الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعر العرب الهولندي

كامل حسن الدليمي

2009 / 6 / 22
الادب والفن


إذا لاح تموز في سماء أحد فلا طمع بالطل أو حلم بالخضرة وان تراءت لعينك فإنها خدعة بصرية لا نفع وراءها، وحين يهزم المرء في نفسه ويهون عليها فلن تجد له نصرا ولو منحته كل ترسانة اللغة العربية وأعددت له الجمل الرنانة، في نهاية المطاف سترد معانيه مهتزّة قدر اهتزاز أيمانه بقدرته على الابتكار والإبداع والإتيان بالمختلف الذي يميزه عن سواه ، بل استهلك كل ما لديه فهو يعاني الإفلاس والعجز ، وحق على لافظي قمامة أفواههم على ما هو قدسي لدى الآخرين ،استنكار نعتهم بـ ( كتاب أو شعراء – أو قصاصين – أو منظرين أو فلاسفة أو نقاد أو تشكيليين - أو رسامين – انفجاريين – تجريديين – كلاسيكيين – انطباعيين – واقعيين فلن ينتجوا على الإطلاق سوى القيح والهراء مالم يثيروا خلافا حول ما ينتجون ومواطن هذا الخلاف في اغلب الأحيان ثلاثة ( اولها تطفل ومخالفة لوجود الخالق والاعتراض على ما يعد من الثوابت أو الإيغال في التشهير بالآخر المخالف أو الإباحية المفرطة ) بمعنى ( الدين ، والسياسة ، والجنس ) مبتعدين عن أية قيمة أدبية فلا أهمية لمعطاهم كما يعطي المبدع الفعلي أينما وجد على خارطة العالم من خلال التصاقه بمشكلات الإنسان والتعبير عن معاناته ومحاولة إيجاد رابط متين بين طرفي المعادلة ) والذي يشغل هؤلاء على الدوام إشعار الآخرين بوجودهم وفاعليتهم الوهمية ، و إشغال الوسط المحبط أصلا بترهاتهم ولو كان ذلك الانشغال سبابا متواصلا كالنار المستعرة في نفوسهم ، التي أدركت جيدا مكانتها الدنيوية والأخروية وما عاد هؤلاء يشكلون رقما مهما بين الأرقام المليونية على مستوى الإبداع في العالم العربي ، فاختلفوا لاماكن أبرزت مفاسدهم من خلال محاولاتهم اليائسة النيل من المقدس ، سيرا على قاعدة (خالف تشّهر وتعّرف وتدّرس وتكتب عنك النقودات الاخوانية ، والمقالات المطولة ) ،ودليلنا على ذلك لو أطلقت طفلا حديث الولادة بين الصعاليك فانه بالضرورة سيصبح منهم وربما سيكون أحد ابرز أئمتهم عندها تستيقظ المدائح النائمة بحقه ويتواصل النفخ فيه ليصل حدّ الانفجار والتلاشي .
أن الأدب تهذيب للنفس وطهارة للروح واللسان وحفظ للقيم النبيلة في أي مجتمع من المجتمعات ، والشعر رسالة إنسانية لها هدفها التربوي والأخلاقي بل هي درجة من درجات النبوة تستقيم وتحفظ قدر التمسك بالثوابت وتجنب تخطي الحدود التي يعد تجاوزها خرقا لكل القيم وكفر وتزندق ، والشعر ترفع عن لفظ الركيك المتهالك والخشن المخدش للذائقة السليمة .وهو قبل كل هذا احترام للنظم الأدبية السائدة وإلا سيتحول المنتج إلى تخريب ويشكل ضررا وداءً ، معالجته ابتذاله، وعقاره الإهمال.
وما كل من ترك البلاد تهّود ، أو تأمرك ، أو تفرنس ،أو تهلند ...، فالقي بقمامته على أثداء الأم التي أرضعته فنما ريشه وعظم جناحه في تقديريه هو لا في نظر الآخرين وحلق في سموات ملوثة متهكما على ما يعتقد به الآخرين وقد كان من قبل جزءا منهم ، وما أدلّ على ذلك من الأسماء التي أغنت المكتبة العربية بعطاء ذا قيمة متفردة وعبرت خير تعبير عن وجوه التوافق بين الثقافة العربية وثقافة الغرب بنقل التجارب التي تتواءم وموروثنا الأخلاقي والفكري والأدبي .
ولا يخفى على احد ان العديد ممن تركوا البلاد منهم من وجدوا أنفسهم طافين على سطوح البرك الآسنة التي كانت تمد النظام السياسي بالروح المعنوية ،ولا مكان لهم في حشد المطبلين أو الراقصين على أنغام السلاطين المتسمرين على أبوابهم طمعا بالخلعة السنية ، لكن القربة وكثرة النفخ فيها أفاضت على وجوههم ما هو أكلح من السواد وأنتن من مخلفات الكروش ، وأحرُ من نار سلب السلطة من الإنسان العربي ، و النزر اليسير الذي شم رائحة الخطر تلاحقه فعلا فنأى بنفسه إلى المجهول وهو مرغما على ترك الأهل والصحاب قد عاد ليطفئ نار شوقه فور زوال ذلك الخطر الذي كان يهدده مقبّلا التراب ،معانقا الشوارع والحارات ،والحدائق ، ومرابع الطفولة والصبا ممسكا بجلابيب الوطن الذي اكتوى وشعر بالذل وهو بعيد عنه، فآثر نار وطنه على جنة الأغراب خالعا كل ما علق به من دنس الثياب مطهرا روحه بفرات عذب ودجلة طيبة لا تعق حتى من عقها من أولادها ساعة ضعف.
ولم تكن هذه مقدمة للهجوم ألاستباقي على مصدرَ خطرٍ شخصي يهددنا بسلب ميزة من المميزات التي حصلنا عليها من أحد الأحزاب الساعية لصنع مثقفيها من اللاشيء وإطلاق الألقاب الرنانة عليهم ( كشاعر العرب ، وشاعر القرن ، وشاعر الصابئة ، وأمير الشعراء ، مدلل الحزب ، وشاعر الرئيس ، أو رئيس البرلمان، وشاعر المحافظ ، ورئيس المجلس المنتهية ولايته ، والشاعر الكبير حجما لا عطاءً، وغيرها من ألقاب مموسقة وفق ما يرضي غرور قائد هذا الحزب أو ذاك العنوان الذي ولد من رحم الصعلكة والتسكع هو الاخر ومارس التآمر على روح الثقافة العربية المستقاة من موروث وتاريخ العرب الزاخر فاستعان بما يعد بمثابة الفأس ومعول الهدم ) ، بل للتصدي لسرطان قادم على أجنحة الريح وطي حقيبة شاعر انفجاري تفتقت كل عقده هناك في هولندا وحملها هدايا للأصدقاء والمعارف متجاوزا وقعها كل السرطانات التي وفدت مع الاحتلال مع تحفظنا على الأورام الحميدة التي لا يشكل اجتثاثها سوى عودة للمعايير الإبداعية وحسب . حينها سيولي الزبد أدراج الريح .
وفي قراءة متأنية هادئة بعيدة عن الانفعال المبيت لمجموعة شاعر عراقي مهجري لا تربطني به معرفة مسبقة واحمد الله على ذلك، كان قد اسماها "النوم في اللغة الأجنبية" معتقدا إنها وثيرة ومطواعة لدرجة انه سيدفن بعد الموت بين أردافها وهو الآن يسجد بين فخذيها ما بقيت به القوة على السجود.لاغيا من قاموسه نواميس لغته الأم، كافرا بكل القيم والأعراف، قرأت وأنا اشعر بالحاجة لاصبح أميا لا أحسن القراءة حتى لا أرتاب كل هذه الريبة وأشعر بالغثيان يطالعني بين الحروف ومن وراء مقاصد المفردات التي لا تخفى على اللبيب إن أراد الكشف عنها، وإدراك كنهها.
رابني سوق كاتبها للفكرة التي يبغي إيصالها للمتلقي لغة وأسلوبا وفلسفة وكم كنت أتمنى أن لا يكون من الجمع الذي تآمر على تهشيم وجه الثقافة العراقية بإيعاز مباشر من الحانة التي اقتات كل هذا الوقت منها ، وحسبت انه ليس من جمعية هدم موروث وثقافة العراق مثل شاعر ومطرب ( يمه كرصتني العكربه) وليتها فعلت بهم جميعا وبشاعرنا المبجل فأراحتنا من هم الكتابة عن مهرجي هذا الزمن ممن عقدوا العزم على تشويه كل الصور الجميلة في البلاد العربية والإسلامية وإظهار الصورة القاتمة عن الأدب العربي الفذ وثقافة العرب أو شعراء الفواكه والخضر الذين كانت لهم الريادة في تفعيل دور الرمانة والتفاحة والباذنجان والباميا ، وفوق كل هذا حملوا سيوفهم الخشبية وبدأوا الطعن في صميم الفكر ليثبتوا لأسيادهم أنهم ملتزمون بتوجيهاتهم عازمون على التخريب أسوة بالفرق التي أطلقت على نفسها جهادية ففلسفت الموت على انه انتقاله جميلة من حديقة لأخرى شريطة ان يكون على عجل كالموت بالمفخخات والأحزمة الناسفة .
ولا نريد الاستغراق في الحديث طويلا عما لا يستحق كل هذا الجهد، ولم يكن في محل عتاب لكن الذي دفع بقوة للكتابة عن هذه التجربة الفاشلة ما طالعت من مقالات أطلق عليها أصحابها نقدية جعلوه بموجبها في صف الجواهري، والنواب، والقباني بل منهم من ذهب لابعد من ذلك فجعله المنخل اليشكري من خلال نصوصه الاباحية ومحاولة استمناءه على زوجته التي ترقد جنبه على فراش واحد ، وسندخل الى مجموعته"اللا شعرية "رغم عفونتها ونقتطع منها بعض جمل الهراء على أن الغوص فيها يعني مخاطرة لما تحمل من عوامل كيمياوية سامة كان الأجدر التخلص منها ومنع دخولها للبلاد أصلا بدلا من تكريم منتجها من قبل دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة وطبعها عام 2005 وكان الأحرى بالدار أن تعرض العمل على هيئة خبراء لتقرير مدى صلاحية نشرة ، دون التعكز على زمن الديمقراطية ،وحرية الفكر ، فللديمقراطية حدود عدم تخطيها دليل على ديمقراطية الالتزام تجاه الآخر ،ولسنا نخاطب حشدا من مراهقي السياسة بل الحديث مع النخبة التي تمثل ثقافة العراق الجديد.
وسنحاول عرض بعض ما ورد فيها ونترك الحكم للقارئ الكريم ، وربما خرج علينا احدهم مدعيا ان الأمر لا يعدو التجديد في الشعر وقول ما فات الشعراء قوله من قبل ليواكب الحداثة وما بعدها ونقول ( اذا كانت الحداثة تعني الاستهزاء بالقيم الأدبية وتطيح بالثوابت التي يعد تخطيها التفسخ والانحلال وتحدي الله بعد وضعه في المقصلة فلا حاجة لنا بها )
من مجموعة صلاح حسن " النوم في اللغة الاجنبية "
يقول :
( في اخر الليل / تفرجت على السكارى / ورايتهم يبولون على تمثالي) ولن اعلق على هذا لادخل لي اذا كان بول السكارى في اخرة الليل ينعشه كتمثال .ص8.
- ( الله نهر اردمه/ ولا اردم النهر )ص37.
- ( أضع الله في المقصلة / واقول له ايها المقصلة /هذا أنا ليس لي لون / لم اكن واحدا ولا أكون اثنين / بحجم اسراركم أنا / )ص39-40.
- كغريق بملابس رسمية / كرجل يستمني على زوجته النائمة الى جواره / ص53.
- اوزع نصف رغيف /على عشرة غائبين وأشكر الله /على حضوره في المقبرة/ واقول لامي لقد رأيته /فتقول بالعين أم بالعقل/ فأقول رأيته بالفيديو/ وهو يطلق النار على ابقارنا السود / جوليانا ماذا تفعلين بالسليمانية / تطردين الذباب عن الله / حسنا قولي له / نحن الموقعون ادناه – حطب القيامة / ننتظره في متنزه الكارثة / تلفاكس : وحده ... وحده .. وحده .. لاشريك له وحده – أحد – أحد وحده )ص55-56 .
ونماذج أخرى أهملت ذكرها ، وتركت للقارئ الكريم البحث عن المجموعة الشعرية المنوه عنها ليكتشف الخطر المخبئ في طياتها ، ولن أطلق أية أحكام لغوية ( نحوية كانت أم صرفية ) ولا تأويلات نقدية فذلك يقع ضمن اختصاص النقاد والدارسين ،وان اسموا هذه السفسطات شعرا فعلى الأدب السلام . واعتذر لاستخدامي مفردات غير حضارية لكني انطلقت من مبدأ التعامل بالمثل وكنت اقل وطأة مما ورد في المجموعة من مفردات مبتذلة رخيصة خارجة عن الذوق العام ، ولست المحامي عن الخالق لكن الشعور بالألم الذي اعتصرني وأنا أتصفح المجموعة لما آل إليه أدب المهجر لاسيما وانه رافدا من روافد الثقافة وقد أنتج رموزا لا تضاهى عبر تاريخه الطويل في جميع فنون الأدب والثقافة . مع شديد اعتذاري لمن لديهم رؤيا مختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا