الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطر-الجزيرة ومقاييس قوة الدول

رائد الدبس

2010 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


واحد من الكتب العربية التي قدمت دراسة نظرية في العلوم السياسية هو كتاب الدكتور جمال زهران: منهج قياس قوة الدول واحتمالات تطور الصراع العربي-الإسرائيلي. استندت دراسة
د. زهران التي قدمها في كتابه المذكور إلى منهج تحليل النظام الدولي، بالإضافة إلى المدرسة الشهيرة في إطار العلوم السياسية ألا وهي المدرسة الواقعية الكلاسيكية وكذلك المدرسة الواقعية الجديدة في إطار توازن القوى الدولية، ومن ثم حدّد مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلالها حساب قوة كل دوله أو وزنها الفعلي في ميزان القوى الدولي والخ.. لكن ومع الاحترام الشديد لدراسته القيّمة، فإن ما لم يخطر بباله ربما -وهذا أمر طبيعي- أن يُدخل قناة فضائية مثل الجزيرة ضمن مؤشرات حساب قوة الدول، كي لا يخطئ الباحثون في حساب قوة الدولة التي تستضيفها وتموّلها ، دولة قطر!

تأسست قناة الجزيرة الفضائية في قطر عام 1996،وقد أظهرت نموذجاً إعلامياً عربياً جديداً يتحلى بمهنيّة عالية. ومنذ ذلك الوقت بدأت تبرز ملامح دور إقليمي جديد تلعبه دولة قطر، ربما يتجاوز مؤشرات قوتها الفعلية بكثير، كما يلاحظ معظم المراقبين والباحثين والمحللين السياسيين. ومثلما غاب حساب قناة الجزيرة ضمن قائمة مؤشرات قوة دولة قطر، فقد غابت أيضاً مواضيع كثيرة أخرى بفضل سياسة التكتم والتعتيم شبه التام الذي تمارسه الجزيرة على سياسة قطر الخارجية، في مقابل إتباع سياسة إعلامية شديدة التركيز على كافة نقاط الضعف التي تعتري المشهد العربي عموماً،ضمن سياسة إعلامية تصل إلى درجة فضائحية أحياناً، وتركز على الدول العربية الكبرى والأهم ، وعلى نحو خاص السعودية ومصر، ناهيك عن خطاب النبرة العالية في الموضوع الفلسطيني. أما الأمور المسكوت عنها في سياسة قطر الخارجية ، فهي أكبر بكثير وأهم من موضوع القواعد العسكرية الأميركية، ونقصد العلاقات القطرية-الإسرائيلية.

ملف العلاقات القطرية-الإسرائيلية التي انطلقت أيضاً عام 1996 بعد زيارة شيمعون بيريس لقطر وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب،
والتبادل التجاري والزيارات التي لم تنقطع حتى في أكثر اللحظات سخونة في المنطقة، يفتح الباب على أسئلة كثيرة وكبيرة. ليس أهمها لماذا، بل متى وكيف وإلى أين؟؟؟ قد يكون مفيداً أن نطلع على دراسة إسرائيلية صدرت عن مركز دايان الإسرائيلي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، دراسة بعنوان «علاقات قطر بإسرائيل.. نموذج لسياسة خارجية مستقلة»، للباحث الإسرائيلي د.عوزي رابي، رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، وباحث متخصص في الشؤون الإيرانية والخليجية، تناول في دراسته طبيعة العلاقات (القطرية-الإسرائيلية) وأهدافها.. والجديد في هذه الدراسة هو أنها تتناول هذه العلاقات من المنظور القطري.

تتحدث الدراسة عن بداية وأسباب التحولات في السياسة الخارجية القطرية، فتقول: "ترجع التغيرات الكبيرة في سياسة قطر الخارجية إلى الحاكم الحالي لقطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، الذي حلّ محل والده في انقلاب قصر غير دموي في السابع والعشرين من يونيو 1995.. ومنذ صعوده إلى سدة الحكم، حرص الشيخ حمد على تغيير قطر، بحيث تصبح صاحبة نفوذ إقليمي.. وتبنّى الحاكم الجديد فوراً سياسات تتسم بالرفض والنفور من المملكة العربية السعودية.. وشعر الشيخ حمد بأن قطر قد خضعت طويلاً لتوجيهات السعودية، وشعرت بالضيق الشديد عندما وقفت السعودية إلى جانب البحرين ضد قطر، عندما تجدد نزاعهما القديم حول الأراضي.. إضافة إلى ذلك، فإن حمد وطني متحمس أكثر من أبيه، ولذلك فقد اهتم بمتابعة مطالب قطر الإقليمية، وإتباع سياسة خارجية مستقلة.. وقد أدت هذه الأوضاع إلى تصاعد الاحتكاك بين قطر والمملكة العربية السعودية.
وفي عام 1996، قام حمد بتمويل أول قناة تلفزيونية مستقلة «الجزيرة»، وقامت هذه القناة بتدمير المسلمات الشرق أوسطية والعربية.. وقامت القناة بتعرية الأنظمة المجاورة، بما في ذلك السعودية.. وتباعدت قطر عن المملكة العربية السعودية أكثر وأكثر، كما تباعدت أيضاً عن عدد من دول الخليج الأخرى عام 1997 عندما رفضت التراجع عن قرارها باستضافة قمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي حضرها مندوب عن إسرائيل".

وعن مستقبل العلاقات القطرية-الإسرائيلية، والعلاقات القطرية-العربية، تخلص الدراسة إلى ما يلي: " تعتمد العلاقات (القطرية-الإسرائيلية) في استمراريتها على ما سبق ذكره من اعتبارات السياسة الخارجية.. ومن الواضح أن قطر اعتبرت أن التطبيع الجزئي مع إسرائيل يُعَد خطراً محسوباً يطور أهداف سياستها الخارجية. وبينما يبدو الأمر وكأن علاقات قطر وإسرائيل تمثل مصدر الصدام بين قطر وجاراتها، فإن السياسة الخارجية القطرية تم تشكيلها بطريقة لا تتوقع فقط مسألة رد الفعل العربي الغاضب، ولكنها في الواقع تستفز هذا الغضب.. إن الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل قد مكن قطر من تأكيد استقلالها في الساحة العربية والمنافسة كلاعب إقليمي بارز بنفوذ ليس بالضعيف".

نكتفي بهذا القدر مما تشير إليه الدراسة الإسرائيلية، أما موضوع الغاز فهو موضوع كبير وشائك،يحتاج لأكثر من مقال،وهو مرتبط بتصدير الغاز المصري لإسرائيل ومنافسته من ناحية، ومرتبط بمشاريع الطاقة المستقبلية الكبرى والطموحة،التي تسعى إسرائيل لإقامتها مع دول الخليج، وإلا كيف نفهم تأسيس بورصة الغاز القطرية في تل أبيب؟

الشريط المصوّر الذي بثته مؤخراً قناة الفيحاء الفضائية العراقية عن زيارة رئيس الوزراء القطري لإسرائيل وتباحثه مع المسئولين الإسرائيليين حول تجديد اتفاقيات الغاز وحول توقيع اتفاقية لتطوير المناهج التربوية القطرية بالاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في المجال التربوي، لا يثير المزيد من الأسئلة فحسب، فهي مُثارة أصلاً، لكنه يعيد السؤال مجدداً على قناة الجزيرة التي تسكت عن كل هذا النشاط القطري-الإسرائيلي تماماً، بينما تبثّ خطاباً يتناقض مع هذا السلوك السياسي تناقضاً تاماً، إلى أين يُراد لها أن تمضي بوعي المواطن العربي ؟

أخيراً، ربما سيفيدنا بعض الباحثين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بدراسات جديدة تشرح وتقيس قوة الدول التي تشبّ عن طوقها الطبيعي بمؤشرات جديدة،عنوانها إنشاء بورصة غاز في إسرائيل وقناة فضائية مهنية جداً في الدوحة.. وربما أيضاً سيفيدنا الباحثون في الحقول الإعلامية، كيف يمكن لقناة الجزيرة أن توفق بين كل هذه المتناقضات ضمن سياسة "تدمير المُسلّمات والتعرية واستفزاز الغضب العربي" وتهييج مشاعر الناس العاديين،في مقابل السكوت عن كل ما يتعلق بقطر، وخصوصاً علاقاتها مع إسرائيل؟

سؤال أخير: روسيا الاتحادية التي تمتلك أكبر احتياطي للغاز في العالم، وتمتلك علاقات طبيعية مع إسرائيل، لم تذهب لتنشئ بورصة غاز هناك، فهل قطر كانت أذكى؟

- ملاحظة: الدراسة المشار إليها منشورة على موقع مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، التابع لجامعة تل أبيب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو