الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل الدين المتزمت يسيء للدستور والمجتمع

حمزة الجواهري

2009 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


2009-05-16
غابة:
لقد شوهوا الدستور فامتزج به كل أنواع التناقض، حتى أصبح غابة دستورية، فهو يضمن الحرية الشخصية وبذات الوقت فيه ما يمكن تفسيره على أنه يبيح لرجل الدين التدخل في حياة الإنسان، طبعا كعادته، لكي يحيلها جحيما لا يطاق فوق ما يعاني منه الإنسان العراقي، فهم يتغافلون تماما عن أمر الحرية الشخصية التي يضمنها الدستور أيضا في العديد من فقراته ومواده، فالمادة2 أولا وثانيا والمادة7 أولا والمواد14 و15 و16 و17 كلها نصوص دستورية تضمن الحرية الشخصية، ولا تمنح الوصاية لأحد على المجتمع فيسلب حرية الفرد وحقوقه تحت أي ذريعة كانت.
مع احترامي لرجال الدين الأسوياء في السلوك، نجد أن الذي دخل البرلمان من رجال الدين المغمورين في غفلة من الزمن، جلهم يحمل أجندة واضحة المعالم، الهدف منها تكبيل المجتمع بقيود الشريعة التي تتعارض مع الفهم العصري للحرية والعدالة والمساوات، في حين يفترض أن العراق حاليا هو دولة عصرية لا دولة ثيوقراطية متخلفة.
المرأة طريدتهم الأزلية:
نراهم اليوم يعملون على تفعيل مادة ما أنزل بها من سلطان تبيح لرجا الدين حق احتكار التحكم بالأحوال الشخصية للإنسان، وسأنقل هنا بعض ما ورد في بيان الكتلة النسوية في البرلمان، " مازال الخلاف دائرا في لجنة التعديلات الدستورية حول المادة41 الخاصة بالأحوال الشخصية حيث طرحت بدائل أكثرها لا يحقق طموح المواطن العراقي في مجتمع متجانس يتساوى فيه الجميع أمام القانون". من الواضح أن هدف رجال الدين هنا هو النيل من قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي تم تشريعه على أساس الشريعة الإسلامية أيضا ولا يتعارض معها، وقد حصلت المرأة العراقية به على حقوق كثيرة يريدون انتزاعها منها وإعطائها لرجل الدين الذي لا نعرف مزاجه ومدى علميته ليتحكم بها وفق ما يرى! لأننا نعلم أنه أيضا ذلك الرجل الذي تجاوز عمرة العقد السابع وأباح، بل ومازال يبيح، لنفسه الزواج من طفلة لا يزيد عمرها على ستة عشرة سنة!!!!!!!!! حقا لا أدري كيف يستطيع معاشرتها!!؟ إلا إذا كان مريض نفسيا! هو ذلك الرجل، أو من هم على شاكلته، يريد اليوم أن يشرع قانون للأحوال الشخصية للعراقيين! فأي قانون هذا؟ وأي دولة عصرية هذه؟
إن "حرية ممارسة الشعائر الدينية"، وهي المادة الدستورية التي يستندون إليها، لا تعني أبدا إلغاء أو تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر مكسبا كبيرا تحقق لأكثر من نصف المجتمع وهم المرأة والطفل، فهم يمثلون ثلثي المجتمع، يريدون لهم أن يحتكموا إلى نزوات وفتاوى بعض رجال الدين ونزقهم، كما وأن رجل الدين السني يرى غير ما يراه الشيعي وكلاهما يختلف عما يراه المسيحي، وغيرهم من رجال أديان أخرى يرون أشياء أخرى مختلفة، فهل سنرى قريبا معارك بين رجال الأديان المختلفة؟ وهل سنرى يوما ما قريبا بأن الأغلبية الدينية ستفرض رؤيتها على الآخرين وتفرض الجزية على الخارجين عن الملة؟ فالمجتمع العراقي يتداخل شيعته بسنته، ومسلميه بمسيحه.
لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب، هي الأخرى، قد نصبت نفسها وصيا على الراشدين من النساء والرجال لضبط سلوكهم بحجة التكليف الديني الشرعي، هذه اللجنة التي وصلت للبرلمان في دورته الأولى، في حين أثبتت الانتخابات الأخيرة أن الشعب لا يثق بها، ويرفضها هي والتيارات التي جاءت بها، طبعا لتنفيذ أجندات خارجية كما أصبح معروفا للجميع، لكن الشعب الذي اختبر سلوكهم صار يرفضهم، لأن كلا الطرفين من رجال الدين يعتقدون أنهم يمتلكون حق الوصاية على سلوك البشر ومقدراتهم، أقول ذلك لأني لا أجد فرقا بين هذا وذاك بأي حال، فكلاهما يحاول فرض أحكام الشريعة وفق رؤاه التي لا تختلف عن بعضها من حيث المضمون ولا حتى في الشكل، ربما يختلفون عن بعضهم بشكل الشارب أو اللحية أو غطاء الرأس أو الأثواب مما يرتدون، لكنهم جميعا يؤمنون أن الشعب عبارة عن قطعان من المواشي ينبغي عليهم قيادتها.
"إنما الدين النصيحة" يا رجال الدين، فهل ينبغي علينا تذكريكم بما أنتم ملتزمون به؟ فاتقوا الله بنا يا معشر المعممين المسيسين.
نكاية بهم سأكون محاميا للشيطان:
في محاولة منها لمصادرة حريات الناس، لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب، ومن خلال متحدث بالنيابة عنها، ترى أن "الكثير من الممارسات المنتشرة في العراق تتعارض مع الشريعة الإسلامية ومنها بيع المشروبات الروحية المنتشرة في عموم العراق وفي بغداد بشكل خاص ووجود الملاهي الليلية"، وهذا أمر طبيعي جدا في بلد متعدد الأديان والرؤى! كما وأنها سعت، على حد قوله، إلى منع الدولة إصدار تراخيص استيراد المشروبات الروحية في العراق قريبا! فقد استند المتحدث باسم هذه اللجنة إلى المادة 2/أ والتي تنص على: "يمنع تشريع أي قانون أو ممارسة تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي"، وتغافل هذا النائب عن باقي النصوص في ذات المادة، وتغافل أيضا عن مواد دستورية أخرى ورد ذكرها في بداية المقال، حيث أنها تضمن الحرية الشخصية ولا تسمح لأحد النيل منها!
المضحك في الأمر أن التبرير الذي استند إليه لمصادرة الحرية الشخصية هو أن لجنته، كما يزعم، قد تلقت شكاوى من مواطنين حول تصرفات بعض رواد الملاهي وأماكن بيع الخمور بأنهم يرمون القناني الفارغة بالقرب من المساجد ودور العبادة"! ونسي هذا النائب أن مسألة رمي القناني الفارغة ليست بحاجة إلى تشريع، فهي بحاجة إلى معالجة موضوعية من قبل أمانة العاصمة! وذلك بوضع صفائح لجمع القمامة في أماكن مختلفة من العاصمة، ومع ذلك فهم ماضون بالعمل على إصدار قانون يحد من حرية الإنسان العراقي المتعدد الأديان والطوائف وفيه من العلمانيين ما يزيد على جميع المتدينين!
طالبان مثلهم الأعلى:
هناك أمور كثيرة تتعارض مع أحكام الشريعة بنظر رجل الدين المتشدد، فتعاطي الخمر يتعارض مع الشريعة، وقانون الأحوال الشخصية يتعارض مع أحكام الشريعة، ومظهر المرأة يتعارض أيضا، وكل ما يخرج من جسد المرأة، وحتى صوتها يعتبر عورة بحسب أحكام الشريعة، وحتى ربطة العنق التي يرتديها الرجل تتعارض مع الشريعة، فهل سينتهي البرلمان إلى تكبيل العراقيين بقيود رجل الدين وإخضاعه لنزقه؟ وهل سينتهي بنا المطاف بدولة ثيوقراطية متشددة؟ وسنجد أنفسنا، يوما ما قريب، كأفغانستان تحت حكم طالبان أو كما إيران قبل أن تتراخى قبضة رجال الدين عن ممارسة وصايتها المطلقة على المجتمع ومصادرة الحريات الشخصية؟
الفهم الحضاري للحرية الشخصية:
الحرية الشخصية للأشخاص الراشدين يكفلها الدستور، والمسيء من الراشدين يتولاه القضاء المستقل، لكن من الذي يتولى أمر النائب المسيء وهو يمتلك الحصانة النيابية؟ لذا أضع الأمر بيد أعضاء البرلمان من رجال دين حقيقيين متنورين وعلمانيين لكي يحدوا من تصرفات هؤلاء النواب الذين يهدفون إلى شل حركة المجتمع والعودة به إلى عصور ما قبل التاريخ، نعم يحق للدولة أن تتمسك بحق الوصاية على الأحداث دون سن معينة لمنعهم من الانحراف، وهذا الأمر موجود في جميع دول العالم، فلا يدخل حدث إلى مرقص أو حانة، على سبيل المثال، وهو بعمر يقل عن18 عام، ولكن لم نسمع عن دولة وضعت تشريعا يحد من حرية الإنسان بحجة تعارض الأمر مع الدين كما نرى في البرلمان العراقي، ما عدا تلك الدول ذات الحكم الثيوقراطي المعروفة والمكروهة من قبل شعوبا والعالم أجمع.
المعاملة بالمثل:
فلنأخذ الأمر معكوسا، ونتصور أن العلمانيين يمنعون ألائك الذين يرغبون بممارسة طقوسهم الدينية المكلفة جدا والمرهقة للمجتمع، حيث بلغ عدد أيام العطل المرتبطة بالمناسبات الدينية مع عطل نهاية الأسبوع إلى أكثر من نصف أيام السنة، وتكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنويا، يقال أنها تزيد على سبعة مليارات، هذا فضلا عن منع التجوال وما يتسبب به من مضايقة للناس وشل حركتهم، وهي أيضا مناسبات تمنح الإرهابيين فرصة ذهبية للنيل من الأبرياء السذج، هذا فضلا عن كونها مظهرا متخلفا ومقززا يعطي فكرة دونية عن الثقافة العراقية والمجتمع العراقي للمراقب الأجنبي، وفيها ما فيها من سلبيات ليست موضوع البحث هنا.
فهل يحق للعلماني في البرلمان تشريع قانون يمنع هذه الطقوس الدينية المكلفة والمسيئة والمقززة والمزعجة للمجتمع والتي تكلف الاقتصاد العراقي مليارات الدولارت نحن بأمس الحاجة لها؟ فكما أرى أن من واجب البرلماني أن يجد لها حلا، ربما بمنعها، لم لا؟ حيث فيها من الإساءة أكثر بكثير من رمي قنينة فارغة قرب مسجد، وهناك أكثر من سند دستوري يستطيع البرلمانيون العلمانيون الرجوع إليها تكفل لهم حق منع هكذا نوع من الطقوس المسيئة للمجتمع والذوق العام.
المصالحة الحقيقية:
لا أعتقد أن برنامج المصالحة ينطبق على البعثيين، فهم نفر غادر والتصالح معهم كما النوم في جحر الثعابين السامة، لذا أرى أن المصالحة ينبغي لها أن تكون بين العلماني والمتدين، وبين القومي والوطني، وبين المغرر به والمجتمع، لذا أدعوا هؤلاء النواب إلى التفكير بهذا النوع من المصالحة التي تقوي الروابط الاجتماعية لا السعي إلى دق الأسافين بين مكونات المجتمع والنيل من حريته بحجة التكليف الشرعي.
نزع أسلحة المسيئين:
يجب أن تأخذ الدولة موقفا واضحا وصريحا من هؤلاء المسيئين من رجال الدين لا أن تتغافل عن تصرفاتهم وتتركهم يوغلون بالإساءة للناس، ذلك لأن الدين يعني النصيحة وليس الوصاية على المجتمع ومصادرة الحريات التي يضمنها الدستور.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن