الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جثث بلا قبور: مابين عمو بابا ووزير التجارة الفاسد
عبد الرحمن دارا سليمان
2009 / 6 / 2مواضيع وابحاث سياسية
الأوطان والمجتمعات ، كما الأفراد والكلمات، تحيا وترتقي ، تقوى وتضعف ، ثم تتفكك وتضمحل قبل أن تنوس وتنطفئ في الذاكرة الحية، صروح حضارية عالية كان لها يوما تاريخها المسجل والمنقول ومالبثت أن هوت وتلاشت رويدا رويدا . ثمة نزوع بشري دائم فرديا وجماعيا ،من أجل استرداد الأمجاد الغابرة ، نزوعا مدمرا وقاتلا يهددها بالفناء النهائي في غالب الأحيان ، وبالضد منها ثمة من يحتفظ بعناصر البقاء والتجديد والتكيف والحياة في الذاكرة بما يسمح لها بالانبثاق والولادة الثانية من جديد بصورة مغايرة . أمم وحضارات كاملة، سادت ثم بادت تحت سطوة هذا القانون الذي لا يرحم . المفارقة الكبرى أن الارتقاء والانهيار محكومان معا بنفس القانون .
البشرية تكافئ العظام من رجالها بالتذكر العذب ،وتسمي ساحات مدنها وشوارعها، كما تسمي ولاداتها الجديدة، بأسمائهم، وتخصص لهم المطبوعات السنوية والدراسات الأكاديمية والندوات والمحاضرات التي تتناول حياتهم وسيرتهم تيمنا وعرفانا لما قدموا من جهود وأعمال وتضحيات في سبيلها .
والبشرية أيضا ، تتذكر آخرين من أنصاف الرجال، بالحرقة والحسرة والألم وباللعنات الدائمة، في محاولة واعية منها، لدفعهم إلى عالم النسيان البارد .
ثمة مسافة فاصلة بين ابن الشعب وابن الحزب في نموذجنا العراقي الجدير بالتمعن والتأمل والدراسة. مسافة إن توقفنا عندها قليلا ربما ستصبح حياتنا أجمل.
عمانؤيل داود الذي أطلق عليه العراقيون تسمية " عمو بابا " تحببا ، العراقي الآثوري الذي تربع على عرش قلوب جميع شرائح ومكونات شعبه طيلة عقود طويلة وغاص أفقيا وعموديا في الذاكرة الحية للعرب والأكراد والسنة والشيعة وجميع الطوائف الأخرى وكان في حياته ومماته رمزا وطنيا شامخا أودعنا فيه جميعا أحدى أسرار وجودنا الجماعي المشترك . قدم لشعبه من خلال العمل الصادق والعطاء المخلص والحب الذي لا يشبه الأ حب المتصوفة والأنبياء، ما لم تقدمه أحزاب وبرامج ومشاريع سياسية طويلة وعريضة
كانت ومازالت ترفع عقيرتها عاليا بأ سم الشعب والجماهير والإنسان وسط ضجيج الشعارات الفارغة من أي معنى . ابن الشعب العراقي الذي عمل دؤوبا وبصمت، وراهن على الأجيال القادمة وعانق المستقبل المشرق لوطنه وشعبه ومعاصريه . وهو الذي منحنا زادا روحيا سوف نستطعمه مادمنا أحياء .
وبالمقابل ، ثمة من سرق من قوت شعبه في أحلك الظروف واللحظات العصيبة ،مجرد حلقة صغيرة فاسدة في سلسلة فساد أكبر . لص البطاقة التموينية الشهير " عبد الفلاح السوداني " ووزير التجارة العراقي المستقيل ، الرجل القيادي في حزبه الديني ورجل المواعظ والصوم والصلاة والنهي عن الفحشاء والمنكر . تشاء الصدف وحدها في اليوم الذي يوارى فيه جثمان "عمو بابا" الثرى بعد أن أودعته الجماهير في موكب لم يشهد له مثيلا ، أن تعاد طائرة وزير التجارة الهارب من الأجواء كي يحاسب على أفعاله على الأرض .
الأول صاحبته الصلوات والمحبة والعطور والبخور ودموع الفراق إلى مثواه الأخير لينام في سلام وتصالح مع روحه الطاهرة ، والثاني أنزلته إرادة الأخيار من أبناء شعبنا من السماء لتحاسبه على ما أقترف من خطايا وموبقات بحق اليتامى والأرامل والضحايا الذين طالما كانوا وقودا لخطابه السياسي الأجوف .
سكن ابن الشعب مساحة الضمير والوجدان إلى الأبد ، وسكن ابن الحزب مزبلة التاريخ .
هل يمكن أن نعطي معنى إنسانيا جديدا للجنة والنار ؟
هل بمقدورنا أن نعيد النظر ولو قليلا في مفاهيم الثواب والعقاب والحق والباطل والخير والشر وكل الثنائيات الجامدة التي لم نعرها اهتماما منذ قرون وظلت تتحكم بنا وبحياتنا جيلا بعد جيل ؟ .
الخير الحقيقي : هو المعرفة .
والشر الحقيقي:هو الجهل .
المعرفة والثقافة تهذبنا وتجعل منا بشرا يستحقون معنى الحياة ، والجهل يكبل ذواتنا داخل أنانيتها وبدائيتها وحيوانيتها الأولى . ولا غرابة أن المجتمعات التي تسود فيها قيمة العقل والثقافة هي مجتمعات أقل عنفا .
متى تنتصر الحياة اللا نهائية على النصوص المنتهية والجامدة ؟
متى تنتهي سيرة العشاق والضحايا في آن ؟ .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا لا تريد روسيا تصديق أن تنظيم داعش يقف وراء هجوم موسكو؟
.. هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الان
.. المسؤولة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي ترد على تشكيك صحفي في تق
.. الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال اعتقل جميع الأطباء والممرضين
.. متظاهرون يتجمعون خارج حفل لجميع التبرعات لحملة بايدن للمطالب