الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة العقود النفطية الجديدة-أولا

حمزة الجواهري

2009 / 12 / 16
الادارة و الاقتصاد


سقط النظام الدكتاتوري وترك البلد الذي يطفو على بحار من نفط، فيه شعب جائع، عاري، عاطل عن العمل، مريض ونصفه جاهل، هذه العبارة، كلها أو بعضها، نسمعها كثيرا في المقهى والشارع والبيت، وعندما تغرق شوارعنا بالمياه الآسنة ويخرج علينا أمين العاصمة، مغلوب على أمره، يشكو من قلة التخصيصات المالية وضيق ذات اليد. نسمعها عندما نرى أبنائنا من خريجي الجامعات وهم يفترشون الأرض على الأرصفة يبيعون الملابس المستعملة أو البضائع المقلدة في تايوان التي تتوقف عن العمل قبل الوصول إلى البيت. مدننا رثة وشوارع تغرق بالأزبال والمستنقعات، وبيوتنا تكاد تخلو من كل شيء إلا مسببات الأمراض المعدية وحتى المزمنة.
في البدء:
حين قرر العراقيون تطوير المزيد من حقولهم النفطية في العهد الجديد، أتذكر جيدا، يوم كان النقاش محتدما حول مسودة النفط والغاز قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، كان أحد السياسيين الكبار يدعوا إلى تقديم تسهيلات لشركات النفط العالمية أكبر من ذلك التفريط بالحق العراقي الذي كانت المسودة سيئة الصيت تعتمده. ولكي يدعم رأيه في البرلمان وفي جلسة على الهواء، قال بتهكم وباللهجة الدارجة العراقية ما معناه " وهل ترون أن الشركات تقاتل من أجل الحصول على فرصة في العراق؟"، كان الرجل يعتقد إن ما يقوله هو الواقعية بعينها رغم كل ما قدمناه من دراسات على الأهمية الاستثنائية للحقول النفطية العراقية بالنسبة للاقتصاد العالمي كونه الأقدر على تلبية الحاجة العالمية المتنامية للنفط والعجز النسبي للمنتجين الآخرين لتلبية الحاجة إلى كميات إضافية على مدى العقدين أو الثلاثة القادمة، وإن الذي يمنع الشركات العالمية من الدخول للعراق هو سوء الوضع الأمني وليس زهدا بالنفط العراقي. وبالفعل وبعد أن تحقق الهدوء النسبي وتحسن الوضع الأمني، اصطفت الشركات طوابير على أبواب وزارة النفط طلبا ليد العروس العراقية.
الحاجة لعقود جديدة:
ما ينبغي الإشارة له هو:
لو لم يكن العراق بحاجة إلى إمكانيات مالية وبشرية أكبر مما يتوفر لديه الآن، لما وجدنا مبررا لمنح الشركات العالمية عقودا طويلة الأمد لتطوير الحقول النفطية، لكان من الأجدر اللجوء إلى عقود الخدمة قصيرة الأجل المعروفة عالميا لسد النقص عند القيام بهذا الجهد الجبار وطنيا.
وجد العراق أن الصيغة الوحيدة المتوفرة أمامه هي عقود المشاركة بالإنتاج التي أفرزت من السلبيات أكثر من إيجابياتها، خصوصا وأن الحقول العراقية تختلف عن كل تلك الحقول العالمية التي طورت وفق هذا النموذج الاقتصادي للعقود، حيث، في العموم الغالب، تعتبر تلك الحقول صغيرة جدا وفيها من التحديات ما لم تستطع تلك الدول تذليله، إما لضعف خبراتها في مجال النفط، أو لقلة إمكانياتها المالية، أو لكلا السببين معا، لذا وقفنا مع آخرين بوجه تلك العقود التي عفى عليها الزمن، وللتاريخ أقول أن الحكومة بالكامل ووزارة النفط تحديدا قد استجابت لدعوات الخبراء الوطنية الصادقة وطورت من موقفها نحو كتابة عقود خدمية جديدة مختلفة عن عقود المشاركة بالإنتاج شكلا ومضمونا وفق الضوابط الوطنية، ولم تتنازل عن أي شرط ينقص من حق العراق أو يخل من سيداته.
التشكيك:
كان العديد من التكنوقراط النفطي والسياسيين يسعون بشكل إيجابي لتطوير هذه العقود الجديدة لكي تلبي كل الثوابت الوطنية، وحين انتهت الوزارة من كتابتها بشكل يلبي كل الشروط الوطنية، مع الأسف الشديد، وجدنا فريقا، أو فرقا، راحت تشكك بإمكانية القبول بها من قبل الشركات العالمية الكبرى لكونها اعتادت على عائدات مجزية عندما تدخل بلدا ما، واعتبرها البعض مضيعة للوقت والجهود، لأنها في النهاية ستفشل وسوف لن تقبل بها أية شركة على الإطلاق. تصدينا لمثل هذه التشكيكات بمبررات موضوعية وعلى أسس اقتصادية وفنية، وقد تحقق بالفعل ما ذهبنا إليه وجائت الشركات.
الغيرة:
لكن الوزارة مع ذلك مضت بهذه العقود في جولتين من التراخيص، وعندما أدركوا أن الأمر يسير بشكل منهجي وصحيح ولابد سيفضي إلى بر الأمان، وسينجح العراق بتطوير حقوله النفطية، وهو ما سيرفع من المستوى المعاشي ويحقق بعض الرفاهية للشعب، استشاط البعض غيضا وغيرة وانخرطوا في مساعي حميمة لتسقيط الوزارة ووزيرها، بل والحكومة برمتها، لكي لا يسجل هذا النجاح باسم هذه الحكومة، الحق يقال، أن البعض منهم ليسوا ضد تحقيق مكاسب للشعب المظلوم، لكنهم كانوا يتمنون أن يكون هذا النجاح على أيديهم وليس لمنافسيهم السياسيين، وبذات الوقت كان لآخرين مآرب أخرى خبيثة.
تسيس ملفات النفط:
لقد وصل الأمر ببعض الكتل السياسية إلى جمع التواقيع لعزل الوزير قبل أن يصل الأمر لتوقيع العقود مع الشركات التي فازت بجولة التراخيص الأولى، وتباكى الكثير منهم على الشرعية الدستورية والغطاء القانوني لهذه العقود، وطالبوا بتحويلها للبرلمان لكي يصادق عليها، ومازالوا يفعلون، في حين إننا نعرف، كما يعرف الجميع، من أن هذه العقود، أو أي شيء آخر، لو دخل للبرلمان، سوف لن يخرج منه معافى، وربما لن يخرج أبدا، وهذا ما يدركه أعضاء البرلمان أنفسهم.
وذهب آخرون لما هو أبعد من جمع التواقيع والاستجواب التسقيطي بكثير، وهو أن رفعوا دعاوى أمام المحاكم العراقية العليا ضد الحكومة لأنها صادقت على عقود الجولة الأولى، وأقل ما توصف به محاولة من هذا النوع أن هذه الكتل البرلمانية لا تريد لهذا الشعب أن يتمتع بثرته التي حولتها الأنطمة السابقة إلى نقمة عليه، طبعا الحجة هنا أيضا هي توفير الغطاء القانوني والدستوري الذي يسمح للحكومة التوقيع على عقود خدمة مع شركات، وكأن العقود تشكو من برد الشتاء القارص، لذا فهم يريدون لها أن تنام في أحضانهم الدافئة والحنون.
آخر الأدوات الكذب:
كان ذلك شأن الغير متخصصين بالصناعة النفطية، أما المبكي، أو المضحك حد البكاء، هو موقف بعض الوزراء السابقون، فقد خرجوا علينا من خلال الفضائيات في تحليلات بائسة متهافتة، حيث أن أحدهم يطالب الحكومة بأن تتريث وتؤجل توقيع العقود لحين انتخاب حكومة جديدة، ظنا منه أنه بعد أن يعاد توزيره مرة ثانية لا سامح الله سيوقعها هو، وخرج علينا وزير آخر من إذاعة البي بي سي قبل ثلاثة أيام، بقراءة معكوسة لمضمون العقود وذلك حين وضع حرف النفي ""لا"" أمام كل شرط إيجابي في العقود، في الحقيقة أنه كان متأكدا أن الإنسان العادي لم يقرأ العقود، وحتى لو قرأها فإنه سوف لن يفهم مضامينها، لذا وجد من السهل عليه تشويه صورة العقود بهذه القراءة المعكوسة، أي وصل به الإفلاس بالحجة أن تحول من وزير سابق، ينبغي أن يكون وقورا، إلى كذاب أشر، لكن ينبغي الإعتراف أن الرجل كان بالفعل يناضل، بل يقاتل، من أجل تحقيق أجندة سياسية مستحيلة التحقيق، ليعود هو الوزير في دورة حكم كارثية جديدة لحزبه.
النفط لرفاه الشعب وليس أداتا بيد السياسيين:
ينبغي الإشارة هنا، وكما يعرفني الجميع، لست موظفا في الحكومة ولا منتسبا لأحد الأحزاب الحاكمة، بل من المعارضين لها سياسيا كوني علماني للنخاع، ومازلت على علمانيتي، وما أكتب وكتبت في حقيقته كان من منطلق وطني محض، ولا يهمني من الذي سيسجل نجاحا للعراق، المهم هو أن يكون عراقيا ويعمل من أجل المصلحة الوطنية، وأن يحقق العراق النجاح على يدي أبناءه، كما أود بهذه المناسبة التأكيد، للمرة الأف، على مسألة غاية بالأهمية، وهي أن ملف النفط بالذات يجب أن يكون بعيدا عن كل الصراعات السياسية، وهذا ما دفعني للكتابة سابقا حول هذا الموضوع عدة مقالات، بعضها كتبته قبل ثلاث سنوات، يجدها القارئ على موقعي الخاص في الحوار المتمدن، كان آخرها مقالة من ثلاثة أجزاء بعنوان "ليس دفاعا عن الوزير" وهي بالفعل لم تكن دفاعا عن هذا الرجل، بل كانت دفاعا عن ثروات يراد لها أن تبقى تحت الأرض، والناس تتضور جوعا، وكتبتها وقوفا بوجه حملات التسقيط وتسيس الملف النفطي.
لكن، ومع كل الوضوح التي كتبت به المقالات، أعتبرها البعض دفاعا عن مواقف الحكومة والوزير، في حين تعمدت في آخر مقالة أن يكون العنوان ""ليس دفاعا عن الوزير"" لعلهم يقرأون بالفعل وليس بالمزاج، أما الآن أقولها بملئ الفم: يسعدني ويشرفني أن أدعم أي موقف وطني، وأن أمد يدي لكل شريف يعمل من أجل العراق، وأقولها مرة ثانية وثالثة، بل ألف مرة:
أن لا تدعوا الكيد السياسي، من أجل تحقيق مصالح ضيقة، يكون على حساب المصالح الوطنية العليا.
لذا أدعوا كل الذين اتهمومني بتهم باطلة قراءة الثلاثية مرة أخرى والمقالات التي سبقتها، فإنهم سيجدون أنها دعوات صادقة:
أن إبعدوا النفط عن المهاترات والصراعات السياسية...........لعلكم تفلحون.
شرعية العقود والتعاقد:
بالرغم من أني لست رجل قانون، لكني كغيري من عامة الناس، أتعامل مع القانون على أساس المنطق السليم فقط، فلم أرى، لا في الدستور، ولا في القوانين المرعية، ما يستدعي دخول هذه العقود للبرلمان، لأن ما يجب أن يصادق عليه البرلمان، هو الإتفاقيات أو المعاهدات الدولية، وليس عقدا خدميا، ومن الواضح أنها دستوريا من اختصاصات الحكومة حصريا، أما إذا كان البرلمان، كجهة رقابية، لديه إعتراض، عليه أن يقدم مبرراته المنطقية لذلك ويطلب تعديلا لبند أو بنود من هذه العقود، لا أن يدخلها في دهاليز المزايدات السياسية المظلمة التي لا طائل منها بدعوى المصادقة عليها قبل أن توقعها الحكومة.
سنكمل الحديث عن هذه العقود في الجزء الثاني من هذه المقالة.
بغداد 2009-12-15








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية احترام وتقدير وثقة بلا حدود
كامل الشطري ( 2009 / 12 / 17 - 16:02 )
الاستاذ والخبير النفطي حمزة الجواهري المحترم
يسعدني أن يكون هناك صوت عراقي وخبير نفطي مدوي يفضح من يريدون النيل من العراق والعراقيين والتفريط بثرواته النفطة وخيراتهم المادية
اني كلي ثقة بأخلاصك و وطنيتك ومهنيتك كخبير نفطي ولحقبة زمنية طويله ودفاعك المستميت و وطنيتك الخالصه و وقوفك الثابت من اجل العراق وشعبه العظيم
لا تبخل على الشعب العراقي بمزيد من المقالات لفضح الاعيب المتلاعيبين بخيرات العراق ومنها ثروته النفطيه وانت الادرى بهذا وفضح اغراضهم السياسية والحزبية
ان الشعب العراقي و خيراته لنفطية امانة بأعناق المخلصين والمبدعين من ابناء العراق الميامين وانك واحد من هؤلاء المبدعين العمالقة والعارفين بخبايا العراق وما يتعرض له من هجمة تدميريه شرسة مستهدفة شعبه وثرواته

أشدُ على يديك أيها العزيز ودم لنا سالمآ من اجل العراق والعراقيين وثرواتهم النفطية وأتمنى ان تكون ناشطآ وعاملا في اللجان النفطية الحاليه وهذه دعوة مخلصة الى رئاسة مجلس الوزراء و وزارة النفط للاستفاده من خبراتك النفطيه

أخوكم / د. كامل الشطري
متخصص في الهندسة المدنية والمباني المركبة
هولندا

اخر الافلام

.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة


.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا




.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و