الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس من جولة التراخيص الأولى

حمزة الجواهري

2009 / 7 / 6
الادارة و الاقتصاد


رغم الضوضاء التي أثارتها جهات سياسية تجد من مصلحتها الضيقة إفشال هذه الجولة، ورغم بعض الملاحظات الجادة التي أوردها بعض المختصين، أجد أن ما قيل عن هذه الجولة للتراخيص وما قيل أيضا عن العقود المتعلقة بها، لا يغطي إلا الجانب المظلم للقمر، أضف إلى ذلك ارتباك الاتهامات كون معظمها مفتعلة وأخرى كيدية ومغرضة وما إلى ذلك من أسباب وراء الانتقادات لهذه العقود والجولة الأولى، لذا وجدت من الواجب إبراز الجوانب الإيجابية لهذه الجولة والعقود الجديدة التي سميت بعقود الخدمة، ولو ترك الأمر لي لأسميتها "عقود خدمة طويلة الأجل"، لأن عقود الخدمة في العادة قصيرة الأمد وتتعلق بجزئية أو مفردة من مفردات جهود التطوير كما هو معروف عالميا، وسأكتفي بإبراز الجوانب الإيجابية لجولة التراخيص وقليلا من الحديث عن العقود، لأن تقييم العقود بحاجة إلى دراسة موسعة وليس مقالا قصيرا كهذا.
شر لابد منه:
برزت الحاجة لطلب المعونة من الشركات الأجنبية في مجال تطوير الحقول النفطية كنتيجة لضرورات موضوعية معروفة لا يمكن العبور عليها بسهولة، أهمها التمويل للمشاريع النفطية الاستخراجية ونقل التكنولوجيا وقيم العمل الراقية للقطاع النفطي، وهذه الجوانب لا يمكن ضمانها إلا من خلال فسح المجال للشركات الأجنبية للعمل في القطاع الاستخراجي حصريا، ولكن على أساس عقود خدمة حصريا.
في الواقع إنها الموقعة الأولى، إذ مازال أمام كوادر الوزارة شوطا طويلا عليهم قطعه للوصول إلى صيغة معقولة لشروط هذه العقود تكون مقبولة من كلا الطرفين المتعاقدين، وهذا ما سنأتي على ذكره في المقال.
البحث عن العقود المعيارية:
إن من أهم الاعتراضات على مسودة قانون النفط هو عدم وجود عقود معيارية منصفة ورد ذكرها في المسودة بحيث تحفظ للعراق ثروته وفق بنود الدستور، حيث كان هذا الخلل، ومازال، من أهم معوقات القبول بهذه المسودة لتكون قانون ينظم العلاقات التي تتعلق بالصناعة الاستخراجية للنفط في العراق، فالوصول إلى عقود معيارية منصفة للعراق وتتطابق مع ما جاء بالدستور ستكون معظم الإشكالات التي تتعلق بهذه المسودة قد حلت، إذ لم يبقى إلا مسألة التأكيد على ضرورة أن تكون قرارات الاستكشاف والتطوير والتخطيط والتعاقد من صلاحيات الحكومة الاتحادية حصريا، وأن تكون واضحة في نص القانون بشكل لا يقبل التأويل، إضافة إلى إشكالات بسيطة أخرى تتعلق بالجداول الملحقة بالقانون.
رغم الضغوط الهائلة التي تم تسليطها على وزارة النفط لعرقلة دورة التراخيص الأولى، أستطيع القول أن الوزارة قد صمدت بقوة وثبات، وقد تبين أن كوادرها كانوا الأكثر حرصا على المصلحة الوطنية من المتاجرين بها وعرتهم رغم صراخهم عبر وسائل الإعلام وكيل التهم الباطلة والمبالغ بها لكوادر الوزارة التي تتصدى لمهمة تاريخية متمثلة بكتابة العقود المعيارية، وأن تحقق أيضا أهداف الحكومة بزيادة إنتاج النفط والغاز، وهذا دليل آخر على قوة الكوادر العراقية بالتصدي للصعاب مهما كان شكلها.
إن هذا النوع من العقود جديد على الصناعة النفطية في العالم، وغير مسبوق، لكنه رصين ويعطي العراق فرصة كبيرة لتحقيق أهداف زيادة الإنتاج بأسرع وقت ممكن كما ويحقق أهدافا أخرى سنأتي على ذكرها من خلال السياق، وأعتقد أن هذه العقود ستكون نوعا من العقود القياسية في الصناعة النفطية عالميا على مدى السنوات القادمة، وهذا أحد أهم أسباب حساسية الشركات من هذه العقود التي اعتبرتها استفزازية لها، وربما كان السبب بإعراض البعض منها عن القبول بمثل هذه الشروط القاسية عليهم، والتي تقوض الكثير من تطلعاتهم المستقبلية بامتصاص دماء الشعوب.
الشروط الرئيسية لهذه العقود:
قبل كل شيء يجب أن يعرف القارئ أن هذه العقود هي حصيلة جهود من قبل كادر الوزارة استمرت منذ أوائل التسعينات ولحد الآن، فهي ليست وليدة الأمس القريب أو متعجلة كما يحاول البعض أن يصورها، أضف إلى ذلك، فإن صياغتها قد تمت بمساعدة أفضل بيوت الخبرة العالمية المتخصصة بكتابة العقود النفطية.
• إن هذه العقود تعتبر أفضل بكثير من جميع العقود المعروفة لحد الآن، خصوصا عقود المشاركة بالإنتاج، فهي تتسم بالشفافية الغير مسبوقة عالميا، وهي تضمن أن يكون العاملين ضمن هذه العقود من العراقيين بحدود85%، وهذه نسبة عالية جدا تضمن للعراق تطوير كوادر، بل أجيال من الكوادر الجديدة.
• من الواضح أن نسبة الربح فيها قليلة للغاية بحيث لا أحد يصدق أن بي بي الشركة العملاقة تقبل بربح نصف دولار لكل برميل زيادة ينتج وفق هذا العقد، لأن الدولارين لكل برميل زيادة يذهب منها نسبة25% للطرف العراقي من الشركة التي ستدير التطوير والإنتاج، كما وستذهب نسبة أخرى مقدارها35% كضريبة فرضتها الدولة على الشركات النفطية المنتجة في العراق، وهذا يعني أن المتبقي للكونسورتيوم البريطاني الصيني هو أقل قليلا من الدولار للبرميل، أي نصيب كل من الشريكين هو نصف دولار فقط.
• هذه العقود تضمن عدم المشاركة بملكية النفط وهو ما يتفق تماما مع بنود الدستور العراقي، كما وأن الإدارة ستكون مشتركة بنسبة عراقية عالية رغم أن رؤوس الأموال بالكامل تقدمها الشركات الأجنبية إضافة إلى مبلغ مليارين ونصف تقدم للعراق مقابل توقيع العقد على أن تسترجع في المستقبل من النفط المنتج ولا يترتب عليها أرباح.
• في هذه العقود ستكون كلف التطوير مسيطر عليها من قبل الجانب العراقي بحيث تم مسبقا تحديد سقف هذه الكلف وليس ذلك الوعاء الكبير الذي لا حدود لحجمه كما هو الحال في عقود المشاركة بالإنتاج، هذا بالإضافة إلى أن فترة العقد أقصر بكثير من عقود المشاركة أو أية عقود أخرى طويلة الأمد.
الهدف الرئيسي من جولة التراخيص قد تحقق:
إن ما سمي بفشل الجولة هو أن معظم الشركات لم تجد في العقود ما يحقق مصالحها وأن الشروط التي وضعتها الوزارة كانت قاسية جدا على الشركات الأجنبية من ناحية الربحية التي يمكن أن تحققها، وهذا يعني ضمنا إن هذه العقود تحقق فقط مصلحة العراق دون أن تراعي مصالح الطرف الآخر، لذا أجد أن وصف المالكي لها دقيقا حين قال، أو ما معناه، كانت هذه الجولة صراع مصالح.
الهدف الأساسي من وراء طرح هذه الجولة للتراخيص هو رفع الإنتاج بمقدار مليون و580 ألف برميل يوميا، أي الوصول إلى سقف إنتاج أربعة ملايين و250 ألف برميل يوميا، لكن الزيادة التي تعهد بها الكونسورتيوم بقيادة بي بي هي مليون و850 ألف برميل يوميا من حقل الرميلة بجزئيه الشمالي والجنوبي، وهذا يعني أن هذا العقد لوحده قد حقق أكثر من هدف الوزارة بمقدار270 ألف برميل يوميا.
لماذا قبل كونسورتيوم بي بي والصينية بهذا الربح القليل؟:
رغم أن معظم الشركات قد رفضت ضمنا شروط الوزارة لأسباب تحدثنا عنها، لكن الذين قبلوا بها لهم مبرراتهم أيضا، لأن المسألة ليس جني الربح المباشر فقط من خلال هذه العقود، حيث هناك مسألة أخرى تهم دول هذه الشركات وهي زيادة إنتاج النفط العراقي من أجل خلق حالة الاستقرار بالأسعار في أسواق النفط مستقبلا لكي لا يحلق عاليا نحو150 دولار للبرميل مع أول خلل بين العرض والطلب، لذا لاحظنا الشركات الوطنية لبريطانيا والصين، حيث أن بي بي مملوكة جزئيا من قبل الدولة البريطانية وخاضعة لقراراتها، والشركة الصينية مملوكة بالكامل من قبل الدولة، ولكون هاتين الدولتين من كبار المستهلكين للنفط، نجدهم قد قبلوا بالحصول على مبلغ نصف دولار لكل منهم مقابل كل برميل زيادة، ضاربين بعرض الحائط مسألة الربح المباشر من هذا العقد، لأن الدولة في العادة تسعى لضمان عدم زيادة الأسعار لمستويات يصعب على اقتصاد بلدانهم تحملها، حيث أن الربح المتحقق من هذه الصفقة مهما كان عاليا فإنه سوف لن يسد إلا جزءا بسيطا من الزيادة في فواتير شراء النفط الخام فيما لو ارتفع سعره دولارا واحدا كنتيجة لشحة المعروض في الأسواق، لذا أعتقد جازما أن بي بي مستعدة الآن للقبول بتطوير أي حقل عملاق آخر في العراق حتى لو كان بدون أرباح.
في المقابل نجد أن شركات القطاع الخاص الغير مملوكة من قبل دولها قدمت عروضا خيالية مبالغ بها، بحيث طلب بعضها مبلغ29 دولار عن كل برميل ينتجه، لأن هذه الشركات همها الوحيد هو الربح المباشر، ولا يهمها استقرار الأسعار في أسواق النفط، لأن سياستها غير مرتبطة بسياسة دولها. مثل هذه الشركات يجب أن تعامل بصيغ مختلفة من خلال التعامل مع اهتماماتها الأخرى، فلو نجحت الوزارة بهذه المهمة، سنجدها تهرول قبل الشركات التي تعود ملكيتها للدولة، وهذا ما سنحاول التصدي له أيضا، ولعلمي المتواضع أن في الوزارة وفي مجلس الوزراء كوادر قادرة على التصدي لما هو أصعب بكثير من هذا التحدي.
حلف بريطاني صيني ذكي:
بوجود هذه الشراكة يمكن خفض كلف التطوير بشكل كبير، وذلك بإدخال تجهيزات صينية رخيصة دون المساس بالنوعية التي يمكن ضمانها من خلال زج عناصر مفصلية بريطانية المنشأ في التصاميم أو الدراسات أو المعدات أو المواصفاتها أو ضمان النوعية للمنتج الصيني، حيث بهذا التزاوج يمكن ضمان أقل أسعار ممكنة لكلف التطوير مع ضمان للنوعية كما أسلفنا، وبهذه الطريقة أيضا يمكن ضمان عدم تعثر المشروع بسبب الكلف الباهظة فيما لو كان بالكامل ذو منشأ بريطاني فقط.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أجد بهذه الشراكة مصلحة للعراق الذي يعرض تماما عن التعاطي مع المنتجات الصينية في الصناعة النفطية، فهذا الكونسورتيوم سوف يعطي الدرس الكافي على كيفية التعامل مع المنتجات الصينية الرخيصة والتي نحن بأمس الحاجة لها.
أضف إلى هذا وذاك، هناك جوانب سياسية قد تكون غاية بالأهمية بالنسبة للعراق يمكن أن تتحقق من خلال هذا النوع من الشراكة بين الأطراف الثلاثة، العراق والصين وبريطانيا، منتج كبير للنفط مقابل مستهلكين كبار، إثنان منهم أعضاء دائمين في مجلس الأمن.
إمكانية تطوير شروط هذه العقود:
كما أسلفنا، كانت العقود منصفة للعراق بشكل مطلق بحيث لم تبق للمستثمر شيئا على الإطلاق، ولكن رغم ذلك فهي قابلة للتطوير لتحقق مصالح الطرفين بحيث يستطيع العراق استقطاب شركات تقبل بالشروط الجديدة، وأعتقد أن على الوزارة التصدي لهذا الأمر في المرحلة القادمة، لأن ما تم عرضه من خلال هذه العقود وشروطها القاسية يمثل ما تحت الحد الأدنى الذي يحقق مصالح الشركات، وبذات الوقت يحقق أعلى منفعة للعراق فقط.
بهذا الصدد يمكن للوزارة أن تخفف بعض الشيء من شروطها، أو أن تمنح نسب ربح أعلى قليلا من التي وضعتها لبعض الحقول الأقل أهمية في الجولات القادمة، أو أن تربط بين الصناعة الاستخراجية وتصنيع النفط والغاز، حيث أن تصنيع النفط سيرفع قيمة البرميل من خمسة إلى تسعة مرات تبعا لكيفية تكرير النفط الخام والمنتجات العرضية التي يمكن الحصول عليها منه، بهذا سيتلاشى الفرق بين أن تأخذ الشركات مكافئة قدرها دولارين أو عشرين دولار، لأن أرباح البرميل الواحد ستكون أكبر بكثير من أي ربح يمنحه العراق للشركات.
قد تنشأ مشكلة لوجستية عويصة بمثل هذا الحل، وهي مسألة نقل المنتجات إلى موانئ التحميل في حال تم تكريرها في مكانها، لكن يمكن حل هذه المسألة إما بتولي الوزارة هذه المهمة أو أن تناط بشركة عالمية تتولاها، فتقوم بمد الأنابيب التي تجمع المنتجات من هذه المصافي وتنقلها إلى موانئ التصدير، وستجد الوزارة عشرات الشركات التي تبحث عن فرصة هائلة كهذه، وربما يتم بيع النفط الخام إلى سومو ومن ثم تشتري هذه الشركات نفط بنفس الحجم من سومو أيضا لتزويد المصافي التي تقيمها قرب موانئ التصدير، حيث بهذا الحل سوف تعظم الوزارة عائدات النفط من دون الحاجة لزيادة التصدير للنفط الخام، وتتحاشى الإحراج المتوقع من بعض الشركاء المشاكسين في الأوبك في حال اضطر العراق لبيع كوتة كبيرة قد يتضايق منها هؤلاء الشركاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة