الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت

محمد سمير عبد السلام

2009 / 6 / 15
الادب والفن


تشكل القصيدة عند فاطمة ناعوت وعيا متجددا بالذات ، و الأشياء ، و التجارب الحياتية الجزئية ، و العلاقات المعقدة بين العالم الأنثوي الداخلي للمتكلمة ، و الصوت المبدع الخفي في التكوينات ، و الأحداث ، و الذكريات ، و غيرها .
إن الصوت يذوب في القصيدة ؛ ليحقق عملية اتساع الوعي بهذا العالم الجديد الذي تختلط فيه الموجودات ، و التجارب الحياتية ، و التاريخية بفانتازيا النص ، و مجاله الكوني ذي العلاقات المفتوحة التي تفكك الروابط الحتمية بين العلامات .
إن كتابة فاطمة ناعوت تبدأ بتفجير المدلول الإبداعي في الظواهر ، و الأشياء ؛ مثل إصبع عازف البيانو ، و اللون الأزرق ، و الزجاج ، و غيرها ، ثم تعيد بناء العلاقات بين العالم ، و تجربتها الأنثوية انطلاقا من اتساع المدلول الإبداعي الأول في الممارسة النصية ، و قد صار صوت المتكلمة جزءا من آثارها المتجددة ، و كأنها تؤكد أن السياق الشعري يشبه الحياة نفسها ، أو يسهم بدرجة كبيرة في إحداث التغيير المستمر في بنيتها ، مثلما تتغير هوية المتكلمة حين تتحد بالفضاءات الدلالية الجديدة في النص .
و منذ ديوانها الأول – نقرة إصبع – ترتكز فاطمة ناعوت على الرؤية الشعرية نفسها كدال يذوب في الشخوص ، و الظواهر ، و الأزمنة ، ثم يراكم الخبرات الجديدة في الوعي الأنثوي المبدع دون نهاية ؛ و قد بدا هذا واضحا في ديوانها " اسمي ليس صعبا " ؛ إذ اكتسبت الأشياء الصغيرة ، و الألوان حضورا داخليا مبدعا ، و ديناميكيا ، و مختلطا بالصوت ، و السيرة الشخصية .
إن عملية التداعي النصي في كتابات فاطمة ناعوت لا يمكن فصلها عن خصوصية الذات المدركة ، و تطورها الوجودي / الإبداعي من داخل التعددية السيميولوجية في القصيدة ؛ فهي تجمع بين المآسي ، و الأساطير ، و التشكيلات المكانية ، و الحالات الفريدة .
ترى جوليا كريستيفا في " علم النص " أن حركة النص المادية تتميز باللانهائية ، و الاختلاف ، و تجاوز المركز ، و الغاية ، كما أن الممارسة النصية تزحزح الخطاب عن مركزه ؛ لتنبني كعملية نثر داخل لامتناه اختلافي ( راجع / جوليا كريستيفا / علم النص / ترجمة فريد الزاهي / دار توبقال بالمغرب مع سوي بباريس 1991 ص 10 و 13 ) .
إن خاصية الانتشار اللامركزية عند كريستيفا تتحقق في كتابة فاطمة ناعوت ؛ إذ يكون الدال مفتتحا لهوية جديدة ، و مجالات منتجة للتو من فانتازيا العالم .
و قد صارت النظرة الإبداعية للعالم الآن مختلطة بما في التداعي النصي الشعري من تناقض ، و تشبيه كما هو عند دريدا ، و بودريار ، فضلا عن تغير الدال الأنثوي طبقا لخاصية اللانهائية ، و هو ما نجده في تجدد العالم الداخلي للمتكلمة في جميع دواوين فاطمة ناعوت .
و يمكننا متابعة هذا التطور الخلاق للذات في دواوينها الثلاثة الأولى ؛ نقرة إصبع ، و على بعد سنتيمتر واحد من الأرض ، و قطاع طولي في الذاكرة ؛ إذ يحول الفن الخبرات اليومية إلى سياق شعري حتى يصبح الوعي مجالا للتحليل الإبداعي ، و جزءا منه في قطاع طولي في الذاكرة .
في نص " قوس مائل " – من ديوان نقرة إصبع – تستدعي الشاعرة سياق الفن في نسيج الواقع ؛ فنقرة إصبع العازف تستعيد البدايات ، و لحظة النشوء المتواترة في الكون ، و من ثم ينتقل التغيير من الفن إلى الواقع ، ثم عملية الاختيار ، و تأويل الذات انطلاقا من الأماكن الفنية – الحلمية ، و قد صارت واقعا تشبيهيا أصيلا ، و متجددا ، و لا يمكن فصله عن السياق الأول .
تقول :
" أحترم عازف البيانو / نقرة إصبع تخلق عالما / قوس مائل ، محور ، قاعدة ارتكاز ، كرة بلون أزرق باهت / مسطحات ماء / ست قارات بلون أخضر / قارتان بلون الثلج / عدا قارة بلون الضياع " .
لقد اختلطت الأماكن بالخريطة الداخلية الأنثوية ، بما تحمل من دوال الخصوبة ، و البروز الفريد للعلامة / الأرض ، و كأنها تتجدد من داخل التخيلات الإبداعية التحريفية للثوابت ؛ و من ثم تتشكل هوية المتكلمة من تلك اللحظة الفريدة التي تتوحد فيها بالتشكيل الفني المتجدد لعناصر الوجود .
و في نص " بصمة " تستنزف الشاعرة وجودها الواقعي ، و تعيد إنتاجه في الطيف المجازي الذي يستبق الحياة ، و يتعثر فيها في آن . إنها تؤكد الهوية في الفراغ المبدع الذي يتجاوزها ، و كأنها تفكك الأصل المادي للصوت ، و تعيد قراءته وفقا لنشوئه الفني .
تقول :
" بعد المشي ثلث قرن على الطرقات / نظرت خلفي / تأكدت أن قدمي / لم تترك أثرا واحدا على الأرض / ربما لأنني لم أتقن فن المشي في طفولتي / أو لأني كنت أحاول / أن أطير على بعد سنتيمتر واحد من الأرض / و لأني لست عصفورا / فإنني حتى لم أزقزق " .
إنها تثبت فعل المشي ثم تفرغه من الأثر ؛ فهو يشبه الطيران ، أو هو طيران يتحدى الأبنية ، و العلاقات المنطقية من داخلها ؛ فالفراغ يستعيد أسئلة الوجود ، و العدم ، كما يعلقهما في الطيف المبدع الذي يشكل البصمة دون مادة ، و يمارس الطيران على الطرقات نفسها ، و قد ثارت على بنيتها ، و شكلت من بهجة المحو أصواتا فنية تقاوم حدود المادة ، و التاريخ .
و في نص " من منكم بلا خطيئة ؟ " تتسع الذات ، و تتحد بتواتر فكرة الخطيئة في الوعي الجمعي ، و التاريخ البشري بشكل عبثي يحتمل البراءة ، و سلطة الذنب غير المبررة معا .
إنها تحاول إقصاء الخطيئة ، و من ثم العقاب ، ثم تفكك مدلول الخطيئة نفسه بتواتره في الماضي ، و احتمالات وقوعه في المستقبل ، كما تؤكد التمرد الأنثوي ، و تجليه كأداء متجاوز لسلطة العقاب .
تقول :
" و أقسم أني بكيت الأميرة ديانا / و كيف و أنا لم أصل للأربعين / يؤكدون أني شاركت في حرب طروادة / كما اني لم أر آدم / حتى أقنعه بأن التفاحة شهية جدا / و لن أدلي برأيي في الحرب العالمية الثالثة " .
لقد ساهمت الأخطاء القديمة – مثل التي ارتبطت بحرب طروادة – في إحداث عالم تشبيهي حلمي تتكاثر فيه الخطيئة في وعي المتكلمة بشكل بريء ، و إبداعي يناهض مأساة العقاب .
إن خطايا هيلين ، ثم القائد أجاممنون ، و زوجته كليمنسترا ، ثم أوريست قبل طروادة ، و بعدها تتجرد من مركزيتها الأولى حين تتبلور في عالم المتكلمة الشعري ، و كأنها تعزز من اللعب التمثيلي على مثاليات التطهير في المآسي الإغريقية .
و في نص " ديسمبر " يؤجل النص بنية الاكتمال في الذات ، و القصيدة ، و الزمن معا ؛ فاجتماع الأضداد في المتكلمة ، يوازي تداخل البدايات ، و النهايات في ديسمبر .
إن ديسمبر يستبق البدايات الجديدة ، و يشبهها ، و يقاوم اكتمال الأنثى ، و القصيدة ، و السنة ، و من ثم تتسع الذات لتشمل الأبيض ، و الأسود ، و النهايات ، و النشوء المتجدد في دال ديسمبر .
تقول :
" بالتأكيد سوف أنام قريرة العين / حين أقنع نفسي / أن رقعة الشطرنج بلونيها / داخل جمجمتي / ليست دليلا على التناقض / بل ربما خدعت أصدقائي ، و أوهمتهم / أن ديسمبر لا يحمل كل تلك الأكاذيب / لكنه مجرد كلمة تناسب نهايات القصائد " .
لقد صار ديسمبر موضوعا للقصيدة ، و زمنا لاكتمالها الوهمي في الوقت نفسه ؛ إذ انتقل من الكلية إلى التجزؤ كدال يحتل صوت المتكلمة المتناقض ؛ ليقاوم حدود الصوت ، و القصيدة ، و يفكك بنيته الزمنية في تجدده الجزئي الشعري .
و في نص " حتى المستحيل " – من ديوان على بعد سنتيمتر واحد من الأرض – تتحول بقايا الذات المتعالية / المنتهكة إلى أثر للعشق ، و التفكك ؛ فقد حولت الشاعرة أحلام السقوط إلى تميمة للحياة ، و تجدد للأنوثة ، و هي تيمة متكررة في هذا الديوان ؛ فقد انتقلت المتكلمة من السماء إلى النفايات ، و لكن أثر السماء الشعري مازال حاضرا في آثار الصوت ، و الجسد ؛ فقد استبدل المأساة من داخلها ، و حقق البهجة في سياق تدميري نيتشوي معلق .
تقول :
" كانت حبالي معلقة بالسماء / فاختل عزم الحركة / و دارت حول محورها / دورة الموت / ربما كان ضروريا إذن / أن أقص الحبال تلك / و ألج / بلا خجل / مخزن النفايات / و لن أنسى بالتأكيد / أن أترك بعض وجهي / و خصلة من شعري مع قنينة البكاء بالخارج كتميمة عشق لكل النساء " .
لقد انتزعت المتكلمة قداسة الموت من اللاوعي الجمعي ، و أعادت قراءة طاقته المتوهجة في سياق تجدد الحياة الأنثوية ؛ إذ حملت دوالها ؛ و هي الشعر ، و الدموع ، و بقايا الوجه تلك الطاقة الإبداعية الفريدة التي انقلبت على المأساة من داخلها ؛ فالحزن هنا معلق بالبهجة التي تبعث الحياة في سياق الموت .
و في نص " رقصة الحب " يمتزج الحضور القوي للمأساة ، بالرغبة في المحو ، و التجدد ، و الذوبان في قوة الأنوثة القديمة في الأدب ، و الأساطير ؛ فالمتكلمة تستعيد امرأة مكبث ، و هي تتميز بالقوة ، و الانهيار معا في نص شكسبير ، و كذلك الماء الذي ارتبط بالأم ، و الأنوثة في الأسطورة ؛ لتمحو حتمية المأساة ، و قانون الهيمنة المحرك لها من داخل العلامات الاستثنائية الأنثوية .
تقول :
" الدموع تلك / التي أظل ليلا كاملا / أغسل بقاياها / بأجود أنواع الصابون الفرنسي / و أنا أستدعي صورة امرأة مكبث / فرق كبير / بين زئير الأسد بالغابة / و .. مالك الحزين فوق الماء / يؤدي رقصة الحب " .
إن الرقص هنا يشبه الحزن ، و يقاومه بحركة الانفعال الإبداعي الجسدي اللاواعي ، و اتحاده الخفي بقداسة الحب ، فيحول الحزن إلى رقصة مأساوية بهيجة تتفكك داخليا بمحو العنصر الحتمي ، و انتصار العنصر النسائي في النص .
و في نص " شيء عن رجل الظلال " تشكل المتكلمة الآخر بأخيلة الوعي الفني ، و تكشف عن ملامحه التشكيلية الفريدة المنتجة للتو في مسافة إبداعية تصل الوعي بالواقع ، ثم تتحد بصورته الجديدة الحاملة لدوال الأنوثة ؛ مثل السمكة ، و الوجه من منظور المتكلمة ، و انفعالها الداخلي بحضور الآخر .
تقول :
" أوهمك أني رسامة / تحتاج بشكل مهني / أن تتأكد بأناملها / من مناطق الظلال و النور / على وجهك / .. حاولت مرة / أن تكون سمكة / ثم أحبت / كل السمكات / في طبقك " .
لقد انتشرت أخيلة المتكلمة هنا بصورة نصية في الآخر ، فأصبح جزءا من صوتها ، و تفسيرها لوجودها في العالم .
و في نص " على بعد سنتيمتر واحد من الأرض " – و هو مقاطع شعرية صغيرة – تستمر الشاعرة في تحليل الأشياء ، و العلامات ، و تخييلها ؛ لتقاوم ظهورها الواقعي الأول ؛ فالشيء يمتد فيما يليه من فراغ ، و كذلك تأويلاته اللانهائية المحتملة .
هل تمسك الشاعرة بطاقة الأشياء المنفلتة من تجسدها المحدود ؟ أم تخرج من تكوينها في ثورة تشبه الحياة الخفية في العناصر الكونية ؟
تقول في أحد المقاطع :
" نظارتي / زرقاء العدسات / تعالي سريعا / ليس صحيحا أن الأزرق / مجرد لون / الأزرق صفحة تكويني " .
إن الشاعرة تقبض على المادة الإبداعية المجردة في إيحاءات اللون ، و ذلك لتفكك مدلول العدسة ؛ فهي جزء من زرقة الماء كدال داخلي في الذات ، و تشير إلى الصفاء المتعالي ، و الغموض الشعري المنعزل معا . العدسة هنا فراغ ، أو مجال للعب الإيحاءات الذاتية ، و الكونية . و تقول في مقطع آخر :
" حبات رمل في كفي / تسربت من أصابعها / سيبيل / ثقبت رأس أبولو / فسالت من عينيه هزائمي " .
ثمة سر سحري في كف المتكلمة ، تولدت عنه – ضمن التداعيات النصية – العرافة سيبيل التي ارتبطت في الوعي الجمعي بالتنبؤ ، و الشاعرية ، و السحر ، و الأمومة ، و يستدعي هذا السر دوال البهجة ، و الشفاء ، و العدالة عند أبولو ، ثم تأتي الهزيمة كمدلول استثنائي في النص يتعارض مع القداسة الأصلية ، و الاتساع الأول للذات ؛ فبعد سيطرة الحزن في بداية الديوان ، أصبح هنا استثناء ، و مقدمة لقداسة الأنثى . و يتميز المقطع السابق بجماليات النص الجامع طبقا لمدلوله عند جينيت ؛ إذ يجمع بين التداعيات السيميولوجية المميزة للشعر الحداثي ، و النزعة السردية المؤولة للصوت المتكلم .
و في مقطع آخر تقول :
" لا تتوقعي مني / مزيدا من الاهتمام / أيتها الوردة الجميلة / بعد يوم أو اثنين / تسكنين سلة المهملات / لأنك لست من البلاستيك " .
الوردة تتجرد من حضورها الجسدي في الوعي ؛ فهي أثر ، أو طيف مؤجل ، مثل المجاز الشعري الكامن في الواقع .
هل تحتل الوردة صورتها البلاستيكية الأخرى لتتجرد طاقتها الإبداعية ؟ أم أنها تظل طيفا يعلو على المادة من داخلها ؟ أم أنها صوت المتكلمة الخفي ، و الذي يقاوم العدم من داخله ؟
و في نص " وجه " – من ديوان قطاع طولي في الذاكرة – تشكل الكتابة النصية مجموعة من الطاقات المتناثرة للأشياء ، و الأطياف ، و الأعمال الفنية ، و الأصوات ، و كأننا أمام واقع تحكمه عملية التداعيات التكوينية المميزة للكتابة دون اكتمال .
تقول :
" أدخل البئر كل صبح / أسرق الأشباح / الكراسي / أكوابا نصف فارغة / و لوحات مبتلة لم تزل / و في المساء / أكنس الخرز / أباعد بين الغمام / أحتضن الوجه الذي / تخبو قداسته / شيئا فشيئا / ثم يغدو / فكرة " .
لقد كان الاتساع العلاماتي في النص منبعا للوجه ، الوجه مادة قيد التشكل ، مثل الذات ، و الصوت ، و الحب ، و القصيدة . إنه في حالة نشوء مستمرة مناهضة لثبات المادة ، و الجسد .
هل حمل الوجه صورة تموز في الأساطير ، فصار دائريا دون اكتمال ؟ أم أنه امتداد العلامات النصية فيما وراءها من أطياف ، و أفكار ، و بذور نصية جديدة ؟
و في نص " صيرورة " تعيد الشاعرة إنتاج ثنائية الحياة ، و الفناء من داخل وسيط التحول الأسطوري ؛ إذ إنه يجسد الخروج عن حدود الكينونة ، و إعادة تركيبها بشكل إبداعي متغير ، كما يعزز من النظرة الإبداعية للعالم ؛ فالذات لا تتفكك بصورة سلبية ، و إنما تتحرر من مخلفاتها ، و آلامها في الصيرورة المجازية للجسد حين يتحد بعوالم اللاوعي ، و الطاقة المتوهجة للحكايات ، و الأساطير .
تقول :
" نظرة وحيدة تحكي / كيف أنصهر داخلي / أمسى جسدي مجوفا / محشوا قشا و أرقا / قريبا / سأطالب بشيء من الميتامورفزيس / ألملم كل زوائدي / أظافر ، أنوفا ، و أقلاما / أحورها / جناحين " .
هل انفصل الصوت عن تاريخه الصلب ، و صار جناحين مجردين طليقين يمارسان اللعب الحر ؟ أم أن عوامل التحول كانت كامنة في التفكك كخروج مستمر عن الذات التاريخية ؟
و في نص " تشكيلات مراوغة " ترسم المتكلمة جسدها كعمل فني يتحد بالآخر في الواقع الإبداعي ، و مفرداته ؛ مثل الزجاج ، و الطيران ، و القراءة ، و قد اتسع مجاله ليتجاوز العمل المنفرد .
تقول :
" أي مفردة / تنبؤك بأني / أود الآن أن تضمني / ثم أضيع في زجاجك / و أستنسخ في أبعاد متوهمة / أي مفردة أخطها / فتقرأني / تقرأني أنا / بعيدا عن غوايات القصيدة " .
الزجاج يحاكي الصوت ، و يفرغه من صلابته ، و حدوده . إنه مرآة الأنثى التي تتوحد بالآخر خارج الأصوات ، و الأجساد بمدلولاتها المعروفة ، و من ثم جاء الطيران كاستنساخ مضاعف للزجاج ، الذي يكمن فيه الآخر ، و يختفي ، و يذوب دون مركزية للفن ، أو الواقع على حد سواء .
و في نص " قطاع طولي في الذاكرة " تبدو الذات المتكلمة كمجال تشبيهي يحاكي المعمار المقدس للمعبد ، إنها تفجر الكينونة في العلاقات المكانية التي تقع بين المجاز ، و الواقع ، و الأسطورة ؛ فهي تستخدم دوال الردهة ، و الفتحات ، و الجدران ، و الممرات ، و الغرف لتحلل الوعي كمجال كوني مقدس يحتوي الذات ، و يتجاوز الألم ، و العدم ، و الجسد .
تقول :
" الضوء يخدع و يناور / يلتف حول الحجرة / و يدخل قدس الأقداس / من ثغرات العراميس / مرتين في العام / لا في أيلول و آذار / لكن في الردهة الصامتة / نصف المعتمة مرة / و مرة في غرفة الطعام " .
العتمة النسبية تستعيد الحضور ، و الذاكرة ، و الجسد ، و حالات اليأس ، و الغموض الأنثوي المتعالي في آن . أما الضوء فيشير إلى الإبداع ، و التغير المضاد لصلابة الذاكرة ؛ إذ يتحد بالصمت ، و الفراغ ؛ ليكسبهما طاقة تشبيهية تفكك مدلول الجدران ، و صمت المادة ، فالردهة تتسع تدريجيا مثل الوعي ، و تصير حلما لا نهائيا بالتجدد .
إن تجربة فاطمة ناعوت الشعرية تتميز بأمرين :
الأول : الثراء ، و التراكم الذي يشبه خبرات الحياة نفسها ؛ فكتابتها تؤكد أن جميع الأحداث ، و الشخوص ، و الذكريات ، و الأشياء تحمل مدلولا شعريا ، و خبرة داخلية فريدة .
الثاني : تشكل الوظيفة الشعرية عندها مجالا جديدا من العلاقات المفتوحة بين الأنا ، و الآخر ، و العنصر الكوني ، كما تشكل معنى الوجود في سياق تأويلي مستمر .
محمد سمير عبد السلام - مصر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن