الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في المجموعة الشعرية (العربات) للشاعر د. جاسم الياس

نواف خلف السنجاري

2009 / 7 / 21
الادب والفن


بين لوس انجلوس وبغداد، برلين وباعذرة، كاليفورنيا والرمادي، عين سفني والرطبة، كتب الدكتور جاسم قصائده، وفي الفسحة الزمنية الممتدة من عام 1974 وحتى عام 1990 نثر الشاعر حروفه، وعواطفه بين دفتي مجموعته الشعرية الموسومة (العربات) والصادرة عن مركز الإنماء الحضاري بطبعتها الأولى عام 2008.
تسع وأربعون قصيدة تضمنها الديوان موزّعة بين القصيدة العمودية (الكلاسيكية)، وقصيدة النثر (الحديثة). من الصفحة الأولى وفي قصيدة (الطفولة) تطالعنا مدن الخوف والصلوات والأحزان والغربة والتعاكس والتضاد بين الفقر والغنى، ويطل علينا الشاعر بصوره الشعرية الجميلة (عربات الليل)، (كهف القلب)، (قماط ممتلئ بالدود) فنقرأ:

في مدن الخوف، الصلوات، الأحزان
محاطاً بالنار وبالأشواك
أحمل نصف لساني
والنصف الآخر خبأته في كهف القلب

وفي قصيدة (الجمجمة) نرى أن الزمن يهرب من بين أصابع الشاعر فيقول:

كهلٌ في العشرين
تغازله سيدة شاحبة الطول
تحمل تابوتاً من خشب الأبنوس
كهلٌ في العشرين
يخرج جمجمة لا يلمح منها غير الطيف

وإذا عرفنا أن هذه القصيدة قد كُتبت في الغربة وفي زمن الحرب يتجلى لنا مدى السوداوية والتشاؤم اللذان يحلقان فوق أجواء القصيدة.
حتى العشق في شريعة الشاعر يكون ممزوجاً بالحزن وجثث الموتى والصلب والحرق. الثلج مع الصحراء، الغابة مع الينابيع، الثور المجنح وبوابة أوروك مع الأزهار، كل هذا المزيج يتماهى في قصيدة واحدة لها طابعها الهارموني المتدرج بين الإيقاع الهادئ والصخب المدوي، فتصير القصيدة مشاكسة كطفل نزق. وإذا تعمقنا في قراءة القصائد نرى أن ( اغلب النساء شاحبات وموشحات بالسواد في أكثر من قصيدة) مما يدل على الحزن المخفي في لا وعي الشاعر.
قد يظن القارئ إن (العربات) هي العنوان الذي اختاره الشاعر نسبة لقصيدته العربات ص 35 من الديوان، ولكني رأيت العربات تسير على طول صفحات الكتاب هنا وهناك ( عربات الليل - عربات الأحزان - العربات الأخيرة) كل العربات تنزّ بالغربة وتصفر صفيراً حاداً يفطر القلوب ويدمع العيون. ففي قصيدته (ضجيج القلب) يقول الشاعر:

أسافر في العربات الأخيرة
تسألني طفلة عن جداري القديم
أقول دفنته في ليلة ماطرة
يقول المسافر إن الطرق جميل
أقول تعبت من الخطوة التائهة

ولكننا نرى الحنين إلى الوطن يطفر من بين السطور سواء أعلن عنه الشاعر مباشرة، أم كان مخبئاً وأوحى به رمزاً فيقول:

وليتك يا وطني
لم تكن زهرة الورد والياسمين
فنحمل أثقالنا في المساء الغريب
ونمضي

وفي قصيدة أخرى يقول الشاعر:

اجعلني صعلوكاً يا وطني
ألعن وجهك
اجعلني معتوها
أنكر عشبك
أو اجعلني معشوقاً
نتقاسم
دفئ الحب معاً

بقي أن نقول: إن أي عمل شعري ناجح يجب أن تتوفر فيه الشروط الأساسية وهي ( متانة اللغة، الخيال الجامح، والصور الشعرية المبتكرة) وكل هذه الأدوات امتلكها الشاعر جاسم الياس بجدارة، وجسّمها وأضاف لها من روحه المرهفة الشيء الكثير فجاءت قصائده رقيقة شفافة كالزجاج ترينا ما وراءها.
إضافة إلى انه تجنب وبذكاء الوقوع في فخ المباشرة والتقريرية التي يلجأ إليها البعض، فتثقل بظلالها النص الشعري وتبعده عن الهدف الإبداعي.
لقد حضرت أفكار الشاعر مرمّزة موحية واحتلت ما بين السطور لتشعل في القارئ روح الفضول، وتلهم في المخيلة بعداً آخر للإبداع الشعري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ايام الفردوس
علي الانباري ( 2009 / 7 / 20 - 20:52 )
جاسم الياس انسان لا يمكن لمن عاشره ولو لليلة واحدة ان ينساه فكيف لي وقد ارتبطت به في كلية الاداب في قسم اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات حيث كان يسبقني بمرحلة.
كان انسانا مرهفا وشاعرا عذب الكلمات كنا نشارك في المهرجانات التي تقوم هنا وهناك وفي حفل التخرج الاخير لدفعته قرأ قصيدة مؤثرة اذكر منها هذا الشطر من بيت يقول فيه----فيا ليت هذا اليوم اوقف سيره.
لقد دعاني الشاعر جاسم الياس الى زيارة دهوك حيث يعيش بعد ان راسلني على اميلي الموجود في الحوار المتمدن وانا متلهف للتلبية بعد ان تسنح ظروفي علما اني لم ار صديقي الجميل جاسم من وسط السبعينات وانا فرح اذ اتابعه في الحوار واتابع ما يكتب عنه

اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا