الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة صغيرة / قصة قصيرة

نواف خلف السنجاري

2009 / 12 / 22
الادب والفن


يمشي مستنداً على عكازه العتيق، يدّق الأبواب، يستجدي، وبعد أن يهده التعب يجلس على رصيف الشارع المقابل للمصرف والذي صار مكانه المقدّس! انه لا يحمل معه أية موهبة إلا انه يجيد التسوّل كمهنة واحتراف!
في نفس الفندق الذي اعمل فيه نادلاً، كان هذا الرجل يأتي كل يوم بعد أن ينتهي من (وظيفته)! ليقضي لياليه معنا، يأكل ويشرب ويعربد ويصرف بكل سخاء، حتى انه كان يترك لي فطوري كل صباح ويعطيني بقشيشاً كأنه أمير!
الشحّاذ يحب (سامية) الفتاة الفقيرة التي تعمل منظفة في فندقنا ذات النجمة الواحدة! نحن نعرف اسمها فقط، أما عمرها فيتراوح بين 20 – 25 عاماً. هي نفسها لا تعرف اسم والدها أو والدتها ولا تملك أية أوراق رسمية تثبت شخصيتها، فهي غير موجودة أساساً في سجلات الحكومة.. كل ما ذكرته لي هذه الفتاة : إنها وُجِدَت أمام عتبة إحدى البيوت ملفوفة بسرّة، فقام العجوز صاحب البيت بتربيتها كأنها ابنته إلى أن أصبحت فتاة في العاشرة، وعندما توفي العجوز تولّت تربيتها امرأة فضة قاسية القلب جعلتها خادمة في منزلها مقابل الطعام والكساء. ولمّا بلغت الخامسة عشرة من عمرها تحوّلت سامية إلى صبية حسناء تشع أنوثة وإثارة، وفي يوم كانت زوجة صاحب المنزل غائبة قام الرجل الدنيء بمضايقتها والتحرش بها، وحين صدّته طردها بحجة أنها تسرق النقود من محفظته!
منذ ذلك الحين وهي تعمل منظفة في هذا الفندق المتواضع، الكل يعطف عليها ويعاملها بلطف، فهي نشيطة كنحلة تساعد الجميع بعد أن تنهي عملها، وتنام في غرفتها مع امرأتين إحداهما تبيع الشاي خارج الفندق، والأخرى تعمل في غسل الصحون. أشدّ ما كان يزعج سامية همسات وغمزات المتسوّل ونظراته الشرهة ومغازلاته الثقيلة، وحين عرض عليها الزواج ساخراً، أجابته بكل أدب:
- لن أتزوجك حتى لو فرغ هذا الكوكب من الرجال!
- حسناً، انك تفضلين الشاب المخنث، انه لا يملك اجرة غرفته.
- هذا أمر لا يعنيك أيها المتسول
- أنا شحاذ نعم، لكني املك نقوداً استطيع أن اشتري بها حبيبك العاطل!
ثم صاح بصوت عالٍ:
- اجلبوا لي شراباً فاخراً فانا أريد أن اشرب هذا المساء نخب العاشقين الجميلين..
بعد أن يثمل الرجل الكهل كان يحمل العشاء ويأتي إلى غرفتي نتناوله معاً، بعدها يبدأ بإعادة سرد قصة حياته البائسة، والتي أحفظها عن ظهر قلب، ثم يسألني بأسى:
- إلى متى ستعمل في هذا الفندق الحقير ؟
وقبل أن أجيبه، يسألني السؤال الممل :
- وماذا جنيت من دراستك بحق الجحيم؟
اضحك من كثرة طرحه هذا السؤال وأقول له:
- حتماً سأصبح يوماً مسئولاً كبيراً في الحكومة! وأول ما افعله هو منع المتسولين أمثالك أن يجوبوا الشوارع!
فيضحك عالياً ويهتف: - مرحى.. مرحى.. للمحافظ الجديد!!
مرّت سنوات، وحصلت تغيرات كثيرة في مملكتنا الصغيرة.. تزوّجت سامية بعد أن صارت تملك اسماً في سجلات الدولة الرسمية، انتزعه لها رجل ذو نفوذ وسلطة! وهي الآن مسئولة رفيعة في إحدى أهم الوزارات! أما حبيبها الشاب فقد تخرج من الجامعة، وهو يعمل نادلاً(جامعياً) معي! والرجل الكهل الذي كان المتسول الوحيد في الفندق أمسى (رئيساً) لستة متسولين آخرين ملئوا المكان بصخبهم وضجيجهم وقذارتهم!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق