الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وماذا بعد الإنتخابات؟؟

خالد حدادة

2009 / 5 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إنشغل اللبنانيون في الأيام الماضية بحدث إطلاق سراح الضباط الأربعة. وكالعادة، وبحكم النظام المستمر منذ اواسط العشرينات، مع الانتداب وبدونه، مع الاحتلال وبدونه، مع الوصاية وبدونها... كالعادة انقسم معظم اللبنانيين ودائماً حسب إنتمائهم الطائفي كدراً وفرحاً، هزيمة وانتصاراً، إدانة للقضاء اللبناني أو دفاعاً عنه. فمن أدان، أدان هذه التجربة للقضاء مع قضية إغتيال الرئيس الحريري وجملة التدخلات السياسية التي جرت ومن دافع، دافع عن هذه الفترة أيضاً موجهاً الإتهام لقضاء ما قبل هذه المرحلة...

وبعيداً عن شكل النقاش، وإن كان في جوهره، لا بد من القول بأن ما جرى خلال الفترة الماضية ومن تحول في جو التحقيق أن لم يكن في أساسه يستدعي القول أن هذا النظام اللبناني قد أتم دفن قضائه... وإذا كان لا بد من إدانة فهي مزدوجة، أولاً للنظام المصر على استتباع القضاء عبر قوانين، تلزم القاضي بأن يكون موظفاً، قرار ترقيته وموقعه بيد السلطة السياسية، وإدانه ثانية، لأنه رغم التجارب المريرة ورغم "إنتفاضة" منتظرة على هذه السياسة، المدمرة لصدقية القضاء اللبناني ولاستقلاليته وذلك منذ وضع أسس دولة المحاصصة الطائفية في ظل الانتداب الفرنسي وكل أشكالها اللاحقة... ولا ننسى هنا الثمن الفردي الذي دفعه بعض القضاة والذي شكل بقع ضوء متفرقة في هذا التاريخ المظلم لعلاقة السياسي بالقضائي...
أين مدخل الاصلاح إذاً في الإطار القضائي؟

* * *

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة الى قضية ربما تكون بذات الأهمية، فهذا النظام التحاصصي كان قبل ذلك قد دفن مكوناً آخر من المكونات الوطنية وهو الاقتصاد الوطني، ودفن معه معظم الحقوق الاجتماعية لعمال لبنان ومحدودي الدخل فيه والمكتسبة بدمائهم وعرقهم منذ أربعينات القرن الماضي. فتخلت دولة التحاصص، عن دورها في إنماء اقتصاد وطني يكون عماده القطاعات المنتجة وعن دورها في ضبط التوازن الاجتماعي والذي كان آخر مظاهره، إلغاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي بعد تشويه دوره، وتخلت عن دورها في تطوير الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي وحماية البيئة... كل ذلك لصالح سياسة اقتصادية استكملت إلحاق لبنان بنظام العولمة النيوليبرالية التي أوقعت البلد في أزمة اقتصادية كبيرة تؤكد المؤسسات المالية العالمية (انظر التقارير البريطانية صندوق النقد) إنها ستترك آثاراً مؤلمة على الاقتصاد اللبناني، رغم التعميات التي يطلقها الرئيس السنيورة وموظفيه في وزارة المالية على مفاعيل هذه الأزمة هرباً من المسؤولية وعلى أبواب الانتخابات النيابية.
أين مدخل الإصلاح إذاً في المجال الاقتصادي؟
* * *
قبل الاجابة على هذا السؤال أيضاً، لا بد من العودة الى القضية الأم، "القضية الوطنية" بكل أبعادها. أيضاً استطاع نظام المحاصصة الطائفي، وسادته في تحالف البرجوازية مع الاقطاع بكل أشكاله، استطاعوا دفن المفهوم الوطني الموحد. واستطاعوا منذ تكوين الدولة الطائفية، برعاية خارجية مستمرة، استطاعوا دفن المعايير الموحدة للإنتماء الوطني، وحولوا المواطن الى رقم في رعية تابعة "للزعيم"، حامي الطائفة ومحقق أمجادها، وأضاعوا المفاهيم وحولوا السيادة الى مفهوم ملتبس، فهي سيادة عن طرف خارجي ودائماً بدعم ولصالح طرف آخر إقليمي أو دولي وحولوها الى محاصر لمنطق المقاومة والتحرير لا مكملاً له. وكذلك بعض من رفع شعار المقاومة ومارسه، من أطراف التحالف الحاكم فشل في إعطاء المقاومة للإحتلال بعدها الاستقلالي الكامل وبعدها التغييري المطلوب في الداخل مما سهل تحولها الى قضية خلافية في الداخل.
ما هو مدخل بلورة الانتماء الوطني وتوضيح القضية الوطنية اللبنانية، ما هو مدخل بناء الوطن إذاً؟؟

* * *

إن تراكم القضايا السابقة وعمق تأزمها، يؤشر الى أن الوطن دخل منذ فترة في عنق زجاجة أزمة مصيرية، بدأت تتعدى أزمة النظام، وأزمة مكونات الدولة اللبنانية الى أن تتحول أزمة وطنية حيقيقة، يتهدد استمرارها مصير الكيان الوطني وليس فقط النظام والدولة.
ولعل أسهل الاجابات عند البعض العودة الى شعار "رفع اليد الخارجية" وكأن اليد الخارجية ودورها، هي خارج تكوين النظام والدولة في لبنان. إن تجارب عشرات السنين من عهد "الاستقلال المزعوم" بل من عمر الدولة منذ 1926 حتى الآن، باتت تؤكد أنه بفضل التحالف الطبقي – الطائفي الحاكم ومعدلات تحاصصه، أصبح هذا الخارج هو العامل الداخلي الأكثر تأثيراً في موازين القوى الداخلية والأكثر ضمانة لاستمرار النظام نفسه. والأكثر قدرة على وضع تسويات لتناقضاته ونزاعاته الداخلية وحروبه الأهلية.
فمنذ الاستقلال الى أزمة 1958 الى الحرب الأهلية، الى الوثيقة الدستورية الى إتفاق الطائف الى اتفاق الدوحة كلها أزمات وحروب نتجت عن توافق الأزمة الداخلية مع الظروف الداخلية والاقليمية، وحلول أتت بها التوازنات الخارجية.
والتحالف الحاكم، لم يستطع تحصين الوطن ولو بالحد الأدنى كما أنه لم يستطع تحويل التوازنات الخارجية والمراحل الانتقالية فيها الى عوامل تساعد في تكوين أطر الدولة الوطنية. وهذا ما يفسر بشكل خاص تعايش هذا التحالف [مع بعض التغيرات الصغيرة وغير الحاسمة] مع الوصايات الخارجية وحتى مع احتلال العدو، ومن جهة أخرى تعايشه بل رعايته لتفتيت الدولة المركزية لصالح دويلات، تتقاسم معها البرجوازية عبر الطوائف أمن البلد واقتصاده ووظائفه... تقاسم تتغير نسبته وليس طبيعته مع كل تغير لميزان القوى الخارجي ومع كل حرب داخلية وحل خارجي... وفي كل مرة يدفع اللبنانيون ثمن ذلك شهداء وجرحى ومهجرين ومهاجرين...
والآن، وبعد أن ألغى القرار "1559" اتفاق الطائف، وألغى إتفاق الدوحة مرحلة القرار 1559، يصبح البلد مجدداً أما تحد كبير، هو في مرحلة انتقالية من أخطر مراحل تحدي وجوده وكيانه، فهل تذهب قوى التحالف – الطبقي الحاكم بالبلد الى أزمة أهلية بل حرب أهلية، تغطي فيها هذه المرحلة الانتقالية بانتظار حسم الستاتيكو الجديد في المنطقة؟

* * *

إن الانتخابات النيابية القادمة، وتوازنات اتفاق الدوحة ونتاجها الانتخابي الخطير الذي تمثل بمحاصصة قانون 1960 وكذلك شعارات المعركة الانتخابية لدى استقطابي التحالف في أغلبيته الحاكمة وأقليته الحاكمة، لا تبشر بإمكانية أن تشكل هذه الانتخابات مدخلاً الى الانقاذ الوطني الذي أصبح ضرورة...
ومرة جديدة، وهذه المرة قد تكون غير قابلة للاستعادة، فإن قاعدة الأزمة في كل جوانبها (الوطنية، السياسية، الاقتصادية والقضائية...) تؤشر ليس الى إمكانية التغيير بل الى ضرورته من أجل الوطن ومن أجل المواطن.
إنها إنتخابات أقل من عادية لظرف استثنائي وخطير....
المهم هو ما بعد هذه الانتخابات... وأولى خطوات التغيير (وليست إلا البداية) لا يمكن أن تتحقق إلا بتسريع خطوات إلغاء مكونات النظام الطائفي، وبقانون للانتخابات على القاعدة الوطنية والنسبية يساعد في إلغاء هذه المكونات وإعادة النظر بالسياسة الاقتصادية عبر إعادة الاعتبار للمجلس الاقتصادي الاجتماعي، واستقلالية العمل النقابي كجزء هام من إعادة الاعتبار هذه، وكذلك تعديل القوانين المنظمة للقضاء، باعتماد الآليات الداخلية الديمقراطية داخله مما يعزز استقلاليته عن السلطة السياسية.
إن فرصة ما بعد الانتخابات، وربما تكون نادرة إذا لم نقل أخيرة لإنقاذ الوطن...


النداء - افتتاحية الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني د. خالد حدادة *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج