الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملف آينشتاين السري

عدنان عاكف

2009 / 4 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ملف آينشتاين السري

ترجمة عدنان عاكف

لو اني في جلسة سمر طرحت عليك سؤالا من قبيل: " من هو آينشتاين ؟ "، فماذا سسكون جوابك ؟ "
" عبقري " أو ربما " رائع " ، أو ربما حتى " بروفيسور شارد الذهن ".
ولكن قلة من الناس من سيجيب : " مناضل اجتماعي " أو " مدافع عن حقوق الإنسان ".
ولن تجد عمليا من سيقول : " مناهض للعنصرية ".

فريد جيرم.


في عام 2002 صدر كتاب ( ملف آينشتاين - حرب هوفر إدغار السرية ضد أشهر علماء العالم ) للكاتب والصحفي اليساري الأمريكي فريد جيرم. من المعروف ان هوفر إدغار كان الرجل الأول في مكتب التحقيقات الفدرالي ( م.ت.ف. ) وقد بقي يتربع على كرسي رئاسة هذا المكتب منذ تأسيسه في مطلع العشرينات حتى وفاته عام 1974. والكتاب من المقياس الكبير، وبأكثر من 350 صفحة، وقد بني على أساس المعلومات الواردة في الملف السري لآينشتاين، الذي عمل ( م.ت.ف. ) على إعداده سنوات طويلة وبسرية تامة. وقد استطاع المؤلف ان يستفيد من " مرسوم حرية المعلومات " الذي يتيح للمؤسسات الفدرالية بالكشف عن المعلومات التي بحوزتها، بناء على طلب مقدم من أي شخص، مع وجود استثناءات معينة ، تسمح لبعض الدوائر بالاحتفاظ بسرية بعض المعلومات، أو جزء منها. وقد أصبح من الممكن الوصول الى تلك المعلومات بعد أن نشر ملف آينشتاين على الانترنيت، وذلك بعد ان احتفظ ( م.ت.ف. ) بسرية نحو 25 % من الملف.
اشتهر المؤلف في الأوساط العلمية والصحفية في أمريكا بكونه من الكتاب المتخصصين في الكتابات العلمية والعلم الجماهيري. خضع الكتاب للكثير من الدراسات النقدية، من قبل عدد من الكتاب في أمريكا، ومن كلا الجانبين، اليمين واليسار. لقد وجد فيه البعض ( من اليمين ) محاولة للدفاع عن الماركسية والاشتراكية والشيوعية، ووجد فيه البعض محاولة من المؤلف للثأر لنفسه ولعائلته من ( م.ت.ف. ) ورئيسه والهجوم عليه وتشويه صورته، وذلك لأن والده وعائلته تعرضوا للمتابعة والملاحقة والاعتقال خلال الحملة المكارثية، في مطلع الخمسينات لأن والده كان عضو في الحزب الشيوعي. في حين يجد البعض الآخر ان أهمية الكتاب لا تكمن في الوقائع المتعلقة بآينشتاين فقط ، انما هي مهمة أيضا لتقييم الظروف السياسية التي سادت في تلك المرحلة في أمريكا، إذ يسعى هؤلاء لإجراء مقاربة بين المكارثية وبين ما جرى ويجري في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.

يبدأ فريد جيرم كتابه عن الإضبارة الشخصية لألبيرت آينشتاين بحديث تليفوني أجراه مع سام بيش، أحد العملاء السابقين في مكتب التحقيقات الفدرالي، حيث كان يعمل كضابط ارتباط مع وكالة المخابرات المركزية. وقد تم هذا الاتصال في 4/12/1999، وكان فريد في حينها في مرحلة إعداد الوثائق والمعلومات لهذا الكتاب. وما لا شك فيه ان المؤلف تعمد نشر هذه المكالمة في مقدمة كتابه ليبين للقارئ مدى السرية التي أحيطت بها إضبارة آينشتاين .
المترجم

• فريد : ( بعد تقديم نفسه ) أتصل بك بشأن الكتاب الخاص عن ملف آينشتاين لدى مكتب التحقيقات الفدرالي ( م.ت.ف. ) .
• سام : بشأن من ؟
• فريد : آينشتاين. البيرت آينشتاين .
• سام : اللعنة.
• فريد : هل أنت مندهش بسبب معرفتك بوجود مثل هذا الملف ؟
• سام : حسنا. أنا... كي أكون أمينا معك، أقول لك ليس لي علم ان كان م.ت.ف. قد أجرى أية تحقيقات بشأن آينشتاين.
• فريد : ألم تكن ضابط الارتباط مع وكالة المخابرات المركزية ؟
• سام : نعم... بدأ ذلك في عام 1953 واستمر لمدة خمسة عشر سنة.
• فريد : حسنا. لقد بقي هذا الملف حتى عام 1955. آينشتاين توفي في عام 1955.هل بوسعك ان تحدد السبب الذي دفع هوفر ( رئيس م.ت.ف. ) الى فتح مثل هذا الملف ؟
• سام : كلا! أي كان الأمر... ما هي المعطيات المتوفرة لديك، والتي تشير الى ان تحقيقات ما قد أجريت بالفعل بهذا الشأن ؟
• فريد : الذي لدي هو الملف نفسه، والذي –
• سام : ما يجب ان تحفظه في دماغك هو ان الناس ترتبك عندما تقترب من هذه الملفات... من المحتمل – أنا مجرد أخمن بماذا تفكر – ان شخص ما بعث برسالة يتهم فيها آينشتاين بكونه على علاقة زمالة مع بعض الشيوعيين المجهولين. ويمكن أن تكون مثل هذه المعلومة قد خضعت للتدقيق بالفعل، ومن ثم تم حفظ المعلومات في ملف... مجرد ملف تافه من شتات... أو ربما كان هناك ملف كامل عن نشاطات آينشتاين العلمية... ولكن ، كي أكون أمينا جدا معك، ليس لدي علم بوجود مثل هذا الملف... أنت تعرف، لقد كنا في تلك الأيام نشكل عائلة كبيرة لطيفة، ولو انك قمت بأية تحقيقات سريعة بشأن شخصية مشهورة، فان الأمر سوف ينتشر بين العاملين في المكتب. شخصيا لم أسمع بإشاعة كهذه، ولم يكن لدي أي علم بوجود أية دلائل تشير الى اننا كنا نتابع آينشتاين. ما الذي حصلت عليه من " مرسوم حرية المعلومات " ؟ أو انك ؟
• فريد : لدي ملف مكتب التحقيقات الفدرالي. انه في ألف وثماني مائة صفحة.
• سام : ألف وثماني مائة ؟
• فريد صحيح .
• سام : اللعنة.

اللعنة وألف لعنة. أيعقل هذا ؟ كيف يمكن للإنسان أن يصدق ان مسؤول رفيع المستوى مثل سام بابيش يجهل أمر كهذا؟ ليس من الصعب تفسير ذلك. لقد كان الأمر يتعلق بشخصية معروفة على مستوى العالم. لذلك كان على السيد إدغار هوفر، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي ان يكون في غاية الحذر، وان يسعى من أجل حصر هذه المهمة الصعبة في إطار دائرة ضيقة جدا، من العاملين في مكتبه. انه تفسير مقبول، لكنه يحمل في طياته عناصر تناقضه. وأول هذه العناصر هو : كيف يمكن لدائرة ضيقة من العملاء ان تنفخ في إضبارة شخصية في غاية الأهمية ومحرجة، مثل آينشتاين ، لتتحول الى مجلد ضخم ، من ألف وثماني مائة صفحة؟ من أجل الإجابة على هذا السؤال لا بد من قراءة كتاب فريد جيروم، عن الملف السري لشخصية القرن العشرين. ومن خلال قراءتنا لهذا الكتاب تتضح لنا حقيقتان وثيقتا الصلة بالسؤال المثار. الحقيقة الأولى هي ان رئيس م.ت.ف. جند لمهمته فريق كبير من المخبرين والمرشدين، الذين كانوا يحصون على آينشتاين أنفاسه. ولم يكتف بذلك بل استعان بمساعدة سبعة هيئات أمنية ومخابراتية أمريكة أخرى.، وفي مقدمتها هيئة المخابرات المركزية. ولم تكن مخاوف هوفر بلا أساس. فقد كان أكثر من غيره يعرف ان الصورة التي رسمها الإعلام عن آينشتاين، ، لا تعبر عن صورته الحقيقية. و الصورة التي رسخت في أذهان الناس عن آينشتاين، هي صورة الرجل العجوز الهادئ المتواضع، الشارد الذهن دائما، والذي يقضي جل وقته وهو يتأمل في السماء، مشغولا بأسرار هذا الكون الفسيح. لم يكن هذا سوى وجه واحد من الصورة، التي سعى الإعلام الى نشرها بين الجمهور، باذلا أقصى جهده لإخفاء الوجه الآخر من الصورة، والذي لا يعرف عنه إلا قلة من الناس.
عرف آينشتاين في وقت مبكر بعدائه الشديد للحرب وكرهه للأنظمة العسكرية والديكتاتورية. وبعد عودته من سويسرا الى ألمانيا عام 1914 ، أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وقف بقوة ضد النزعة العسكرية التي سادت آنذاك في أوربا، وقام بعد نشوب الحرب بنشاط كبير من أجل السلم ووقف الحرب فورا. وقد أصدرت أكثر من 90 شخصية ألمانية مشهورة في مجال العلم والثقافة والفكر، وبينهم علماء بارزون بيانا يدعوا الى دعم الحكومة الألمانية وتوجهاتها. وعلى الضد كان آينشتاين من بين أربعة علماء فقط أصدروا بيانا بشجب الحرب وإدانتها، وحث الشباب الى عدم التطوع في الجيش. لقد كان ذلك موقف جريء من قبل هؤلاء العلماء، ترتبت عليه نتائج سلبية، وقد تعرض آينشتاين بسببه الى المضايقات الكثيرة، واتهم بالخيانة. وساهم مع مجموعة من المثقفين في تشكيل تحالف مستقل، وغير حزبي للنضال من أجل السلام العادل في العالم، والسعي من اجل تشكيل منظمة دولية لتعمل من أجل وقف الحرب.
ومنذ العشرينات أعار اهتماماته للعديد من القضايا السياسية، مثل الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والوقوف ضد تصاعد المد النازي والفاشي في ألمانيا وإيطاليا، ووقف الى جانب قضايا التحرر الوطني وضد الإمبريالية والاستعمار، ووقف بصلابة ضد العنصرية ومعاداة السامية. وبالرغم من تعرضه الى المضايقات الشديدة من اليمين الألماني لكونه يهودي، إلا انه كان من بين المبادرين الى التوقيع على بيان في عام 1929 يدين الأحكام الجائرة التي أصدرتها قوات الانتداب البريطاني ضد المناضلين الفلسطينيين. ولم يخف انحيازه لقضايا الحق والعدالة الاجتماعية. وقد كتب قائلا : " ان المثل التي أنارت لي الطريق، والتي كانت تمنحني شجاعة جديدة لمواجهة الحياة بوجه مبتسم هي الخير والحق والعدل ". وكتب عام 1930 : " لقد كان إحساسي المتلهف بالعدالة الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية على تباين عجيب مع انعدام الرغبة بالاختلاط المباشر مع الآخرين " . وأكد في نفس المقالة : " ان التمايز بين الطبقات منافي للعدالة. وهو في نهاية الأمر قائم على القوة ".
بعد انتقاله الى الولايات المتحدة تركزت اهتمامات آينشتاين السياسية على فضح سياسة معاداة السامية التي انتهجها الحزب النازي الحاكم في ألمانيا وتصاعد أعمال العنف الموجهة ضد اليهود وضد القوى الديمقراطية في ألمانيا وإيطاليا. وقد بذل الكثير من الجهود لمساعدة ضحايا الفاشية والنازية في أوربا، ودعا الحكومة الى تقديم المساعدة اللازمة لهجرة المناضلين ضد الفاشية. ووقف آينشتاين علنا مع القوات التي تحارب فرانكو خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الفاشية تقنبل القرى الإسبانية كانت أمريكا وفرنسا وإنكلترا تلتزم سياسة الحياد ففرضت حصارا على قوات الجمهوريين لتمنع عنهم السلاح الذي كانوا بأمس الحاجة اليه. وبالرغم من الاحتجاجات التي قامت في أمريكا لرفع الحصار إلا انه استمر حتى نهاية الحرب والتي أدت الى انتصار فرانكو . وقد ساهم أكثر من 3000 متطوع أمريكي من فرقة أبرا هام لينكولن في دفع الحكومة الى مساندة قوات الجمهوريين في إسبانيا، وكان آينشتاين من الأنصار المتحمسين لهذه الفرقة.
من اهتمامات آينشتاين السياسية في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية هي قضية العنصرية والتمييز العنصري ضد السود. وقد ساهم آينشتاين بقوة في فضح سياسة الميز العنصري، وتميز في هذا المجال في نشاطه المشترك مع الفنان والشخصية الزنجية الأمريكية المعروفة، باول روبينسون. ولم يخف مواقفه المؤيدة لليسار الأمريكي وساهم بنشاط في الحملة الانتخابية عام 1948 لصالح الحزب التقدمي ورئيسه هنري والاش. وكان عضوا في اللجنة الوطنية لأصدقاء فريق لينكولن. وقد توج آينشتاين هذا النشاط الذي لم تكن تتحمله المكارثية بالمقالة الشهيرة التي نشرها في آيار 1949 بعنوان " لماذا الاشتراكية؟ ".
لقد قادت هذه النشاطات المتنوعة رئيس مكتب ( م.ت.ف. ) الى قناعة بان هذا العالم الكبير يخفي في داخله مخرب خطير. لقد وجد هوفر نفسه في موقف حرج جدا. فهو من ناحية يتعامل مع شخصية طبقت شهرتها الآفاق، واشتهر اسمه في كل أنحاء العالم. لذلك فان أي تصرف تجاهه قد يثير مشاكل كبيرة لا يمكن توقع آثارها. ليس من السهل ان يعلن هوفر على الملأ ان عالم كبير يقف الى جانب قوى اليسار. ولكنه في نفس لا يمكن أن يسمح لهذا الرجل المشهور ان يتمادى في التعبير عن مواقفه المعارضة. فاذا سمح للأستاذ الكبير بذلك فيمكن للآخرين ان يتبعوه. وهكذا لم يجد هوفر أمامه ما يمكن القيام به إلا وضع آينشتاين تحت مراقبة صارمة، وصلت أحيانا الى حد التصرف الجنوني لتشويه سمعته والسعي من أجل ترحيله خارج البلاد....في الحلقة القادمة سنقدم ترجمة الفقرة الأخيرة من الكتاب : " الخلاصة "...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد طيب الأثر
مصباح الحق ( 2009 / 4 / 18 - 08:25 )
شكراً على الترجمة والجهد المبذول.


2 - آينشتاين الصهيوني
سعد السعيدي ( 2009 / 4 / 18 - 17:46 )
هل تتكلم عن نفس الآينشتاين الذي يتردد انه كان صهيونيآ عن قناعة وانه كان يؤيد قيام دولة اسرائيل على حساب الفلسطينيين ؟

اذن يتوجب مراجعة مصادرك

اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث