الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عندما تضطهد الكلمة ويجّرم المثقف باسم القانون .. هذيلي أنموذجا
احمد البديري
2009 / 5 / 9حقوق الانسان
شاءت الأقدار أن أمنح فرصة التعرف واللقاء لأول مرة بالأستاذ على حسن هذيلي قبيل عام من سقوط نظام البعث لقاءا مباشرا مع عدد من أصدقائي وذلك من أجل الطلب إليه بان يمنحنا الموافقة على تدريسنا عدد من المعارف والعلوم التي كان يجيد تدريسها بحرفة أكاديمية قل نظيرها كالنحو والصرف والبلاغة والمنطق وغيرها ..
كان اللقاء الأول مميزا ومفعما بالمودة والإخوة من جانب هذيلي الذي تحدث إلينا بصدق وعفوية وصراحة غير مألوفة بالرغم من أن الرجل يلتقي بثلثينا لأول مرة ، في ذلك اللقاء حمدت الله كثيرا ان حقق لي أمنية طالما منيت نفسي بتحصيلها إلا وهي التلمذة تحت يد الأستاذ الكبير والشخصية الإسلامية الثقافية المميزة والتوفيق إلى اكتساب بعض من علومها والتزود بكمية ولو ضئيلة من ينابيع معرفتها الكثيرة ..
بعد ذلك حضرت ولمدة ثلاث أشهر ونيف لدرس يومي الخميس والجمعة لدى هذيلي ، وبرفقة أصدقائي عباس اللامي وعلي المحمداوي كنا نقطع الطريق الطويل بين منطقة سكناي ومنزل عائلة الأستاذ هذيلي باستعجال ولهفة واضحين لم تؤثر فيهما السرية والكتمان اللتان أحطنا بهمها مشروعنا الثقافي التعليمي حتى وصل الأمر إلى عدم علم أي فرد من أهلينا بهذه الخطوة خشية اعتراضنا ومنعنا لأسباب تتعلق بالخوف من البعث الإجرامي وجلاوزته المجرمين ، ومن الطريف إننا كنا نسلك في ذهابنا وإيابنا لدرس هذيلي طريقا يمر بنا من أمام مديرية أمن النظام وكم ضحكنا سرا وعلانية من هذه المصادفة التعيسة .
بوسيلة نقلنا البدائية ( الدراجة الهوائية) لم يتملكنا خوف او قلق من بطش البعث وأجهزته وفلوله النكراء الوضيعة رغم انه لم يساورنا أدنى شك بالرقابة الصارمة التي كانت توليها أجهزة الأمن وفلول البعث لمنزل الأستاذ علي هذيلي الذي تحولت صالة استقباله لحلقة تدريس مكثفة طوال يومي الخميس والجمعة وقد يصل عدد الطلبة المتعلمين الى (30) طالبا على شكل مجاميع ثلاث او أربع تبدأ بالتوافد من السادسة صباحا وتنتهي في التاسعة ليلا والتي كانت بكل تأكيد مصدر قلق وإزعاج ورعب للبعثيين وأجهزتهم القمعية لكن الله جل وعلا لم يجعل لهم من سبيل على هذيلي .
إلا ان أجمل وأعظم ما تعلمناه في ذلك الدرس الذي نهلنا فيه من علمه وأخلاقه لثلاث أشهر ونيف هو ذلك التفاني والحرص والإخلاص والتضحية والشجاعة وروح المغامرة التي تكتنز شخصية هذيلي وانقل من معانيها وصورها المؤثرة هي العناء الذي كان يكلف فيه نفسه عبر قطعه أسبوعيا لطريق طويل جداً ومحفوف بالمخاطر المتنوعة ذهابا وإيابا ذلك هو طريق نجف- عمارة ليقتطع يومي الخميس والجمعة اللتان تشكلان يوم عطلته من دراسته الحوزوية من أجل مجموعة من طلبة العلم لا يعرف هويتهم شيئا ، هؤلاء الطلبة كانوا يزدحمون طوال ساعات النهار وجزء من ساعات الليل للتزود من علم هذيلي وفكره ، ولم يكن هذيلي يتحصل ماديا من وراء ذلك إلا على مبلغ رمزي وضعه لغاية في نفسه تصب في حث الطالب وإجباره على التعامل والتفاعل الجدي مع الدرس...
بعد سقوط سلطة البعث أصبحت اللقاءات مع الأستاذ هذيلي مستمرة وشبه دائمة بحكم دخولي لإحدى المدارس الدينية التي كان الأستاذ ابو القاسم محاضرا بها ومعاون لشؤون طلبتها وانتهزت فرصة تواجده في المدرسة لأعرض عليه الإشراف العام على نشرة الفجر الجديد التي كنت أصدرها بالتعاون مع عدد من الأخوة في المحافظة ، وبالفعل قبل الرجل العرض على الفور وكانت تجربة عمل مشترك جميلة رغم قصرها ، كما أن أسباب ودوافع ثقافية وفقتني لمواصلة اللقاء بهذيلي ومتابعة نتاجه الثقافي من بحوث وندوات وكتابات امتازت على الدوام بالجرأة في الطرح والتميز في الأسلوب.
بعد ذلك انتخب الأستاذ أبو القاسم عضوا في مجلس محافظة ميسان وكان الرجل ناجحا في عمله بلجنة التربية ولجنة اجتثاث البعث إلا ان عمله لم يرق للكثيرين من الفاسدين والرفاق البعثيين فعملوا على أزاحته وضغطوا في سبيل ذلك فكان لهم ما أرادوا ولجأ هذيلي تحت إلحاح الأصدقاء والناصحين إلى العمل في اللجنة الثقافية في المجلس فكانت فرصة لإعادة التواصل معه خصوصا بعد ان ابرز معالم خطة ثقافية متميزة للارتقاء بالجانب الثقافي والفكري في ميسان وكان مشروعه العملاق بإصدار المنشورات الثقافية من الصحف والكراسات والكتب التي طبعت ووزعت لتكون بمتناول الجميع ، وقد حفلت تلك الاصدرات بالتنوع والتمييز من ناحية الموضوع والأفكار والأشخاص ، وكان هذا المشروع ذي صدى وإقبال واسع من قبل الوسط الشبابي الثقافي بالمحافظة .
قد لا أكون متفقا مع الأستاذ هذيلي في الكثير من رؤاه وأفكاره ونظراته السياسية والدينية لكن ذلك لا يعني تقديري واحترامي لفكره وعلمه وثقافته العالية لأنني قد أكون متفقا مع هذيلي في إنسانيته ومشاعرها الفياضة بالعطف والحنان والتي يعكسها خلقه الرفيع ، لذلك ليس من الإنصاف مؤاخذته ومحاكمته غيابيا بالنفي لمجرد إصداره منشورا يعبر فيه عما يختلج مكنوناته من غضب عارم تجاه حركة عسكرية او حادثة تستهدف أناسا يعتقد هذيلي ببراءتهم ومشروعية تحركهم ، وحتى لو انه أخطأ في الهدف من استنكاره وخانه التعبير ( وأشك أن يحصل ذلك لهذيلي) كم يدعي البعض فأن التعبير عن رأيه يجب ان لا يكون مبررا لمطاردته ووصمه بالخروج على القانون فيما نرى بأم أعيننا كيف يخرق أهل السلطة وباقتدار عال جميع قوانين السماء ودساتير أهل الأرض دون أن يلاقوا أي جزاء او محاسبة او عقوبة ..
منذ ما يقارب (7) أشهر او أكثر وللآن لا زال الأستاذ والمثقف القدير علي حسن هذيلي طريداً في البلدان كشاعر أهل البيت (دعبل) ، لكن هذيلي يحمل بالتأكيد كتبه وقلمه وليس عصاه في هذه الرحلة القسرية للمنفى . الأستاذ هذيلي المربي الفاضل والأستاذ البارع والثروة الوطنية والعلمية الكبرى ما برح مطاردا ومطلوبا من قبل أحدى الجهات الأمنية السياسية لا لذنب أذنبه او خطيئة أخطاءها اللهم إلى كلمة أراد من خلالها التعبير عن خلجات نفسه بقلمه وبيان وجهة نظره في حدث الساعة أثناء وقوعه آنذاك ونعني به ( عملية صولة الفرسان الأمنية ) والتي استند هذيلي في النقد لبعض خطواتها إلى الحالة الإنسانية التي كان يستشعر بها تجاه الآخرين ممن يظن بأنهم طلاب حق مستضعفين ليبث مشاعره ورأيه عبر تلك الكلمات التي حوتها مقالته ورسالته .
ولا يمكن ان يكون ثمن حرية الكلمة عرضة لمثل هذا التنكيل والمطاردة في زمن الديمقراطية التي يتغنى بها الكل من إسلاميين وعلمانيين على حد سواء في عراق ما بعد البعث ، وليس من باب العدل أن تنشر صور هذيلي وتعمم في كافة أنحاء البلاد مرفقة بصور مجموعة من المطلوبين بقضايا أمنية تختلف جذريا عن قضية وتهمة هذيلي البيضاء .
أن الصمت وغض النظر حيال قضية مظلومية علي هذيلي من قبل المسؤولين السياسيين الذي وصلهم الخبر اليقين عن موضوع المقالة وحيثياته ليس بمستغرب بلحاظ الفوضى التي تشهدها الساحة العراقي على جميع الأصعدة ، إلا ان السكوت المريب للإعلام الثقافي والمؤسسات التي تعنى بالثقافة والدفاع عن المثقفين في العراق وعد اتخاذ أي نوع من التحرك لمعالجة هذه المظلومية واستنكارها ولو بأضعف الإيمان قد يكون مقصودا وله أسباب ودوافع تتعلق بقلم هذيلي الذي يمثل لسان صدق فاضح لكل المتملقين والمتلونين من المحسوبين على الوسط الثقافي خصوصا في ميسان والذي يتبؤون اليوم بفضل الديمقراطية العوراء ارفع المناصب في المؤسسات الثقافية العراقية مع أن بدلاتهم الزيتونية لا زالت معلقة في بيوتاتهم شاهدة على خطيئة تحولهم إلى أبواق دعائية لسلطة البعث ورقباء على كل أصحاب القلم الحر الشريف
أن الأوساط الثقافية الحرة مدعوة عبر منابرها الإعلامية للمطالبة بوقف المطاردة الأمنية لهذيلي والضغط لعرض قضيته وإشكالاتها على المحاكم العراقية المختصة للنظر في موضوعها في حال إصرار السلطات الأمنية على المضي قدما في مطاردتها له ، كما إننا نناشد السيد نوري المالكي رئيس الوزراء بالتدخل لرفع الحيف الذي لحق بهذيلي وإعادة الاعتبار لشخصه ومكانته لأن في ذلك عزة ورفعة لشخصية ومكانة المثقف العراقي ورموز الثقافة والعلم في بلادنا .
ارجوا ان يجد صوتي ومناشدتي هذه صدى في نفوس الطيبين والطيبات لتكون منطلقا لرفع المظلومية عن جميع الأبرياء من أبناء العراق والمضطهدين في السابق واللاحق لرفضهم الخضوع والتزلف للحاكمين والمتسلطين ، وارجوا ان أكون قد أوفيت قليلا بهذه الكلمات البسيطة بحق أستاذي وأخي الفاضل علي حسن هذيلي ، الذي أتمنى لقاءه قريبا بعد أن يعاود ممارسة حياته الطبيعية أستاذا في الجامعة والرابطة والثانوية وبعد أن تكون الغمة قد أزيلت عنه وعن العراقيين جميعا ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - معكم مع الحق
ابو دريد
(
2009 / 5 / 9 - 01:36
)
الاخ الاستاذ احمد الياسري المحترم
اظن ان لا يبخل احد من المثقفين العراقيين وهم كثر من التضامن مع الحق اولا ومع رجال العلم والمعرفه ثانيا الا انك ايها الاستاذ لم ترفق مقالة الاستاذ الهذيلي لكي يطلع عليها القراء الكرام والتي
على ضوئها تبنى مواقفهم ومع ذلك نحن معكم نطالب باحالة القضيه على القضاء ان كانت هناك قضيه يدينها القانون وهو وحده له القول الفصيل واعطاء ذوي الحقوق حقوقهم .. تحياتي لكم مع التقدير
2 - تصويب
ابو دريد
(
2009 / 5 / 9 - 01:39
)
الاستاذ احمد البديري بدلا من الاستاذ احمد الياسري مع الاعتذار الشديد
.. العدل الدولية تأمر إسرائيل بوقف المجاعة في غزة مع سقوط المزي
.. مواجهة صعبة بين نتنياهو ووزيري الحرب غانتس وآيزنكوت بسبب صفق
.. محكمة العدل الدولية: المجاعة ظهرت بالفعل في غزة
.. الأمم المتحدة: طفل من كل 3 يعاني من سوء تغذية حاد في شمال قط
.. مسلسل مليحة الحلقة 3.. قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بداي