الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسوار

سيف عطية
(Saif Ataya)

2009 / 12 / 22
الادب والفن


كان يجلس كل يوم كعادته على زاوية الطريق، يغوص بأفكاره العفوية ويتأمل كل إنسان بترقب شديد، كان يعرف كل من يمر وكان يحسب خطوات الشفق الأنثوي... يتابع تلك الخطوات الملائكية الجذّابة ، وعواطفه الملتهبة كشعاع جهنّم يخرق قلبه المتفجر بعذوبة الحب ولذة الشوق وحلاوة الحنين.
كان يحلم في أن يكتب قصيدة حب يسطّر فيها صوت الشعر الدافئ وبوحي يلقنه الحب ويعلمه الغوص في الأعماق بحب امرأة لم تذق طعم الفردوس من طعم شفتيها يخجل حتى الشهد ، وتزعج طلعتها كل بنات حواء.
خطوات تعزف أنغاماً تمزق أجنحة الشوق وترقص رقصة الملائكة. تزهرّ من آثار خطاها أغصان الورد، يحسده النخل الشامخ بظلال متكسرة فوق شناشيل الحي الصامت، يقتل صمته حتى الأموات.
كان عاشقاً في زمن الرعب، زمن القتل بالمجان، يخفي كل الآلام المتعفنة في صدر لا يملك غير الشوق ، ولسان لا ينطق حرفاً عند خطاها، يحفظها كصبي يقرأ نشيد الأطفال.
حيرته تخرق حنجرته وتبو بجنون الحزن الساكن في الأعماق، ترتعش أصابعه ويسقط في الآفاق حين تحييه، ويتلون وجهه بأكثر من ألوان القزح، وظل الحلم شقياً يداعب أحلام اليقظة، وعواطف الفجر القادم تقود كيانه المتهرأ نحو اللامعقول ، تحت سماء اليأس والتهميش والنحول، من المجهول الى المجهول.
شهيق الحب يأخذه عميقاً في أمواج البحر الهائج والإعصار، ويأمل يوماً أن تنبثق الحياة من الأعماق.
في لحظة صمت ، لايسمع الا نبض القلب وقطرات الندى تتراقص فوق الأزهار، يسمع صوتاً ينادي وينادي.. ليس من عادته أن يستلم النداء..
صوتاً ملائكياً يهمس في أذنيه، يرفع رأسه... يمسح عينيه ، إله الجمال يناديه، يتلكأ بل يفقد توازنه ويشهق بالمفاجأة ، وينعقد لسانه وينسى الكلمات! ويسمع النداء وساد الصمت للحظات وهدوءاً يسبق الشفاه.
قالت والقمر يشهد وحتى النخيل.. لماذا الصمت ، وكيف الحال يا إبن الحي وإبن الجار؟
تشجع وإنتفض من غبار الصمت والسرور يغسل وجهه ، ينظر بإمعان لتلك الجفون وتأتأ اللسان، ويخرج صوت مرتعش بغطاء الرجولة ، تتعانق العيون ويأخذ نفساً عميقاً ويبدأ الكلام..
اليوم عدتِ على غير عادتك؟
قالت، تعرف أوقاتي، إبتسمت ونظرت بسرور الى عيناه وقالت.. هل نبقى هنا حتى الفجر؟
ثم التفتت الى طرفي الشارع ونظرت اليه بترقب وحيرة.. ودون جواب!
كاد صدره أن ينفجر، تأمل قليلاً .. وسط كل عواصف التفكير بين الشك واليقين واليأس والسعادة بين زوابع الحزن وحلاوة المجهول..
تنهدت بعد شهيق طويل بكلمة رقيقة تخرج بغزل شفّاف.. أحب أن أحتسي الشاي ..
إبتسما يسبحان في بحر الخيال ، والعالم صار جميلاً وشعاع الشمس الذهبي يخترق الظلال ومشينا.. فقاطعت خياله قائلة، لقد سمع كل شئ!
ردّ مرتعشاً .. سمعت كل شئ!
إبتسمت، وقالت إخبرني عن أحلامك ، عن نفسك عن أوطانك عن الليل وعن نهارك!
قال: أنا حطمت الأسوار
أنا الحب وأكبر منه انا الشعر والدموع واليقين ، ونحن التحدي في زمن الجهل والتعصب والوشاية، زمن ذُبِح الحب الذي ترقى به الأمم وأُرسل الى الحاكم والجلاد، قتلوا الدفئ في الشتاء وحرموا الماء من العطشان ومنعوا النهر من السمك.. حرموّا الشوق والألم اللذيذ و... قاطعته وقالت: هل تقول الفلسفة والسياسة؟
قال: من يعرفه يعرف الحلم والأمل والحياة.. نعم يكون شاعراً وفيلسوفاً ومفكراً
قالت: أنا وأنت واليقظة والعالم بين يديك ..
إبتسمت ونشرت إنوثتها وإرتعشت شفتيها وأغلقت جفنيها لحظات وأحست كأنها تعرفه من سنين.
رفعت رأسها الى السماء، شعرت بوجودها، بعاطفة لذيذة صادقة تعانق المجهول ورغم الغبار واللثام. والغروب قد أسدل الستار وعصافير الحديقة تبحث عن أعشاشها التي نثرتها أصابع الغدر والتزييف بالحقيقة.
وضعت يدها على وجنتها الوردية لتستأذن بالذهاب لتدخل القضبان فالغروب قد جنى عليها والنجوم قد تتعقب آثارها والقمر قد يشكك في جمالها.
قالت: سأعود وسأبقى مع الحلم الجميل، لا أحب اليقضة من لذة اللقاء. أمسكت يده المرتعشة وزاد الصمت.. تنهدت بحزن وحيرة ، أرتخت أصابعها وسحبت أناملها وأقدمت على الوداع.
أحس بثقل الكون على صدره.. وكره الليل الذي سرقها والقلب مكبل بالحنين وأصبح كالجذع فارق الجذور والسماء بلا نجوم والنهر بلا ماء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي