الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتلال العراق بعد تحريره .. وتحرير العراق بعد احتلاله

عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي

2009 / 4 / 24
السياسة والعلاقات الدولية


احتلال العراق بعد تحريره هو التفسير الذي اطلقه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لما شهده العراق بعد التاسع من نيسان 2003 ،واحسبه رأي في قمة الدقة والذكاء، لأنه استطاع ان يلخص ماجرى تماما، حيث اعطى تصورا للمشهد العراقي الذي ينطوي على اكثر الاحداث تداولا في الاعلام واقلها فهما من قبل الشعوب المختلفة التي تتناول في حديثها اليومي مفردات الشان العراقي دون ان تفهم حقيقة مايجري.
ففي كثير من اللقاءات الاعتيادية التي جمعتنا مع سياسيين عراقيين من الذين كانوا ضمن تشكيلات المعارضة العراقية، وبعضهم كان له دور في الاتصالات والتنسيق، مع الجانب الامريكي عشية 20 شباط 2003، اكدوا ان الجانب الامريكي اتفق معهم على تحرير العراق من نظام صدام وتسليمه للعراقيين بعد تحريره.
بل بعض الافكار التي طرحها قادة المعارضة العراقية في حينه طلبت من الجانب الامريكي ان يوفر الغطاء الجوي وان يترك امر اسقاط صدام للعراقيين، وافكار مختلفة اخرى لم ترى النور ابدا.
بل ان سنوات من العمل المتواصل لفريق من خبراء وزارة الخارجية الامريكية مع المعارضة العراقية بتمويل تكلف ملايين الدولارات اسفر عن انجاز خطة من 14 مجلدا عن كيفية حكم العراق بعد تحريره وتشكيل حكومة عراقية مؤقتة، ولكن من الطريف ان بول بريمر لم يكن على علم بهذه الخطة، لكنه علم بها من وسائل الاعلام بعد مباشرته لعمله في العراق بفترة دون ان يكترث لمضامينها.
ونعود الى تحرير العراق الذي انقلب الى احتلال، فقد كان رامسفيلد يتوجس من تحركات بعض المسؤولين الامريكيين الذين كانوا يعملون في مجلس الاعمار الذي يديره جي كارنر، والذي هو بدوره لم يستطع الوصول الى بغداد الا بعد مضي 12 يوما من دخول القوات الامريكية اليها، بعد رفض الجنرال تومي فرانكس منحه الموافقات اللازمة وعندما وصل كانت الفوضى العارمة تعم ارجاء العراق.
لكنه حاول التقاط انفاسه والاقرار ان حكومة انتقالية عراقية هو الحل، وفي يوم 5 ايار 2003 اعلن كارنر الذي يمثل الحكومة الامريكية في العراق، ان حكومة عراقية انتقالية سوف تتشكل خلال عشرة ايام، لكن في 6 ايار اتصل رامسفيلد بالسفير بول بريمر ليسأله ان كان يرغب في ان يصبح حاكما لعراق مابعد الحرب، ووافق بريمر على هذا العرض.
ويؤكد بريمر في كتابه "سنتي في العراق" انه لم يكن امامه سوى اسبوعين لتهيئة نفسه لهذه المهمة التي تسببت في كل ماعاناه العراقيون من مصاعب كبيرة، فلم يكن بريمر يتكلم العربية ولم تكن لديه خبرة في بناء الدول، ولم يكن قد زار العراق، لكنه اخذ يجمع بعض المعلومات التي ربما تعينة على اداء مهمته التي ربما لم يكن يدرك خطورتها.
وفي اليوم التالي كان بريمر مستعدا للمهمة، وتناول الغداء مع الرئيس الامريكي جورج بوش وطلب منحة السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، اي نفس الصلاحيات التي كان يتمتع بها صدام حسين ووافق بوش بلا تردد.
وفي يوم 12 ايار وصل بريمر الى بغداد، وبعد اربعة ايام اعلن انه لن تكون هناك حكومة انتقالية عراقية، وتم تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة التي تذكر المراجع الامريكية انها لم تكن تضم الا القليل جدا من المختصين، بل كان اغلب كوادرها من عديمي الخبرة.
والطريف ان صحيفة الواشنطن بوست نشرت في عددها الصادر يوم 23 ايار 2003 تقريرا بعنوان "فرصة العمر للعمل في العراق لادارة ميزانية بقيمة 18 مليار دولار دون الحاجة الى الخبرة" ويتحدث التقرير عن ستة شبان امريكيين تقدموا بطلبات عمل الى وزارة الدفاع الامريكية دون ان يكونوا متسلحين بخبرة ما، وتم قبول طلباتهم وانتهى الامر بهم ان عينهم بريمر مسؤولين عن انفاق اموال الميزانية العراقية، وكان هناك الكثير من مثل هؤلاء، وكانوا يتقاضون مرتبات تفوق المئة الف دولارا سنويا.
ولا نريد ان نتحدث عن ظروف قرارات اشتهر بها بريمر وكان لها تداعيات خطرة مثل حل الجيش، وحل وزارة الاعلام، وقرارات واوامر اخرى لها قوة القانون بلغت المئة و يمكن للمختصين دراستها واعادة تقييمها لان اغلبها مازال نافذا الى اليوم.
لذلك كله تحملت الحكومة العراقية اعباء فترة الاحتلال التي بلغت عاما كاملا، ثم تسليم السيادة بعده لحكومة عراقية انتقالية تأخرت عن موعدها، وباشرت عملها بعد تخريب كل شيء في العراق حيث خرب بريمر ما نجا من تخريب صدام.
وعلينا بعد ستة اعوام من تحرير العراق ان نفرز بين التحرير وبين الاحتلال، وبين التحرير من الاحتلال الذي قادته الحكومة الوطنية العراقية بعد الاتفاق على جدولة انسحاب القوات الامريكية، واستعادة السيادة على المياه والاجواء العراقية، واعادة بناء وزارة الدفاع واعادة تطهير الداخلية.
وكذلك العمل على ارساء الامن واشاعة القيم الوطنية التي غابت او غيبت بعد ان عاش العراق ازدواجية الاحتلال والتحرير، وجدلية الارهاب والمقاومة، وهذه الظروف مجتمعة كادت تسقطنا في اوحال حرب اهلية طاحنة، كان الامريكيون انفسهم لم يحسبوا ان لها نهاية! لكن الذي حققته الحكومة الوطنية سياسيا وامنيا، انجاز لايستحق ان يوصف اقل من كونه تحريرا للعراق بعد احتلاله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا