الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


... وبغداد لاتقرأ

حسام السراي

2009 / 11 / 23
الادب والفن




الكثير من المقولات والاحكام الجاهزة في سجل ذاكرتنا الناصعة بشعارات مُحتضرة، بحاجة ليس فقط الى ابدال، وإنما الى ركل بإقدام النسيان. اذ انّنا باقون أسرى قوالب صنعها اطلاق مسبق لها في لحظة ما من التاريخ،فلم تعد ملائمة لراهننا ولطبيعة التحوّلات الهائلة التي تمر بالعالم،بينما نشهد نحن تراجعا واضحا، كمنظومة ثقافية لاتريد معالجة نفسها في اطارها العربيّ القومانيّ،وحتى في اطارها العراقيّ المحليّ،ذاك الذي يعيش تشظيا ثقافيا، تتحرّى عن بعضه فتجده لعابا يسيل على أبواب الساسة وولائمهم،وآخر عنوانه أخوانيات فارغة او عداء متبادل نابع من امراض معروفة في الوسط الثقافيّ،هذا بإستثناء أولئك الذين يشقون طريقهم بعناء،لصدقهم مع ذواتهم والآخرين.
واحدة من المقولات التي سيقت أذيالها الى أدمغتنا.."القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"،ولنترك دوافع اطلاقها ومن كان وراء ذلك، بإطلالة على واقع الكتاب ومنه الى القراءة في العراق.صحيح ان لدينا شارع كتب ببغداد،روّاده كثيرون، نباهي به العالم اجمع،إلا ان رواجا حقيقيا على الصعيد المجتمعي،سواء لمؤلفات عالمية وعربية وعراقية،ليس بمستواه المطلوب، الأمر الذي يعكس تراجعا تمر به ثقافتنا،كونها بلا أثر وتأثير اجتماعي،سوى في محيطها "النخبويّ".
ان الكتاب اليوم،الذي لايعير للجغرافية أيّ اهمية،لم يعبر عندنا الى الكثير من النفوس،وهو في العالم المتحضّر يسافر بلاحقائب ويدخل الوعي بإرادة حامله،في القطار،محطة الباص،الاماكن العامة،المنتديات،ولأسباب التراجع في العراق تحديدا،تبريرات كثيرة،لبعضها ماشغل العراق بسوء نظامه السياسيّ في الثلاثة عقود الاخيرة،حينما تقدم الخوف من الجوع على تدارك الجهل والتجهيل، فتهاوت ثقافة اجيال وأجيال، وتغلغل كل ماهو سريع وباهت الى نفوس عامة الناس، حيث الإهزوجات والاقاويل، التي تُسرّب أمام أعيننا الشعبي المفرّغ من القيمة الثقافية،فغاب الكتاب غيبة مأسوفا عليها.
وكان النتاج لذلك ألا يكون مستغربا،ان طالبا في كلية الهندسة او العلوم السياسية أو حتى اللغات أوالتربية، لايعرف من هو الجواهري او السياب،وهو الجامعي الذي لابد له من ثقافة عامة،او ان شاعرا شابا لايعرف كيف يركب مع زملائه قطار الحداثة،وبالطبع حالما حل الخراب في مفصلي السياسة والاجتماع،لاح الثقافة خرابٌ اكبر،انسحب أحيانا على الذوق العام والخُلق الذي نرى امثولاته حية أحيانا.
ولاننسى طبعا ان ماأعقب العام 2003،كان مكملا بشكل أوبآخر لذاك التشوّه القديم،حيث الكيانات الجديدة غير المتجانسة والنظرة المشكّكة للثقافة والفن،واستمرار اندحار القيم المدنية ،والكتاب،حامل الأفكار ومسوّقها، بلا جليس هذه المرّة،بحيث أخذت الخشية تتجسد من أن تتحقق نبوءة قديمة لنيتشه،مفادها "قرن آخر من القرّاء –ويتعفّـّن الفكر ذاته".
لذا يكون طبيعيا جدا ألاّتحظى دعوة روائي عراقي اجبرته واحدية نظام صدام على ترك العراق،بأيّ استجابة،فالكاتب علي عبدالعال صاحب تسعة اعمال أدبية،بين قصة ورواية، طبعت جميعها خارج العراق،في لبنان وسوريا والسويد، رأى انّ من الواجب اعادة طبع النتاج العراقيّ المنشور خارج البلاد من قبل مؤسساتنا الحكومية المعنية بالنشر،والامر في حقيقته بعيد المنال،ان لم يكن غير قابل للتحقق أصلا، في ظل غياب ستراتيجية واضحة لصناعة ثقافية واعدة، فما نراه من وزارتنا ذات الهم الثقافيّ،أغلب الأحيان، لم يتجاوز كونه اضافة الى كم من الأنشطة التقليدية.
وهنا يوسم الحديث عن اعادة طبع النتاج العراقيّ في الخارج، بطرا مُغالا فيه، فسوق الكتاب يعيش ورطته هذه الأيام مع الدلائل التي تشير الى اضمحلال أوصال كبيرة من جسد الطبقة الوسطى في العراق، التي ارتبطت بحبِّ القراءة ضمن الأنساق العائلية التي وجدت فيها. ناهيك عن عشرات الكتب والمؤلفات العراقية التي تصدر سنويا،وتجد الطريق وعرا امام تسويقها ووصولها الى المتلقي العراقيّ،لأسباب تتعلق بالدور نفسها وماتفكّر به من عوائد مالية ،أو الى نهج بال في توزيعها وايصالها الى المتلقي.
كل ذلك يدعونا الى ان نُخرِج فعل القراءة من اطاره النخبويّ،ونُرجح رأينا بأن "بغداد لاتقرأ"، لما يجري من احجام او قلة تفاعل مع الكتاب،لظروف مررنا عليها سريعا.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با