الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن شعب 1/7 .... كلنا مشاريع للخصب

سعيد الجعفر

2009 / 5 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



لا أدري من اقترح على دائرة النفوس العراقية استخدام الأول من تموز كتأريخ ميلاد للعراقيين الذين يجهلون يوم ولادتهم. لكن المؤكد أن من اقترح ذلك أطلق فكرته الرائعة عن وعي أومن اللاوعي متيمناً باسم الإله ديموزي. كأن ذلك الشخص أراد أن يقول أن العراقيين هم كانوا وسيبقون مشاريع للخصب. ولو نظرنا الى تأريخ العراق وموقعه لوجدنا أن رأي أرنولد توينبي ينطبق بشكل كبير عليه. فهذا المفكر الكبير يقول أن التحدي المتوسط القوة يؤدي الى حدوث استجابة متوسطة وفي تلك اللحظة تنبثق الحضارات. وفي الحقيقة فإن العراق المحاط بالصحارى والجبال كان دوما, بنهريه الكبيرين وتربته السمحة المكتظة بالخصب, واحة يسيل لرؤيتها لعاب البدو فينقضون عليها مخربين لكل مالا يعرفونه, كي ينتفض العراقيون ثانية من ركام رمادهم ليبدءوا من جديد. وهكذا كان ديدن العراقيين منذ الانبثاق الأول الكبير في أور وحتى التاسع من نيسان الذي لا أقارنه إلا بفرحة السومري الأول الذي اخترع الكتابة. السنا حقا بدأنا أبجديتنا الجديدة يوم التاسع من نيسان.
في كتاب لباحثة روسية يحمل بين طياته بحوثاً آثارية جديدة تخص فترة الألف الثامن وحتى الالف الرابع قبل الميلاد أبان عصر المدينة الدولة أدهشني التنظيم العالي للحياة في زمن كان قسم من الأرض يغط في ظلام والقسم الأصهب مدفون تحت الجليد. فهذا الاعتمال للمشاعر الذي طبع العراقيين مرتبطاً بوهج العمل والحركة الدائبة والمتساوق كما أسلفت مع التحديات والاستجابات المتكررة, خلق ثراءًً روحياً لا مثيل له بحيث أن العراقيون على خلاف الشعوب المحيطة أنتجوا ملحمتين كبريين هما جلجامش والحسين. والقلق والشك الذي اعترى البطل السومري ليس له تفسير سوى اعتمال المشاعر في الروح العراقية بحيث تنحى منحى ملحمياً. فلقد كتب الناقد عبد الجبار عباس يوما بأن الرموز العادية ضاقت بالسياب فالتجأ الى الأسطورة إذ إن السياب يملك بلوى وحرقة مطلقة لا يستطيع أن يجاريها الرمز العادي. وكما أعتقد فأن تلك الحرقة المطلقة هي ليست سوى حرقة العراقي التي أنتجت كل تلك الملاحم, وقد وصف سعدي يوسف حقاً الروح العراقية حين قال:
سموت فردتني سماء خفيضة.
عثرت يوما في إحدى المكتبات في مدينة سانت بطرسبورغ ( لينبن غراد) على ترجمة لقصيدة للشاعر الفارسي الكبير نظامي وهي تحمل عنوان" مجنون" والكتاب صادر عام 1912 في ترجمة الى الروسية ومقدمة لأحد النقاد من قسم الدراسات الشرقية. الذي أثار ذهولي هو أن الناقد ذكر من ضمن ما ذكره أن إحدى البعثات الآثارية عثرت قرب الوركاء على رقم طينية تتحدث عن قصة حب بابلية مشابهة تماماً لقصة قيس وليلى بل حتى أن أسماءاً مثل قيس وليلى ترد فيها لكنها تسبقها بما يزيد على ألف وخمسمائة عام. ولو ثبت صحة ذلك القول لوجدنا أن العراق أنتج ليس فقط ملاحم الشك والشهادة بل وملاحم الحب أيضا.
وكما أعتقد فأن ديموزي إستمر في الذاكرة الشعبية العراقية ليتجسد في شخصيتين بدل شخصية واحدة, هما الحسين القتيل والمهدي الحي أبداً.
وبرأيي أنه لولا الإنقطاعات الحضارية المتكررة دوما في العراق لأخذ العراق الموقع الذي إحتلته بلاد الإغريق. فالشك الفلسفي هو سمة الشخصية العراقية بحيث أن ملحمة جلجامش تفوقت على جميع الملاحم اليونانية ذات الأفكار المسطحة. الم يكن بحث السؤال الوجودي الكبير الرافض لاعتبار الموت حق في تلك الأزمان المبكرة هو أمر مثير حقاً للذهول. لقد كان الشك ديدن العراقيين بحيث أن معاوية في وصيته ليزيد نصحه أن يبدل للعراقيين كل يوم حاكماً لو طلبوا ذلك. الم يؤسس مذهب المعتزلة في العراق؟ الم تنطلق الصوفية وهي مذهب شك بمعنى كونها ترفض يقين المعرفة وسجنها الى حرية العرفان؟ الم ينطلق مذهبان إسلاميان مبنيان على العقل, أعني الحنفي والشيعي, من ا لعراق؟
ورغم المجهود الخارق للدكتور علي الوردي إلا أنه تحدث فقط عن الريبة البدوية في الشخصية العراقية ولم يتحدث عن الشك الذي هو في الحقيقة سدى تلك الشخصية. الشك في الشخصية العراقية يتجسد كما أعتقد في مبدأ الاجتهاد لدى المذهب الشيعي, والعراقيون لهذا السبب ليسوا إيمانيين بطبعهم لهذا السبب, ولو الإنكسارات لأبدعوا في الفكر الإسلامي مذاهب ورؤى ليبرالية بشكل لا يصدق.
لقد أدى الشك الذي طبع الشخصية العراقية الى أن يسلط عليها جلادون يندر مثيلهم هم الجانب المعاكس تماماً للشك وتنوع القناعات. فمن يشبه الحجاج ومن يباري صدام في البطش ويقينية الشر.
فإذا كان كل منا مشروع للخصب وإذا كنا نبعث دوماً من رماد الحروب والإحتلالات كاشفين عن سر النار التي نخبئها في نفوسنا, خالقين عراقاً جديداً هو ليس سوى إعادة لوهج سومر وأكد وبابل ونينوى وبغداد, إذا كنا كذلك فليمت الحاقدين من بعض العرب والعجم الذين لا يستطيعون أن يكتنهوا سر التجدد الأبدي لدينا نحن شعب الأول من تموز.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال؟
رشدي علي ( 2009 / 5 / 31 - 03:49 )
لماذا لم ينشر تعليقي على الموضوع؟


2 - الربط العاطفي بين الاول من تموز والموقف القانوني لتحديد عم
فاضل فرج خالد-ستوكهولم /السويد ( 2009 / 5 / 31 - 05:42 )
عزيزي الاستاذ سعيد جعفر المحترم شكرا لهذا الربط بين 1/7 وشعلة الذكاء المتوهجة التي تسطع من دماغ كل عراقي عاش وترعرع في احضان وادي الرافدين على مر عصور التاريخ ولكن ارجو ان لا نربط موضوع كتابة اليوم والشهر والسنة التي يتطلبها كتابة عمر الفرد العراقي في حالة عدم وجود سند قانوني لديه لتحديد عمره لقد جاء الاحصاء العام لنفوس العراق لعام 1957 بفكرة 1/7للاشخاص الذين لايمتلكون السند القانوني لتحديداعمارهم فالمشرع للتعداد العام الآنف الذكر استعمل مخرجا قانونيا لتفادي تحديد العمر للافراد الذين لايمتلكون الوثيقة التي تحدد اليوم والشهر لاسيما في الامور المهمة التي يتطلبها تحيد العمر كالتسجيل في الصف الاول الابتدائي او ارتكاب الشخص لجريمة او للاقدام على الزواج وغير ذلك وبما ان اقل من ستة اشهر لاتحسب سنة لذلك وتخلصا من هذاالاشكال القانوني ارتأي ان تحسب السنة للشخص عندما يكمل 6 اشهر مع عدد اضافي من ايام واقل هذا العدد هو يوم واحد وبما ان 1/7 هو الذي سيحقق ما ذهب اليه القانون لذلك وضعت مادة قانونية ان العراقي الذي لايملك السند القانوني لتحديد عمره في تعداد 57 يجب ملء خانة اليوم والشهر ب1/7 ولا يمكن تحميل ذلك موقفا تاريخيا او عاطفيا وشكرا


3 - أستتهلال
سعيد الجعفر ( 2009 / 5 / 31 - 08:01 )
الإستاذ فاضل فرج خالد
يجب أن لا يؤخذ موضوع الربط بين الأول من تموز والإله تموز وموضوع الخصب بشكله العلمي فأنا لم أقصد ذلك. فأنا أرسلت الموضوع الى مروج التمدن لنشره هناك لكن إدارة الموقع ارتأت نشره في قسم الفلسفة وعلم النفس وعلم الإجتماع. فبالتأكيد ليس هنالك رابط جوهري بين الموضوعين كما تفضلت لو أخذنا مقولتي الضرورة والصدفة بنظر الإعتبار. لكني أردت أن أستهل موضوعي بما يشبه القصيدة، فكما ترى أن الجملة الأولى هي جملة ترتبط بالشعر أي أنها تخرج عن مملكة المنطق والواقع، وأود أن أضيف أنني كتبت الموضوع بعد سقوط النظام المقيت ولذا ترى الطبيعة العاطفية الكبيرة التي تلف الموضوع كله. أنه لمن المهم أن يضع القارئ حداً بين العلمي والشعري وأن يفهم المغزى الذي هدف اليه الكاتب . أنا شخصياً أفصل بين شخصيتي كشاعر وكأكاديمي لكن في بعض الأحيان يمتزج الأسلوبين فيساء فهم المغزى الذي ذهبت اليه. مع التحية


4 - الابتعاد عن الشتائم
سعيد الجعفر ( 2009 / 5 / 31 - 08:07 )
الأستاذ رشدي علي
لم ينشر لأنني لا استطيع أن أدخل في مواضيع الشتائم كما أنك يجب أن تقرأ أرنولد توينبي قبل أن تكون تصوراً عنه مبني على الوهم. فرأيك في نظريته كما استشفيت مما أوردته يظهر أنك تجهل نظريته في فلسفة التأريخ. .


5 - اعتذار
فاضل فرج خالد-ستوكهولم /السويد ( 2009 / 5 / 31 - 13:11 )
الاستاذ القدير سعيد الجعفر المحترم
اعتذر ان سبب لك تعليقي شيئا من الاحراج وانا واحد من العراقين عشت حياتي جادا ولم انتبه الى ان الموضوع له عمق فلسفي وحسنت ادارة الحوار المتمدن اذ جعلته ضمن الابحاث الفلسفية وشكر ا لك لهذا الربط بين عشق العراقيين لتموز وبين تسطيرهم للانجازات الحضارية التي ينعم بها العالم وعلى راس تلك المفاخر اكتشافهم الكتابة وسن الشرائع التي جعلت مجتمعهم مجتمعا مدنيا يسوده القانون والذي سود تاريخه بعدهم بعض احفادهم الذين لم يتعظوا بعمل الاجداد الذي انتفع منه الغير دونهم
بينما هم واقصد البعض بحثوا عن امجاد وهمية فلم يحصدوا الا الريح وشكر لسعة صدرك ايها الاستاذ العزيز


6 - شتائم؟؟؟
رشدي علي ( 2009 / 5 / 31 - 17:59 )
لا يوجد في لغتي شتائم!
كان تعليقي عاما, ويتضمن معلومات انثربولوجية حصلت عليها من المدارس التي كنت فيها طالبا ومن حياتي الشخصية..ثم انك حولت الموضوع الى مسألة شخصية بردك على تعليق (محجوب!!) وهذا لم يكن قصدي نهائيا.
الا اني احب ان انوه الى ان الحجب والاقصاء والالغاء والستر والاخفاء هي افكار دينية او ظهرت مع الاديان فهي بالضرورة افكار تعسفية.
ولا يوجد اقصاء بدون وضع اسباب : شيطان, رذيلة,شتائم..الخ.
المهم هنا هو اني ازعجتك بتعليقي, بطريقة او باخرى, وهذا لا يجوز, اعتذر عما بدر واعدك اني لن اقرا لك بعد اليوم شيئا.. لاني رجل على اعتاب الاربعين اي فضولي, لا استطيع ان اقرأ بدون تعليق!!
شكرا لسعت صدرك


7 - تحياتي لسعة صدرك
سعيد الجعفر ( 2009 / 5 / 31 - 20:13 )
الأستاذ رشدي علي
لا اتذكر تعليقك تماماً لكن عنوانه كان على أية حال -فخر زائف- ثم جاء تسفيهك لرأيي في نظرية توينبي والشئ الذي لم أحبه في تعليقك هو كونك تكلمت عن نظرية توينبي لكنك كما بدا لي لا تعرف عنها شيئاً. قد اكون مخطئاً . ثم أن أفكار الستر والإخفاء والإقصاء ليس فقط من -شيم- الأديان بل من -شيمنا- نحن اليسار كي لا نرى فقط القشة التي في عين المقابل ولا نرى الجذع الذي في عيوننا. فالتأريخ السوفيتي لا يشرف أحداً من الباحثين عن الحقيقة حاله حال تأريخ الكنيسة وتأريخ اليهودية والإسلام
إن لم تقرأ لي فلن يضرك شيئاً فلست مفكراً سينقص علمك عدم قراءته بل أني أرى حتى المفكرين هم أناس يقولون كلماتهم ويمشون ليأتي غيرهم ليجدد أو يضيف لهم فلا مقدسات ولا يقين وعقائدية إلا في الأديان وقوانين الديالكتيك.
تحياتي لك وشكراً لكلماتك الطيبة

اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا