الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو حوار وطني واسع على مساحة البلاد بين مختلف القوى وفي أوساط الجماهير الشعبية

قدري جميل

2004 / 5 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عشية الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لعيد الجلاء المجيد، وبدعوة من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، عُقدت صبيحة يوم 16/4/2004 بدمشق في فندق «البلازا» الندوة الوطنية حول: «المخاطر التي تواجه سورية، ومهام القوى الوطنية».. حضرها طيف واسع من الباحثين والشخصيات الوطنية. وفيما يلي كلمة الافتتاح التي ألقاها د. قدري جميل:


ليس صدفة أن نجتمع اليوم، عشية عيد الجلاء العظيم، لنتحاور حول قضايا مصيرية تهم الوطن ومستقبله، وأغتنم الفرصة كي أشكر جميع من لبى الدعوة وتجشم عناء الانتقال لحضور هذه الندوة.

وبمناسبة عيد الجلاء، لابد من التوقف عند بعض الدلالات التاريخية لهذا الحدث والتي لها علاقة بهذا الشكل أو ذاك بموضوع ندوتنا.

1. لقد كانت سورية أول بلد يستقل بعد الحرب العالمية الثانية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاستعمار بشكله القديم بقي على أرضنا فترة تاريخية قصيرة نسبياً، بالمقارنة مع البلدان العربية وغير العربية الأخرى، ينتصب سؤال مشروع وهو كيف استطاعت سورية أن تحقق ذلك.

2. إن الجواب على هذا السؤال متعدد الجوانب وهو بحاجة إلى دراسة تاريخية جادة ومعمقة ولكن الواضح فوراً أنه لولا معركة ميسلون لما اتخذ التاريخ في سورية هذا المسار. فهذه المعركة العسكرية الخاسرة أسست للمعارك اللاحقة الناجحة، أي أنها بحد ذاتها كانت فعلاً سياسياً ناجحاً منذ اللحظة الأولى، فالشهيد يوسف العظمة بخطوته الواعية أسس للانطلاق الباكر للثورة السورية الكبرى، كما أسس لجلاء الاستعمار الفرنسي الباكر عن أراضينا.

3. هذه الحقيقة تجعلنا نفهم لماذا لم يستتب الأمر يوماً واحداً للاستعمار في سورية، عندما أقض الثوار السوريون مضاجع الاستعمار الفرنسي، الذي اضطر أحد ابرز وأهم ممثليه وهو الجنرال ديغول أن يقول: واهم من يعتقد أنه بالإمكان إركاع سورية.

4. من هنا نستطيع الخروج باستنتاجين هامين لهما دلالات معاصرة:

● هل الواقعية في ظل اختلال ميزان القوى تعني الانحناء والتخلي عن الثوابت الوطنية بحجة الحفاظ على مايمكن الحفاظ عليه، أم أن الواقعية تعني إيجاد كل عوامل التكيف وتهيئتها ولكن لتجهيز المواجهة المفروضة علينا.

● إذا كان للوحدة الوطنية جذور عميقة في التاريخ والتراث والوعي الشعبي السوري، وهي عامل هام من عوامل صمود سورية على مر التاريخ، إلا أن ذلك يجب أن لايمنعنا من أن نتساءل: ما هي الخيانة الوطنية في الظروف الحالية؟ وهل هي قضية فردية أم أن لها عوامل اجتماعية وخاصة في عصر العولمة المتوحشة والمسلحة، وهذا مايضطرنا أحياناً أن نستذكر مثال عربة غورو الذي لايروق للبعض، ولكنه يبقى رغم ذلك حقيقة تاريخية ولو كانت قاسية إذ أن التاريخ يعرف حالات كثيرة مشابهة من جماعة فرساي حين قيام الثورة الفرنسية الكبرى وصولاً إلى مجلس المحكومين العراقي اليوم مروراً بالمتخاذلين مع قوى التدخل الأجنبي بعد ثورة أوكتوبر، والجنرال بيتان الذي تفاهم مع المحتل النازي بحجة الواقعية ضد شعبه الفرنسي. وإلخ.

هذا حول التاريخ أما حول الحاضر والمستقبل وهو مايجب أن نتمركز عليه فنقول: إن حواراً وطنياً واسعاً قد بدأ فعلياً على مساحة البلاد وبين القوى المختلفة وفي أوساط الجماهير الشعبية وتطرح فيه كل القضايا الحامية التي تهم البلاد وكل قوة تطرح الموضوع على طريقتها وهذا بحد ذاته شيء إيجابي.

إلا أن هذا الحوار الذي اتسع بعد خطاب القسم لم يجد إلى الآن إطارا ًله يستوعبه ويدفعه باتجاه الوصول إلى نتائج ملموسة، ونأمل أن تكون ندوتنا اليوم حافزاً في هذا الاتجاه.

ونستطيع القول بجرأة أن أساس الوحدة الوطنية في بلادنا موجود ولكنه يتطلب التعزيز والتوطيد، وهنا يمكن أن نختلف مع البعض الذي يرى أن هذا الأساس غير موجود أصلاً، كما يمكن أن نختلف مع البعض الآخر الذي يرى أن الجبهة الوطنية التقدمية هي سقف الوحدة الوطنية في الظروف الحالية. ونعتقد أن الحقيقة هي في مكان ما، مابين هذين الرأيين وهو مايجب أن نبحث عنه ونتفق عليه.

ونرى أن هنالك علاقة عميقة بين الحوار الوطني والوحدة الوطنية. فكلما تفعّل الحوار انطلاقاً من مصلحة الوطن العليا أمكن السير قدماً باتجاه توطيد الوحدة الوطنية التي لايمكن أن تتحقق لوحدها عفوياً دون فعل ودون إرادة القوى الفاعلة على أرض المجتمع.

هناك قضايا يجب الإشارة إليها إذا كنا نريد أن ننطلق من مستوى التحليل الكلي الشامل حول وضع الولايات المتحدة الأمريكية. بإمكاننا القول بالاستنتاج أنها تعيش أزمة اقتصادية مستعصية لا يمكن الخروج منها إلا عن طريق الحرب وهي الحل الوحيد لها، وهذا الاستنتاج غير جديد فهو قديم وعمره على الأقل حوالي 5 سنوات، والذين كانوا ينظرون إلى هذا المنحى كانوا يتوقعون أحداث ما بعد 11 أيلول، لأن الأمريكيين كانوا بحاجة لمبرر بالمعنى العام من أجل إشعال حرب لا حدود لها بالزمان والمكان. بمعنى آخر إذا كنا نريد أن ننطلق فقط من ظروف إقليمية ما، من أجل أن نتوقع ماذا سيفعل الأمريكان لاحقاً فيمكن أن «نتفركش» في كل خطوة في التحليل وندخل في مجال التنجيم والتبصير قائلين: سوف يأتون ولن يأتون، قادمون أو غير قادمين، سيضربون أم لا؟!. والتحليل على هذه الشاكلة، يجري عادة على أساس الأخبار والإذاعات اليومية أو حسب البورصة ودرجة الحرارة، ولكن التحليل العلمي الصارم يقول: بأنهم محكومون بالحرب ـ ولو كان على المريخ ـ وعند ذلك تصبح قضية مَنْ سيُضرب لاحقاً وكيف، قضية تفصيلية. فهم براغماتيون جداً ويتصرفون حسب منطقهم الاستراتيجي العام. لذلك لدينا القناعة العميقة، وسجلنا ذلك في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين: بأن الإمبريالية الأمريكية في أزمة ومخرجها الوحيد هو الحرب، لذلك ليس أمامها غير الحل العسكري الشامل، والطرف الآخر المواجه ليس له من خيار غير المقاومة الشاملة هذا هو الاستنتاج الأول.

ـ الاستنتاج الثاني: بما أنها محكومة بالحرب، وأن الحرب بجرعتها المتدرجة كما تبين التجربة، لا تحل المشكلة الأساسية، فهي محكومة بتوسيع رقعة الهيمنة والحرب.

والحرب الإمبريالية الأمريكية هذه تجري في جو دولي محدد، فالقوى الدولية الأخرى غير قادرة على أن تلعب الدور الذي يجب أن تلعبه. فأوروبا عملاق اقتصادي وقزم عسكري، وروسيا عملاق عسكري وقزم اقتصادي ومفتقدة للإرادة السياسية الوطنية، والصين منشغلة في أمورها حتى عـــام 2010، وليس لديها الاستعداد لكــي تلعب دوراً عالمياً ضمن توازن القوى القائم.

هذا يدعونا أن نتذكر أن الأمريكيين من ناحية منطقهم الاستراتيجي وضعوا مهمة أن تجري السيطرة الكاملة على المنطقة الممتدة من الحدود الأفغانية ـ الباكستانية حتى مضيق باب المندب التي يحدها شمالاً البحر المتوسط إلى 2010، من أجل أن تهيىء ظروف التنافس والصراع الملائم لها لاحقاً مع الصين وأوروبا وروسيا. من هنا فالأجندة الأمريكية فيما يخص منطقة الشرق الأدنى والأوسط، بغض النظر عن تفاصيلها وترتيبها وإيقاعها الزمني، هي أجندة ثابتة.

والمشكلة الحقيقية إذا كانت القوة العسكرية لم تعط النتائج المرجوة منها، فكل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجت المغامرة العسكرية، وتهدف إلى الخروج منها ستتحول إلى أزمة مستعصية أكثر وإلى مقدمة للانهيار الشامل في المستقبل المنظور، هذا إذا لم تحقق المغامرة العسكرية الأهداف المطلوبة منها.

لذلك في إطار المواجهة الشاملة التي أصبحت الخيار الوحيد أمامنا يطرح سؤال جدي حول كيفية المواجهة الناجحة، فتجربة بغداد أثبتت أن جهاز الدولة وحده، أصبح في ظل توازن القوى الحالي، غير قادر على مواجهة القوة العسكرية الإمبريالية وآلتها.

إن مواجهة القوة العسكرية الإمبريالية الأمريكية ممكنة فقط بالاعتماد على قوى الشارع، بالاستناد فعلاً على قوى الجماهير الشعبية، وجهاز الدولة يمكن أن يساعد على هذا الموضوع أو أن يعرقل، ولكنه وحده ليس باستطاعته حل هذه المهمة.

لذلك أمامنا سؤال: في الظروف الملموسة الآن ماذا تعني الوحدة الوطنية؟ إنها تعني تجنيد الشارع وتعبئته من أجل تهيئة الظروف المناسبة للمواجهة.

ولكن هناك بين الجماهير الشعبية وبين الحركة السياسية هوة. البعض يقول إن الجماهير محبَطة وليس لديها اهتمام بكل العمل السياسي.

أما الواقع فيقول أن المحبط هو الجزء الأهم من الحركة السياسية. فالجماهير الشعبية أثبتت أنها تسير أمام الحركة السياسية ولديها مشكلة مصداقية مع مختلف تكوينات هذه الحركة. وأحد الدلائل على ذلك هو حركة المتطوعين العرب العفوية نحو العراق خلال الحرب، فالألوف توجهت إلى هناك دون أي قيادة سياسية فعلية، فالحركة كانت عفوية والأرجح أن اشكال العمل السياسي الحالية لم تعد مقنعة لجماهير الشارع..

إن جماهير الشارع معنوياتها عالية وليس محبطة، المحبط فعلاً هو القوى السياسية غير القادرة على الوصول إلى هذا الشارع، وهي تحاول أن تسحب إحباطها على الشارع نفسه وأن تفسر إحباطها بإحباط الشارع، لذلك يجب ردم الهوة بين الشارع والحركة السياسية ونقصد بالحركة السياسية الكل ولا نستثني أحداً، وفي ظروفنا تحديداً. فكل الحركة السياسية لديها مشكلة في الاتصال، في الإرسال والاستقبال مع الشارع.. هذه قضية بحاجة إلى حل.

من أهم القضايا التي يمكن أن تحل موضوع العلاقة مع الجماهير الشعبية هي القضايا المتعلقة باللقمة والكلمة أي «لقمة الشعب وكلمته»، أو بمعنى آخر حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية. وكي لا يكون الكلام عاماً، سنتكلم بالملموس:

نحن بلد مواجهة، وتطورنا الاقتصادي حتى نكون بلد مواجهة فعلاً يجب أن يكون عالياً. يجب أن تكون نسب النمو عالية، اليوم نسب النمو تقارب الصفر ومرشحة لأن تهبط إلى ما تحت الصفر. وحسب الدراسات، المطلوب نسب نمو سنوية بحدود 7 ـ 8%. هذه النسب لا يمكن تحقيقها في ظل النموذج الاقتصادي القائم حالياً، وما يميز هذا النموذج هو الخلل في توزيع الدخول بين الأجور والأرباح، مما يمنع عملية التراكم من أن تجري حتى تسمح بالنمو الذي يؤمن الظروف السياسية والاقتصادية الضرورية للتطور.

ولكن كيف يمكن حل هذه المهمة الاقتصادية؟

يجب أن تحل قضية العلاقة بين الأجور والأرباح، ولكن هذه القضية لم يعد لها حل اقتصادي، بإجراءات اقتصادية بحتة، هذه القضية أصبح لها علاقة بالمجتمع ككل، ونقولها بصراحة دون الخلاص والانتهاء من موضوع الفاقد الاقتصادي، والذي يسمى سياسياً «النهب الكبير» والذي يوازي 20% من الدخل الوطني، لم يعد ممكناً النمو.. فكيف الخلاص من هذا الفساد الكبير دون تجنيد قوى المجتمع ضده.

من هنا فالقضية الاقتصادية بهذا المعنى والقضية الديمقراطية بمعنى تجنيد قوى المجتمع ضد الفساد، والقضية الوطنية مترابطة وتتداخل كلها بعضها ببعض. هذه هي المهام الأساسية أمام القوى الوطنية في الظروف الحالية. أي كيف نحل المشكلة الاقتصادية الاجتماعية ونحقق نسب نمو عالية ونحل مشكلة البطالة التي أصبحت الآن مشكلة سياسية/اجتماعية.

50% من العـــاطلين عن العـــمل هم من الشباب وهذا يؤسس لخزان قابل للانفجار في أية لحظة، خزان المهمشين الذين يمكن استغلالهم من قبل أية قوة.

هذه القضية بحاجة إلى حل سريع.

إذاً قضية النمو، البطالة، العلاقة بين الأجور والأرباح، و قضية تمكين المجتمع من ممارسة دوره هي القضايا التي تحتاج إلى بحث جدي، لأنها ترتبط بحياة الناس اليومية، وهذا مانسميه بعلاقة المهام الوطنية بالاقتصادية الاجتماعية وبالديمقراطية.

حسب الظروف السورية الملموسة ماهي نقاط القوة؟

أولا:ً لدينا ذاكرة تاريخية متجذرة، ومن المفيد الاستناد إليها. وكمثال دائم معركة ميسلون.

ثانيا:ً هناك أساس جيد للوحدة الوطنية التي يجب تعزيزها. ففي العراق تم تخريب الوحدة الوطنية مما سهل الاحتلال.

ثالثاً: في سورية كل القوى السياسية الوطنية ترفض الاستقواء بالخارج على الداخل... الجميع يرفض هذا المبدأ وهذه نقطة قوة يمكن الاستفادة منها الآن.

عندما نتحدث عن نقاط الضعف يجب القول وبكل صراحة أن الحركة السياسية متخلفة عن حركة الشارع كما ذكرنا سابقاً، وأحد اسباب ذلك نقص مستوى الديمقراطية عن حاجات التطور أي ضعف مستوى الديمقراطية عما يتطلبه الواقع. هذا الأمر الذي تراكم خلال سنوات يعيق اليوم الحركة السياسية، مما يتطلب حل هذا الموضوع عبر إطلاق الحريات السياسية حتى تعود الحركة السياسية إلى الشارع، وتستطيع التفاعل معه وإدارته.

النقطة الثالثة تتركز في الوضع الاقتصادي المعاشي. وأخطر ما فيه ليس مستوى الأجور المتدني بل حجم المهمشين الكبير في المجتمع الذين تحولوا إلى قنبلة موقوتة خطيرة. هذه القضية لمسناها حتى في أحداث الجزيرة.

هؤلاء قابلون للاستخدام من قبل أية قوة كانت، في أي لحظة انعطاف. يجب حل هذه القضية. أخيراً هذه هي المهام الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية المتداخلة والتي تتطلب إطلاق طاقات المجتمع الجبارة والاعتماد عليها. فقد أثبتت التجربة أن الاعتماد على أجهزة الدولة فقط لحل مشاكل المجتمع لن يعطي النتيجة المرجوة. أي الاعتماد فقط على جهاز الدولة من «جوا لجوا» لا يحل المشكلة، يجب الاعتماد على قوى المجتمع المتفاعلة مع القوى النظيفة والشريفة في أجهزة الدولة . وتفاعلها هذا يضع الأساس الكفيل لحل كل القضايا المطلوبة والموضوعة أمامنا كمهام وطنية كبرى.

■■








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت