد طاقتها الايحائية والجمالية والدلالية لذا جاء عرضه الثاني لها وهو (خلودكلكامش )وهو نص كلاسيكي منحه الؤلف عادل عبد الله شعرية عالية من شأنها ان تثمر عن معان انسانية واسئلة معاصرة ، اضاف اليها المخرج وهو شانه دوما رموزا ومفردات معاصرة حيث حول حانة سدوري الى مطعم والزورق الى غواصة حربية وحوض السباحة (البانيو) موحيا الى البحر . وهذان العرضان يمثلان بشكل جلي الأنتقائية والتجريبية حتى بالنسبة للموضوعة الواحدة او الحكاية الواحدة مستخدما لها عناصر مختلفة في الاخراج ،كاشفا بذلك عن الاضاءات المختلفة التي يمكن ان تسلط على النص ومن زواياه المتباينة يغرف معاني جديدة من خلال الاستغلال المعاصر والذكي الممزوج بالتفكير الفلسفي المعمق .وهناك المسرح العالمي الذي اخذ من شذراته مهتديا الى معان عميقة ترتبط في خيوطها العامة بوضع الانسان وسياسة الطغيان وغياب العدالة فقدم حلاق اشبيلية وجان دارك والقرد كثيف الشعر وملهاة ارستو فانيس الضفادع وغيرها وفيها تحد واضح للسلطة نظرا للمرحلة التي قدمت فيها ... مرحلة رمز السلطة الاوحد .
وفي مغامرات مسرحية يقول عنها ( اعتصرنا رحيق المسرح العراقي لنبين اتجاهاته الثقافية وننتجها في فضاء العرض والمشاهدة )8وهذا المزج بين الفرح والقيم الانسانية والثقافة عناصر تتجلى في طروحاتة الاخراجية والنقدية بشكل واضح . وحيث ان الحوار الدرامي هو ( عنصر سمعي من الطراز الاول )9 ويعد(الحامل الرئيس لافكار المسرحية ومحتواها)10 فقد اقام في عقد التسعينات عرضه السمعي ( رتيستال ) وهي تجربة في الالقاء والمعد عن نصوص لالفريد سمعان ومحمود جنداري ولطفية الدليمي . وهي تجربة مهمة في التاكيدعلى قيمة الكلمة المسموعة وتحولاتها الصوتية والايقاعية الى تكوينات دلالية صورية متخيلة في ذهن المتلقي .فمهمة المتلقي هنا مهمة مزدوجة لانه يقوم باخراج المفاهيم التي يتلقاها سمعيا من خلال ذائقته وخزينه المعرفي والجمالي .وكأنه يستنطق رموز العرض الصوتية بنشاط فكري وتخيلي وإبداعي ، كإبحار بمدلولات تجريدية ومما دعم هذا المشروع بالنجاح هو اختياراتة المبنية على اسس معرفية وجمالية للنصوص مازجا بين الشعر والنثر وطبيعة المكان التي عرضت فيها ، في منتدى المسرح والقاعة الاشورية في المتحف العراقي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا