الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا يفعلها الحجر؟

رغد علي

2009 / 10 / 27
الادب والفن


لماذا لا يفعلها الحجر؟

فتحت حقيبة كبيرة بدأت ترمي بداخلها كل أحزانها وألامها ,غربتها وذاكرتها , وحشتها ووحدتها ,اخفاقاتها وانكساراتها ,هزائمها وخيباتها ,اندفاعها وطيشها , خطاياها قلقها وخوفها , أوهامها ويقينها, جنونها وعبثها, أحلامها وأمانيها, وضعت ايضا كل ما لديها من كتب وأوراق اضافة الي نظارتها, ولم تنس أن تضيف لهذا الجمع سرة عتيقه بالية, كل هؤلاء كانوا يسكنونها, يقيمون بجوفها، يمتلكون حق التصرف بشأنها ، وتدفع هي ضريبة لبقائهم معها , حتى سئمت من تحكمهم المطلق, قررت ان تفرغ سكنها منهم، تريد المكان فارغا لتأثثه هي بما تختار,أليس هذا من حقها؟؟ ،اليست هي المالكة الشرعية لهذا السكن؟؟ ،أقفلت الحقيبة باحكام شديد خشية ان يهرب شيئا منها!!

ما أن أكملت مهمتها شعرت بخفة روحها، صارت فراشة تطير حالمة ،كطفله مغتربة عادت لوطنها , لله ما أثقل حمل تلك الأشياءعلى طفلة , دفعها فضول طفولتها المستحدثة للتساؤل ، ما الذي تخفيه هذه الحقيبة ؟ انها لا تذكر شيئا !!!

حارت الطفلة ما الذي ستفعله بالحقيبة ؟؟، هل تتركها بالعراء وتسير دونها ؟، ولماذا هى قربها ؟ ومن ذا الذي أحضرها؟؟، هل تقدمها لأول قادم ؟ أم تعبث بمحتوياتها، كما يصنع الاطفال, هي تخاف ان فتحتها يخرج منها المارد الذي تراه بأفلام الرسوم المتحركة فيرعبها ؟ ,الطفل لا يأمن الا لقلب امه, ستذهب لأمها لعلها تمتص هلعها الطفولى!

صارت تقفز تلعب وتسحب تلك الحقيبة معها , ثم تجلس لترتاح تارة اخرى ،انها ثقيلة جدا، يرهقها سحبها , بنيتها الرقيقة لا تحتمل, يمر العابرون بالطريق أمامها ، وليس فيهم من يعطف عليها , وهي لا تبالي تضحك تمرح, أخيرا وصلت لأمها، تدوركفراشة ملونة راقصة ،تغني تصفق بجناحيها ، من يقيس أبعاد صدى ضحكة الوطن عند لقاء الابنة بأمها ؟

ها هي قبالة أمها ،تشم رائحتها وتحتضنها ، فتحت الحقيبة سرعان ما فقدت خفة روحها ، ووجدت ثقلا يعود اليها ،كالابرتحيطها ,تحت جلدها تنغرس ،عادت لها الذاكرة، فاقشعر جسدها ببرودة قارصة :
كم أنت جميلة يا نبعة الريحان , وطن بلا رائحتك لا يكون وطنا......
اليك يا أمي هذه الحقيبة لملمت فيها كل حاجياتي الفائضة، لا أجد لها حيزا، سأختار أثاثا جديدا يتماشى أكثر مع الصرعات الحديثة، لكن الأساس القديم يلتصق بي كظلي، وهل من الظل خلاص أو مقتل ؟؟,أترين هذه المحتويات صارت مستهلكة؟؟, لا أجد لها نفعا ، وهي لا تجد مكانا يستوعب حجمها ويحتوي هيجانها سواي, حلي هذه المعضلة يا أمي، وافعلي ما تشائين بها ، وخبريني كيف وصل كل هذا الي ؟؟ أنا لم أفتح لهم أبوابي، من ذا الذي دلهم علي ؟؟!! من قال العلم نور والجهل ظلام ؟ أليس هناك نورا خفيا بسكينة الظلام .

وهذه السرة المهترئة يا أمي، انظري لنجماتها الخضراوات الثلاث وألوانها الأحمروالأبيض فالاسود، حتي كلمة الله أكبر خطوها بالأمس يجملون قباحتهم باسم الله ، وما زالوا يصرون, انها تثير بي الغثيان والاشمئزاز، لا اطيق وجودها عندي ،صارت رثة ممزقة تثير سخرية واهانة الاخرين لي ، انها تسىء للمكان فلم احتفظ بها أنا؟, و لماذا أبصرها امامي أينما حللت؟ بل تزيدني غيظا حين تغني الشمس في بلادي أجمل ! ، كيف هذا و الشمس في بلادي حارقة جدا حتي بموسم الشتاء ؟؟.
وطني ليس كباقي الاوطان ، ينبت فيه النخل بالمقلوب، و عطر وروده الاحباط والانكسار، تشيخ الطفولة فيه عند الولادة , فامنحيني يا أمي سرة لا تغني كذبا ، سرة أكثرملائمة لحجم الحدث ، سرة لو وضعتها بأي زاوية ترد الي هيبتي وقدري، ولا تنسي هذه النظارة خذيها أيضا لم تعد تنفعني، لا أرى بها سوى الضباب امنحيني عدسة أكثرجمالا .

لا تبقي صامته ،ليس سواك من يسكن عواصفي، بالله عليك يا أمي أن تتخذي هذه المرة موقفا ، بالأمس القريب أنت ابنتي ، وسدتك علي كتفي، سهرت الليل أحرسك، وأنا أحتاج اليوم حراسة وطن يجمعني لا يبعثرني !!
وانحنت كشجرة مثقلة بثمارها ،تسقي دموعها تلك التربه الطاهرة ، مدت يدها تلمس ذاك الحجرالرخامي تعانقته, لن ينطق الحجر مهما توسلت , لماذا لا يفعلها الحجر؟؟ !!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل سنعيش الطوفان ؟
الحكيم البابلي ( 2009 / 10 / 28 - 03:54 )
أبدعتِ يا رغد ، شممتُ رائحة الفجيعة عبر سطورك ، ورأيتُ كل إنهزاماتهم ترفرف بعد أن فقدت خجلها فوق ذلك العلم البائس الذي تقولين عنه :( حتى كلمة الله أكبر خطوها بالأمس يُجملون قباحتهم بأسم الله ) والأدهى أن خلفاء ( علي بابا ) لا زالوا يحتفظون بنفس العلم الممسوخ ذو النجوم الصدأة والألوان الباهتة وإله الحرب المُعوق الذي يتقاتلون بأسمه
واراك في أتم نقائك يا رغد وأنت تطلبين بحرقة وألم ورجاء : أنا أحتاج اليوم حراسة وطن يجمعني لا يبعثرني
لكنه تعب يا رغد ، وطننا هذا المطعون في كل شبر من جسده ، وها هو يركع على ركبتيه والذئاب تقترب بهدوء وحذر ، غير مصدقين أن مارد التأريخ يجثو ، بينما تمتد أصابعه تتحسس السكين في حزامه ، يبتسم ، جولة أخرى وربما أخيرة أيها الزمن العاهر
يعلو الضجيج ، يسدل الستار ، تُطفأ الأضواء ، تصطفق الأبواب ، وينتهي المشهد
تحياتي

اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا