الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمانيون ضد العلمانية

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يسود اعتقاد شديد بين أوساط الكثير من العلمانيين المتطرفين ، بأن تنمية روح التحدي والمواجهة مع الحركات الإسلامية ،على أرضية الصراع الفكري وإعادة التفسيرات والتأويلات للنصوص الدينية والبحث والتقصي والتمحيص في سير الأنبياء والأولياء،من وجهة النظر العلمانية، يمكن أن تقود إلى نتائج مهمة في صالحها ، ناسين أن هذا الصراع لا يلبث أن يخمد حتى يتجدد دوريا وبصور شتى، منذ حركة النهضة في أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم بلا جدوى، وبدون العثور على مخرج حقيقي له، أو حتى مجرد التوصل إلى تفاهم وفتح حوار عميق مع تلك الجماعات . ويميل هذا الاعتقاد أكثر فأكثر إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في البنية الفكرية للدين في حد ذاته وفي خصوصية الإسلام والمسلمين، التي تحث على العنف الأعمى وتفتقد إلى أية رؤية عملية أو نظرية واضحة، في السياسة والدولة وإدارة المجتمعات، ومن ثم فالحلول المقترحة هي في كشف وتعرية تلك النصوص والدخول في متاهاتها الدينية والفقهية والتاريخية المعقدة، وتحويل وجهة ومسار معركة الحاضر والراهن،إلى الماضي وبطون الكتب القديمة، الأمر الذي لا ينتج سوى استمرار الدوران في الفراغ، والإصرار على المواقف، والمزيد من سوء الفهم والبلبلة الفكرية .


إن النزول بمستوى الحوار الفكري إلى درك الشتائم والسباب والبورنو الدينية حول الرسول وزوجات الرسول والبحث عن العيوب والثغرات في الدين الإسلامي والتركيز الدائم عليها ، لا يشكل إساءة بالغة إلى معتقدات الملايين من المسلمين ويمس هويتهم وانتمائهم الروحي فحسب ، وإنما لا يقدم أي منفعة للعلمانية، بل بالعكس يضرها أيضا نتيجة هذا التشويه والاختصار السطحي، إن كان مقصودا أم لا . فالعلمانية تضمن حرية الاعتقاد كما تضمن حرية اللا اعتقاد ، وهي ليست دينا ولا عقيدة في مواجهة الدين والعقيدة ،ولكنها حين تسعى لفصل الدين عن الدولة، تعمل بنفس الوقت على حماية الدين نفسه، وانتشاله من براثن السياسة وتجارها، ونقله من الفضاء العمومي إلى الفضاء الشخصي والخاص، حيث مكانه الحقيقي كعلاقة بين الفرد وخالقه . وهي لا تفترض صيغة جاهزة ومسارا محددا وشكلا ثابتا لذلك الفصل، وإنما المجتمعات البشرية هي التي تبتكر الصيغ والأشكال والمسارات التي ترتأيها وتناسب ثقافتها المحلية، والتي لا يمكن للعلمانيين ولا لغيرهم أن يشيحوا النظر عنها ويتغاضوا عن التكوين الاجتماعي العميق ومعتقداته الموروثة والمنقولة عبر الأجيال والتي لا يمكن لها أن تتخلى عنها أو تعيد النظر فيها، ما لم يحدث ذلك من داخل الدين ومن داخل الإسلام نفسه كحركة أصلاح شاملة تمهد لإعادة بناء السياسة والمجتمع والسلطة معا .

كما لا ينبغي أن يكون التطرف العلماني هو الرد الوحيد والممكن، بمواجهة المأزق الذي يعيشه خطابها هذا اليوم، نتيجة انعدام ومحدودية الاختيارات العملية أمامها . فالأزمة الحقيقية في مجتمعاتنا ليست في جوهرها بين الدين والعلمانية، وفي خوض المزيد من المعارك الوهمية والتمايزات الشكلية والرمزية في ما بينها، وتغذية الصراعات والنزاعات على هذا الأساس من أجلها ، فأحزابنا العلمانية في المنطقة العربية، هي بدورها بنى تنظيمية دينية مهما أدعت العكس من ذلك، بدليل أنها لم تنجح طيلة عقود طويلة في تأسيس ثقافة علمانية حقيقية ومتميزة ومستقلة بالفعل عن الثقافة الدينية السائدة في المجتمع وتشكل ندا وبديلا مقنعا لها .

إن الأزمة الحقيقية كانت ولا تزال هي بناء الدولة العربية الحديثة التي لم تنجح في التحول إلى دولة مؤسسات قانونية ودولة مواطنين أحرار منذ تأسيسها، حيث لم يكن الدين والإسلام يمثل عائقا وتحديا أمام ذلك التحول حينها . فجمود وتكلس الدولة وانسداد الآفاق أمام التحولات الديمقراطية في المجتمع، وفساد السياسة بما تعنيه من تجديد للقيادات الاجتماعية وتثبيت للروح الوطنية هي المسئولة مباشرة عن انهيار قيم الفضيلة والتسامح والتضامن وجملة المعاني السامية التي تشكل منظومة القيم الاجتماعية ، كما أن تخريب قواعد عمل الدولة وآلياتها وتجييرها لصالح النخب الفئوية والعائلية والزعامات التقليدية وفقدان السياسة لمعناها ومغزاها وغاياتها والغرض منها ، هي المسئولة أيضا عن انعدام روح المسؤولية وإشاعة الأنانية والعنف والأحقاد والانقسام بين الأفراد والجماعات ولا تسمح لها في تحويل صراعاتها الفكرية والسياسية إلى صراعات سلمية وعقلانية حول رؤى وبرامج واضحة ومحددة .

إن التطرف يقود إلى العمى السياسي سواء كان دينيا أم علمانيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانيون المتطرفون
عدنان عاكف ( 2009 / 8 / 3 - 20:40 )
الأستاذ عبد الرحمن المحترم
بصراحة ليس لدي ما أضيفه الى ما ورد في مقالك سوى ملاحظتين صغيرتين::
لا أستسيغ تعبير - العلمانيون المتطرفون - لأن مفهوم التطرف يرتبط اليوم بمفهوم الإرهاب، أعتقد ان تعبير - المتعلمنون - كما ورد في مقالة للسيدة رشا ممتاز يعبر بشكل أوضح عن المعنى المقصود أما الملاحظة الثانية فانت بصراحة سعيد الحظ، ومن النادر جدا ان أحدا يحالفه الحظ بهذه السرعة مثلك. على نفس العدد من الحوار المتمدن يجد القارئ الدليل الملموس على ما ذهبت اليه في مقالين منفصلين، الأول للسيدة وفاء سلطان التي جاء مقالها خاليا من أي نقد للفكر الديني، إسلامي كان أو مسيحي، بل مجموعة من الشتائم والعبارات التي تسيء للإسلام وتحط من قدر المسلمين ونبيهم. وهي بمجموعها تدفع الى المزيد من التعصب والتطرف لدى الجانب الآخر. والمقال الثاني للسيد خليل نوري الذي سعى من خلال خلط الأوراق وتزوير الحقائق والمواقف ان يسفه كل من يحاول ان يدعو الى التمسك بمبادئ العلمانية الحقيقية


2 - أتفق معك
رشا ممتاز ( 2009 / 8 / 3 - 21:18 )
مقال جيد أحسنت الوصف
أهم بكتابة مقال فى نفس الصدد يجب على العلمانيين الحقيقين مواجهة التيار المتعلمن المسئ للفكر العلمانى لن نواجههم بالسباب كما هو اسلوبهم وطريقتهم ولكن سلاحنا الكلمة والمنطق..
تحياتى لك وأتمنى لك التوفيق


3 - العلماني المطعم بالماركسة والمطرز بالدين
اسماعيل الجبوري ( 2009 / 8 / 3 - 22:59 )
اقتبس من مقالة الكاتب خليل نوري والمنشورة اليوم في الحوار المتمدن واعتبرها كافضل رد على هذه المقالة وعلى كاتبها وعلى المعلقين ومنهم الرفيق عدنان عاكف وام المؤمنين رشا ممتاز الذي نصبها الاستاذ ابراهيم شيخة العلمانين:يقول المثقف العلماني المطرز بالاسلام او بأي دين كمثل الشخص الذي ياكل الخبز المنقع بماء اللحم المقلي(التشريب العراقي)ويقول انا نباتي؛اذا انتم علمانيون مثل ما تدعون وتريدون ان تبنون دولة علمانية بفصل الدين عن الدولة يجب ان تكتبوا وتبرهنوا مساوئ الاديان واسباب دعوتكم رفضها والا نسألكم لماذا تريدون فصل الدين عن الدولة؟ واستطرد الكاتب ولكن العلمانيون المطعمون بالماركسية والمطرزون بالاديان امرهم غريب يريدون فصل الدين من الدولة وبناء دولة علمانية دون الكلام والنقد حول الاديان .وكتب فاذا كان الدين مقدس لديكم لماذا لاتتبنوه وتطبقوه ولماذا تطالبون بفصله عن الدولة وتغبنون القوانين المقدسة لديكم.
بهذه الكلمات البسيطة عبر الكاتب عن حقيقة هذولة اللازكين على العلمانية.
انا اعتقد ان هذولة المعلقين والكتبة لم يستطيعوا النيل من الكاتبة والدكتورة وفاء سلطان وكل ما يكتبوا ضد اراءها الا من باب الحسد لانها كاتبة تتمتع بشعبية كبيرة بين القراء وبالذات من النخب المثقفة من اكاديمين وادباء


4 - كلام جيد
د. الرزنمجي ( 2009 / 8 / 3 - 23:07 )
كلام جيد لعله يوقف سيل الحوارات الغير مجدية, وانا اوافق تماما علي المتعلمنون فهم ما يشوهوا العلمانية وتحياتي للكاتب وللاستاذة رشا


5 - وخير رد علي الجابوري والمقال المنشور اليوم
حائرة ( 2009 / 8 / 3 - 23:37 )
هو رد الاستاذ حقي امس في مقالة الامس واسمحوا لي ان انقله لكم هنا
لعله يفيد


الاسلاميون هم اليوم المثال الأكبر فى عالمنا المعاصر على (ملكية الحقيقة المطلقة) . ولا يوجد ما يخالف التفكير العلمي مثل تقمص دور ملاك الحقيقة المطلقة . وبعض العلمانيين المنشغلين بنقد الدين بوجه عام والاسلام بوجه خاص يجب عليهم (فى اعتقادي ) ان تكون جهودهم منصبة على ان تكون الاديان شأنا شخصيا نحترمه ولكن نأبي ان ينادي البعض بالثيوقراطية اي ادارة المجتمع والحياة بالدين . وهذا ما فعلته اوروبا (رائدة النهضة الانساني التى تسمي بالحضارة الغربية) . على أن يبقي نقد الفكر الديني شأنا اكاديميا وشأنا من شؤن النخب الفكرية . لماذا ؟ لأن على وجه الارض اليوم من المسلمين من يشكلون اقل قليلا من ربع البشرية . واي فكر يدعو للحرب مع ربع البشرية هو فكر غير انساني وقد يتساوي مع النازية فى جوانب منه . ليكن البحث العلمي متاحا وبكل حرية امام الباحثين المتخصصين ، اما بلايين المسلمين فلن يكون انقاذهم من الفكر الماضوي القرون أوسطي المتوحش الذى يروج له معظم الإسلاميين بتشريح معتقدهم امام عيونهم وانما بالعودة بالدين لمكانه كشأن شخصي نحترمه ، اما الحياة والمجتمعات فلا تدار الا ب (1) العلم ، و (2) تقنيات علوم الادارة الحديثة . وأ


6 - تناقضات
مختار ملساوي ( 2009 / 8 / 4 - 00:07 )
تقول: (فالعلمانية تضمن حرية الاعتقاد كما تضمن حرية اللا اعتقاد ، وهي ليست دينا ولا عقيدة في مواجهة الدين والعقيدة ،ولكنها حين تسعى لفصل الدين عن الدولة، تعمل بنفس الوقت على حماية الدين نفسه، وانتشاله من براثن السياسة وتجارها، ونقله من الفضاء العمومي إلى الفضاء الشخصي والخاص، حيث مكانه الحقيقي كعلاقة بين الفرد وخالقه)
وهذا فهم سليم للعلمانية أتبناه بدون تحفظ. ومع ذلك فلنتعمق قليلا فيه، بطريقة تفكيكية:
هذا الكلام لو صرحت به في أي مجتمع مسلم فستفتح عليك أبوابك الكفر، وقد يكون دعوة مباشرة تبيح اغتيالك. لماذا؟
1- عندما تقول العلمانية تضمن حرية الاعتقاد فهذا لا يكفي، لأنه يجب أن يقتنع المسلمون بفهم آخر للإسلام يبيح حرية الاعتقاد. بينما الإسلام الحالي ورجاله والأكثرية من معتنقيه لا يقبلون الخروج عن القطيع، هذا إذا كنت تعني بحرية الاعتقاد حرية أن تكون مسلما أم لا، حرية أن تعيش حياتك الروحية بدون خوف وبدون اضطرارك إلى نفاق الجيران والزملاء والأقارب، حرية أن تتمكن من التعبير عن رأيك والدفاع عن قناعاتك بدون خوف. وهذا كله مفقود في مجتمعاتنا. ولهذا يعم النفاق فيها.
2- وعندما تقول: (ولكنها حين تسعى لفصل الدين عن الدولة، تعمل بنفس الوقت على حماية الدين نفسه، وانتشاله من براثن السياسة


7 - إلى الاستاذ مختار
رشا ممتاز ( 2009 / 8 / 4 - 00:46 )
السيد مختار ملساوى المحترم

أغلب تعليقاتك تصب فى اتجاه ضرورة الاصلاح الدينى والبعد عن القراءات السلفيه واعادة فتح باب الاجتهاد امام ابناء مدرسة ابن رشد العقلانية أنت تنتقد الاسلام بوجه عام وتلك هى المشكلة عدم تحديد للفظ والتعميم المخل لو قلت انك تنتقد الاسلام السلفى ومدرسة النقل ما ختلفنا ربما يجمعنا نقاش مطول قريبا
تحياتى لك


8 - الاستاذ مختار ملساوي
عبد الرحمن دارا سليمان ( 2009 / 8 / 4 - 01:54 )
تحية طيبة

لا ينبغي النظر الى مجتمعاتنا من خلال المرحلة االراهنة فقط، وكأنها محكومة بالسكون الأبدي وتوقف التاريخ وقبول الواقع كما هو كقدر محتوم، وأظنكم قد تتفقون معي في أن الاسلام في الخمسينات والستينات مثلا لم يكن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة مثلما يحصل اليوم، وهو مايفسر أن السياسة هي التي تتلاعب بطبيعة الحراك الديني وتوجه مساراته وتتحكم بها وتوظفها في خدمة أغراضها الدنيوية والتي هي غالبا أغراض دنيئة لا تنسجم مع طبيعة ووظائف الدين وماينطوي عليه من قيم سمحاء تدعو للاخوة والمحبة والتسامح بين البشر ،ومن الخطأ التصور بأن فصل الدين عن الدولة سيتم قبوله بسهولة وبدون مقاومة أو بين ليلة وضحاها ، فالمجتمعات لا تتخلى عن معتقداتها كي تسقط في الفراغ، أي مالم تتوفر الأرضية السياسيةوالثقافية الجديدة والبديلة التي تعوضها وتعمل على تحسين شروط حياتها المعيشية على الأرض وبالتالي توصلها الى قناعة بلا ضرورة اقحام الدين في السياسة ، وليست هنالك صيغة ناجزة ونهائية ومسبقة للتوصل الى هذه النتيجة كما ورد في المقال ،فمسارات العلمانية تنوعت بتنوع الشعوب وثقافتها المحلية ،فالمسار الفرنسي هو غير المسار الانكليزي وبدورهما يختلفان عن المسار الامريكي ،وباختصار اننا نسعى جميعا من خلال الحوار الهادئ الى مناقشة هذا


9 - heart of the matter
yaser ( 2009 / 8 / 4 - 04:22 )
Very nice and balanced article , it shows depth of understanding to the real issue


10 - الأستاذ عبد الرحمن سليمان
سمير ( 2009 / 8 / 4 - 04:44 )
تقول: الدين وماينطوي عليه من قيم سمحاء تدعو للاخوة والمحبة والتسامح بين البشر - فهل الإسلام يدعو إلى الإخاء والتسامح بين البشر ؟ أخي متى تفهمون حقيقة الإسلام ؟ الخمسينات لا علاقة لها بالإسلام لأن الإسلام لم يكن أيدلوجيا الناس. كان الإسلام غائباً وليس حاضراً بلا أظافر أو أنياب. حقيقة الإسلام هي ما نشهده اليوم من عنصرية وتطرف وحقد وكراهية والعلمانية لا تقبل وجود هكذا معتقدات.


11 - منطق صحيح
الجوكر ( 2009 / 8 / 4 - 09:20 )
تحيه للكاتب المحترم والجميع
للأسف أن كثير من الكتاب والمحاورين في المنتدى جعلوها ساحة لتسفيه الأخر
يجب على الجميع نبذ الخلاف ايا كان فالغالبيه وإن أختلفت منابعها
تسعى لحرية الرأي والتعبير والحث الجاد عن الحقيقه دون التعلق
بما صطره الأولين
عجبت للبعض يدعوا للحريه العقديه وللحب والسلام
وهوفي جميع مقالاته يحارب لإقصاء غيره وتسفيهه
أما آن لهذه النفوس أن تنسى وتسامح وتمد يدها للغير بالعقل والمنطق اللذي يفتقده الكثير في تعاملهم
شكرا لكم


12 - انامن الحركات الاسلامية
محمد حسن علام ( 2011 / 1 / 19 - 11:29 )
انا من الحركات الاسلامية ومستعد للحوار مع من يرغب على اساس عقلانى بحت

اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص