الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساسة وأحزاب في عراق العجائب

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


من الملفت للنظر، أن انكفاء معظم الأحزاب السياسية العراقية على نفسها، قد تفاقم بمجرد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، وأشتد بسرعة مدهشة مع بدايات تحسسها للسلطة والأوضاع الجديدة . فمنذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في عام 2003 ولحد اليوم، يتجلى ذلك الانكفاء على هيئة خلافات سياسية دورية ومناكفات حزبية دائمة وسجالات عقيمة، حول الحلول والمعالجات المتباينة للأزمات السياسية والأمنية والحكومية، والتي تعكس في حقيقة الأمر، طبيعة الصراعات العميقة التي تتوارى حينا، ولا تلبث أن تتجدد باستمرار حول السلطة والنفوذ وحدود الصلاحيات والمناصب الرسمية والمواقع والمنافع والامتيازات الأخرى، وتؤدي بمجملها إلى عرقلة التقدم النوعي للعملية السياسية عموما، والمباشرة في أعادة البناء والأعمار، ومن ثم تفتح ثغرات جدية في الأوضاع الأمنية للبلد وتعرض حياة المدنيين للخطر، كنتيجة منطقية ومترتبة عليها .

ويميل العديد من الكتاب والمثقفين إلى تفسير تلك الظاهرة الخطيرة، بطبيعة الصراعات والعلاقات السياسية المتشنجة التي كانت سائدة أصلا بين تلك الأحزاب منذ أيام المعارضة وقبل انهيار النظام بفترة طويلة، والتي كشفت عن نفسها علانية فيما بعد، وبصور شتى تتراوح مابين الأنانية السياسية والعداء المستبطن والكيدية والرغبة في إقصاء الآخرين لدى البعض منها، وبين الطابع اللا مسؤول وإساءة استخدام السلطة والمنصب الرسمي وأشكال التنازع حولها، والتشبث الأعمى بها، لدى البعض الآخر، كما عكست ولدى الأوساط المختلفة ، غياب الرؤى والخطط والبرامج السياسية الواضحة للمرحلة الجديدة .

ويعزو آخرون من المراقبين والمحللين، تلك الظاهرة، إلى الانهيار الشامل للدولة العراقية وتفكك مؤسساتها، بالإضافة إلى تعقيدات الاحتلال والإرهاب الوافد، وما نتج عن ذلك كله، من اصطفافات طائفية، وتشظ للهوية الوطنية الجامعة، ولجوء واحتماء الطوائف والأثنيات والتفافها حول زعاماتها التقليدية، وبمن يمثلها سياسيا بالمعنى الضيق، نتيجة لذلك الانقسام الذي أنعكس بشكل سلبي كبير على الإجماع السياسي وعلى الحياة السياسية الجديدة، وحال دون قيام أغلبية سياسية ثابتة وضرورية لإرساء الأسس والتقاليد السياسية اللازمة، وتتجاوز مجرد الأغراض الانتخابية المؤقتة، إلى بلورة وتجديد معنى السياسة وأخلاقياتها وقيمها الحديثة والأهداف الفعلية منها .

وفي الحقيقة، لا يغير من واقع الأمر شيئا ، إن كانت الأسباب الكامنة وراء ذلك، قديمة أم حديثة، لأنها لا تمثل في التحليل النهائي في الحالتين، سوى نصف الحقيقة الظاهر والمعروف، ولن تكون تلك الأسباب بتقديري، إلا بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة الكثيفة ورائها .

فمن المعلوم، أن انهيار النظام الديكتاتوري السابق، لم يكن نتيجة تبلور ونضوج وتمثل القيم والمبادئ السياسية العملية الحديثة في مواجهته ومعارضته، والتي يمكن أن تكون بديلا ديمقراطيا، ونقيضا جوهريا له ويقوم على أنقاضه، بقدر ما كان الانهيار هو الثمرة والحصيلة النهائية والمباشرة لتهافت وتراجع مؤسسات النظام الديكتاتوري، السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، وتضاؤل الحوافز الأخلاقية والدوافع الوطنية داخل المجتمع، للتضامن معه والدفاع عنه بما فيها لدى أوساط واسعة من أجهزته السابقة .

ولم تكن سلسلة الحروب والحصار الاقتصادي والضغوط المادية والعسكرية الخارجية التي تعرض لها وأطاحت به في النهاية، إلا تأكيدا قويا على الجفاف والتفكك الداخلي الشامل لنظام الطاغية العراقي الذي انحل عقده بسهولة بالغة وسريعة أمام زحف الجيوش والدبابات، أكثر مما كان ذلك الانهيار نتيجة حلول القيم والمبادئ السياسية الجديدة محله والتي كان مفترضا، أن يقوم المجتمع نفسه بتوليدها داخليا عبر أحزابه ومنظماته ونخبه السياسية المعارضة التي وعت وتمثلت تلك القيم الضرورية العميقة، وأصبحت قيما ومبادئ محركة وموجهة وضابطة للسلوك السياسي، وبالتالي تسعى إلى نشرها داخل صفوفها وداخل المجتمع والرأي العام وفي عموم البلاد ، وتراهن من خلالها على ثورة سياسية حقيقية على مستوى المفاهيم والمعاني .

ومع أن القليل من الأحزاب السياسية العراقية قد تنبه مبكرا إلى مخاطر التغيير من الخارج إلا أن تحذيراتهم تلك، لم تحظ بالإجماع السياسي اللازم والمطلوب لتجنب التعقيدات والمشاكل الكثيرة التي حصلت فيما بعد .

والحقيقة، إن تلك القيم، عانت تاريخيا ولفترة طويلة من التخفيض والاختزال والإهمال في التربية الحزبية الداخلية، وتحولت إلى مجرد شعارات باردة وعقائد متنافسة، وفقدت مضمونها كممارسة إنسانية عملية متعددة الجوانب والأبعاد، يمكنها أن تساهم في توليد ورعاية النخب الديمقراطية الجديدة والواعدة، ودمجها في الحياة والثقافة والمجتمع، الأمر الذي يفسر أن سقوط الديكتاتوريات في مجتمعاتنا لا تعني بالضرورة نشوء واختيار البديل الديمقراطي أوتوماتيكيا، حتى من قبل ضحايا الديكتاتورية المباشرين أنفسهم .

ومن هنا يبدو أن الميل إلى تربية ورعاية الانغلاق والانطواء على الذات السياسية وبالتالي إفساد قيم الاجتماع السياسي وتحويله إلى خطابات وسجالات متنافرة ، يعكس الحاجة للحفاظ على أدوات التعبئة الحزبية القديمة والقطيعة بين القوى المختلفة وتكوين الخنادق والمعسكرات وخلق الخصوم . وهذا يعني أن الواقع الاجتماعي العراقي ليس هو الذي يولد النزاع والاقتتال والطائفية ، بل أن أشكال الانخراط السياسي الموروثة هي المسؤولة عن التعصب والانغلاق بالدرجة الأولى .

أن الهدف من وراء ذلك، هو بلورة وإدامة جو التوتر وتزويد وتغذية الأطراف المتصارعة وتثبيتها على مواقفها وهو لا يعني في الواقع سوى العجز عن مواجهة الأزمات الفعلية وتقديم الحلول الصحيحة لها وإعادة النظر في منهج توزيع القوى والسلطات والمسؤوليات التي قامت على أسس غير سليمة وخلقت توازنا سياسيا مشوها لا يعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي فحسب ، وإنما يسد كل منفذ ممكن للخروج من الأزمة .

إن نقطة الضعف المركزية في السياسة العراقية والعربية عموما، كانت ومازالت، تكمن في استرخاص وإهمال وتأجيل القيمة الإنسانية بذاتها في العمل السياسي واستخدامها كوقود للحشد والتعبئة وخدمة الخطاب والمشروع اللاهث أبدا وراء السلطة .

ولعل الدكتاتور العراقي السابق كان الأكثر فجاجة في التعبير عن هذه الحقيقة المتداولة في عالم السياسة وأروقتها السرية، حين قال: " أعطني سلطة وخذ حزبا " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار