الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية مقابل الدماء

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



تكاد التجربة الديمقراطية المحاصرة في العراق هذا اليوم، أن تكون الاستثناء الوحيد، في منطقة إقليمية هي مستثناة إجمالا، من موجات الديمقراطية التي اجتاحت وشملت الكثير من دول العالم خلال العقود الأخيرة . فمازالت هذه المنطقة تقاوم بعنف وجنون، أية محاولة من محاولات التغيير الحقيقي، والإصلاح الداخلي، للنظم السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة فيها، رغم أنها باتت نظما متفسخة وساقطة سياسيا، أمام سطوع الحقائق الكبرى التي تفرضها قيم الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، باعتبارها مبادئ جوهرية، ومرتكزات أساسية، للسياسة العملية القائمة في عالم اليوم، وحوافز حية ومهمة، للتضامن البشري بين أفراد المجتمع على اختلاف آرائهم وأفكارهم وتوجهاتهم، حيث لم تعد جاذبية تلك المبادئ مقتصرة على قوى اليسار والتقدم والعلمانية كما كان الحال في منتصف القرن العشرين، وإنما أصبحت اليوم خيارا إنسانيا شاملا وحقيقيا للعديد من بلدان ومجتمعات أوربا الشرقية وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي كانت ترزح تحت وطأة النظم الشمولية والديكتاتوريات العسكرية وقبضة الحزب الواحد .

وما كان لتلك الأنظمة الإقليمية، أن تعمر طويلا وتعتاش على التمسك الشكلي بشعارات العروبة والقومية والإسلام، كقوام لشرعيتها الداخلية المفقودة، وتستمر في الخداع والمراوغة والتلاعب والتطفل على موازين القوى الدولية، لولا أمرين أساسين : الأول هو قوة القمع والقهر والعنف والطغيان السياسي الموجهة نحو الداخل لمنع ولادة أي نمط سياسي جديد يهدف إلى استعادة السلطة من قبل المجتمع وضبط وتحديد المهام الجوهرية لها وتداولها وتجديدها، شكلا ومضمونا . والثاني، تحالفات تلك الأنظمة مع الولايات المتحدة والغرب عموما، والقائمة على تقاسم المصالح والنفوذ على حساب ثروات ودماء شعوب المنطقة، حتى بلغت حجم الودائع المهربة للحكام العرب لدى البنوك الخارجية ما يزيد عن الألف مليار دولار ، وهي تكفي لوحدها، لقلب كيان المنطقة اقتصاديا، رأسا على عقب، ونقل بلدانها إلى مصاف الدول المتقدمة ، إن استثمرت تلك الثروات المنهوبة على الوجه الأمثل ولصالح المجتمعات والشعوب المقهورة .

وبقدر ما كانت تلك الأنظمة تمعن في ازدراء الجماهير وتتطلع إلى عذاباتها ومعاناتها اليومية من شرفاتها العالية، وتعمل منهجيا، على تدمير وتفكيك آخر ماتبقى من القيم الاجتماعية التي تحفظ التوازن العام، وتوجه سلوك الأفراد والجماعات معا، بقدر ما كانت تخلق وتمهد بلا وعي منها، البيئة الحاضنة والشروط الاجتماعية لانتشار الجماعات الإسلامية الجهادية والحركات الإرهابية وسريان الخطاب الأصولي، بعد الضربات القوية التي تلقتها في الثمانينات، والتي وجدت في عقد التسعينات، مناخا سياسيا جاهزا وملائما لإعادة نشاطها في ظل الخراب والحطام وإشاعة الفوضى والجهل والهمجية التي جعلت من العنف مبدأ ومعيارا سائدا ووحيدا ومقبولا وبديلا عن حالة الاختناق واليأس المطلق وانسداد الآفاق السياسية والاجتماعية أمام أي أمل في الإصلاح والتغيير .

وحين أدركت الإدارة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عمق الإفلاس السياسي والفكري والأمني للنظم المحلية في المنطقة والتي اعتمدتها ورعتها وساهمت في تعزيز سيطرتها واستمرارها وبنت نفوذها على التعاون معها حفاظا على مصالحها الحيوية ، أصبحت تخشى من مخاطر استلام الجماعات والحركات الإسلامية المتطرفة للسلطة في أكثر من بلد عربي وإسلامي ، الأمر الذي لا يعرض مصالحها الإستراتيجية إلى الخطر فحسب ، وإنما سيفتح الباب على مصراعيه أمام أزمة سياسية إقليمية ودولية عميقة، لا يكون من السهل الخروج منها . وهو ما يفسر الدوافع السياسية الحقيقية لمشروع" الشرق الأوسط الكبير" الذي تبنته أدارة جورج بوش الابن، والتي كانت وراء خوضها حروب أفغانستان والعراق فيما بعد .

وكما كانت الرسالة السياسية الأمريكية الجديدة واضحة المعالم وبلا لبس أو غموض، في نواياها المعلنة لتغيير الكثير من الأنظمة المتهرئة، ومن " محاور الشر "، كانت أيضا تعبيرا عن الغطرسة والانفراد بالقرار الدولي في محاولة متهورة وجاهلة سياسيا، من أجل إعلان القرن الأمريكي الجديد وسيادة القطب الأحادي والسيطرة على الطاقة العالمية والهيمنة على منطقة ذات أهمية إستراتيجية استثنائية . ولقد كان من الطبيعي أن تعارضه وتعطله وتعمل على إفشاله، جبهة واسعة وعريضة لا تشمل فقط الأنظمة المستهدفة، ولكن الكثير من القوى العالمية والأطراف الدولية الغربية أيضا .

وبفشل المشروع الأمريكي، دخلت التجربة الديمقراطية العراقية غير المكتملة في حلقاتها مأزقا جديدا، وهو محاولة الإجهاز والانقضاض عليها من داخل العملية السياسية نفسها هذه المرة . فهي كانت ولا زالت تبدو للأنظمة الإقليمية نوعا من المروق والهرطقة السياسية والوضع الشاذ، بعدما أوشكت أن تكون هي القاعدة، وفي هذا المأزق يكمن غربتها والعداء الخفي والمعلن لها من معظم دول الجوار، والسر وراء محاولات وأدها واحتوائها وتدميرها من خلال توظيف الأموال وتوفيرالسلاح والمعلومات واستمرار تجنيد وتدفق الإرهابيين، بالإضافة إلى تشكيل الأحزاب الموالية لها، وإنشاء الصحف والفضائيات لحسابها، وتعميم الفساد وافتعال الأزمات الحكومية دوريا، وعرقلة صدور القوانين والمصادقة عليها، وخلق وإدامة حالة السخط والاستياء في الأوساط الشعبية من مستوى الخدمات العامة، كعناصر ضغط أضافية في نفس الوقت . فالهدف الأساسي، وان بات الآن في ظل سياسة التهدئة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية، والساعية إلى الحفاظ على أركان النظام الإقليمي القديم وعدم المساس به، عملا بالخبرة الأوربية عن المنطقة ، هو أبعاد وطرد، بل ومعاقبة، كل ما من شأنه التطرق إلى معنى التحولات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وترسيخ مفهوم السيادة الشعبية ، عن حدودها السياسية" المقدسة" وعن مزارعها وضيعاتها الوراثية البائسة، التي تصر رغم كل المآسي والكوارث والهزائم والنكسات والانكسارات والدماء والدموع والهجرات والبطالة والجرائم والعنف والفساد وتقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية الخاصة بالمنطقة العربية، إلا أن تسميها بلدانا وأوطانا .

ما العمل اذن ؟

1. ينبغي على الحكومة العراقية الدعوة إلى مؤتمر دولي واسع بشأن العراق، تلزم فيه الأطراف الدولية كافة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، على تحمل مسؤولياتها السياسية والأمنية والأخلاقية عن الوضع القائم هذا اليوم، والناتج أصلا عن سياساتها غير المدروسة ، والعمل على وضع حد لهذه التدخلات الإقليمية الإجرامية والمستمرة، في الشأن العراقي، والتي هي بمثابة فرض حالة حرب غير معلنة عليه، والتي أودت ومنذ ست سنوات، بأرواح مئات الألوف من المدنيين الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم بلا وازع من ضمير وأخلاق وأعراف .

2. الدعوة العاجلة لجميع قادة الكتل السياسية العراقية والإقرار جماعيا بأن التدخلات الإقليمية هي شاملة وبدون استثناء وان اختلفت في الحجم والشدة والدرجة والنوع من هذا الطرف أو ذاك ، فكما يستخدم النظام العربي التقليدي ورقة "المصالحة الوطنية" كعنصر ابتزاز سياسي دائم، والتي لا تعني في الترجمة الحرفية سوى عودة البعث وعملاء النظام الديكتاتوري السابق للحكم من جديد ليعود الفرع إلى الأصل وفقا للنسق والإيقاع السياسي المعمول به ، فأن الجار الإيراني يستخدم "بعبع" عودة البعث من أجل مد نفوذه وبسط هيمنته على الساحة العراقية وتوجيهها حسب مصالحه وأهوائه الخاصة .

3. الكشف عن نتائج التحقيقات بشأن الجرائم المرتكبة بحق أبناء الشعب العراقي وفضح المسئولين عنها والضغط بكل الوسائل المتاحة والمشروعة في الداخل والخارج وتنظيم التظاهرات والأعتصامات أمام سفارات تلك الدول للوقوف بجانب أبناءنا وأخوتنا وأخواتنا والتعبير عن معاناتهم المستمرة بلا توقف، للرأي العام العالمي .

4. الإسراع في أقرار القوانين الواضحة والصريحة لتشكيل الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات، على ضوء البرامج المختلفة والمتميزة والمعبرة فعلا عن مصالح الشعب العراقي بفئاته المتنوعة، والتأكد من رموزها ومصادر تمويلها وعدم ارتباطها بالأجندات الخارجية .

إن أية حكومة عراقية مقبلة، ومهما كانت نوعية التحالفات والائتلافات السياسية الحاكمة ، سوف تواجه نفس المأزق وذات التحديات والتدخلات القائمة حاليا، والذي يستحيل الخروج من فكاكها ودوامتها، من دون ترصين الجبهة السياسية الداخلية قبل كل شيء آخر، وترتيب البيت الداخلي على أسس جديدة ومغايرة لنهج المحاصصة السابقة ، والتوصل إلى تفاهمات وتنازلات متبادلة حول القضايا العالقة بين أطرافها ، قبل أن تتحول الأرضية التي يقف عليها الجميع إلى رمال متحركة تبتلع العملية السياسية برمتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 8 / 29 - 12:30 )
أخي عبد الرحمن ، أتفق معك ومع النقاط المطروحة حول ضرورة عقد مؤتمر دولي حول أمن الشعب العراقي . وكف يد العنف.

اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل