الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو سياسة زراعية مستقبلية

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2009 / 7 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تشخصيص الواقع الراهن للقطاع الزراعي في السودان ومن خلال العشرون عاماً الماضية، يقتضي التوصل الى مقترحات عملية، لرسم سياسات زراعية جديدة للتكيف مع تطوير الاقتصاد العالمي وحاجات الأسواق الخارجية. أن مشاكل القطاع الزراعي ومعاناته لاتقتصر على الصعوبات التي تتجسد في ضعف إستغلال الموارد الزراعية وتدني خصوبة التربة ونقص المياه وتدهور المراعي، والساسات والخطط البعيدة عن الواقع. بل الي وجود مشكلات تتعلق بنقص الخدمات المساعدة وعدم تنظيم التسويق والتصدير والتصنيع الزراعي، بالإضافة الي المصاعب المتعلقة بالتشريعات والقوانين الزراعية المعمول بها والتي تزداد الحاجة الماسة الى تعديلها وتطويرها.‏ علي أن أكبر تلك المشاكل تلك التي تتعلق بالآليات المتعلقة بدعم وتطوير وتنمية الانتاج الزراعي بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية، والإستفادة من الموارد المادية والفنية التي تمنح وفقا لهذه الإتفاقيات، لأن دعم الانتاج الزراعي وخاصة المحاصيل الاستراتيجية يعتبر في المرحلة الحالية، أمرا ضروريا، وهما عالميا ملحا، لعلاقته بالأمن والإستقرار العالمي.‏
ويتواجه المنتج الزراعي بمشاكك التسويق، وعدم تأهيل المنتجات الزراعية لتتناسب مع المواصفات العالمية، وعدم مواكبة النشاطات والفعاليات التصنيعية لمتطلبات المتغيرات العالمية والاقليمية وتطور الانتاج وقلة الاستفادة من القيمة المضافة. أما أهم عوائق التسعير فهي الاستمرار بتسعير المحاصيل الاستراتيجية بطريقة التسعير الاداري الجزافي الظالم، واستخدام التسعير وسيلة لادخال المحاصيل البديلة.‏ وهنا ليس هناك بديل هذه المشكلة إلا بتنظيم التسويق الزراعي، عن طريق دراسة حركة المنتجات الزراعية في أسواق الجملة وكمياتها ونوعيتها وأسعارها في إطار التسويق الداخلي. بالإضافة لتأسيس نظام معلومات لمتطلبات الأسواق الخارجية من المنتجات الزراعية والنوعيات والكميات المطلوبة وأوقات الحاجة يضاف الى ذلك اعطاء مميزات تشجيعية ولكافة القطاعات ذات النشاط التسويقي الزراعي المتخصص والموجه لاحداث مراكز خدمات انتاجية وتسويقية في مناطق الانتاج واحداث صناديق خاصة لدعم الصادرات. وهذا لن يتم في إطار الساسات الإقتصادية الحالية للحكومة والتي لا تلقي بالا للمزارع الصغير بإعتباره المنتج الحقيق، إلا بتطوير التسويق الداخلي من خلال اقامة اتحادات تعاونية نوعية للمنتجين الزراعيين واقامة جمعيات تسويقية للمنتجين للمصالح المتشابهة والمشتركة، مع تغيير الساسات التمولية المجحفة بحق المزارع، و تسهيل تمويل وتأمين التقانات الحديثة اللازمة لمعاملات مابعد الحصاد ( نقل - تخزين ).‏ ويجب أن يواكب ذلك تطوير التسويق الخارجي بوضع آليات وإجراءات ملائمة لتشجيع التصدير وانشاء مخابر معتمدة لمنح الشهادات الدولية ( شهادة منشأ للمصدر ولمواصفات المنتج ) مع التأكيد على إحداث جهة عامة حكومية لتصدير السلع الزراعية وفتح أسواق جديدة والترويج ومراقبة الصادرات والمواصفات وضمان الجودة .‏ ونأكد مجددا أن هذه التغيرات تتطلب تعديل الساسات الإقتصادية الكلية العرجاء التي تقف حجر عثرة، أمام الأنشطة الزراعية المختلفة خاصة التصنيع الزراعي، الذي يتطلب تشجيع الاستثمارات لتصنيع المنتجات الزراعية ومستلزماتها وفقا للمقاييس والمواصفات العالمية لزيادة فرص تسويقها عالمياً. وقطعا هذا يرتبط بتطوير الصناعات الريفية والتقليدية وتحسين نوعية انتاجها مع التركيز على العقود المسبقة بين المنتجين ومعامل التصنيع الغذائي وتوفير المادة الاولية الجيده للصناعات والتوسع بزراعة المحاصيل التصنيعية والتصديرية وإدخال المحاصيل الجديدة.‏ أما مشكلة التسعير فتتطلب اعتماد السياسة السعرية للسلع الاستراتيجية ووضع آلية تسعير للمحاصيل البديلة لتشجيع المزارعين على زراعتها وترشيد استخدام الموارد واستدامتها ودعم البذور المحسن. .‏
وكل ذلك يرتبط بعدم تلبية السياسات التمويلية كخدمة الاستثمار بالزراعة وعدم تلبية الاقراض الزراعي لتطوير الأصول الثابتة بالقطاع الزراعي وتدني حجم التسليف الزراعي بالمقارنة مع باقي القطاعات، بجانب ضعف الاستثمارات بالقطاع الزراعي نظراً لتلك الساسات الإقتصادية الكلية المنحازة لأصحاب رؤوس الأموال الضخمة ولطول فترة الاسترداد لقيمة رأس المال وزيادة عامل المخاطرة.‏ ويبقى تعدد المؤسسات والجهات المسؤولة عن الزراعة والتداخل في مهامها وأعمالها عائقا أمام متطلبات التطوير ولذلك فقد نصت السياسات الجديدة الى تحديد أدوار الجهات المختلفة ذات العلاقة بالزراعة بما يتفق مع تطوير القطاع الاقتصادي والاداري والزراعي.‏ وتتفاقم المعاناة بعدم مواكبة التشريعات والقوانين الناظمة لدخول المنتجات الى الأسواق الخارجية، مما يتطلب ضروة اصدار تشريعات جديدة لوضع الاطار القانوني اللازم لتجميع الحيازات الزراعية في شكل حيازات تعاونية وتوحيد صيغ استثمار الأراضي وتقديم الخدمات والتسويق ضمن اطار جمعيات تعاونية مشتركة ووضع تشريعات لمراقبة الصادرات وإحداث المخابر اللازمة لها لتحديد مدى استجابتها للمواصفات القياسية الدولية واحداث جهة عامة حكومية لتصدير السلع الزراعية مهمتها فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية ومراقبة الصادرات ومواصفاتها وضمان جودتها ..‏
من الحلول المقترحة للخروج من هذا الواقع ضرو رة تأسيس نظام معلومات تسويقي لتوفير المعلومات اللازمة عن الأسواق الخارجية وأنواع السلع المطلوبة، والتوجيه نحو الزراعة الاقتصادية والبيئية وتوفيقها مع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للمزارعين ووضع برامج خاصة للبدائل الاقتصادية الموجودة او الجديدة للمنتجات الزراعية وكذلك لانتاج سلع تصديرية منافسة .‏ علي أن من أهم تلك الحلول خلق الأساليب المعتمدة والمتوافقة مع الاتفاقيات الدولية والانفاق على البنية التحتية ( مشاريع الري - الطرقات والمرافق - استصلاح الأراضي ) هذا بالاضافة الى الاعتماد على الخدمات العامة الزراعية (البحوث العلمية الزراعية - الارشاد الزراعي - معلومات - حماية الثروة الحيوانية )، ودعم البيئة والبرامج الخضراء ودعم مستلزمات الانتاج ( الأسمدة - المبيدات - القروض - المياه ) ودعم المستهلك لأغراض التغذية على أن يتم تقديمه للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض.‏
ومن أهم الحلول الموصي بها عالميا والتي يجب أن نأخذ بها نحن في السودان، تحويل جميع القيود الكمية على الاستيراد، الى تعرفة جمركية تساهم في حماية الانتاج القومي، ودراسة واعتماد أساليب الدعم المقبولة حسب الاتفاقات و المواثيق الدولية والتي من أهما: دعم مستلزمات الانتاج من خلال قيام الدولة بتغطية الفارق بين أسعار السوق وتكاليف المنتج، و إحداث صناديق خاصة للدعم لتقديمه بشكل مستقل وللمحاصيل والسلع التي ترى الحكومة ضرورة اقتصادية أو اجتماعية لدعمها أو لمتطلبات الأمن الغذائي. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ممتاز
محمد عبد الله همت ( 2014 / 12 / 17 - 22:03 )
مقال ممتاز وكل التوصيات الموجهات التى وردت يجب على الدول الاخذ بها ... ولكن كنا نود من الدكتور تناول مشكلات ااثر للخطط الاقتصادية للتنمية فى السودان منذ الاستقلال حتى يومنا هذا وانعكاس ذلك على الواقع الحالى ...

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على