الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكامل الاقتصادي بين الشروط التقليدية والشروط الحديثة

فلاح خلف الربيعي

2009 / 6 / 3
الادارة و الاقتصاد


لم يحظ مصطلح التكامل الاقتصادي باتفاق عام بين الاقتصاديين شأنه في ذلك شأن المفاهيم الأخرى التي تخص العلوم الاقتصادية، فبعضهم استعمل مصطلح الاندماج والبعض الآخر استعمل مصطلح التعاون وآخرون استعملوا مصطلح التكتل. ويرجع هذا الاختلاف بوجه عام إلى التباين في وجهات النظر حول التكامل المقترح بين مجموعة من الدول، هل هو في شكل اتفاقيات ثنائية أو تعاون بين دولتين أو في شكل تكامل إقليمي بين مجموعة من الدول من أجل إنشاء كتلة اقتصادية، وتماشيا مع هذه الملاحظة، نحاول تقديم بعض التعريفات الخاصة بمصطلح التكامل الاقتصادي التي قام بها رواد الفكر الاقتصادي التكاملي، كما يلي:
» بيلا بلاسا «يعرف التكامل الاقتصادي على أنه عملية وحالة، فبوصفه عملية فإنه يشمل الإجراءات والتدابير التي تؤدي إلى إلغاء التمييز بين الوحدات المنتمية إلى دول قومية مختلفة، وكحالة تتمثل في السعي نحو الغاء مختلف صور التفرقة بين الاقتصاديات القومية.
أما » ميردال« ، فيرى أن مفهوم التكامل يسعى الى رفع الكفاءة الإنتاجية ضمن الكتلة الاقتصادية المشكلة، مع إعطاء الفرص الاقتصادية المتساوية للأعضاء في هذا التكتل بغض النظرعن سياساتهم.
و يرى »ماخلوب « أن فكرة التكامل تنطوي على الإفادة الفعلية من كل الفرص التي يتبعها التقسيم الكفء للعمل، ففي نطاق أية منطقة تكاملية يتم استخدام عوامل الإنتاج والسلع كما يتم تبادلها بالدرجة الأولى على أساس حساب الكفاءة الاقتصادية البحتة وبصفة أكثر تحديدا دون تمييز وتحيز متعلقين بالمكان الجغرافي الذي نشأت فيه هذه السلعة.
أما » هوفمان« فأكد على ضرورة تساوي أسعار السلع وعناصر الإنتاج في المنطقة التكاملية.
و يرى » تنبرجن « أن للتكامل وجهين ، وجه سلبي يتمثل بإلغاء واستبعاد أدوات معينة في السياسة الاقتصادية الدولية، و وجه إيجابي يتمثل بالإجراءات التي تسعى الى إلغاء عدم الاتساق في الضرائب والرسوم بين الدول الرامية إلى التكامل، وبرامج إعادة التنظيم اللازمة لعلاج مشاكل التحول والانتقال. ومع تعدد مفاهيم التكامل الاقتصادي يمكن القول بأن التكامل الاقتصادي بشكل عام هو عملية إلغاء كافة الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين مجموعة من الدول المتكاملة، مع تنسيق السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية مما يؤدي إلى خلق تكتل اقتصادي جديد يحل محل الاقتصاديات الوطنية في المنطقة التكاملية.

شروط التكامل الاقتصادي التقليدية
أكدت الدراسات لمختلف التجارب التكاملية الاقتصادية أن نجاح هذه الأخيرة يتوقف على مجموعة من الشروط لتجنب فشل محاولاتها ومن أهم هذه الشروط نذكر ما يلي:
1-التقارب الجغرافي : يعتبر من أهم شروط نجاح التكامل لدوره في لتسهيل انتقال السلع والخدمات والعمالة داخل المنطقة التكاملية، كما يخفض من تكاليف النقل التي قد تكون متباعدة أو متناثرة جغرافيا .

2- الإرادة السياسية : غياب الإرادة السياسية يعد من أهم أسباب فشل التكامل الاقتصادي، لذا يجب على الحكومات التي تعمل على خلق مؤسسات للاندماج الإقليمي مع وضع حدود متفق عليها لحرية العمل الوطني، كما يقبل كل بلد التضحيات المؤقتة التي يتطلبها العمل المشترك.

3-تجانس الاقتصاديات القابلة للتكامل: :-يجب أن يكون التكامل بين اقتصادات ذات هياكل متجانسة ومتماثلة وقابلة للتكامل، وتكاملها يعني خلق فضاء حقيقي متضامن من حيث لا وجود للاختلافات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، ولا سيطرة لاقتصاد بلد على اقتصادات الدول الأخرى. وفي هذه الحالة تتشكل وحدة اقتصادية .

4-توفر وسائل النقل والاتصال: أن عدم توفر وسائل النقل والاتصال بين الدول المتكاملة اقتصاديا، يحد من إمكانية التوسع التجاري والتخصص الإنتاجي بينهم، كما يصعب تسويق المنتجات وقيام الصناعات الكبرى وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل بين هذه الدول أي اتساع المسافات الاقتصادية
5-تناسب القيم الاجتماعية والثقافية :الاقتصادات التي تكون متناسبة ومتجانسة في القيم والنظم الاجتماعية والسياسية والثقافية قادرة على تحقيق تكامل اقتصادي بسهولة، على عكس الاقتصاديات المتعارضة في القيم والنظم، فكلما كانت المجتمعات متقاربة ومتماثلة كلما كانت نسبة النجاح في التكامل مرتفعة.
6-تنسيق السياسات الاقتصادية القومية: حرية انتقال السلع بين مختلف الدول التي تنظم في تكامل اقتصادي لا تكفي لضمان تنسيق السياسات الاقتصادية، فلا بد من توفر جميع الشروط التي تسمح للمنتج بالعمل والمنافسة في ظروف طبيعية وهذا التنسيق ينبغي أن يتناول شؤون التعريفة الجمركية، والسياسة التجارية تجاه الدول الواقعة خارج المنطقة، وشؤون الأوضاع الاجتماعية وسياسة الاستثمار، ولا بد من مفاوضات طويلة يتطلبها تنسيق التشريعات والسياسات الاقتصادية، ووضع أجهزة متخصصة ومؤسسات تتمتع بالصلاحيات المطلوبة لمتابعة هذا العمل على ضوء التغييرات التي تطرأ على السياسات الاقتصادية ومقتضيات الظروف الاقتصادية.

الشروط الحديثة للتكامل الاقتصادي
انطلاقا من شروط التكامل ودرجاته السالفة الذكر، يتضح أنها قد تم تنفيذها في أوربا )الاتحاد الأوربي (، فبعد الحرب العالمية الثانية كان التكامل الاقتصادي يتم وفق الشروط المذكورة سابقا، كالتقارب الجغرافي والتقارب في مستوى النمو الاقتصادي… وغيرها. فأصبح يسمى بالتكامل الاقتصادي التقليدي الذي اتخذ بعدا إقليميا. غير أنه ظهرت صيغة حديثة وبديلة للتكامل خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي باعتبارها لا تخضع لتلك الشروط، أي تجميع عدد من الدول في شكل أو درجة من درجات التكامل الاقتصادي لا تنتمي إلى إقليم واحد ولا تربطها لغة أو تاريخ أو ثقافة. كما أنها تختلف في درجة تقدمها الاقتصادي )متقدمة ونامية ( وارتبط هذا التحول بالتغييرات التي شهدتها البيئة الاقتصادية الدولية من تطور تكنولوجي وبروز العولمة الاقتصادية. لذا اتخذ التكامل الاقتصادي بعدا قاريا وهو ما يجعل ارتباط الدول في أكثر من إقليم لا تربطها عوامل اجتماعية ولا تقارب جغرافي.لذا شهد العالم نشاطا واسع النطاق على صعيد تكوين التكتلات والتجمعات الإقليمية الاقتصادية سواء في إطار ثنائي أو شبه إقليمي، وهذا التوجه لا يدخل ضمن النمط التقليدي للتكامل، وإنما تجمع بين هذه المجموعة من الدول ذات التفكير المتشابه عبر نطاق جغرافي متسع تحده المحيطات والتي تسمى بالمجالات أو الفضاءات الاقتصادية الكبرى، مع تنامي التوجه نحو تشكيل تكتلات تجمع بين دول ذات مستويات تنمية مختلفة ،
ومن أهم نواحي التباين بين الصيغة التقليدية والحديثة للتكامل :-
1- النطاق الجغرافي: حسب الصيغة التقليدية للتكامل فإنه يضم دولا متجاورة جغرافيا. لكن حسب الصيغة الجديدة للتكامل فإنه ليس من الضروري أن يكون بين دول متجاورة، ولكن قد يكون بين إقليم أو أكثر متجاورين.
2- الخصائص الإقليمية: يتطلب قيام التكامل حسب المنهج التقليدي قدرا كبيرا من التجانس والتقارب الاقتصادي لأن ذلك يؤدي إلى مزيد من خطى التقارب بين إطار التكتل، أما المنهج الجديد فإنه لا يتطلب ذلك بل على العكس تماما فإنه يقوم بين أعضاء تتباين مستوياتهم الاقتصادية ويعتمد على وجود أعضاء متقدمين يتولون قيادة التكتل.
3-الخصائص الاجتماعية والثقافية: ترى الصيغة التقليدية للتكامل أن هناك ثقلا للعوامل الاجتماعية والثقافية في التقارب، ويعطي التنديد بالصراع الإقليمي قدرا من الوجاهة يسهل تقبل إحلال التفاهم والتقارب محل التنابذ والتصارع، حتى بلوغ الهدف النهائي من التكامل وهو الوحدة. وعلى عكس ذلك نجد الصيغة الجديدة تسمح للتكامل أن يقوم بين أعضاء لهم ثقافات متباعدة وتسمح بالخصوصيات وتعتمد على تبادل التفاهم بين أعضائها.
4- الدوافع السياسية: فإن الدوافع السياسية للصيغة التقليدية هي تحقيق الأمن والسلام وإيقاف الحروب، لأن هذا الشكل ظهر بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية. أما الصيغة الجديدة للتكامل وبسبب اختلاف الظروف الدولية التي ظهرت فيها عن ظروف المنهج التقليدي، نجد دوافعها السياسية تركز على دعم الاستقرار السياسي.
5- تحرير التجارة: في هذا الجانب نجد الصيغة التقليدية تأخذ شكل اتفاقيات تفصيلية تبدأ بمنطقة التجارة التفضيلية ثم منطقة تجارة حرة ثم اتحاد جمركي، أما الصيغة الجديدة فإنها تأخذ شكل مناطق تجارة حرة تتفاوت فيها الدول المختلفة في مقوماتها.
6-عدم اشتراط المعاملة بالمثل: حسب الصيغة التقليدية فإن ذلك مجاز لصالح الدول الأعضاء الأقل تقدما في التكتل، لكن في الصيغة الجديدة فإن هذا الشرط غير مجاز فيها واستبدل ذلك بتعويض الدول الأعضاء الأقل تقدما.
7- نطاق التجارة: الأساس في الصيغة التقليدية هو للمنتجات الصناعية، وذلك بهدف الإحلال محل الواردات على المستوى الإقليمي، بينما في الصيغة الجديدة نجد أن نطاق التجارة فيها أوسع بحيث يشمل السلع والخدمات مع التركيز في هذه الصيغة على تعزيز التصدير.
8- تحرير عناصر الإنتاج: نركز هنا على عنصر رأس المال وعنصر العمل. ففي حين نجد الصيغة التقليدية بأن تحرير رأس المال يتم تدريجيا مع توفير الشروط الأشد للتكامل النقدي. وبالنسبة لتحرير عنصر العمل يؤجل لمرحلة وسطية، السوق المشتركة، ويستكمل عند الاتحاد. ولكن حسب الصيغة الجديدة للتكامل فإن تحرير رأس المال يفرض منذ البداية بشكل حركة من الأعضاء الأكثر تقدما إلى الأعضاء الأقل تقدما، بينما عنصر العمل فإنه وفق هذه الصيغة غير متاح للدول الأقل تقدما.
9- تنسيق السياسات: حسب الصيغة التقليدية فإن تنسيق السياسات يتم بشكل تدريجي مع توسيع صلاحيات سلطة فوق وطنية يشارك فيها كل الأعضاء بالتساوي، ولكن الصيغة الجديدة فإنها تعطي وزنا أكبر لمطالب الشركات عابرة القوميات والأعضاء الأكثر تقدما.
10- المرحلة النهائية: نجد بأن الهدف النهائي لصيغة التكامل التقليدية تتمثل في الوصول إلى وحدة اقتصادية على أمل أن تنتهي بوحدة سياسية، بينما تقوم الصيغة الجديدة للتكامل على مرحلة وحيدة تقتصر على تحرير التجارة وحركة رأس المال.
11- النظام الاقتصادي: تعتمد الصيغة التقليدية على تخصيص حر أو مخطط للموارد وقيود على حركة الاستثمار الأجنبي المباشر، بينما الصيغة الجديدة فإنها تعتمد على الالتزام بحرية قوى السوق ومنح حرية دخول الاستثمار المباشر.
12- الدعوى والتوجيه: نجد دعوى وتوجيه التكامل في الصيغة التقليدية يعود إلى السلطات الرسمية في الدول الأطراف، فإن تلك الدعوى في الصيغة الجديدة تعود إلى قطاع الأعمال والشركات عابرة القوميات.
وتفرق الصيغة التقليدية بين التكامل السالب والتكامل الموجب، فالأول يشير إلى الدرجات الأربع الأولى من التكامل الاقتصادي، أي من منطقة التفضيل الجزئي إلى السوق المشتركة، ويتم من خلاله إزالة القيود فقط بين الدول المتكاملة. أما الثاني، فيشير إلى المراحل الباقية من درجات التكامل الاقتصادي، وفيها تشير وتتفق الدول الأعضاء في المنطقة التكاملية على إنشاء آليات جديدة للتكامل مثل تنسيق السياسات الاقتصادية المالية والنقدية، وتوحيد النظم الضريبية وإنشاء عملة موحدة. أما الصيغة الجديدة للتكامل الاقتصادي لا تأخذ بكل أشكال التكامل السابقة، ومن الأمثلة على ذلك منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة