الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية الاسطورة المؤسسة للمخيال السياسي العراقي؟

يوسف محسن

2009 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل استطاعت النخب السياسية العراقية منذ العام 2003 ان تؤسس محددات ثقافية واقتصادية وسياسية واسطورية للمخيال السياسي العراقي؟ والاسطورة هنا ليس بالمعنى النابي، وانما بوصفها منظومة رمزية – سياسية مبنية بواسطة خطابات موحدة قادرة على التعبئة الاجتماعية أي توصيف الافراد الفاعلين الاجتماعين من اجل العمل الاجتماعي والتنمية البشرية.
للوصول الى فهم المنحنى السياسي للدولة العراقية مابعد العام 2003 يتطلب كمدخل اولى تحليل الخطوط العريضة لبنيات الخطاب السياسي للجماعات الدينية والقومية والاثنية والسياسية والتي تشكل الفضاء العام للمجتمع العراقي فقد شكل مفهوم (الديمقراطية) حجر الزاويا في هذا الخطاب السياسي حيث وقع منتجوا هذا الخطاب في الوهم القائل بان الديمقراطية تعني تماثل الدولة او المؤسسة التمثيلة مع تركيبة المجتمع لكون هذه التركيبة تمثل اصالة المجتمع العراقي (المخترع سياسياً) من قبل هذه الجماعات.
هذا الخطاب السياسي يفتقد الى صيرورات التمركز حول نواة حقيقية او هوية حيث انه الفكر (البلقانوني) الذي تم اعادة هيكلته عبر آليات الهويات والاصالة والتفرد في (المخيلة) الايديولوجية ادى الى تمركزات حول (طوائف، قوميات، اعراق، اثنيات) وتوترات سياسية للجماعات المقصية والمهمشة عن الدورة السياسية او الشراكة في السلطة/ الثروة.
هذه النخب السياسي (افتراضاً) التي تهيمن على الفضاء السياسي بعد التغير 2003 والتي تتشكل من مزيج فسيفسائي أي انتاج مجتمع يعاني ازمة تكوين البنى الاجتماعية والاقتصادي والتشظي الشديد والتمركز حول هويات ومرجعيات سياسية وفكرية تتراوح بين التعايش والنزاع ونتيجة للعنف المنظم والقهر الذي مارسته الدولة التوتاليتارية منذ ستينيات القرن الماضي داخل المجتمع العراقي هذه الجماعات الفسيفسائية تبحث عن اسطورة مرجعية او طقس مشترك يمثل اعادة انتاج للرأسمال الرمزي للدولة الوطنية العراقية بعد الانهيار الكلي، ان هذا الانهيار العاجل للدولة حدد الفشل الاخير لها كما صممت لكثر من ثمانين سنة خلت في اعتاب مواجهة عسكرية اخرى انتهاء باختفاء نهائي لاحد ابطالها (امبراطورية العثمانية قبالة الامبراطورية البريطانية).
ان اعادة انتاج هذه النخب السياسية (القرابية، الطائفية) كحامل تاريخي يشير الى مجموعة من الدلالات الملتبسة التي يمكن اكتشافها في المشهد الممسرح حيث انها مرهونة بروح الاسلاف (شعائرهم، طقوسهم) ان ماضي العراق الكولونيالي هو حاضر العراق الكولونيالي.
لا تمتلك البعد المستقبلي لعراق مابعد صدام حيث ركود البنى الاجتماعية، الازمات المستديمة ضعف الحراك السياسي للطبقات الاجتماعية عدم تبلور جماعات الانتلجستيا........
وهنا تكمن عملية الاخفاء الايديولوجي لجماعات النخب السياسية فهي تكرار مهيب وهزلي للنخب السياسية القديمة التي حكمت الدولة الوطنية العراقية ابان ظهورها، حيث تنطوي هذه الفكرة على المشروعية لتجاوز الظهورات المتعاقبة للدولة (انقلابات، ثورات) فكان رهان الجماعات السياسية ولحد الان الامساك بتاريخية الاسطورة من اجل توسيع المعنى/ القوى واضفى الشرعية على مجموعة النخب الجديدة.
فالمسألة العراقية تؤرخ لانهيارات التاريخية المستمرة (للدولة الدستورية الدولة العسكرية، دولة الحزب الواحد) وهنا تكمن هزيمة الاستعارة المستعادة امام خطاب النخب السياسية لصعوبة الامساك بمصدر الاسطورة او البحث عن تأطيرات مرجعية – تاريخية نتيجة الترقيعات والتحويرات التي طالت (المأتم الجنائزي العراقي) في تاريخه الحديث حيث ان هذه التحويرات تطال الذاكرة الشعبية لكون تاريخ المجتمع يعمل وفق انساق بنيوية خارج الارادات الذاتية للافراد وفي هذا الحقل تكمن ديناميكات النزاع الان في العراق تتطلب العودة الى قراءة السرديات الكبرى التاريخية للدولة الوطنية العراقية حتى الانهيار الشامل تتوصل الى فهم المنحى السياسي للحقل الايديولوجي العراقي (تفكك اليسار التقليدي، السبات المستديم للتيارات الليبرالية، نمو وتبلور الاصوليات الدينية بوصفها ازمة اجتماعية شاملة وتشكل الهويات الفرعية القومية والعرقية وظهور الطائفية السياسية العراقية التي تتناسل نتيجة استمرار اشتغال نظام البنى التقليدية وازمة تبلور مؤسسات الدولة الحديثة وهيمنة الرموز الاسطورية في الفكر السياسي العراقي الجديد.
فضلاً عن ذلك ان الدولة التوتاليتارية البعثية قامت على بنية سياسية معقدة ومركبة.
حيث شيدت نظام متشابك من البنى القرابية والايديولوجية الريعية والحزب الجماهيري الواحد والاقتصاد المركزي المخطط والهيمنة على وسائل الاعلام والجيش والاجهزة البوليسية (مخابرات، امن وطني، استخبارات...... اضافة الى التلاعب بالمؤسسات الاجتماعية التقليدية الاهلية وسيطرة نظام العصبية السياسية مما منح هذه الدولة درجة عالية من الضبط والقسوة الجامحة وصلت الى مرحلة الابادات الجماعية للمكونات الدينية والقومية المناوئة.
وهنا نلاحظ سهولة الطرح في تناول المشاكل التي يرزخ تحتها المجتمع العراقي وعدم تمكن المثقفين في كشف الابعاد الفكرية والثقافية والسياسية وتنقيب عن الجذور التاريخية للتوترات والصراعات اضافة الى ذلك لم يطرح سؤال التعددية (القومية والدينية والعرقية والثقافية) وقضية علاقة الدين بالدولة ومصادر التشريع واقتحام الثروات/ السلطة.
بالعودة الى التأطيرات النظرية لاغرامشي يمكن ان تشكل الاساطير التاريخية والثقافية، اداة فعالة في ترسانة الدولة للسيطرة والهيمنة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبعكس ذلك فان الدولة تقع في فخ التصدع والتشقق اذا ما تجاهلت استحضار الاساطير خصوصاً في فترات التغيرات الاجتماعية الكبرى.
ان تفحص عملية بناءات وتشكل الدولة في العراق الحديث مابعد العام 2003 تلك العملية غير المكتملة لحد الان نرى ان المجتمع العراقي والنخب السياسية لم تتبنى نموذج مشترك للمجتمع السياسي، هناك نماذج تنازعية فيما يتعلق بهذا النسق، لكون العراق محكوم الان بسلسلة من الاحزاب الاثنية والطائفية والدينية وهذه المؤسسات تحتكم الى مجالات ايديولوجية متباينة ومتعددة في المجال السياسي وضعف واضح وهشاشة للجماعات الليبرالية والعلمانية.
فضلاً عن ذلك ان الجماعات او المكونات العراقية بغض النظر عن القومية والدين والطائفة والاثنية والخيارات الايديولوجية لا تمتلك شراكة ثقافية/ ايقونة رمزية- رأسمال سياسي تجمع عليه فهي تعيش في فضاءات وانغلاقات ثقافية وهذا يفسر جزء من المشكلة في عدم استقرار المجتمع العراقي سياسياً واقتصادياً كما ان غياب المجتمع السياسي يرتبط بغياب هوية جماعية مؤسسة للدولة السياسية العراقية، حيث ان اعادة انتاج أي حدث او رمز تاريخي يؤدي الى تصدع العقد الاجتماعي العراقي. لنأخذ (شخصية عبدالكريم قاسم) ونرى حجم التشقق والتلوينات في الذاكرة التاريخية العراقية ففي اللحظة التي تحتفل الجماعات اليسارية والديمقراطية بثورة عبدالكريم قاسم كانت جماعات الملكية الدستورية تنصب التعازي بأنقلاب قاسم الدموي ومجزرة القصر التي راح ضحيتها الملك والملكة العجوز والاميرات قتل وسحل وبتر الاعضاء في حين توصم الجماعات القومية عبدالكريم بالشعوبية والاقليمية وانتهاك القانون والدكتاتورية الفردية.
ان بناء اسطورة سياسية تأسيسية مرهون بتغيير الحقل السياسي العراقي وتجاوز العناصر الطوطمية في تاريخه الثقافة العراقية وتحديث المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وفتح حوار عقلاني تنويري لاستيعاب الاخر التعددي الديني والقومي والاثني للخروج التام من دين التوتاليتارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE