الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفر بين العوالم

محمد زكريا السقال

2009 / 8 / 23
الادب والفن


سفر في المعرفة
ترددت كثيرا في تناول رواية سفر بين العوالم للكاتب الدكتور حسين شاويش، أولا فأنا صديق شخصي للكاتب وأدعي الجرأة على القول أنني جزء من هذا السفر الطويل والمضني.
وهنا ينتابني الخوف من جرح شهادتي التي بددها أكثر من عامل، منها أن الدكتور حسين لايحتاج لشهادات الآخرين فهو يمتلك القدرة على تقديم نفسه وهواجسه والكثير مما يضطرم بداخله بمهنية وعلمية وواقعية، ويكفي أن عمله سفر بين العوالم حاز على جائزة أدب الرحلات من مؤسسة ابن بطوطة لأدب اليوميات لعام 2007 وخرج العمل للنور عن دار السويدي في الإمارات عام 2009 وبهذا يكون الحديث عن الرواية من باب الإمتنان وتقديم الشكر والتهنئة للصديق شاويش الذي يكره بطبعه المجاملات والأضواء وهذا شأنه إلا إننا نحن المتلقون والمهتمون لنا شأن آخر في الكتابة عن الأعمال التي نجد فيها ما يدفع بنا ويحرك عقولنا ويقدم لنا العلم والمعرفة.
لابد من شيئ أخر أضيفه في بداية هذه المداخلة بسفر حسين وعوالمه أنك تلازم شخصية واقعية تقدم نفسها بصدق لدرجة الشفافية وتقدم أحداثها أيضا بروح التلميذ النابه الذي يتناول دروس الحياة بطرق مجتهدة يجللها تواضع العارف والعالم، هذه الدروس الشاقة والمعاندة كثيرا ما تواجه بصلابة الإقبال على تمزيق كلياتها لهضم جزئياتها لتصبح مطواعة للهضم والإدراك، رغم مرارة الطعم وقساوة الموقف، يدرك القارئ هذه الأشياء من دخوله للعمل الذي يبتدئ بخيار الهروب الإضطراري، الهروب هو الخيار الوحيد، أو الإعتقال الغير موسوم بسقف وعنوان، اعتقال لا يعرفه إلا من عايشه وتجرع مرارته ورطوبة أوكاره وسلاطة وسادية جلاوزته، والبطل يعي هذا جيدا لتجربة سابقة، لا يقدم بطل الرواية نفسه هكذا لينتزع أدوار يرفضها سلفا من دور البطل،أو أستدرار العواطف ولا دور الضحية أيضا، البطل يريد القول أن شرط الوعي في دائرة شرق المتوسط شرط ناقص لنقص الحرية صنوه ومناخه هكذا وبكل بساطة، ان تبتغي فضاءات ومناخات معرفية وطرق تطبيق لدوائر المعرفة، يجب ان تطلق للحرية جناحيك التي ستتكسر على مقاسات الحرية المعلبة والمحددة والتي تفتقد للأكسجين وهنا تصبح ممارسة الحرية بالتحايل والأستمناء واللعب والنطوطة، وغالبا ما تفشل أو تشوه وتفسد. الإنتقال من دائرة القمع المعمم لم تمنع البطل تسفيه الدائرة الثانية أو المحطة التالية التي سماها غابة البنادق والضياع والتشويه المنفلتة من عقالها والتي تحصد بطريقها الإنسان وتضعه بدائرة التشويه الموسوم بالأمن أولا ورغيف الخبز ثانيا لتنأى فلسطين وتبقى سؤال يلح بالأجابة عليه .
الهروب باتجاه أوروبا كان الدرس الحقيقي لإماطة اللثام والوهم حول الجنة المتخيلة، أوروبا هي الإمتحان الأكثر قساوة ومرارة، أوروبا هي عالم جديد بكل المعاني وهي المتحركة والمنتجة للسائد، العلوم والأفكار والمدارس الفلسفية، أوروبا هي التي تبتلع وتهضم وتنتج وعليك إدارك كنه هذا الهضم والإنتاج، أوروبا هي التي تمنحك الفرص ولكن على طريقتها الرأسمالية وعليك بذل جهدا ليس عادي لمسك ناصيتها وجدل شعرها لتصطف بالسوق وتكون قادرا على الأخذ والعطاء، اوروبا هذه التي لا تهتم بالألقاب بقدر ما تهتم بالسلعة وتسويقها، الأفكار والعلوم والمعارف كلها سلع معروضة بسوقها، لا يكفي شراء السلع ولكن القدرة على استعمال هذه السلع وإعادة عرضها على طريقتك وهذا الممكن والمسموح والمسموع بأوروبا، لهذا قلائل هم الذين يقفون على أبواب التعايش الأوروبي وبهذا يكون التهميش والضياع والتحول لأرقام فارغة ومستهلكة، وهذا يدركه الكاتب ويعيشه ويشحذ لرحلة دخول هذا السوق الأوروبي طاقة كبيرة من الجهد والأعصاب واليقظة تسفر عن إعادة صياغة حياة جديدة لا يكون العلم ونيل شهادته مقدمته بقدر ما كان لهضم اللغة وسبر أغوارها واكتشاف مجمل الشرائح الإجتماعية وتلاوينهم الفكرية ومعايشة الكثير من الأنماط والأفكار، يقرر حسين برحلة التحدي هذه أن يكون فارسا وفاتحا ولكن ليس من أجل أخذ الجزية وامتلاك الأموال بقدر ما يريد القول للأخر أنني قادر على الحياة ومعرفة الآخر وقادر على محاكاته واكتشاف كنه مدنه وتمزيق أحيائها والتمتع بفنها وموسيقاها ومعابدها وكنائسها والإطلاع على خبايا وتشعبات غاباتها والدخول إلى إنسانها.
حسين عاشق جميل للمرأة بل لا يستطيع العيش دونها، واجمل ما في حسين هو انصاف المرأة والتعامل معها كشخصية كاملة وند يمتلك كل القدرة والحقوق ليعبر عن ذاته، وبهذا كان للنساء الذين كتب عنهم حسين صدق وشفافية دون مراوغة ودون ادعاء فهي شريك وعالم له من الحرية والخصوصية ما يجعله شريك وصديق وحبيب، وبهذا يسجل حسين خروجه من عالم الشرق المليئ بالعقد والأمراض فالمرأة آخر وقادر على التكامل وليس بقرة إنجاب ولا ثقب شهوات، إنسان قادر على الحب والكره والغضب والثورة والإستقلال وهكذا كانت صورة المرأة في رحلته.
يتجمع المهاجرون في أوروبا بدوائر سكنية تشكل مجموعة من الغيتوات ,, غيتوGhetto
وينعكس هذا بطرق سلبية مما يشكل عوائق بالإندماج بالمجتمعات التي يعيشون بها لذلك يطرح الأوروبيون مسألة الإندماج ويعدون الكثير لها من أجل تخفيف الكثير من الإشكالات والمشاكل التي تنتج عن عدم الإندماج ، جيش هائل من الموظفين والكثير من المكاتب التي تعنى بمسألة الإندماج والذي يعني للأوروبين دخول سوق العمل بشكل أساسي وهذا لن يكون دون إنجاز اللغة والتأهيل للمهن بشكل أساسي، والإندماج بالمجتمعات الأوروبية لا يعني الذوبان فيها، بل هو حالة اصطفاف بسوق العمل المقياس الأساسي في أوروبا، أن تعمل وتدفع ضرائب الدخل فأنت مواطن صالح، وأن تكون عاطل عن العمل فأنت عائش على حساب الذين يدفعون الضرائب الذين يحبون دفع ضرائبهم لتعود عليهم بالصحة والتأمين والعلاج، لذا كثيرا ما تجد عداء للمهاجرين العاطلين عن العمل وتعبيراته كثيرة من التذمر والتأفف للأعتداء وهذا يحصل رغم سيادة القانون والقضاء ، لتكتشف أن عداء الإعلام وترويج ثقافة العداء للأجانب التي يحتل الصدارة فيها العرب والمسلمون، وبصدور عمل الدكتور حسين شاويش سفر في العوالم يقدم لنا نحن المنفيون في أوروبا نموذجا حيا وواقعي وجواب على سؤال الإندماج، الذي شكل الإجابة على الأسئلة المتنوعة والكثيرة التي رافقت هذه الرحلة وقدمت صورة واقعية لنموذج الإندماج الذي وقف وبجدارة على ناصية المجتمع الأوروبي دون فقدان للهوية التي تؤرقه ويحملها في تجواله كقدر نضالي للفلسطيني الذي كتبت عليه لعنة الهجرة والنفي والتشريد في طريق العودة إليها على طريقة أكتافيوث.
لا أدعي أنني قدمت للعمل بقدر ما كتبت انطباعاتي وانطباعات الكثيرين الذي طالعوا العمل وساهم بيت الشام للثقافة والحوار بتقديمه من خلال محاضرة جميلة قدم فيها حسين الكثير من الأجوبة التي تقافزت إليه من الحضور حيث مكن اللقاء مع الكاتب توسيع مساحة الأهمية التي يشكلها هذا العمل حيث قدمت اقتراحات كثيرة لترجمته للألمانية كنموذج للسؤال الذي تطرحه أوروبا.
يبقى ان اسجل أن العمل صيغ بأسلوب يمتلك سلاسة سردية ودون تكلف ، بلغة جميلة سهلة وعصية ولكنها معاصرة بحيث سيجت البناء السردي لهذه الرحلة وأطفت عليه حراك مشوق يجعلك تلازم الكاتب وتتعايش معه ولا تتركه دون أن يحبس عليك أنفاسك ويجعلك تقف على حافة الهاوية ولا تفقد الأمل ، وتبقى هذه القراءة أنطباع لا يحيط بكل مكنونات وتعرج وانكسارات الكاتب التي تجاوزت الكثير من أجل يقدم حياته وسفره وهمومه بوضوح ودون تكلف وادعاء مما يجعل إلحاحية الأطلاع على العمل ثانية وثالثة أكثر أمنا ودقة في تناوله .
محمد زكريا السقال
برلين / 17 / 8 / 2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما