الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اسئلة العام الثالث والعشرون على غياب خالد نزال
ريما كتانة نزال
2009 / 6 / 9الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ثلاثة وعشرون عاما أعد الزمن على ساعة رملية، لا يكاد يوم يمر تفارقني فيه، لدى تكوَر الكتاب على نعاس، رائحة قهوة الشام في صباح باكر، عمق جديد في اخضرار "غيث" سُرق من مقلتيك، سخرية شقية منك خُطفتها "ديمة" ذات حب، قميص كاكي لا يليق الا بمنكبيك، رائحة البارود تتسرب من نشرة الأخبار، وخيط من القمر يغمر الأحلام ..
حكايات جديدة تولد، كلام يعوم على الأمعاء، عبث يشحن الذاكرة، أحلام مثخنة تستوطن ونستمتع بممارسة طقوسها الحميمة. فصول الحكاية تصيبنا بالعمى والخرس، ونفقد في الزحمة الدموية ما يجب أن نقوله في ذكرى الشهداء. نتلعثم في بيوت العزاء، تهجر الطيور أعشاشها، حكايات أصيلة تتلاشى لفقد البوصلة اتجاهها، ولمغادرة العقل مكانه. تتفشى الأوبئة، تنطفئ المشاعل، وتغرق المدينة في العتمة، ويصيب القوم علائم الجذام. ذهول التوحد، رأس يستمر بضرب نفسه بالجدار، لسان معقود بقسم كاذب، عرق يتصبب من العيون، حمرة لا تعلو وجوه العار، رقبة تشنق نفسها هربا من العدوى، أفواه تبتلع نصل خنجر، وعيون تتحجر من التعصب، ولا نفاجأ بأن لكل منا أكثر من لسان وحنجرة، والأغلبية الصامتة بمحض ارادتها تختنق، وتغيب في الارصفة كأشباح ثقيلة. وتستمر الحكاية الخرافية، ولا أحد يعبأ سوى بتسجيل فصول الرواية، بكل اللغات والألسنة، باعثة على الضحك حتى تدمع الصخور.
وحكاية أخرى مجدولة بحبات الشمس تكبر. حكاية من نعلين، تقذف في اليوم السابع بنعلَيْن من الأحذية في وجه العنصرية المطلة من الجدار والاستيطان. وأخرى في بلعين، حيث يبتلع الاستعراض ذاته، وتعتقل الحياة المتدفقة المخاوف والأوجاع. وفي الأماكن النبيلة، لا تموت صرخات الاستغاثة. فكرة بطلها جماعة وقرار، فكرة سامية في ظاهرها وباطنها، لا يمكن تجييرها لصالح فرسان الخطابات، تفتح ذراعيها دون تحفظ لألوان العلَم، رافضة البيع والشراء، وتغلق قلبها دون تحفظ في وجه وكلاء الشعوذة والأدعية، وتوصد أبوابها للتشدق في المناسبات والمواسم والقطاف.
السؤال الثالث والعشرون معلَق على وتر مشدود، لا يصدر عنه الا النعيق، أن نعود معا، لو نعود معا، أن يسامحنا الشهداء، أن نصل بين عالمينا، بين من يعيش فوق السحاب وتحته. الخلاف سيد الموقف، الفراق يلف المكان، الوهن يغطي كل شيء. رام الله وغزة، بيتنا الكبير، الحي المجاور، الشوارع البسيطة، مدن تلعب بغواية، زعماء يستمرئون اللهو بالألغاز، يلعبون بالمعاول، ويتسلون بمكعبات " الليجو"، يجدون لذة بوهيمية في متوالية الهدم والبناء، المرة تلو المرة، لأنهم في اللحظة الخبيثة تجاهلوا وضع الأساس. نضالات تبتلعها الرمال المتحركة، ودماء الضحايا تصب في المستنقع، وغمائم الدخان تسبح في الفضاء. ترتبك لفرط الخيبة أطراف خيام من جنين ورفح، تعوم الكلمات الجوفاء على القلب، محاولات القبض على الحروف والكلمات الصائبة تتلاشى، وفي الساعة اللئيمة نخفق في تحديد وقت إضاعتها، ولدى لمَها من جديد، تضرب صاعقة ملتاعة فضاءنا فتضيع منا الدنيا، ولا تغفر لنا الآلهة.
الجواب الثالث والعشرون، أقبض على حلم جميل، أرتدي ملابس العرس، أتعطر بشذى التراب، فيتوهج المكان وتضيء منصة للرقص، ادور حول اصبعي، أصحو على معجزة، أملك الدنيا لفرط ترنحي، وتطل من أعماقي شعلة الطفولة، وتضيء عيوني بفرح العيد الملون. وفي الحقيقة أراوح في المكان، لا ابرح مزاولة مهنة التعالي على الحقيقة، ولا أبالي بصفع السراب، لا شيء يثنيني عن استمرار البحث عن محطة تريح عيوني الشاردة، وعن انتظار عزف أغنية قديمة ذبلت من جفاف البعد، تردعني عن الايغال في الغرق بالعتمة، وتعوض علي مشاعرا تزخر بالخيبة والفقدان.
في السنة الثالثة والعشرين، أنت الشهيد الأنيق تنظر مزدريا شاهقا، تدير ظهرك لغينا وللغونا، وتنكث بعهد العودة لنكوصنا عنه قبلك. وفي ابتعادك، أصرخ بك أن طالت غيبتك، وأناديك لتعيدني الى الارض، وأن ترمم الجسور، وأن تحضر لنا حبل نجاة.. وألحق بك لتسمع ندائي، وأجهد لتفهم رطني، وأن تصدق ما أقوله من جنون. الشهداء ينظرون لنا من علياتهم، ولا يبدوا بأنهم يفهمون ما نقصد، أو أنهم يؤثرون الحياد إزاء دماء لا تدري بأي مجرى تذهب، أو يفضلون الصمت من هول الصدمة، وربما غير مبالون بحال مُزر وصلنا اليه بأرجلنا، وبكامل حلتنا السوداء.
بدوري، أتأهب لمغادرة العام الثالث والعشرين لصدمة رحيلك، بالعودة الى ممارسة عاداتي في تسوق الملل، وشراء بضائع الفضائيات والاذاعات، وأسدد أثمانها من تجاعيد زمني الضائع. في حزيرانك الثالث والعشرين، غير متأكدة من أشياء كثيرة، الا من احتراف حمل حبي على كتفي، وسأكتفي بأن أفهم رسالة صمتك، وشحن ذاكرتي المتلاشية، وأكتفي من الحياة بالقبض على حلم فضي، وبالبحث عن حل لغز الكلمات المتقاطعة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تعقيب
سيمون خوري
(
2009 / 6 / 9 - 01:46
)
شكراً لك فقد أيقظتي في داخلي نتف من ذاكرة مفقودة ،لرجال كانوا مثل زنابق ورد وعطر. ويكفيك فخراً أن خالد نزال كان يسارياً صادقاً .
2 - الحب والوفاء
مريم نجمه
(
2009 / 6 / 9 - 15:05
)
تحية طيبة لك أيتها الاخت ريما الكاتبة الرائعة كزهر بيارات فلسطين وبخور القدس وزيتون الروابي الخضراء . مقالك اليوم قصيدة نثر ربيعية المشاعر والشوق الحزيراني الموشوم بدم الشهداء الأبطال ... وجع جماعي يجتاح المكان والزمان والإنسان معاً والذي يخفف من حدته ووخزه أننا معكم ونقرأ لكم حصاد الروح وحبات الفؤاد يا أهل الأرض المحتلة ..
محبتي وتقديري
.. Read the Socialist issue 1268
.. Socialism the podcast episode 130 The fight for worker’s pol
.. المحكمة الابتدائية في تونس تقضي بإعدام 4 أشخاص أدينوا باغتيا
.. حكم بإعدام 4 مدنيين والمؤبد لشخصين بقضية اغتيال شكري بلعيد ف
.. شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني