الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لوكربي وليبيا البقرة الحلوب

ابتسام يوسف الطاهر

2009 / 8 / 29
السياسة والعلاقات الدولية


كانت كلمة وزير العدل الاسكتلندي (كني ماك-انسكل) مؤثرة وهو يعلن بهدوء عن قرار اطلاق سراح المتهم الوحيد! في قضية لوكربي، والتي راح ضحيتها المئات من ركاب الطائرة التابعة لشركة (بان آميركان) الامريكية وسكان قرية لوكربي الاسكتلندية والذي حكم عليه بالمؤبد عام 2001.. "بالرغم من عدم إبداء السيد مقراحي أي تعاطف اوانفعال او تأثر بما حصل، لكننا ، تعاطفا مع وضع السيد مقراحي الصحي بعد اصابته بالسرطان وحرصنا ان يموت بين عائلته تقرر نقله الى ليبيا من منطلق انساني وفق القانون الاسكتلندي".
تضاربت الآراء بين موافق على اطلاق سراحه حتى من قبل بعض عوائل الضحايا أنفسهم.. وبين معارض خاصة من قبل بعض الأمريكان وأولهم هيلاري كلنتون .. فالحكومة الأمريكية كانت تصر على محاكمة المقراحي على أرضها ليتم إعدامه فورا.. فهل المقراحي كان وحده المسئول، ان لم يكن برئ؟
اذكر يوم وقوع الكارثة عام 1988 كيف تسارعت وسائل الإعلام ووكالات الأخبار بتناقل السيناريو تلو الآخر عن من يكون المتهم الأول، ورأينا أفلام وثائقية عن السوري الألماني، وكيف وضعوا خطة سفره ووضع القنبلة على متن الطائرة.. ثم سرعان ما غيروا رأيهم ليتهموا الفلسطيني .. ثم آخر إيراني .. ولكن لم يتطرقوا لما أعلنته وكالة رويتر حينها عن اعلان احدى الجمعيات الإسرائيلية مسؤوليتها عن الكارثة ردا على تصريحات أمريكية عابرة عن تأييدها لفلسطين.. تلك الوثائق رأيتها بنفسي في أرشيف جريدة الشرق الأوسط حيث اشتغلت وقتها.. قلت حينها حتى لو كانت تلك المعلومة مفتعلة، ألا تستحق أن تدرج ضمن قائمة السيناريوهات المحتملة، ولو من باب السخرية من هكذا احتمال! مثلا.
ثم وجدت أمريكا برمشة عين ضالتها في ليبيا حيث لم تخمد نيران قصف ريغن لبيت معمر القذافي حينها..
وقتها شكك الكثير من الخبراء القانونيون وحتى البعض من عوائل الضحايا بكل الأدلة التي أدانت ليبيا والمقراحي واعتبروها هشة ومنهم البروفيسور روبرت بلاك (استاذ القانون الاسكوتلندي) ،حيث أكد على هشاشة الأدلة التي قدمها الادعاء، وقال أن القضاة الاسكوتلنديون الثلاثة قبلوها على علاّتها.
وأوضح ان الادعاء لم يقدم أي دليل مصدره مالطا يؤيد بأن الحقيبة الحاوية للقنبلة التي دمرت طائرة الـ«بان آم» فوق لوكربي باسكوتلندا بدأت رحلتها من مالطا على متن طائرة مالطية متوجهة إلى مطار فرانكفورت!
ولكن السؤال الأهم: كيف استطاع المقراحي أن يتخطى حواجز الأمن في المطار وأن يضع الحقيبة الملغومة في طائرة الـ"بان أمريكان" المتجهة إلى الولايات المتحدة . ولم يغادر المقراحي مع الحقيبة الملغومة ، بل عاد أدراجه إلى ليبيا!؟.
والأهم في ذلك لم يشر ولو بالبنصر لسوء خدمات شركة بان آم، وضعف أجهزتها الأمنية؟ فكيف تنطلق وأحد ركابها لم يصعد الطائرة دون أن ينتابها شك ما؟ ألم يكن من واجبهم ان يتقصون الأمر ولو من باب الاحتياط؟.
الأمر المهم ليس بتبرئة المقراحي او إطلاق سراحه او إعادته لأهله وهو بين الحياة والموت ، فالمسكين اذا كان بريئا، كما يعتقد الكثيرون، لابد انه قدم نفسه قربانا لشعبه بعد محاصرة ليبيا لعدة سنوات، وربما ذلك او شدة مرضه ما جعله لا يبد اي تأثر او تعاطف.. واذا كان مذنبا، فهو يستحق هذه المبادرة الاسكتلندية الإنسانية.
لكن المذنب الآخر الذي هو الشركة نفسها التي تتحمل المسؤولية الكبرى بتلك الكارثة متى تتم محاسبتها ؟..
ومن يحاسبها فتلك القروش الكبيرة تستخدم كل ذكائها بالتنصل من مسؤوليتها وتصيّد فريسة ضعيفة لتحمل عنها وزرها..
فلنتخيل لو ان الشركة (بان آم) أُدينت ولم يظهر هناك من يتهم غير خدماتها البائسة، لنتخيل حجم الأموال الطائلة التي لابد ان تدفعها تعويضا لعوائل الضحايا وللحكومة الاسكتلندية.. إضافة لخسارتها في تلك الكارثة!
وحتى لو أشير ولو من بعيد لتقصيرها الأمني فسيعرضها ذلك لكارثة اقتصادية كبرى وسيعطي دعاية سلبية عن خدماتها مما سيدفع المسافرين الى تجنبها، ناهيك عن تحملها بعض التعويضات!
اذن هم ضربوا كل العصافير بحجر سحري واحد. الانتقام من ليبيا التي لم تتعلم متى يجب ان تسكت، وليبيا بأموال النفط هي البقرة الحلوب الضاحكة، قادرة على دفع التعويضات كلها بما فيها تعويضات للشركة المذنبة نفسها! فالسيناريوهات السابقة لا تغني ولا تنفع.
لذا عادت الشركة بعد أيام تعلن عن خدماتها بلا تردد ولا حرج، وهكذا يا دار (أمريكان) ما دخلك شر!!
و بالرغم من تقديرنا العالي لموقف الحكومة الاسكتلندية البريطانية الإنساني الذي عرضها لانتقاد الحكومة الأمريكية. وموقف الشعب الاسكتلندي الرائع فكثير منهم ومن أبناء الضحايا كانوا يراسلون المقراحي في المناسبات متمنين له سنة او عيدا سعيدا، وهو ما لم يفعله العرب هناك كما قال في احدى المقابلات معه. لكن من يدري ما وراء إطلاق سراحه، ربما لدفع ليبيا لتساهم بتخفيف الأزمة المالية التي مازالت بريطانيا تعاني منها.

لندن- آب 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع جيد ومدروس
مصري ( 2009 / 8 / 29 - 02:14 )
لست أتعجب من أن تفكير بذلك المستوى المحترم العميق والمؤيد بالمراجع من أن يقابل بعدم الفهم في عصر الوجبات الأمريكية السريعة -برجر كينج ومجدونالد-. أي اتهام لأمريكا اليوم أصبح مرفوضا، كرد فعل لكثرة الاتهامات الغيرمنطقية. عصر ريجان وبوش الأب كانا من أكثر العصور التي حدثت بها أعمال مخابراتية إرهابية تم التعتيم عليها بأسلوب مكشوف. هناك طائرات أخرى تعرضت لأحداث مشابهة وكلها يدور حولها شكوك إرهابية ترجع لأعمال مخابراتية تحتاج لأعلى مستوى من التكنولوجيا، وكل تلك الأحداث غلفت بالتعتيم الغير منطقي. من تلك الأحداث الطائرة السوسرية، وطائرة تي دبليو إيه، والطائرة المصرية، والطئرة التي راح ضحيتها جون كندي الإبن.
ليس هذا دفاعا عن القذافي العجيب ونظامه الفاشل لأن القذافي نفسه لا يمكنه أن يستمر في موقعه لحظة دون المساندة الكاملة من المخابرات الأمريكية. والأعجب من ذلك أن مدرسة الإرهاب التي قامت في ليبيا والمفروض انها مسئولة عن أحداث لوكربي كان يديرها مدير سابق للمخابرات الأمريكية. والأسلحة التي كانت تستخدمها كانت مصنعة خصيصا لتلك المدرسة في تكساس وفي بنسلفانيا وهي أسلحة لا يمكن الكشف عنها بأجهزة الكشف بالمطارت. وتلاميذ تلك المدرسة لم يكونوا من الليبيين بل من المرتزقة الأوربيين الذين يحضرون للي


2 - ندور في حلقة مفرغة
حذام يوسف طاهر ( 2009 / 8 / 29 - 16:40 )
الكاتبة العراقية الاصيلة والاخت والصديقة أحييك على هذا الموضوع الذي يوضح كثير من الملابسات التي لازال العرب يوقعون انفسهم بها ولاتيعلمون .. وتبقى لعبة السياسة لعبة خطرة لايفهمها الا الراسخون في اللعب على اكثر من خط.. دمتي مبدعة ورائعة

اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح