الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في نقد المنطق التقليدي ..(7) تقسيم القضايا
عبد الرحمن كاظم زيارة
2009 / 11 / 19الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مرة أخرى نلتقي باعتلال آخر في المنطق التقليدي ومحله تقسيم القضايا على أسس غير معينة تعيينا تاما . ولن نتناول تقسيم القضية الحملية لأن أقسامها ترد الى شروط صدقها . وهي مسألة خلافية تتداخل فيها الفلسفة الافلاطونية الحديثة مع أدوات المنطق وبناه المنطقية ، تداخلا ً يمهد لجعل التصديق بالقضايا ملزما وكأنه أمر مفروغ منه . ولكننا نتناول التقسيمات الاخرى لأن تقويمها ممكنا من جهة بناء القضايا ، وإن كانت بعض التقسيمات التي نلاحظها في هذا الموضع لها شبيهة بتقسيمات القضايا الحملية ، اعني تداخل الرؤية الفلسفية مع بناء القضية . والتقسيم الذي يعنونه في المنطق التقليدي عبارة عن تصنيف للقضايا ..
(1)القضايا البسيطة والمركبة :
وهما قسما القضايا الموجهة ، ونلحظ في هذه القسمة تباين أساس التصنيف وهو ( الجهة ).
حيث أن ( جهة القضية هي مادة القضية )، ومادة القضية هي كيفية النسبة بين الموضوع والمحمول وهي لاتخرج عن ثلاث : الوجوب والامتناع والامكان . وعلى ضوء الكيفيات الثلاثة للنسبة يتقرر صدق او كذب القضية . ويثير الامكان هنا إشكالية من نوع آخر ، فلسفية ايضا بطبيعتها ، فأمكان وجود النسبة بين الموضوع والمحمول في تقديرنا غير كاف لتصديق القضية ..إنما تصديقها يكون بتحققها فعلا ، ولايصح الامكان الا على سبيل الاحتمال . ولايعتبر الاحتمال في تصديق او تكذيب القضايا ، ويصح الاحتمال فقط في تصور احتمالات التحقق من عدمها فقط ، إذا وفقط اذا تحقق احد الاحتمالات . فلم يبقى لنا إلا ّ الوجوب والامتناع . فاذا كانت كيفية النسبة الوجوب فالقضية صادقة ، واذا كانت كيفية النسبة الامتناع فالقضية كاذبة . وينتج عن ذلك إن جهة القضية ، بمعنى مادتها ، التي يمكن ان يعتد بها هي اثنان : الوجوب والامتناع . ومع ذلك فأننا نجد هذين الاصطلاحين فائضان طالما ان الحكم في القضايا يستند الى ثبوت او عدم ثبوت النسبة بين الموضوع والمحمول . وفي تقسيم آخر يتخذ من ( جهة القضية ) أيضا اساسا له ، إلا أنه بمعنى غير المعنى السابق ، ويترتب على ذلك اعتلال في نحت المصطلح وضياع المصطلح عليه ، فبعد ان يعرفوا ( جهة القضية بأنها مادة القضية : الوجوب والامتناع والامكان) ، يعدلون عن هذا القول ليحلوا محله قول آخر وهو ( ان جهة القضية له اصطلاح آخر ) ( كذا !) و( الجهة غير المادة فقد تفهم وتبين او لاتفهم ولاتبين في القضية ) ؟! . وبرغم هذا التنبيه إلا ان الفرق في حقيقة الامر فلسفي اكثر منه منطقي .. وحتى في معيار الفلسفة فالفرق المزعوم يولد التناقض وعدم التعيين في مصطلح الموجهة والموجهات . لنلاحظ المثال التالي لنر حجم الارباك في هذا المصطلح ) الانسان حيوان بالضرورة ) فيقولون : ان المادة ( الواقعية) هي الضرورة والجهة أيضا هي الضرورة . و( الانسان يمكن ان يكون حيوان ) : ان المادة هي الضرورة لاتتبدل بتبدل التعبير . اما الجهة فهي الامكان العام . ففي المثال الاول تطابقت المادة مع الجهة . وفي المثال الثاني فارقت مادة القضية جهتها .. ولكن لنسأل ثانية : هل ان القضيتين في المثالين مستوفيتان لشروط بناء القضية ، بكلمات أخرى هل ان وجود مفردات مثل بالضرورة ، واللاضرورة ، دائما ، ولا دائما .. في القضية يجعلها في حال يمكن معه اصدار حكم عليها ؟ ان المركب التام صفة للقضية ، وهي قطعية القضية ، لذا فأن وجود الالفاظ المذكورة لايتوافق مع شروط بناء القضية .
وعودة الى التقسيم الانف الذكر الذي يتضمن قسمين : القضايا البسيطة والقضايا المركبة . لانعثر على تعريف للقضية البسيطة لنوظفه في عقد الفرق مع القضية المركبة ..إلا انهم يكتفون بتقسيم القضية البسيطة الى ثمانية أقسام بحسب اقرانها بالفاظ من نوع : بالضرورة ، دائما ، بالضرورة الازلية ... نحو ( كل ماش غير مضطرب اليدين بالامكان العام حين هو ماش ) ولا نجد في هذا المثال واضرابه أي نسبة بينه وبين مصطلح البسيطة . فالموضوع هو ( كل ماش ..) وما تبقى هو عبارة عن المحمول متبوع بشرح مطول ! اما القضية المركبة فيعرفونها بأنها ( القضية التي تنحل الى قضيتين موجبة وسالبة ) ويعدون الاولى الجزء الصريح من القضية . اما الثانية وهي الجزء الثاني للقضية فهي تخالف الجزء الاول بالكيف وتوافقه بالكم (وغير مذكورة بعبارة صريحة ) ! نحو ( كل مصل يتجنب الفحشاء بالفعل لا بالضرورة ) ، فالجزء الاول ( كل مصل يتجنب الفحشاء بالفعل ) وهو موجب ، والجزء الثاني ( لا بالضرورة ) وهو سالب بحسب المنطق التقليدي . وملاحظاتنا النقدية هي :
ـ ان اعتبار ( لا بالضرورة ) قضية أمر غير صائب .. لأن القضية مركب تام ، والمركب التام لايكون إلا صريحا ، ومطردا ، وهذا معنى تمامه .
ـ ان وجود اللفظان ( دائما ) و( بالضرورة ) معا يجعل القضية غير قابلة للحكم .. فالاول يثبتها والثاني يحيلها الى الامكان ، والامكان احتمالي لايعتد به في الحكم الا كونه احتمال من بين احتمالات ( ممكنة ) وهي تتسع لاحتمالي صدق وكذب القضية في احوال دون أخرى .
ان مصطلح القضية المركبة يجب ان ينصرف الى القضية التي تتركب من قضيتين ، بأحد أدوات الربط المعروفة في المنطق . وعلى أساس اختلاف ادوات الربط يكون اختلاف القضايا المركبة . وهذا ما نتناوله في التقسيمات التالية .
(3) تقسيمات القضية الشرطية :
يقسم المنطق التقليدي القضايا بدأ ً الى : حملية وشرطية . ومرة أخر لانعثر عن تعريف أو تنويه بمعنى الحملية ومعنى الشرطية ، لإيضاح الفرق بينهما . أن التعريف الذي نلتزم به لتعريف الحملية هو أنها قضية بسيطة ، تتألف من جزأين هما الموضوع والمحمول يرتبطان بعلاقة انتماء ، أي انتماء الموضوع للمحمول . ويقر كتّاب المنطق التقليدي بأن القضية الشرطية (تتألف من قضيتين ) وهذا صحيح . وما عدا ذلك به حاجة الى المراجعة والتصويب . فهم يصنفون الشرطية الى صنفين : متصلة ومنفصلة . ويضربون مثلا ً على الشرطية المتصلة (اذا اشرقت الشمس فالنهار موجود ) وجاء اصطلاحهم المذكور من جهة اتصال علة وجود النهار وهي طلوع الشمس بوجود النهار نفسه ، ويتوهمون بأن هذه العلة هي ( الرابطة ) بين القضيتين الاصليتين ( طلعت الشمس ) ، ( النهار موجود ) .. وفي الحقيقة ان ارتباط القضيتين كان بوجود اداة الربط الشرطية ( اذا كان ... فأن ..) وهذه الاداة تميز القضية الشرطية عن القضايا المركبة الاخرى بحسب مفهومنا للقضية المركبة لا بمفهوم المنطق التقليدي . كما يضربون مثلا في الشرطية المنفصلة ( اللفظ اما ان يكون مفردا او مركبا ) ، من الصائب الاصطلاح على هذه القضية بأنها قضية منفصلة ،لأنها مركبة باداة الانفصال ( أما ... أو ..) او تسمى احيانا ( أو ـ مانعة الجمع ) تمييزا لها عن ( أو ـ مجيزة الجمع ) نحو ( نجح علي في الفيزياء او رسب زيد في الرياضيات ) حيث ان نجاح علي في الفيزياء لايمنع رسوب زيد في الرياضيات ، لذلك فأن أداة الربط ( أو ـ المجيزة للجمع ) تكون صادقة عندما تكون احدى القضايا البسيطة المركبة بهما في الاقل صاداقة ، ما يعني ايضا انها صادقة اذا صدقت القضيتان البسيطتان : نجاح علي ، رسوب زيد . أما ( أو ـ مانعة الجمع ) فأنها تكون صادقة عندما تصدق واحدة من القضيتين فقط وليس اكثر . لذلك فأن المثالين المتقدمين لايمتان بأي صلة للقضية الشرطية . لأن القضية الشرطية ببساطة تتألف من طرفين هما قضيتان في الاصل : الاول يسمى المقدم ، والثاني يسمى التالي . ولكن اين المقدم واين التالي في المنفصلة بنوعيها ؟ لايمكن الوقوف على مقدم وتالي فيهما ..
وفي تقسيم آخر للشرطية اعتبار ( الاحوال والازمان ) وقد تطرقنا الى هذه القسمة فيمطالعة سابقة من سلسلة الملاحظات هذه .. فقسموها الى : شخصية ، ومهملة ، ومحصورة . وكل من هذه الاقسام الثلاثة قسم الى قسمين : متصلة ومنفصلة . وهي قسمة غير موفقة ، تتوهم نسب غير موجودة ، وتهمل ادوات موجودة ولاتستقيم القضية الا بوجودها لفظا ومعنى وكتابة . حيث يعرفون الشرطية ( بأنها ما حكم فيها بوجود نسبة بين قضية وأخرى أو لاوجودها ) ! .
ومن بين الامثلة التي تساق على الشرطية المتصلة أيضا ( كلما كانت الامة حريصة على الفضيلة كانت سالكة سبيل السعادة ) وهي في الحقيقة ليست متصلة ، بل هي شرطية . أما القضية المتصلة فهي قضية مركبة باداة الربط ( و َ ) والتي تسمى اداة الاتصال نحو ( جاء علي وزيد ) فهي تصدق في حالة واحدة فقط عندما تصدق البسيطة الاولى ( جاء علي ) وتصدق البسيطة الثانية ( جاء زيد) ، وبغير ذلك فهي كاذبة .
اما وضع ( المحصورة ) بوصفها قسما من اقسام الشرطية فهو غير صحيح ايضا ، لسبب بسيط ان ( كم القضية ) هو كم القضية الحملية ولا كم للشرطية ، أو لأي قضية مركبة بقضيتين بوساطة احدى ادوات الربط ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت
.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل
.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام
.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم
.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال