الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الممكن والمستحيل في المسألة الديمقراطية.

خالد ديمال

2009 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن التأسيس بالقطع مع مراحل سابقة، يبدأ بتفهم أسباب الإخفاق، بالنظر إلى موضوع المجتمع كبنية متخلفة، بمعنى استعمال القوانين المجتمعية في كشف السائد، ورفض المكرس منه كوضع..
وإذا كانت السياسة كظرف، فلها هي الأخرى حاجات ملحة تخضع فيها لآليات التحليل العلمي لسد النقص الحاصل فيها. وإذا كانت بهذه الكيفية، أي ارتكازها على العلم كأساس للتقويم، فإنها لن تعرف طريقها نحو الإستقرار إلا باعتمادها على قاعدة التوضيح المتواصل، خاصة تعالقها بالإمتداد الزمني الطويل.
لكن، هل الإشكال النظري هو العائق، كجوهر، بمعنى قصور الإجتهاد وتحوله إلى عجز كبير غير متوقف، أم ذلك الثقافي، والذي يعتبر جمود الذهنيات ملمحه الظاهر، بمعنى تخلف العامل الإبداعي كمحفز في دينامية التغيير؟..

إيقاظ الوعي يبدأ باعتماد مقاييس التحديث.

للوقوف على الإجابة الإفتراضية لهذا الإشكال، لا مفر من نقد الوضع الفكري (كثقافة)، والوضع المجتمعي(كبنية)، بمعنى نقد الفكر التقليدي السائد، بمنطق مغاير، وبرؤية موضوعية.
الحقيقة، أننا بدافع تحصين الخصوصية ونقاء الأصل، نبقي شعورنا وأفكارنا لصيقين بالماضي، مع العلم أن هذا التحصن ليس سوى ارتدادا نكوصيا مخادعا، يرسخ التأخر، ويتنسك فيه بخنوع زائد، والقطع مع هذا التأخر لن يحدث في الواقع الفعلي إلا بالإعتراف الصريح بالتطور الكوني، وبوحدة التاريخ، فهي الوسيلة المثلى للقضاء على التخلف، وتجاوزه، لكن بالمواجهة، وليس بالتخفي.(1).
ومهما يكن من تحليل، فإن الحل لن يجد ضالته إلا في الديمقراطية، وهذا الحل لا يأتي من فراغ، ولا يسقط من السماء، بل مصدره الأرض، بحيث يتداوله الناس يوميا فيما بينهم، وبتراكم مستمر، دون توقف أو حدود.
والتغيير يبدأ هكذا، من خلال التعمق في فهم الواقع، بإشكالياته المعقدة، وفي مقابل ذلك، وضع السبل الكفيلة بمعالجته، انطلاقا من الوعي التام بالدور التاريخي في تحويل الوضع القائم بكل تجرد من النوازع الذاتية، ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، بغية هيكلة المجتمع في اتجاه تتحول فيه الديمقراطية إلى حقيقة سائدة، بل ومرغوب فيها.
إن حركة التاريخ ليست سوى حركة الوعي هذه، يعكسها نمط السلوك، وأشكال التواصل، كما أنها التجسيد الحي لعقلانية التاريخ والتي تتحدد من خلال مستوى الوعي الإجتماعي، وهذه الحركة في حد ذاتها هي الآلية التي تجعل الإرادة تصل إلى هدفها، أي التغيير على أسس ديمقراطية/حداثية.
من هنا يمكن الوقوف على استحالة استعادة الماضي، وكل محاولة من هذا النوع محكوم عليها بالفشل، لأن الماضي حصل وولى، خاصة وأن سير الأحداث يجري في اتجاه متقدم، كالنهر الدافق. لذا فالشوق إلى الماضي البعيد مرفوض لأنه لا يوفر إلا مجرد صيغة من الصيغ التي كانت في السابق.(2).
لكن، ماذا نعني بالديمقراطية، كمنظور واقعي، أي المنظور الذي يستلهم الممارسة الديمقراطية- كما هي في العصر الحاضر-، كنظام سياسي، اجتماعي، واقتصادي أيضا؟..

إبراز الطابع الدينامي للحداثة مرتبط بتطبيق الديمقراطية.

إن المنطق، وهو منطق مزدوج، يحمل سمات العقل من جهة، وملامح العصر الحاضر من جهة ثانية، يحتم علينا التماس الطرق المختصرة بهدف اللحاق بالركب الحضاري المعاصر، بمضمون إيجابي، نكون فيه فاعلين ومنتجين، وليس بالمضمون السلبي الذي يقزم دورنا ويحصره في الإنفعال والإستهلاك. ومن جملة الطرق نجد "الديمقراطية"، فهي أحسن صيغة ممكنة لحل مشكلة الحكم، كما أنها المظهر الأساس البديل للقبلية والعشائرية وسيادة الرأي الواحد، ويظهر ذلك في تعريفها باعتبارها"حق الأفراد والجماعات في الممارسة الحرة لنشاطهم السياسي والثقافي في إطار الدساتير والقوانين والأعراف التي تحمي هذه الحقوق، بما يتيح المجال للأغلبية للوصول إلى السلطة السياسية، دون أن يحول ذلك من حق الأقلية في المعارضة السياسية، أو أن يلغي حق الأفراد في الممارسة العلنية والحرة لنشاطهم السياسي أو الثقافي".(3). إلا أن هذه الممارسة لا تتحقق إلا عبر ثلاثة أركان:
أ‌- حقوق الإنسان في الحرية والمساواة وما يتفرع عنهما، كالحق في الحريات الديمقراطية، والحق في الشغل وتكافؤ الفرص..إلخ.
ب‌- دولة المؤسسات، وهي الدولة التي يقوم كيانها على مؤسسات سياسية ومدنية تعلو على الأفراد مهما كانت مراتبهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والحزبية.
ت‌- تداول السلطة داخل هذه المؤسسات بين القوى السياسية المتعددة، وذلك على أساس حكم الأغلبية مع حفظ حقوق الأقلية.(4).

إذن، الديمقراطية لا تعني النظام النيابي وحسب، بل الديمقراطية تقتضي قبل كل شيء، احترام حقوق الإنسان، حقوقه الديمقراطية، كحرية التعبير، وحرية إنشاء الجمعيات، والأحزاب، وحرية التنقل، والحق في الشغل، وفي المساواة، والعدل، ودفع الظلم.(5). إلخ..
وإذا كانت المشروعية هي تطابق السلطة أو النظام السياسي القائم مع"الطريقة التي تفكر بها أمة ما"، فإن مشروعية السلطة نفسها، وبأسس ديمقراطية، تقتضي أن يكون الحاكم صاحب حق في امتلاكها، بما يساير شرعية السلطة، بمعنى أن تكون ممارسات الحاكم مطابقة للقواعد القانونية المرسومة داخل الجماعة السياسية(6)، وهو ما يفيد تأسيس السلطة السياسية على بعدين:
- بعد سياسي يتمثل في دمقرطة السلطة.
- وبعد قانوني يتمثل في تقنين السلطة، أي تحويل البعد القانوني(الشرعية) كمجال متطور يتنقنن فيه البعد السياسي(المشروعية)، ويصبح من مكوناته، وهي القاعدة الصلبة لتأسيس الديمقراطية كمسألة حتمية تتهيكل فيها السلطة بتداخل مع مفهوم دولة القانون.

فالديمقراطية إذن هي تحقيق لمبدأ الحرية، ورفض الوصاية، وإخضاع التجربة الإنسانية للإجتهاد الجماعي، وتسييد العقل(7). إلا أن الديمقراطية لا تقوم فقط على القوانين والمؤسسات، بل تقوم قبل ذلك على ثقافة سياسية لا يمكن أن تنشأ ما لم يكن هناك فهم وإدراك للمجتمع السياسي بما هو تركيبة مؤسساتية ترمي بدرجة أولى إلى التوفيق بين حرية الأفراد والجماعات، وبين وحدة النشاط الإقتصادي والقواعد الإجتماعية(8). كما أن الديمقراطية تحتاج إلى تأمين تنمية اقتصادية مستمرة، بالإضافة إلى التنمية السياسية والفكرية. وهذا يعني أن هناك معركة ينبغي خوضها في دائرة تحديد السياسات الإقتصادية، ومعركة أخرى تقابلها على الصعيدين السياسي والفكري. وأن علينا أن ننظر إلى المكاسب الديمقراطية كثمرة لنجاح المجتمعات في إعادة بناء نفسها وتوازناتها التاريخية، الإجتماعية، والسياسية، والإقتصادية، والأخلاقية، والإدارية، أي كمشروع للتغيير"الديمقراطي".(9).
إذن، الديمقراطية هي أولا علاقة مع العصر، وهي صيغة من صيغ التعامل والعلاقة والفهم والسلوك، كما أنها اعتراف بالآخر، وبأن الحقيقة ليست ملك أحد بعينه، أو لها شكل ثابت ودائم.. وهي عبارة عن تراكم وإضافات يساهم فيها الجميع.(10).
هوامش:
(1) عبد الله العروي."العرب والفكر التاريخي". دار الحقيقة. طبعة 1993.ص 62.
(2)عبد الله العروي. المرجع نفسه. ص 63 .
(3) نزيه أبو نضال. "أدب السجون". الطبعة الأولى. نيسان 1981. ص 8 .
(4) محمد عابد الجابري. "الديمقراطية وحقوق الإنسان". مركز دراسات الوحدة العربية. طبعة 1994. ص 96 .
(5) المرجع نفسه.
(6) محمد ضريف. "النسق السياسي المغرب المعاصر". طبعة 1993. ص 196 .
(7) محمد الساسي. "تفاصيل سياسية". سلسلة شراع. العدد 23. رمضان 1418. فاتح يناير 1998 . ص34 .
(8) د. إبراهيم أبراش. "الديمقراطية بين عالمية الفكرة، وخصوصية التطبيق. مقاربة للتجربة الديمقراطية في المغرب". سلسلة شرفات. منشورات الزمن. العدد الخامس. ص52 .
(9) سمير أمين/ برهان غليون. "حوار الدولة والدين". الطبعة الأولى 1996.ص52 .
(10) عبد الرحمان منيف. "بين الثقافة والسياسة". الطبعة الثانية 2000 . ص191 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ