الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة حول الورشة الاقليمية لقانون الاحوال الشخصية

ريما كتانة نزال

2009 / 4 / 21
دراسات وابحاث قانونية



التقى ممثلون من مؤسسات وجمعيات أهلية وخبراء من أربع دول عربية جاءوا الى بيروت في نهاية شهر آذار الماضي، وذلك بهدف نقاش ووضع حصيلة نقاشات تمت حول قانون الأحوال الشخصية جرى تنظيمها في بلدانهم، على طاولة الورشة الاقليمية المقامة تحت عنوان " نحو قانون أحوال شخصية عادل للأسرة "، وذلك للتباحث في قضية تحظى بأوسع جدل في البلاد العربية والاسلامية، لكونها تمس حياة الفرد والأسرة والمرأة بشكل خاص، وانعكاساتها على المجتمع بشكل عام.
النتائج التي طرحت في الورشة الاقليمية لتعديل قانون الأحوال الشخصية، تمثل حصيلة ما أسفرت عنه جملة من الندوات والمؤتمرات وورشات العمل نُظمت في البلدان الأربعة. وكان قد شارك في نطاقها اربع وستون منظمة نسائية وحقوقية في كل من: مصر والأردن ولبنان وفلسطين. وقد طُرحت التعديلات من خلال أوراق عمل معدَة من قبل خبراء وقانونيين وأكاديميين وناشطين من كلا الجنسين، لمعالجة عناوين تتصل بالقضايا القانونية الشائكة؛ وهي القضايا التي يتم الاصطدام بها عادة لدى أية مبادرة تسعى الى نقاش وتعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد العربية والاسلامية، وهي قضايا الطلاق وتوابعه ومترتباته، ومنها تقاسم الأموال المتحققة خلال الحياة الزوجية، وتعدد الزوجات والولاية والأهلية القانونية للمرأة، وتم النقاش كذلك حول واقع قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية وإشكالاتها الخاصة.
وقد انطلقت جميع الورشات المحلية والاقليمية من مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وبأن حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان، ومن موقع الموائمة ما بين القوانين والدساتير المحلية والمواثيق الدولية، وأن تهدف التعديلات الى قانون عادل للأسرة العربية؛ تُصان فيه مصلحة الطفل والمرأة والرجل والأسرة.
التحالف الفلسطيني المشكَل في نطاق الحملة، لم ينطلق من ذات الاعتبارات التي حكمت الوفود العربية الأخرى في تعديلاتها. إن التعديلات على بعض بنود القانون غير واردة بالنسبة للوفد الفلسطيني لعدم وجود قانون فلسطيني أولا، وذلك بسبب أن القوانين سارية المفعول هي قانون العائلة المصري لعام 1954 في غزة، والقانون الأردني لعام 1976 في الضفة الغربية. فالتحالف الفلسطيني يبدأ من نقطة الصفر باتجاه وضع قانون جديد، ولن يكون مضطرا الى البدء من حيث ابتدأت الحركات النسوية العربية أو إلى حيث انتهت، بل عليها أن تستفيد من حصيلة التجارب العربية ذات الصلة، دون أن تقطع المسافة كلها من خلال آليات التعديل ذاتها. لذلك يصبح محسوما واقعيا وموضوعيا الانطلاق نحو وضع قانون للأحوال الشخصية فلسطيني جديد، ينطلق من مبدأ المساواة الكاملة بين المواطنين، ويأخذ بالاعتبار واقع الأدوار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتقدمة التي تضطلع بها المرأة الفلسطينية في اللحظة الراهنة، ومن تشخيص العقبات التي واجهت النساء مع القوانين القائمة، وفي ضوء التغيير الاجتماعي الجاري لمعالجة المشكلات التي نتعرض لبعضها:
أولا- الطلاق: الأصل في الزواج ديمومته واستقراره، والقانون الذي يتوخى ويجسد معاني العدالة يساعد على التخفيف من حالات الطلاق. ويعتبر الطلاق أحد الحلول الضرورية في حال استحالة استمرار الحياة الزوجية وفشلت الحلول الأخرى. والأطفال هم ضحايا الطلاق اضافة الى أطراف عقد الزواج، لذلك كان على القانون أن يضمن استبداله بعلاقة صحية بين الأطراف المتضررة من حصوله، تؤخذ فيه مصلحة الأطفال كأولوية، لأننا نرى بأن نصوص القانون الحالي المتعلقة بالحضانة كأحد تبعات الطلاق تدفع بالعلاقات الى شفير الهاوية. لذلك لا بد وأن يعطي القانون طرفي الطلاق حقوقا متساوية على صعيد الحضانة والنفقة والأموال المشتركة.
ثانيا- الولاية: يثير موضوع الولاية على تصرفات المرأة اشكالية لديها، والاشكالية تبدأ من اعتبار المرأة غير معترف بشخصيتها لنقص افتراضي في أهليتها ما دامت بكرا، حيث ستعامل ككائن ناقص الأهلية وغير مميز حتى في حال بلوغ البكر سن الاربعين، مما يحط من قدرها وكرامتها ويستهين بعقلها. فكثيرا ما يُنظر للمرأة وكأنها مخلوق ضعيف معرََض للاستغلال وفي موضع الشك والارتياب. هذه النظرة للمرأة تنطلق من اعتبارات فسيولوجية تبدو قاصرة عن الموائمة ما بين الواقع الراهن للمرأة، وما قطعته من تقدم على صعيد تعليمها وعملها العام، وما حققته من تقدم وتطور أدَى الى تغيير في أدوارها الاجتماعية، الأمر الذي سيضع القانون اذا ما أصر في حالة انفصام عن الواقع، مما سيؤدي الى مبادرة الحركات الاجتماعية الى طرح المطالبة بتغييره، وهذا ما سيمنع القانون من أخذ فرصته للثبات والاستقرار النسبين، وهي المزية والصفة التي عادة ما يتحلى بها القانون.
ثالثا- التعدد: من البديهي أن تعدد الزوجات يرتب آثارا اجتماعية واقتصادية على المرأة والأطفال مثيلة للآثار التي يرتبها الطلاق، وأبرز تلك الآثار هي التي تؤثر على تماسك الأسرة وتؤدي الى تفكيكها وتصدع العلاقات الأسرية. ويؤدي التعدد في عديد الحالات الى انحراف وجنوح لدى الأبناء، ناهيك عن الآثار التي يتركها على الزوجة، فالتعدد قهر وعنف مادي ومعنوي ونفسي على الزوجة الأولى التي تصبح في حكم المطلقة نفسيا وعاطفيا. كما يؤثر التعدد على الزوجة الثانية والثالثة والرابعة على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وقد اتجهت بعض الدول العربية وبهدف التخفيف من آثار التعدد الضارة، الى العمل على تقييده وبما يقود الى منعه عبر تعقيد اجراءاته، وذلك من أجل الحفاظ على الأسرة واستقرارها وتقدمها. وقد تبنى التحالف الفلسطيني من أجل الحد منه -على الرغم من عدم تشكيله ظاهرة- الى وضع الاشتراطات وتعقيد الاجراءات وبما يؤدي الى تخفيفه والامتناع عنه.
رابعا- الأموال المشتركة: يتم البحث والنقاش حول ملكية الأموال المتحققة خلال الزواج عادة في أعقاب الطلاق، حين تجد المرأة المطلقة نفسها تعود الى مربع الصفر، عندما لا تستطيع اثبات ملكيتها لقسم من الأملاك التي تحققت خلال الحياة الزوجية، وتحديدا في حال كانت الزوجة ربة بيت. بينما يتمكن الرجل ليس فقط من اثبات الملكية، بل يستأثر بأغلبية الأموال التي ما كانت لتتحقق لولا جهد مشترك بُذل من قبل الزوج والزوجة، سواء من خلال عمل الزوجة داخل المنزل غير المقدََر ماديا، وأحيانا في حال عملها خارج المنزل. ان الفلسفة التي تقف خلف فكرة الأموال المشتركة تقوم على أساس ان الزوجة بعملها على رعاية الأسرة، وعلى توفير الهدوء والاستقرار للحياة الزوجية، يعتبر جزءا من المساهمة في تنمية عمل ومال الزوج، لكونها تسهم في تمكين الزوج من القيام بعمله خارج المنزل ومن تحقيق الدخل والربح ورأس المال. والأموال المتحققة خلال الزواج قد تكون أموالا منقولة وغير منقولة، كما إن الارث والذمة المالية المستقلة قبل الزواج؛ لا تدخل في نطاق الأموال المتحققة بعد الزواج.
الشركاء في اطار الورشة الاقليمية وعلى الرغم من التشابه في الظروف العامة؛ إلا انه شتَان ما بين الواقع السياسي والوطني للدول المستقلة التي بدأت في انجاز تشريعاتها منذ زمن بعيد، وأصبح لديها خبرة وتراث باد للعيان، وما بين الواقع الوطني والتشريعي في فلسطين. الا اننا لا يمكننا إلا أن نرى بأن لدى القوى المجتمعية المؤمنة بالمساواة في الدول الشريكة كما في فلسطين الكثير لتفعله.
في مصر حيث قالوا: " ما لا يدرك كلَه لا يترك جلَه"، توضح الفلسفة التي انطلق منها التحالف المصري في فهم ومنطلقات التعديل، فهم يعتبرون أن معركة القانون عملية متراكمة لا تتحقق مرة واحدة ولا بالضربة القاضية. واعتبروا أن العملية التشريعية عملية "قانوسية"، أي انها ليست عملية قانونية بحتة بل عملية سياسية قانونية. ومن هنا يمكن أن نستنتج بأن الجهد الجاري هناك اصلاحي يقوم على اجراء تعديلات متدرجة على بنود القانون. وفي المحصلة فإن الأسرة المصرية لا زالت تعاني من قصور القانون عن الوصول الى معالجة مشكلاتها وإلى أحلامها العريضة، وهي الدولة التي أنجبت رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين والشيخ عبده.
وفي الأردن، حيث يتبنى التحالف العمل على تعديل القانون للوصول الى تحقيق المساواة القانونية الكاملة كهدف منشود، تم تقديم معالجات هامة للقانون القائم واصلاحه، وتم تسليط الضوء حول العقبات التي تواجه المرأة الأردنية مع القانون، من أجل استخلاص سلَة المطالب والتعديلات على بنود القانون التي تنطوي على التمييز، ويتم العمل على تقديم مقترحات محددة للتعديل، مع إسنادها بمبررات التعديل مرفقة بشهادات حية تعكس معاناة ضحايا التمييز القانوني.
في لبنان، حيث الوضع يبدو ظاهريا كنموذج عربي مختلف، إلا انه مماثل بصياغة قوانين الأحوال الشخصية. مع ملاحظة انه أكثر تعقيدا بسبب التعددية الدينية والطائفية والمذهبية، بوجود خمسة عشرة قانونا للاحوال الشخصية لتنظيم الأحوال الشخصية لتسعة عشرة طائفة ومذهب من أبناء الديانتين المسلمة والمسيحية.
في لبنان، يُطرح على المشرع اللبناني مشكلات اضافية تملي وتفرض ايجاد الحلول. حيث يشهد البلد الزواج المختلط بين الأديان والطوائف، وباتت نسبة لا يمكن الاستهانة بها من المسيحيين والمسلمين تطالب بقانون موحد للأحوال الشخصية. على الرغم من كون المسألة ليست بالسهولة المتخيلة؛ بسبب الطائفية الناخرة في النظام والمتغلغلة في تفاصيل الحياة؛ والتي تجد صداها في القوانين المختلفة وأولا في قانون الانتخابات الطائفي الساري المفعول.
في نهاية الكلام، لا بد من القول بأن الحلول الترقيعية لقانون الأحوال الشخصية غير ذات جدوى وإن أحدثت تجميلا طفيفا. فقانون الأحوال الشخصية هو القانون الأكثر التصاقا بالانسان وحياته اليومية، لكونه يتناول مسائل ذات بعد انساني معنوي ومادي، بخلاف ما عليه باقي التشريعات التي تتناول أبعاد مادية. وفي نهايته أيضا نقول: بأنه وعلى الرغم من صعوبة التعامل مع حجم الاشكالات التي ترافق نقاش هكذا قانون أيضا في فلسطين؛ الا انه يجب ان لا ينتاب أحد اليأس ان لم يتحقق ما نصبو اليه دفعة واحدة، فالمرأة الفلسطينية ومؤسساتها وحلفائها لم يعودوا الحدائق الخلفية لأحد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ريم
هناء صالح ( 2011 / 10 / 23 - 11:11 )
مرحبا يعطيكم العافية
بصراحة الموقع مفيد و بيغطى موضوعات مهمة و كمان الاستاذة ريما موضوعاتها جيدة و انا اتمنى من خلال موقعكم ان تتاح لنا الفرصة للتعرف عليها بشكل اكبر و ان نتعرف على المعنين بموضعات هامة متعلقة بنا
انا اخذت هذا الوقت فسخة من انشغالنا بقضايا و هموم المراة فانا اعمل في مجال الارشاد للنساء ضحايا العنف

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل