الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فايروس الجهل السياسي

ابتسام يوسف الطاهر

2009 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ربما كان من الأجدر ان يكون العنوان (فايروس اللاوطنية) الذي يعاني منه العراقيون منذ زمن.
فيروسات الأنفلونزا او غيرها من التي تصيب الناس لفترة وجيزة وقد تختفي ويبرأ منها الفرد بتناوله بعض المضادات.. أما هذا الفايروس فالكل مشغول عنه وأحيانا يلعنه لكنه يساهم بانتشاره ومقاومته لكل المضادات الحيوية والغير حيوية التي يقترحها بعض أطباء السياسة!.
من خلال رحلة المنافي التي بدأت بالوطن العربي، كان الكثير من الأخوة العرب يحيّون فينا سعة الثقافة والاهتمامات السياسية، والآخر ينتقدنا على مواصلتنا بلا كلل ولا ملل الحديث بالشؤون السياسية في كل زمان ومكان وكل مناسبة حتى بالأعراس. حتى ان احدهم من الذي درس بالعراق يوم كانت بغداد بالأمس القريب منارة للعلم قال: "كنا نتندر على حالتكم فابتدع احدهم نكتة.. هات واحد شاي ومعه شخص نحدثه بالسياسة".
لكن اليوم اكتشف ولو متأخرا.. إننا، أي العراقيون وقادتنا بالدرجة الأولى، أكثر الشعوب جهلا بالشأن السياسي! ربما لا يفوقنا بذلك غير الأخوة الفلسطينيون، وبعض العرب المؤمنون بالقومية الصدّامية او الناصرية ذات الشعارات الخاوية.
فكثير ما نحتد بجدال عقيم متشنج يصل أحيانا للقطيعة اذا كان المتحاوران أكثر تحضرا من الذين يعجزون عن استخدام لسانهم فيلجئون للأيدي أو (القنادر) ! حاشاكم.. حتى لو كنا نحلل ونناقش أمور بديهية من التي تعصف ببلدنا.
فالأمر لا يتحاج لعبقرية لنعرف أن تشتت كلمتنا وفكرنا وولائنا هو ما يجعل الأمور تسير بنا نحو الهاوية.. فلو أن سياسيونا وقادتنا أو حتى مفكرونا أو كتابنا ومثقفونا كان ولائهم وحبهم الأول للعراق وهدفهم الأول هو إنقاذه وإنقاذ الشعب من محنة الفساد والعطش والخدمات الكارثية. إنقاذه من الإرهابيين والدخلاء ممن لا هم له غير إضعافنا وإذلال شعبنا. لما جف دجلة بغفلة منا، ولما تواصل موكب الشهداء والضحايا يتقاطر يوميا، ولما انطفأت مصابيحنا وادلهمت نفوسنا بظلام دامس نعاني منه منذ عقود. بل لعملت لنا الدول المجاورة وغيرها حتى أمريكا ألف حساب.
فابسط الشعوب (سياسيا) وأصغرها حجما وثقافة رأيناهم يقفون صفا واحدا مؤجلين كل خلافاتهم الحزبية والطائفية والعشائرية، لاغين كل ولاءاتهم الإقليمية والدولية لمواجهة أي ظرف صعب أو كارثة تهدد بلدهم او شعبهم، على الأقل لحين حل الأزمة، ربما يعود بعدها كل حزب معارض لشعاراته وكل فرد لطائفته.
لكن للأسف بحالة العراق نجد إنا لا نختلف كثيرا عن قبائل رواندا المتخلفين، او عن محنة الشعب الفلسطيني الذي يتناحر قادته قبل نيل الاستقلال وطرد الاحتلال! يتقاتلون على من يكون هو المتسلط على رقاب العباد، ومن الذي يجب ان يستلم المعونات المالية! حتى جعلوا الشعب المسكين في قرية غزة المدمرة يعاني من الجوع والعطش ولم يبال بمصيبته أي من القادة البعيدين عن المحنة من رافعي شعارات " مقاومة للأزل" او حتى الموت" فحتى شعار "مقاومة حتى النصر" تناسوه او لم يعد يلبي طموحاتهم الشخصية.
هكذا اليوم شعب العراق يعاني وقد أصابه الإحباط ممن انتخبهم بالأمس فدجلة يعاني العطش والفرات يصرخ جفافا، والكهرباء (ظلمة ودليلها الله) بالرغم من المليارات التي خصصت لها، بينما ببضع ملايين استطاعت شركة هندية تنشأ محطة كهرباء في إيران يصل ضوئها حتى بعض القرى الهندية القريبة من إيران!
وعمليات القتل لم تتوقف، فقد تأكد الشعب ان أولئك الذين تبوئوا المناصب، اغلبهم على الأقل لا يعرفوا الانتماء للعراق فكل منهم ينتمي لطائفته وقادتها وشعاراتهم التي تضع مصالحهم الشخصية الآنية بالمقام الأول . او ينتمي لحزبه وما يوفره من مناصب وأرباح مالية خاصة اذا كان الحزب ولائه الأول لبلد آخر لا تهمه مصلحة العراق او شعبه.
حتى بعض الناس المتعبين تأثرا بالقيادات اللاوطنية، صارت حين يمر العراق بمحنة ترى اغلبهم يسارع (لينبش ) في وحل التاريخ لعله يجد له انتماء لأرض أخرى، لبلد آخر أو لقومية أخرى. ماعدا القليل منهم ممن تترصدهم قوى الظلام والذين لا حول لهم ولا قوة عسكرية ولا ميليشيات.
في الثمانينات من القرن الماضي القريب، استخدم صدام العراق، درعا يحتمي خلفه، خلال حروبه فوجد البعض في ذلك حجة لينأى بعيدا(حتى تُفرَج) . فنجح صدام بالدرجة الأولى بانتزاع الروح الوطنية والتضحية من قلوب الأغلبية.
لم يخطر على بال قادة تلك الأحزاب أنهم لو كانوا يتمتعون بروح الوطنية والانتماء للعراق كان بإمكانهم بقليل من الذكاء ان ينتزعوا الدرع من يد ذلك القائد الكارثة لإنقاذ البلد من الكوارث اللاحقة. لكن نذكر كيف ان معظم تلك الأحزاب سارعت لاتهام أي حزب عارض الحرب وتخريب العراق بالعمالة لصدام، وهكذا تبادل الجميع تهمة العمالة أما لأمريكا او لصدام مع العلم ان اغلبهم خدموا صدام أولا ومن ثم أمريكا. فلم ينتم أي من اؤلئك للعراق الذي كان ضحية لتلك السياسات.
وكما تشتتوا خلال حروب صدام وما تلاها من حصار واحتلال، وراح البعض يزايد على الآخر وتبادلوا الاتهام بالعمالة! ومنهم من تحول لمحلل سياسي كالذين تستأجرهم قناة الجزيرة اليوم، مازالوا للآن لم يتعلموا أي درس من تلك التجارب، فهمهم الأول هو المنصب وما يجنيه من أرباح من ذلك المنصب الكنز.
ويوم قلنا ان الله هداهم واجتمعت الأحزاب المعارضة تحت خيمة واشنطن، فوجئنا بهم كل يمثل نفسه ويبحث عن حصته من الكعكة التي قسمتها أمريكا، بلادهم! فتعاملت أمريكا معهم فرادا، أبعدت هذا وقربت ذاك وربطتهم جميعا بخيط تحركه كما شاءت وشاء لها الهوى. لم يدافع احدهم عن الآخر، لم يعارضوا القرارات الغير منطقية التي وضعتها أمريكا. فالبعثي المعارض كان ولم يزل لليوم يرى ان عدوه الأول هو الشيوعي العراقي.. والإسلامي المعارض يرى أن إيران او السعودية اقرب له من أي مدينة في العراق، والقومي المعارض ير عبد الناصر وحتى صدام الذي يعارضه اقرب له من عبد الكريم قاسم!.
فكان تشتت قادة تلك الأحزاب سواء في الداخل او الخارج احد الأسباب الرئيسية بما يعانيه العراق من فوضى وتخريب لا مثيل له. لم يخطر على بالهم ان فشل احدهم هو فشلهم أيضا وأنهم اذا لم يكونوا فريق واحد سيبقى هدفهم مفتوح لكل الأعداء جيران كانوا ام ابعد، من الداخل ممن يستخدمهم الأعداء، أم من الخارج متسللين، فلا يوجد حَكَم يطرد أو يعاقب أو يرفع الكارت الأصفر أو الأحمر لطرد من لا يلتزم بشروط النزال. ففي لعبة كرة القدم، اذا لم يتعاون الكل لإيصال الكرة لهدف الخصم لن يقدر أي من اللاعبين تحقيق أي هدف مهما كان ماراودونيا او بكميا (من ديفيد باكام).
ويواصل العراق معاناته امام إصرارهم على الانقسام ! هذا يسمي قتل الأطفال والأبرياء مقاومة! وذاك يعتبر حزب البعث حزب وطني! وآخر يعتبر( قم) أهم من النجف ومن البصرة! وبعضهم يسعى لنيل رضا سوريا على حساب العراق. وآخر يعمّر اربيل على حساب بغداد.
أما كان الاجدر برئيس جمهوريتنا ان يقف مع رئيس وزراءنا ، حين طالب سوريا بتسليم المجرمين ممن قتلوا الأبرياء ؟ فرئيس الوزراء لم يجرم سوريا، كل ما في الأمر انه طالبها بالتعاون مع العراق لوضع حد لتلك المجازر بتسليم المطلوبين لمحاكمتهم. واذا كانوا أبرياء سيعودون أدراجهم لتعمير سوريا وبناء المجمعات السكنية التي ازدهرت بمال العراق.
ما يجري اليوم من تقصير وفشل بانجاز ابسط المهام من اجل الإنسان العراقي هو وصمة عار بجبين المسئولين اللاوطنيين الغير مخلصين للشعب، وبجبين أعضاء البرلمان صدريين كانوا أم بدريين، عربا أم أكراد، مسيحيين ام مسلمين، حزبيين ام مستقلين، الذين مازالوا لا يهمهم غير كيف يحافظون على مستوى الراتب الخرافي الذي يتقاضونه عن خدمات يندى لها الجبين.

ايلول 2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القادة من هالشعب؟
سلمان جار الله ( 2009 / 10 / 5 - 23:07 )
كلامك جميل وتشخيص صائب ، ولكن الكثير من الناس يسالون
اليس صدام حسين المقبور جاء من هذا الشعب ؟؟ اليس من يسيطر على الكعكة العراقية هم من هذا الشعب؟؟
اذن الشعوب المتخلفة تنجب قادة متخلفين، هذه قاعدة ثابتة. فالشعب الذي يصوت لمن يعطيه جدر هريسة عاشور او بطانية او صوبة ويحلف بالعباس انه سيصوت لهم.. هذا هو شعب الحضارت كما ندعي؟؟ لماذا تبح اصوات المخلصين ولا احد يستمع لهم واعطيك بعض الأمثلة.. في انتخابات مجالس المحافضات كنا نلتقي الناس ونشرح لهم برنامج القائمة التي ندعوا ان يصوتوا لها تعرفين ماذا كانوا يقولون لنا.. اكثر من 90 بالمائة منهم اول مايطرحون علينا .. هل توظفونا؟؟ هل تسجلونا في مجالس الأسناد .. هل توظفوا اولادنا الذين لايملكون شهادات اكثر من الصف السادس الأبتدائي في الجيش والشرطة لأن رواتبها قوية؟؟ وغيرها الأمثلة كثيرة جدا...؟؟ فياسيدتي ان الشعب العراقي قد انهاه البعث العفلقي من زمان بعيد ولم يعد يصلح لا للكلي ولا للشوي كما يقول المثل.؟
اتركوه ليشبع لطم وقامات وزنجيل ويملأ اصابعه بالمحابس كالجعفري وليشبع السراق من امواله وهو كان مخدرا بصدام واليوم بركضة اطويريج؟؟ مع تقديري واحترامي

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي