الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد المنطق التقليدي ..(4) القضية الشرطية وتقسيماتها

عبد الرحمن كاظم زيارة

2009 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تُقسّم القضايا في المنطق التقليدي ابتداءا الى : حملية وشرطية ، وسنتاول في هذه المطالعة ( القضية الشرطية) في المنطق المذكور .. فالشرطية ( تتألف من طرفين هما قضيتان بالاصل ) والقضيتان كل منهما مركب تام كما هو معروف . ويضربون أمثلة في الشرطية ،منها :
( إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود ) , ( اللفظ أما أن يكون مفردا أو مركب ) .
فالقضية الاولى في الاصل قضيتان : ( أشرقت الشمس ) و ( النهار موجود ) . والقضية الثانية في الاصل قضيتان : ( هذا اللفظ مفرد ) و( هذا اللفظ مركب) . ولكن لنلاحظ فرقا جوهريا بين القضيتين : فالاولى وردت فيها الاداة ( اذا .. فأن ) والثانية وردت فيها الاداة ( أما .. أو ) . إن هذا الفرق لم يخضعه المنطق التقليدي للدرس ولم يعده أساسا لتقسيم القضايا ، وراح ينقب عن ما يسميه ( النسبة ) بين طرفي الشرطية ، وهي نسبة مؤوّلة ومقدرة، أصطلح عليها بـ ( نسبة الاحوال والازمان ) وهي كما ترى ليست مما يمكن تحديده بدقة بمكان يسمح باستخراج قواعد عامة . ويظهر ذلك جليا في تعريف الشرطية ، فيعرفونها بأنها ( ما حكم فيها بوجود نسبة بين قضية وأخرى أو لاوجودها ) . فكيف يتم تأليف الشرطية اذا لم يكن بين اطرافها نسبة. أن التعبير ( لاوجودها) ينطوي على تلفيق تحصيل النسبة بتصييرها معدولة ، وبأعتبار ان الشئ المعدول موجود لأن السلب جزءا منه وليس سلبا له ، وهذا لايستقيم . والنسبة التي يعنونها ويصطلحوا عليها بـ ( نسبة الاحوال والازمان ) هي الرابطة بين القضيتين المؤلفتين للشرطية ، فكيف إذن تتألف النسبة من ( لاوجودها) ؟ خاصة وان النسبة بينهما ليست الاتحاد كما تقدم الكلام عنها في مطالعة سابقة ، لأن ( لا اتحاد بين القضايا ) .ان ( لاوجود ) النسبة لايعني ( التباين ) لأن التباين يكون بين الموضوع والمحمول إن لم ينتمي الموضوع للمحمول ، وبالتباين تكون القضيةخاطئة . ولنصطلح اصطلاح ( القضيةالبسيطة ) ، والتي تعني قضية لايمكن تحليلها الى قضيتين ومنها القضية الحملية ، والقضية السالبة . ووفقا للاصطلاح تكون القضية الحملية ؛ قضية بسيطة موجبة وهي صادقة حسب تعريف الحملية ، والقضية السالبة هي قضية بسيطة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة . ونقول طالما ان النسبة ( لاموجودة ) بين القضيتين البسيطتين في الشرطية فهي ليست شرطية . وعلى هذا يجب البحث عن اساس آخر نستطيع معه تمييز الشرطية عن غيرها ، سواء كانت سالبة أم موجبة ، صادقة أم كاذبة .
لنواصل مناقشة ما يعرضه المنطق التقليدي لما يصطلحون عليه بالقضية الشرطية ..
تقسم الشرطية بدورها الى : متصلة ومنفصلة ، وهذا التقسيم يتخذ من ( نسبة الاحوال والازمان ) أساسا له ..
ـ المتصلة تكون فيها النسبة بين القضيتين البسيطتين هي ( تعليق احداهما على الاخرى ) ومثالها ( اذا أشرقت الشمس فأن النهار موجود) . و( ليس اذا كان الانسان نماما كان أمينا ) . في الاولى حسب التعريف النسبة موجودة وهي التعليق ، اما في الثانية فيعدونها غير موجودة ( لاموجودة) بسبب دخول اداة النفي عليها ( ليس) . وهذا ينطوي على خلل واضح لجهة تصور النسبة ففي القضية الثانية النسبة موجودة ، وهي هنا بمعنى الرابطة ، وإلا فسينفرط عقد القضية الشرطية ويتحلل تأليفها الى القضيتين البسيطتين المؤلفتين لها . ان دخول اداة النفي ( ليس ) على الشرطية يغير في بنية القضية الشرطية ، وهذا التغير سيحولها الى قضية من نوع آخر . وسيأتي الكلام في ذلك .
ـ المنفصلة تكون فيها النسبة بين القضيتين البسيطتين ( الانفصال والعناد) . ومثالها ( اللفظ اما أن يكون مفردا أو مركبا ) و( ليس الانسان اما ان يكون كاتبا أو شاعرا) وملاحظاتنا هنا هي ذاتها التي اثبتناها في مناقشة المتصلة . وسنناقش هذا القسم وتعريفه من ناحية مدى صحة اعتباره ( قضية شرطية) ؛فنقول أن هذا القسم لايعد قضية شرطية بأي حال من الاحوال ، لارتفاع اداة الشرط فيها وهي ( اذا .. فأن ) او احدى الصيغ المكافئة لها منطقيا ولغويا . كما أن الاداة الموجودة في امثلة هذا القسم هي ( أما .. أو ..) وشتان بين الاداتين ، من حيث معناهما ، وفواعلها المنطقية . أضف الى ذلك ان القضية الشرطية التي تحتوي اداة الشرط ( اذا .. فأن ..) يتميز فيها الطرفان تبعا لوضعهما في القضية : فالاول يسمى ( مقدم ) والثاني ( تالي) . ولايمكن إبدال المقدم بالتالي ، كما لايجوز العكس في الشرطية .
ان البنية المنطقية للشرطية هي ( اذا كانت ب متحققة فأن حـ متحققة ) ، فالمقدم " ب " شرط للتالي " حـ" . ولكن البنية المنطقية للمنفصلة هي مختلفة البناء تماما وصيغتها العامة ( أما أن يتحقق ب أو يتحقق حـ ) او بصيغة مكافئة ( ب أو حـ ) . فأين الشرط هنا ؟ نحتفق ان البنيةالمنطقية ( ب أو حـ) تكون منفصلة بمعنى تعاند تحقق كلا من " ب " و" حـ" في وقت او حال واحد . نحو ( العدد 4 زوج أو فرد) فلاتصدق الا اذا تحققت ( زوج) إذ لايمكن ان يكون العدد 4 زوج وفرد معا ، فهي تصدق فقط في حالة ان احد الطرفين فقط يكون صادق . ولكن القضية ( قام علي أو جاء زيد ) ليست منفصلة بالرغم من الاداة الموجودة في القضية هي ذاتها الموجودة في مثال المنفصلة المتقدم ( أو ) ، فهذه تفيد ( التخيير ) إذ لايتنافى قيام علي مع مجئ زيد .فهي تصدق عندما يتحقق الطرفان وعندما يتحقق احدهما دون الاخر . لذلك أن القضايا التي فيها الاداة ( أما .. أو .. ) ليست قضية شرطية .
والخلاصة أن القضية التي لها البنية ( اذا كان ب فأن حـ ) قضية شرطية .وان القضية التي لها البنية ( أما ب أو حـ ) فهي قضية ليست شرطية وانما تُقسم بحسب ( تنافي أو عدم تنافي ) تحقق الطرفين : فإن كان تحققهما متنافيان فهي (منفصلة )، للتعاند الذي بين طرفيها . وان كان تححقهما يجتمعان فهي ( مفصلة ) للتخيير الذي بين طرفيها وامكان اجتماعهما .
وعلى هذا ان ( نسبة الاحوال والازمان ) التي يقول بها المنطق التقليدي ، فهي مفيدة فقط في تقدير قيمة الحقيقة للقضية : صادقة أو كاذبة .ومعروف ان المنطق التقليدي يهتم بتقسيمات القضايا الصادقة دون غيرها ولايدخل في مباحثه احتمالات الصدق والكذب لأنه لايتعامل مع ( البنى المنطقية) التي هي كالقوالب المتمايزة والتي يمكن بمحاكاتها تبني القضايا . بمعنى ان البنيةالمنطقية هي صيغةعامة ومجردة، اما القضية فهي مثال حسي .
ان مبحث القضية الشرطية من المباحث المرتبكة في المنطق التقليدي ، وفيها من التعقيد ما يبعد التقعيد عن جادة الصواب . فلنتأمل هذا النص المقتبس من أحد كتب المنطق التقليدي الاكثر رواجا وشيوعا . يقول النص ( وليس من حق أطراف المنفصلة أن تسمى مقدما وتاليا، لأنها " غير متميزة بالطبع " كالمتصلة ، فأن لك ان تجعل أيا شئت منها مقدما وتاليا ، ولايتفاوت المعنى فيها ، ولكن سميت بذلك فعلى " نحو العطف " على المتصلة تبعا لها ، كما سميت السالبة باسم الموجبة الحملية او المتصلة او المنفصلة ) انتهى الاقتباس . وملاحظاتنا على النص هي :
1ـ اذا كان ليس من حق اطراف المنفصلة ان تسمى مقدما وتاليا فكيف إذن تسمى القضية المؤلفة منهما قضية شرطية ؟ اليس هذا تناقض وارباك ؟ ان القضية الشرطية تستمد صفتها هذه من إمكان تمييز طرفيها الى مقدم وتالي ، واذا كان الطرفان لايتميزان هكذا فهي ليست شرطية أبدا . وان لم يكونا متميزين بهذا النحو فمن تأتيها صفتها الشرطية ؟
2ـ ليس من الجائز ان نسمي القضية السالبة بـ " القضية الحملية السالبة " عطفا على الموجبة الحملية، ذلك ان السالبة هي سلب الحمل كما جاء في تعريفها، والحملية هي حملية لأنها موجبة وبدون الايجاب ليست بحملية .. فكيف إذن الاحتجاج بالجواز المعطوف على قاعدة معطوفة هي الاخرى ؟ وكأن قائل النص يجوّز استبدال القمر بالشمس لعطف الاول على الثاني بواسطة النور المنبعث من القمر المعطوف على الضياء المرسل من الشمس . إذن ليس من الجائز ان نطلق على السالبة" حملية سالبة " لأن القول بحمليتها يعني ثبوت المحمول للموضوع والسالبة تسلب هذا الثبوت فتحيلها الى " ليست حملية" . وكذلك الامر في المنفصلة ، فما دامت غير متميزة الاطراف الى مقدم وتالي فهذا يعني أن الاصطلاحين غير موافقين لوضع طرفيهما ، وبالتالي فهي ليست شرطية .
3ـ ان تجويز اعتبار اي من طرفي القضية المنفصلة مقدم ، والآخر تالي بحجة عدم تغيير المعنى ، يخرج القضية عن كونها شرطية . لأن عدم تغيير المعنى بسبب تبديل الطرفين : التالي بالمقدم والمقدم بالتالي ، يوّلد اعتلالا منطقيا في المنطقية ، إن أريد بها الشرطية . ومن المعروف ان كل قضية شرطية ليست إبدالية وهذه قاعدة ، يجب ان تسري على كل قضية شرطية دون استثناء . وليس من الصحيح القول ان لكل قاعدة استثناء ، فالقاعدة التي تسقط في مثل لو واحد لايصح اطلاق اصطلاح قاعدة عليها . ان القاعدة والقانون صيغ عامة لاتقبل الاستثناء .
مثلا القضية الشرطية ( اذا ارتفعت درجة حرارة الحديد تمدد ) لايصح فيها إبدال المقدم بالتالي فالقضية ( اذا تمدد الحديد ارتفعت درجة حرارته ) قضية خاطئة .
والخلاصة الاجمالية : إن ما يميز القضية الشرطية عن سواها هي وجود الاداةالشرطية ( اذا كان .. فأن .. ) فهذه الاداة تميز المقدم والتالي ، بترتيبهما فالمقدم طرف أول والتالي طرف ثان. ولا موضع لنسبة الاحوال والازمان في الشرطية ، وهي ليست بالاساس الصائب للتقسيم او لتصنيف الشرطية . وترد أداة الشرط بصيغ مكافئة أخرى نحو ( بما أن .. فأن .. ) ، ( طالما كان ..فأن ..) ، ( كلما .. فأن ..) ...
وان ( نفي الشرطية ) ترتب عليه تغيرات تطال أداة الشرط وكيف الطرفيناواحدهما ، نحو ( اذا جاء زيد نبدأ بالعمل ) وطرفاها : المقدم ( جاء زيد ) وتاليها ( بدأنا بالعمل) . وان نفيها يكون : ليس ( اذا جاء زيد نبدأ بالعمل ) وهذه تؤول منطقيا الى ( لم يأت زيد أو لم نبدأ بالعمل ) ولك ان تقدر الآن فيما اذا كان مجئ زيد والبدأ بالعمل متلازمان اومتنافيان وعلى هذا تستخرج قيمة القضية : صادقةاو كاذبة . ومثال آخر ( اذا كان العدد 4 زوج فأنه عدد طبيعي ) والنفي يكون ( العدد 4 ليس زوجا أو العدد 4 عددا طبيعيا ) فأن كون العدد 4 زوجا لايتنافى مع كونه عددا طبيعيا ،لذلك لوصدق أحد الطرفين من المنفية فهي صادقة ، وصدقهما معا يجعلها صادقة أيضا ، وليس كذلك التنافي فصدق المتنافيين معا مرتفع .
(( يتبع ))...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القضايا
محمود حمزة الجبوري ( 2011 / 2 / 14 - 10:27 )
شكرا لكاتب الموضوع .... ارجو المزيدمن الشروحات عن موضوع القضايا المنطقية وباسلوب الشيخ الاستاذ المظفر وبشكل حديث لايخرج عن الغاية المرجوة من استخدام المنطق في الحياة العمليـة مع التقدير

اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م