الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدة نوبل

سعيد الجعفر

2009 / 4 / 18
الادب والفن




شهر ديسمبر من عام 2007 لم يكن شهراً عادياً في السويد فالبلد كله كان يتحدث عن توزيع جوائز نوبل في العلوم المختلفة.وقد حضر جميع الذي منحوا الجائزة عدا دوريس ليسينج التي لم تحضر بأمر من الطبيب.
وقد اخترت موضوعاً نشر في القسم الثقافي في صحيفة الداجينز نيهيتر أكثر الصحف السويدية انتشاراً، للناقدة ليزبيت لارسون استاذة النقد في كلية الآداب جامعة جوثنبيرج.
وقد بدأت مقالها بعبارات طريفة عن أن منح الجائزة لليسنج بعد ثلاثين عاماً أمر مفيد جداً لنا نحن القراء، فلولا حصولها على الجائزة لما عرفنا الكثير عن هذه الروائية المهمة ولبقيت الكثير من رواياتها طي النسيان.
وقد تناولت الناقدة بالتحليل مجموعة من روايات ليسنج، بدأتها برواية " الصدع" التي تتحدث عن أن الأنثى هي الأصل. فقد عاشت المرأة في قناعة مع شقيقاتها من النساء عند فجر البشرية في قرية هادئة عند البحر. وفجأة يولد كائن يبدو مختلفاً فبين فخذيه يوجد تشويه. الوحش. هكذا يصبح أسمه لديهن.. النساء يحاولن إزالة ذلك التشويه، لكنهن يفشلن. يرمين الأحياء من هؤلاء الوحوش الى النسور، لكن أولئك الوحوش يتكاثرون وترفض حتى النسور الإستمرار في الإفتراس وتحمل الرضع من أولئك الوحوش الى الجانب الثاني من الجبل لتضعهم هناك، حيث تربيهم الحيوانات.
وفي هذه الرواية نجد تفسيراً للمنحوته الرومانية الغريبة التي يرضع فيها رومولوس وريموس ذئبة.( رومولوس وريموس هما مؤسسا روما بحسب أسطورة رومانية). في رواية "الصدع" تقوم دوريس ليسينج بإنعطافة في الخيال العلمي الذي استخدمته في رواية "كانوبوس في آرجوس" في بداية الثمانينات. فهي تستخدم اكتشافات العلوم الطبيعية والمنجزات الآثارية والحكايات القديمة والقصة الحديثة لخلق توقعات عن الماضي من خلال المستقبل. وفي الرواية تترك سيناتوراً رومانياً يتحدث، وهذا الأمر ليس مصادفة فهي لم تصنف نفسها كونها في صف حركة الفيمينزم رغم كونها حين تتحدث عن المشاكل الإنسانية باستخدام مادة نسوية توجه كلامها بقوة الى المنتميات الى هذه الحركة.
وهكذا نجد المرأة في رواية " الصدع" تفقد تدريجياً موقعها لأسباب كثيرة منها ذاتية سببها المرأة وأخرى سببها الرجل وتطور المجتمعات بإتجاه يعاكس ما أنجزته المرأة.
وليسنج كونها كاتبة واقعية تحاول دائماً تجربة الخروج عن الحدود والبحث في آفاق أخرى سواء من ناحية المضمون أو الإسلوب. ففي " الصدع" تستخدم لغة مقتضبة واضحة، شفافة نوعما، يفصلها سنوات ضوئية عن الأسلوب المسهب في السبعينات.
في رواية " المفكرة الذهبية" التي كانت مدخلها الكبير الى القراء، والتي تتحدث عن النساء المتحررات يجري الخوض في الأجندة السياسية والإجتماعية ومشاكلها بشكل متكرر. فبطلة الرواية أنّا توقفت عن الكتابة بسبب كونها لم تكتب بعد الرواية المشحونة بالمعاناة الثقافية والأخلاقية التي يمكنها أن تخرجها من الفوضى والتناقضات. ولكي تقضي على هذه الفوضى والتناقضات تبدأ بكتابة مذكراتها اليومية. لكنها تجد نفسها مرتبطة بحقائق أربع ، في السياسة والكتابة والحب وأرتباط الماضي بالحاضر. وبرغم ذلك تبدو الحقيقة موجودة في فضاء آخر. فالحياة التي تبحث عنها كل من أنّا وليسنج لا يسعها التقسيم التقليدي للحياة والتفكير. ولذا وجدت نفسها مجبرة على إضافة حقيقة خامسة، وهكذا اصبح أيضاً عنوان الرواية بالسويدية ، " الحقيقة الخامسة".



لقد هبطت الروائية على أرض الحقيقة الخامسة في السيرة الذاتية التي حملت عنوان "مارتا كويست". وكما يبدو من لقبها فهي انسان يبحث (كلمة كويست الإنجليزية تعني بحث)، فهي لا تقتنع بالواقع. بل أنها تشبه القراء الذين أحبوها ترفض الجمود والحياة البرجوازية. وبعد شرح لأحداث ارواية. تقول الناقدة أن الأدوار الأربعة التي لعبتها مارتا في الأجزاء الاربعة الأولى من الرواية عادت لتلحق بها في الجزء الخامس "المدينة ذات البوابات الأربع" وهذه هي الحقيقة الخامسة.
لدى ليسنج قدرة فائقة على أن تمسك بالقلم وتجعل البقع العمياء في التصورات الثقافية واضحة. ولو جرت قراءتها من وجهة نظر المقدمات المنطقية للتطور الروائي التقليدي، فلن يكون ذلك سوى نوع من خيبة الأمل. فهي لا تطرح حلولاً،كما أنها لا تتحدث عن المرأة كامرأة بل كإنسان. لكنها قد تكون منحت نوعاً من الوضوح والثقل الى الروايات التي تنتقد حضارتنا ، كونها تنظر من زاوية نسوية للاشياء.
في روايتها " الطفل الخامس" التي صدرت بعد خمسة وعشرين عاماً من صدور "المفكرة الذهبية" لاتتعلق الحقيقة الخامسة الفظيعة بالعلاقة المزدوجة للمرأة بالرجل، بل عن علاقة المرأة بالطفل. فهذه الرواية فجة وبلا أقنعة، وتتحدث عن طفل مزعج غير مرغوب فيه، لا تستطيع المرأة في الرواية أن تحبه لكنها في الوقت نفسها لا تستطيع أن تهجره، محشورة في داخل الإجبار البايولوجي والإجتماعي كأم، وليفسر الناس ذلك كيفما شاؤوا ، فهي تستمر في تربية الطفل الممسوخ على حساب عش الزوجية وأطفالها الآخرين. في الصفحات الأخيرة من الرواية تجلس هي أمام شاشة التلفزيون لتشاهد الطفل الخامس واحداً من مشجعين كرة القدم المشاغبين، بينما يحترق نصف لندن في خلفية اللقطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و