الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربتي في الفلم الوثائقي

سمير الرسام

2010 / 1 / 16
الادب والفن


تجربتي في الفلم الوثائقي . .

توطئة :

شعرت ذات يوم انني انسان صغير أمام الفلم الوثائقي لا لشيء يذكر إنما لأنني لم أعرف جيداً هذا النوع من الافلام . . وعندما عرفت الفلم أكثر وجدت نفسي أكثر صغراً من ذي قبل . .
- سمير الرسام -


الفلم الوثائقي

يُعرف جون جريرسون الفلم الوثائقي بانه المعالجة الخلاقة للواقع ، فالدراما في الفلم الوثائقي هي عملية اكتشاف وتبني ، ففي الفلم الروائي تكون الدراما مُعدة مسبقاً من قبل الكاتب ثم تصل الى الذروة وصولاً الى الحل . والعالم المتخيل في الفلم الروائي احيانا يتجاوز على الحقيقة ، بينما لا يمكن تجاوزها في الفلم الوثائقي، لكن قدرته على التزييف والتاثير على الراي العام اكثر من الروائي .

" تعتمد المفاهيم الجمالية للسينما التسجيلية على قوانين الصور المتحركة على قدرة السينما بشكل عام كفن مستقل، حيث تخطى حدود الزمان والمكان. وأخيراً على قدرة السينما على عرض العالم المادي وظواهر الواقع عن طريق العالم المادي نفسه (الذي هو مادتها) والظواهر نفسها. فنحن مما لاشك فيه نرى على الشاشة العالم الحقيقي ".

وفى كثير من الأحيان يعتقد البعض أن الفيلم الوثائقي هو مجرد فيلم قصير فحسب أو أن القصر هذا من خصائص الفيلم الوثائقي وحده , وهذا خطأ لا ينبغى لنا أن ننساق خلفه , فالفيلم الوثائقي يمكن أن يكون فيلماً قصيراً وممكن أيضا أن يكون فيلماً طويلاً , وشأنه في ذلك شأن الأفلام الروائية , فهي من الممكن أن تكون أفلاماً قصيرة أو أفلاماً طويلة والذي يحدد ذلك هو طبيعة الموضوع ذاته فالموضوع وطريقة المعالجة هو الذي يفرض طول أو قصر الفيلم وليس كونه فيلماً وثائقياً أو روائياً . وعند التعامل مع الحقيقة فى أحد الأفلام يجب أن تتغير الحقيقة نوعأً ما فيجب أن نختار منها ونعطيها صيغة معينة وشكلاً ما .

إن صناع الأفلام يحاولون جاهدين أن يعطوا المتفرج الإحساس والشعور , ويقدموا انطباعاً للحقيقة الموجودة فعلياً حتي إذا لجأ بعضــــهم إلي استخدام التكنيك السينمائي الواضح لإنجاز هذا . إذا فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها والمعالجة تكون خلافه وهذا هو الجانب الذاتي في السينما الوثائقية

هناك نقطتين على اساسهما يبنى الفلم الوثائقي وهي عدم المبالغة في الاحداث وان تكون المعلومات التي وردت في الفلم حقيقية غير مزيفة . فلا زالت ترن في اذني كلمات استاذي جعفر علي وهو يقول (( لا تكذب ، لا تُبالغ ، لا تُزيف الحقيقة في الفلم الوثائقي )) . وكانت آلة التصوير مجرد جهاز تسجيل ... يقوم بتسجيل الحياة المحيطة بنا ولقد حذا بعض المخرجين لاحقاً هذا الاتجاه وكذلك المنظرين، وعلى رأسهم أندرية بازان ... وروبرت فلاهرتي ... ولكن هذه النظرية تطورت على أيديهم وأخذت شكل أوسع وأعمق من ذي قبل ... فالسينما الوثائقية أصبحت بالفعل ترتكز على المادة الحياتية، وعلى الظواهر والمواد الموجودة موضوعياً، والتي تستوعب وتدرك من قبل الفنان الوثائقي ... وهذا يعني أن السينما الوثائقية أصبحت حالة، الواقع فيها مادة خام ... يستخرج منها المبدع كل ما هو جديد ... دون الاكتفاء بنسخ هذا الواقع وعرضه على الشاشة كما هو ... مثلما كان يحدث في البدايات .

* يقسم جون جريرسون الافلام الوثائقية الى مستويين هما ،المستوى الاعلى والذي يكون فيه صانع الفلم له القدرة على التحليل والخلق . والمستوى الادنى والذي فيه كل الجرائد والافلام التدريسية والروبرتاجات.


* لكن سويتزوود يقسم الفلم الوثائقي الى :
1) فلم المعايشة . . كافلام الطبيعة والحيوانات التي لا بد من صانع الفلم ان يكون في تعايش مع الطبيعة او الحيوانات .
2) افلام الطليعة ويختص بكل ما هو جديد في عالم التقنية .
3) افلام الرسوم المتحركة . . وقد ازداد صنع هكذا افلام .
4) الافلام النقاشية .
5) الافلام التحريرية .
6) الافلام التعليمية .

* بينما يقسم ايفالينا نور جليسكا الافلام الوثائقية الى :
1) الروبرتاج : وهو ما نسميه اليوم بالتحقيق عن امر ما كلقاء مع عالم او فنان .
2) الجرائد السينمائية . . وهي مجموعة من الاخبار المصورة .
3) المجلات السينمائية . . وتتناول الموضوعات اكثر تفصيلا من الجرائد .
4) فلم المقالة . . يشبه الروبرتاج لكنه يتعامل مع الحلول ويحلل الامر اكثر .
5) الفلم الخالص . . هو الفلم الذي يكون ذا معالجة فنية للواقع .
6) فلم التحريض . . ويعتبر من اخطر الافلام وفيه اعادة ظاهرة او تسجيلها ويكون مرحب به في الازمات . ويسمى احيانا (( افلام الفن )) .

وهناك تقسيمات كثيرة وردت عن المنظرين لكنها ليست دقيقة لكنني شخصيا اتبنى الفلم الذي يعالج الواقع بطريقة فنية لانه يكون مؤثرا اكثر من سواه . . كذلك اتبنى الافلام التي تكون محرضة لأمر أعتبره محرك للمجتمع ومحفز لها . . قد يكون هذا الكلام غير دقيق لكنني اعتبر الافلام سواء الروائية او الوثائقية التي تبتعد عن الفن الخالص ليس فنا بل محسوبة عليه . . يمكن ان اشاهد روبرتاج عما جرى في الفلوجة لكنني سانسى الامر بعد وقت ، لكن صانع الفلم الجيد لو استخدم رؤيته مستخدما الواقع الذي هي ارضيته . . بالتاكيد انني سانسى الامر ولكن ليس بعد فترة قصيرة ويعتمد هذا على رؤية صانع الفلم وكيف سخر عناصر اللغة السينمائية لصالح الفلم .



السيناريو في الفلم الوثائقي

ان السيناريو هو مخطط أولي او ادبي مؤسس على واقعة حياتية ويمثل هيكل عام وركائز اساسية واثناء التنفيذ يكتمل البناء . ويمثل الهيكل دليل عمل ، وعملية اغناء الفلم هي الواقع .
تراودني عدة اسئلة وانا اتحدث عن السيناريو في الفلم الوثائقي وتتجسد في . . ما هو السيناريو الوثائقي ؟ هل يمكن للسيناريو الوثائقي ان ينفذ السيناريو ؟ وكيف يكتب السيناريو الوثائقي ونحن ازاء واقع متحرك ؟ هل يمكن الاستغناء عن السيناريو في الفلم الوثائقي ؟
ولبيان الامر تعالوا معي نستعرض تاريخ السيناريو وكيف ظهر في الفلم الوثائقي ؟ ولماذا ظهر ؟
* الاخوان لومير: لم يستخدموا السيناريو في تسجيل الواقع وهذا تجسد في اول افلامهم ( وصول قطار ، خروج العمال ، . . . الخ ) .

* فلاهرتي : كان يؤكد على صراع الانسان من اجل البقاء ، ولم يعتمد على السيناريو بل على الملاحظات الطويلة . أسلوب فلاهرتي في العمل أن يصور كمية هائلة من المادة الخام فهو يعتقد أن المادة الكثيرة تسهل له العمل أو ينبع منها موضوع فيلمه، وفي هذا الرأي لا اتفق تماماً مع فلاهرتي على أساس المقولة الشهيرة بأن الفيلم الوثائقي يُصنع على طاولة المونتاج ،وفي فيلم (نانوك رجل الشمال) وهو عن قصة شخص وعائلته تعيش في الشمال القاسي البرودة، والفيلم يروي قصة كفاحه من أجل البقاء ورحلته كل يوم للبحث عن مأكل ومأوى.
* فيرتوف : ومن روبرت فلاهرتى إلى القطب الثانى من أقطاب السينما الوثائقية ألا وهو ( دزيجا فيرتوف ) المخرج الروسى الذى يقف إلى جانب فلاهرتى فى ريادة السينما الوثائقية ... كان فيرتوف مثله مثل المخرج الروسى الكبير "ايزنشتين" " متحمساً للامكانات الخلاقة الكبيرة التى أعطاها الفيلم لنا ... وذلك كأداة هامة للترويج فى التعليم والدعاية للثورة ، خاصة طبقة العمال والفرحين الذين بحاجة إلى تثقيف وتوعية ... بشكل عام وللثورة بشكل خاص . قال عن السيناريو بأنه ( خرافة الفلم الوثائقي ) واكد على آنية الحدث اي مسك الاحداث بحرارتها .
إعتبر فيرتوف أن المادة الخام للسينما هى العالم المحيط بنا من أشياء وأماكن وناس حقيقيين ، وكان فيرتوف مثله مثل ايزنشتاين وبودفكين " أبناء المدرسة الروسية يأمنون بأن أساس الفن السينمائى هو المونتاج عكس فلاهرتى .. هذا على أساس كون المونتاج من الممكن أن يربط العناصر التى تبدو غير مرتبطة فى الحياة ، بمعنى آخر أن المونتاج يستطيع أن يقارن أية نقطتين فى الكون ببعضهما البعض دون اعتبار لتقنيات الزمان ، والمكان ولقد ذهب فيرتوف إلى أبعد مما ذهب إليه ايزيشنتاين ... فقد شعر بأن الاستمرارية فى الفيلم يجب أن تكون وفقاً للمضمون بصورة كاملة وأن اللقطات يجب أن تربط بصورة شاعرية وليست منطقية كما فى الأفلام الوثائقية التقليدية . ولقد كان لفيرتوف العديد من التجارب الجريئة فى المونتاج من أوائل أعماله سلسلة إخبارية بعنوان " الحقيقة الفيلمية " و "الرجل ذو الكاميرا السينمائية" (ثلاثة أغنيات إلى لينين 1934) وفى هذا الفيلم كانت السينما قد نطقت فجعلت من هذا الفيلم عملاً رائعاً بربطه الصوت بالصورة .

* السينما المباشرة ( أمريكا ) والحرة ( فرنسا ) : ظهر هذا الاتجاه في الستينات ، وقد اعتمدوا على افكار فيرتوف كما واعتمدوا على اللحظة الرائعة ... وكان شعارهم ( اذهب وشاهد ماذا يحدث ) . تتصف افلامهم بالملل وخسارة في الفلم الخام والوقت والمال . اشهر افلامهم الانتخابات التي جرت بين كندي وهنتري .

* جون جريرسون : يقول ان للفلم الوثائقي تخطيط مسبق اي يجب ان يكون هناك سيناريو لكي لا يضيع الوقت والفلم الخام .
ولد جون جريرسون فى 25 أبريل عام 1898 فى بلدة دنستون باسكتلندا وتوفى عام 1972 . درس الفلسفة فى جامعة جلاسجو , ثم انقطعت دراسته لمدة ثلاثة أعوام حيث التحق فيها بالقوات البحرية الإنجليزية , سافر جريرسون إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قام بالاشتراك فى إعداد بحث لروكفلر ( دراسة تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية فى أفكار العامة ) عام 1924 وخلال الفترة التى قضاها فى أمريكا كتب لعدة صحف ومجلات , وفى فبراير 1926 كان أول من أطلق مصطلح وثائقي بعد إخراجه لفيلم موانا لروبرت فلاهرتى وذلك فى مقال كتبه لجريدة وقد اتخذ هذا التعبير من كلمة التى كان الفرنسيون يطلقونها على أفلام الرحلات . وقد جاء اهتمام جريرسون بالسينما من منطلق دراسته الاجتماعية لتأثير وسائل الإعلام على العامة , وليس مراقبة جمالية للفن , وإنما باعتبارها وسيلة للوصول إلى الرأى العام .

لقد كان جريرسون واحداً من رواد السينما التسجيلية في التاريخ , كمنتجاً ومنظماً , وناقداً , ومخرجاً , وكان وراء تقدم الحركة التسجيلية في بريطانيا وغيرها من البلاد , وقد عرف جريرسون الفيلم التسجيلي بقوله " إن الفيلم التسجيلي هو معالجة الأحداث الواقعية الجارية بأسلوب فيه خلق فني "

* كاراباج : يقول ان الاعتماد على الواقع ان يصنع فلم هذا اكذوبة ، وعملية بناء سيناريو محكم ودقيق فهذا غير منطقي ، لان السيناريو سيحدد ويقولب الواقع وهذا غير ممكن لان الواقع حر وغير مسيطر عليه،
والاصح ان نبني سيناريو ويجب ان نجعل فيه انسيابية للمستجدات التي سيفرزها الواقع .



مراحل بناء السيناريو

وتتجسد مراحل بناء السيناريو في الاسئلة التي يجب ان تضعها في الحسبان وهي :
- ماذا نختار ؟
- لماذا نختار ؟
- كيف نختار ؟
- كيف سنعالج ؟
- لمن ساعرض ؟


اما مراحل البناء فتبدأ بالفكرة وهي من اصعب المراحل ويجب ان يجيب على هذا السؤال : لماذا هذه الفكرة بالذات ؟ هل الفكرة آنية ؟ أم أنها متجددة . . هل سيتم عرض الفلم ثم يُركن على الرف للتراب ؟ هل فكرتي مؤثرة ؟ كيف أجعلها مؤثرة أكثر ؟ هل فكرتي لها من المهتمين ؟ كم عددهم ؟ هل هم شرايحة كبيرة ؟ اذا كانت كذلك فإن هذه الشريحة الكبيرة هي جمهوري الذي سيتابع عملي . . وكلما كانت شريحتك التي تعرض لها عملك أكبر كلما كانت مسؤوليتك تجاه العمل الذي تقوم به أكبر . . لا تنسى هذه المعادلة .
أما المرحلة الثانية فهي الهدف ، والهدف هو الغاية التي بنيت عليه الفكرة ، وماذا اريد ان اقول للمشاهد او ما اريد ان أعرفهم به .وكما أنني فكرت في الفكرة لا بد أن يكون هدفها كبير . . وسامي ، أن فكرة أندثار الطوابع في العراق لا تقل أهمية من الفكرة التي عالجها صديق لي في أمريكا عن مقابر السيارات التي تسبب الامراض للانسان جراء تفاعل موادها بعد صهرها . . . وبعد تحديد الفكرة والهدف منها ابدأ بجمع المعلومات من خلال الوثائق واللقاءات والصور ... الخ .حاول أن لا تكون غبياً في أنك لو حصلت على معلومات كبيرة فإنك ستحصل على فلم جيد ، إن من سيحدد هذا الامر هو أنت من خلال ما أسميه ( بؤرة الموضوع ) أي أن تركز علة جانب واحد فقط من الموضوع . قد يكون الموضوع الذي تناولته في فلمي والذي يتحدث عن تاريخ الجرائد في العراق موضوعاً دسماً لكنني بالتأكيد لن أتحدث عن كل الجرائد بالتفصيل !! لأن هذا سيسبب الملل للمشاهد، وإن كانت المعلومات التي حصلت عليها معلومات قيمة فإنني ساخذ عينة من هذه الجرائد ، وكان أختياري موفقاً عندما أخترت جريدة الزوراء العراقية . . وفي المشهد الاخير أظهرت بقية الجرائد في عرضٍ سريع . وبعد الكم الذي ساحصل عليه من المعلومات سأسال نفسي هذا السؤال : كيف ستتم معالجة الفكرة بعد ان حددت هدفي من خلال المعلومات التي حصلت عليها ؟ قد لا تصدق انني في موضوعة الجرائد حصلت على أكثر من 300 صفحة من المعلومات . . لست مجنوناً لأسرد كل ما وجدت من المعلومات لكنني عالجت الموضوع وحددت أتجاه الأفكار التي طرحتها من خلال معالجة بسيطة تبدأ من بائع للجرائد في شارع مهم في العراق ألا وهو شارع المتنبي – سوق لبيع الكتب في قلب بغداد – ومن خلاله استعرضت مسيرته في بيع الجرائد ، حيث إنه قضى 40 عاماً في بيع الجرائد ببغداد، مرحلة الانتقاء والاختيار وتعتمد على رؤية صانع الفلم وثقافته واهتمامه بالموضوع . . .




التفكير المسبق
للبناء المونتاجي للفلم الوثائقي

عن نفس الحدث او المشكلة او البطل يمكن ان ينشأ عمل يختلف من حيث ما يحمله من عمق وقوة انفعالية وعاطفية وقيم فكرية ، كل هذا يعتمد على الهدف الذي يضعه صانع الفلم من المخرجين ويضع امامه مهمة مباشرة وهي مجرد التصوير للحدث ويكتفي بالوصف . . آخر يذهب بعيداً نحو الهدف او الظاهرة ويقوم بالمراقبة والتحليل ويذهب أكثر بعداً حيث يتخذ من الهدف او الظاهرة وسيلة لتقديم رؤية ذاتية عن الموضوع بهذه الطريقة ينشأ العمل الفني حسب هدف صانع الفلم . فإما ان يكون عمل وصفي ، وإما ان يكون عملاً تحليلياً يدفع المشاهد الى التأمل والتفكير .

ماذا عن المونتاج ؟ في الحالة الاولى والتي اطلقنا عليها بالوصفية فإن المونتاج هنا مجرد عملية قطع ولصق . أما في الحالة الثانية فإنها أشبه بالمغامرة الجميلة من قبل المخرج والمونتير في بناء واقع جديد على الشاشة .

بعض الوثائقيين يؤكدون بأن الفلم الوثائقي يُعمل في غرفة المونتاج !! إن هذا الرأي مبالغ فيه !! بالرغم مما في المونتاج من تأثير كبير في بناء الفلم والمبالغة هنا ان المادة المصورة ليست ( طيناً اصطناعياً ) بل شكل يمكننا صياغته وتشكيله وتوجيهه وفق رغبتنا في حرية مطلقة ، ولكن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها هي بين المراحل الثلاثة الرئيسية في الفلم ( التصوير ، المونتاج ، الصوت ) . فبعد تصويرك للفكرة التي جمعت حولها المعلومات ثمرة العمل هي في إنك اتتمت التصوير كما خططت له في خطوطك العريضة التي وضعتها في السيناريو ، وقد تكون اضفت أشياء جديدة وهذا ما يكون بنسبة كبيرة معتمداً على ذكائك وحنكتك وخبرتك وحبك للفكرة ومعلوماتك التي حصلت عليها قبل التصوير .
بعد التصوير تأتي مرحلة البناء الخلاق وهي مرحلة المونتاج ، لأن المخرج يمتلك المادة المصورة والصوت ويقوم ببناء عمله . ويجب على المخرج ان يحدد الطريقة او الاسلوب الذي سيعرض فيه الواقع لأن مهمته ليست مجرد حكاية يرغب ان يقولها لمن يشاء كل مخرج يمتلك طريقته الخاصة في صياغة الواقع . المخرجون مختلفون على اشياء كثيرة الا المونتاج فهو المرحلة الابداعية الخلاقة .
هناك أسلوبين يستخدمهما مخرجي الافلام الوثائقية وحسب رأيي الشخصي :

1) الاسلوب التحليلي : ومن خلاله يقوم المخرج بتركيب اللقطات التي تراعي استمرارية الحدث وتدفقه في بنية الزمان والمكان . ينتج عن هذا التدفق مستوى ادراكي عند المشاهد ويستخدم هذا الاسلوب أكثر مخرجي الافلام الوثائقية . صورة على الشاشة متدفقة وصوت منساب على الشريط الصوتي أما تعليق واما موسيقى واما لقاء مع شخص نرى صورته او يكتفي بوضع بعض الانسيرتات التي اخذت من نفس الموقع .

2) الأسلوب المركب : وفي هذا الاسلوب يكون الابداع وفيه لا يراعي المخرج استمرارية الحدث ولا يراعي التسلسل الزمني وفي احيان كثيرة يتسم بالنقص فهو يعتمد على اختيار اجزاء من الحالة او الحدث ، كل طريقة من هذه الطرق تثير تأثير مختلف من حيث الفهم او الادراك لدى المشاهد كما تخدم كل منها اهداف معينة ، وصانع الفلم يمزج بشكل واعي بين هذين الاسلوبين في بناء فلمه معتمداً على اهداف مسبقة .

أذاً المونتاج وسيلة بيد صانع الفلم يمكن من خلاله ان يمنح عمله الخصوصية التي يريد فيمكن لقيادته في وصف الحدث ان يكون بشكل حاد او ناعم او عرضه بشكل مكثف او مسهب او تقديمي او بشكل تعبيري او مباشر . لكل اسلوب من هذه الاساليب يتطلب اسلوب معين من المونتاج وتقصد به تباين بالنسبة للزمان والمكان ، ومن الناحية العملية إذا نادراً ان نجد مخرج يتبنى اسلوب معين بل يستخدم اكثر من أسلوب مونتاجي ليحصل على اسلوب يخلق للمشاهد التأثير المطلوب ويحقق اهداف فلمية .




عناصر بناء المشهد في
الفلم الوثائقي

لقد وضعت ثلاثة عناصر لبناء المشهد في الفلم الوثائقي وتتحدد في توجيه الاهتمام ، والتسلسل ، والحيادية . فأما توجيه الاهتمام فيتحدد بأن الواقع متعدد الجوانب وعلينا ان نحدد او نوجه اهتمام المشاهد على فكرة الفلم دون ان نشتت تفكيره فمن خلال توجيه الاهتمام اقوم بالسيطرة ومنذ بداية الفلم على المشاهد لكن يجب ان اوجه أهتمامه لشيء يحبه او من خلال خلق صراع ، هذا الصراع يصل الى ذروته في الفلم ومن ثم الحل ... وكلما كان الصراع يحمل طابع العمومية كلما كان الجمهور اكثر . . . اي ان الشريحة التي ستتابع الفلم اكثر . . .

يبدأ الفلم بلقطة عامة لشارع الرشيد من بدايته ، أي من باب المعظم او ما يسميه العراقيون بساحة الميدان . . لكن اللقطات تنساب لتتضيق شيئاً فشيئاً حتى نصل الى محل صغير جداً يشرب منه المارة شراب الزبيب الذي لن ولم يجدوا اللذ منه ، إنه شربت الحاج ( زبالة ) . أننا وبانتقالنا من اللقطات العامة وهي اللقطات التأسيسية للعمل الى ان نصل الى اللقطات الاضيق فالاضيق إنما نحن نحاول ان نوجه إهتمام المشاهد أن شارع الرشيد فيه عدة مواضيع لكنني ساتحدث عن شربت الحاج ( زبالة ) .

ومن خلال التسلسل الذي اقصد به هو خلق ترتيب او بناء اللقطات ضمن تسلسل منطقي غير مرهق للمشاهد يؤدي الى فهم الموضوع وفق قوانين البناء الدرامي بمساعدة الواقع الذي يحقق لنا ديمومة الفعل المنساب . يعتبر احيانا المخرج بأن التسلسل قيد يضعه الفلم الوثائقي في عنقه لكن هذا مخالف للحقيقة، فالفلم الوثائقي لا يضع القيود . . لكن المشاهد أيا كان مستوى أدراكه يريد ان يفهم ماذا يرى ؟ وماذا يحدث على الشاشة ؟ أنك من خلال فلمك تتكلم ، ومن حق المشاهد ان يفهم كلامك . التسلسل هنا يعني عرض الحدث بحيث يفهم المشاهد ما يدور على الشاشة البيضاء ، وإلا فكيف سيتفاعل المشاهد مع الاحداث المنسابة ، وكيف سيقيم فلمك ؟ أتذكر انني دعيت الى فلم وثائقي كنت ومن الدقائق الاولى قد قيمت العمل ، فمذ أن خطى الفلم خطواته الاولى عرفت ما سيدور لهذا وجدتني أتجاذب أطراف الحديث عن المشاكل في الكلية مع صديقي الذي كان يجلس قربي ، طبعاً . . إن لم تكن كلماتك مفهومة بالنسبة لي فلماذا لا اخوض في نقاش مع شخص يفهمني ؟ لتكن بدايتك موفقة لتمسك المشاهد من ياقة قميص ولتقول له" يا هذا فلمي يستحق المشاهدة ". كانت بداية فلمي سريعة ، شخص في الشارع يركض لا نشاهد منه شيء ، وجه نظره الكاميرا التي تتجه الى مكان ما والناس مستغربون سبب الركض . . تدخل الكاميرا مبنى حديث في بناءه . . يد تمتد ولا زلنا لا نرى الشخص بل وجهة النظر هي للكاميرا فقط . لم تستمر اللقطات الاولى سوى 25 ثانية لكنها وضعت المشاهد كشخص يريد ارسال رسالة الى شخص لا يعرف من هو !!

لأنك في الفلم الوثائقي فأنك تتعامل مع الواقع فلا تحرف الواقع وكن حياديا في طرحك غير منحاز . . لقد شاهدت الكثير من الافلام الوثائقية الغير حيادية ، أنني لا احترمها ولا اقدرها . . لأنها لامست الواقع ولم تنقله بامانة وموضوعية . حقاً إنني لا استطيع أن انقل الواقع بكل تفاصيله ، وهذا هو المستحيل بعينه ، بل يجب ان احترم الواقع وانقله بحيادية وامانة لأنني فنان ويجب ان اكون بقدر هذه الكلمة من معنى . أتذكر انني تناقشت مع أحد أساتذتي حول الوثيقة الفلمية – وهي قد تكون صورة او فلم او اي شيء آخر – وكنت قد تجادلت معه حول الحيادية والموضوعية التي يجب من خلالها التعامل مع الوثيقة الفلمية ، كيف ذلك ؟ مشهد من مشاهد القضية الفلسطينية أعجبني فيه جرأة الشاب الفلسطيني الذي ضرب المحتل بالحجارة التي لا يملك غيرها للمقاومة وهي مقاومة مروعة ولا ينكرها احد، لكنني فوجئت في احد الصحف البريطانية ان هذه الوثيقة قد تحولت الى مستند ضد أخوتي في فلسطين !! تقول الجريدة أن هذا الجندي الاسرائيلي يستطيع ان يقتل الشاب الفلسطيني لكنه احترم وجهة نظره فلم يقتل الشاب ، لقد أشمئزت نفسي وانا اشاهد الصحفي الذي لم يتحلى بالمهنية كيف حول مسار الوثيقة من والى .




التعليق في الفلم الوثائقي

ان التعليق هو احد اشكال الكتابة الصحفية او الادبية الصعبة اذ ان على كاتب التعليق ان تتوفر فيه بعض السمات والميزات الاساسية التي تتمثل في معرفته بالوسيلة التي يكتب لها خاصة في المجال الفني الى جانب كونه ذو حس بالموسيقى ومجمل مراحل العمل الفنية .

أن مهمة التعليق هي سد الفراغ الناتج عن المادة الفلمية للموضوع ، واحيانا يكون مرافق للصورة التي يدعمها التعليق بالكلام . . وكلما كان التعليق قليل كلما كان افضل لأننا نتعامل مع السينما والسينما هي لغة صورة اكثر من كونها لغة صوت . . غير ناكر ان للصوت قيمة مهمة لكننا لو كنا مسيطرين على عناصر اللغة السينمائية وكيفية استخدامها . . ومتى ؟ لأستغنينا عن الصوت في كل اعمالنا السينمائية . . وانا لا اقصد أن التعليق يشوه العمل السينمائي بل انه يجب ان يكون حلك الاخير .

وقد وضعت سمات للتعليق الا وهي :
1) يجب ان يقدم التعليق معلومات اضافية لا تستطيع الصورة تقديمها .
2) لا بد من التعليق ان يجعلني اركز على امر ما لا تستطيع الصورة ان تبلغه .
3) لا بد ان يكون التعليق غير ساذج اي يجعلني استنتج اشياء من خلال سريان الفعل في الصورة والتعليق . . مولدا عندي استنتاج ثالث اي تصادم افكار . .
4) يجب ان لا يكرر التعليق شيء كانت الصورة قد عرضته … او ان يكون شارحا لسريان ما يجري في الصورة من انسيابية في الفعل .


هناك أسئلة كانت ترد حول الفلم الوثائقي وانا الان اجيب عليها :
1) هل من الممكن استخدام الممثل في الفلم الوثائقي ؟
2) هل من الممكن ان احرف الواقع خدمة للعمل الذي اقوم به ؟
3) هل من الممكن وضع حوار في الفلم الوثائقي ؟
4) هل يمكن استخدام مشهد غير واقعي في الفلم الوثائقي ؟
5) هل للفلم الوثائقي جمهور ؟
6) لو استخدم الفلم الروائي للوثيقة الفلمية فهل تحول الى فلم وثائقي ؟
7) لو كان الواقع هو الذي يحرك الفلم الوثائقي فما هي مسؤولية المخرج وما هو دوره ؟
هل يمكن كسر الزمان والمكان في الفلم الوثائقي ؟
9) هل يصلح المخرج مونتيراً للفلم بنفس الوقت؟
10) كيف يمكن للمخرج كسر حاجز الرتابة في الصورة المسطحة بسبب عدم استخدام الاضاءة ؟

من الممكن استخدام الممثل في الفلم الوثائقي على ان يكون جزء من الواقع ، فمثلا تريد ان تصنع فلما عن النجارين لابد ان يكون الشخص الذي اخترته لفلمك على علم ودراية بالنجارة ان لم يكن نجارا فعلا . لانني قمت ذات يوم بانتاج فلم وثائقي حول آلة العود وصناعتها في العراق . . . وبالفعل اظهرت شخص يعزف على آلة العود وصوت ( بلي باك ) معزوفة بنغم المخالف العراقي . . لكنني تفاجئب بأعتراض والدي على اللقطة . . وعندما قلت له لماذا ؟ قال هذا الشخص لم يكن يعزف هذه المقطوعة . . فقلت له نعم صحيح وكيف عرفت ؟ رغم انني اخذت اللقطة من بعيد جدا . . اجابني : انني عازف عود .. وضربات يديه لا تعزف اصلا اي نغم بينما التعم المنساب في الشريط الصوتي نغم المخالف العراقي . من هذا استنتجت شيء مهم انني اصطدم مثلي مثل اي شخص يصنع هكذا افلام بالخبرة . ففلم خاص بآلة العود في العراق برأيك من يشاهده بالتأكيد الموسيقيين واصحاب الورش الخاصة بصناعة العود والمتذوقين للموسيقى . . لهذا يجب ان لا تتحايل او تأتي باشخاص غير كفوئين في عملك الفني . . لقد مرت اللقطة على الكثيرين لكنها لم تمر ابداً على اصحاب الخبرة . .
وفي الفيلم الذي أخرجه فلاهرتي يقوم (نانوك) وهو شخصية حقيقية (أي موجودة بالفعل في الواقع بتمثيل حياته ولكن هذه المرة أمام الكاميرا ... وهنا وجود الممثل مسموح به، حيث أن مشكلة الممثل من أعقد وأبرز المشاكل المطروحة في السينما الوثائقية ، واعتقد أنه يرجـع لروبـرت فلاهرتى اكتشاف الممـثل فى السينــما التسجيلية ... يجب أن تعلم أن التمثيل للسينما الروائية يتطلب من الممثل أن يؤدى تعليمات المخرج ، وأن يقرأ السيناريو بعناية ليطلع على الأوضاع والتصرفات التى يقوم بها .

تجادلت مع احد اساتذتي في ايام دراستي للسينما في بغداد حول تحريف الواقع في الفلم الوثائقي ، وكان متشددا جدا في تناول الواقع كما هو دون ان نخدشه – كما هو تعبيره – ولكنني كنت اعطي مثالا صريحا في تحريف الواقع منذ بدايات السينما الوثائقية على يد جريرسون في المشهد الذي كرره مرارا لكنه في اللحظة الاخيرة تحايل على الواقع عندما اراد من الصياد الذي يصطاد الفقمة ان يرميها بالاداة الحادة لكنه – اي الصياد – لم يفلح مما اضطر جريرسون الى ان يصطاد الفقمة ويرميها وهي ميتة بالاداة الحادة . هذا التحريف كان من صالح العمل ولم يغير من الواقع الا الضرورة التي اقتضت . . ولست مع الذي يقدم الواقع كما لو انني اشاهد الواقع من خلف سطح بيتي . . ولست مع الذين يحرفون الواقع بالمبالغة والكذب وعدم الحيادية . . لكنني مع واقع يقدم بطريقة درامية تصل فيها المعلومات التي اريد باقصر الطرق . . فالفلم الوثائقي هو فلم يحاول تقديم معلومات بطريقة درامية ، وكل ما لدي من عناصر اللغة السينمائية يمكنني تسخيرها للفكرة التي تبنيتها كفكرة فلم وثائقي بعد ان حددت هدفي ووضعت الفكرة في بودقة الفعل الدرامي المنساب عبر الزمان والمكان . . لقد قال الاستاذ جعفر علي ( لا تكذب ) وانا تناولت شيء من الواقع . . وقال ( لا تبالغ ) والمبالغة في الفلم الوثائقي منها ما هو جيد ومنها ما هو سيء ، فالجيد في المبالغة انني احاول ان اعطي للقضية المطروحة بعدا اكبر من خلال فك الحصار عن الفكرة لتشمل كل العالم . . فالفلم الوثائقي الذي يتحدث عن انفلونزا الطيور ليس من المبالغة ان اعطي اليه بعدا كبيرا كونها مشكلة العالم بأسره . . وفي الفلم الذي اخرجته عن الطوابع وكيف انها ستزول بعد ان تم صنع آلة تقوم بطبع ختم يسمى طابع وان هذه الطوابع ستزول في يوم من الايام وكنت من المدافعين عن الطوابع كوني من هوات جمعها وكوني اريد لهذه القضية ان تكون عامة فقضية الطوابع بنظري لا تختلف عن انفلاونزا الطيور فكلاهما قاتل !!! الانفلاونزا التي تصيب الطيور تقتل الطير والبشر . . وقتل الطوابع يعني قتل الماضي الجميل وكل محبيها وقتل المستقبل الذي فيه عندما يتحدث الشخص عن الطوابع كأنه يتحدث عن احد الديناصورات !!!

ولا زلنا مع الاستاذ جعفر علي وهو في نقطته الثالثة والتي تقول ( لا تزيف ) ان انقل الواقع كما هو هذا محال لكنني اقول بأخذ الواقع وفق رؤيتي . . هذا الكلام معقول . . هل هذا زيف ؟ ان لكل شخص منا وجهة نظره تجاه قضية من قضايا العصر لهذا تجد نسبة الطلاقات كبيرة في دولنا . . وتجد الاصدقاء احيانا لا يستوعبون وجهات النظر مما يؤدي الى النفور والتخاصم . .

لم يزيف جريرسون الواقع با تحايل عليه . . وانا لم ازيف الواقع عندما وضعت على الشريط الصوتي مؤثراً لماكنة صوتها مزعج وهي تختم ختما بمثابة طابع بريدي . . ولم ازيف الواقع عندما سقطت قطرات من الدمع على رسالة من طابع مختوم وليس بريدي اصلي . . انا لم ازيف بل اريد ان ادعم موضوعي بشيء اجعله مؤثرا . . انا اسخر كل شيء لاجعل من فلمي مؤثرا . . ليس بالتزييف بل بالتحايل .

يحيرني امر فكرت به طويلا هو الفرق بين الفلم الوثائقي والروائي ؟ انني لا اجد سوى خطوط واهية وستزول هي الفارق بين الفلم الوثائقي والروائي . . كون الفرق الذي لا بد ان يكون في الحسبان هو ان الفلم الوثائقي يجسد شيء من الواقع ويحاول ان ينسجه في لحمة واقعية عبر عناصر اللغة السينمائية . سألني احدهم هل استطيع وضع حوار في الفلم الوثائقي ؟ اجبته وانا ابتسم ( نعم ) بالتأكيد لأنني اخبرتك ليس بين الفلم الوثائقي والروائي اي فارق – هذا بالنبة للافلام الوثائقية المتميزة – وستزول هذه الفوارق بمرور الوقت .

اسعدني الاستاذ فارس مهدي وهو يخبرنا بانه حصل على نسخة من فلم وثائقي يتحدث عن عجائب الدنيا السبعة وكانت مدته ساعة كاملة . . ما رأيكم اين هي عجائب الدنيا السبعة الان اغلبها قد اندثر والاخر لا يستطيع ان يصله . . لقد استخدم في الفلم الكومبيوتر ليوفر لنا الواقع آنذاك ونجد الكاميرا تتحرك في العجائب السبع ونحن مذهولين للمناظر التي كانت تأخذ البابنا وقلوبنا . . لقد شاهدت الجنائن المعلقة وكانت هذه امنيتي عندما كنت صغيراً .
والسؤال الذي يتحدث عن وضع مشهد غير واقعي في بنية الفلم الوثائقي . . يتحدد في ان هذا المشهد لو كان يدعم الفعل ويقويه بحيث ان المتلقي يشعر انه من بنية العمل وليس مفتعل فلا بأس به . . فقد أعجبني مشهد في فلم وثائقي يتحدث عن اقتحام الفأران لمخزن الحبوب . . عندما تشاهد الفلم تشعر انك امام بنية فلم روائي ، ومن ثم تشعر انه فلم وثائقي لانه يحدد المكان والزومان الذي تدور فيه الاحداث وان الشخص الذي هو محور الحدث يتحدث للكامير التي هي عيننا التي نرى وآذاننا التي نسمع . . شاهدت فيه مشهد تعبيري اعجبني وهو عندما اراد صاحب المخزن من هذه الفأران أخذ بعصى كبيرة وضرب بها الكم الهائل من الفئرآن التي تصطدم بالحائط وتجد انها تزداد ولا تقل . . لقد كانت لقطة اصطدام الفئران بالحائط لقطة مؤثرة فعلا ومن ثم لقطة عامة للبيت و زووم آوت ليبتعد البيت بلقطة عامة للقرية لكننا لا زلنا نسمع صاحب المصنع يضرب الفئرآن التي تصيح . . ومن ثم نشاهد الدمار التي احدثته هذه الفئرآن بالمخزن وكم تتلف الفئرآن من المحاصيل في السنة .

بالطبع ان لكل فن جمهوره الخاص به ، ولأن السينما من بين وسائل الاتصال الجماهيري فإن لها جمهورها الخاص بها . . سواء التي من خلال الفلم الوثائقي او الروائي . . وحسب رأيي ان الفلم الروائي وقتي سرعان ما يزول ، اما الفلم الوثائقي فإنك تتذكره كلما مرت مناسبته . . اريد ان اقول بان للفلم الوثائقي جمهوره ومحبيه ومتابعيه كما ان للفلم الوائي جمهوره ومحبيه ومتابعيه . . كما وان للفلم الوثائقي مهرجاناته التي ينال من خلالها صانع الفلم الجوائز القيمة وتغطي وسائل الاعلام المرئية والمسموعة مجريات هذا المهرجانات . فبماذا يختلف الفلم الوثائقي عن الروائي ؟!!! .

يستخدم الفلم الروائي الوثيقة الفلمية ( وهي لقطات صورت في حينها عن شخصية او حدث ما ) ، وهذا لا يعني ان الفلم الروائي قد تحول الى فلم وثائقي بل ان رؤية صانع الفلم جعلته يدعم موضوعه في استخدام الوثيقة الفلمية . فنجد مثلاً المخرج العالمي (أوليفر ستون) كثيراً ما يمزج بين الأسلوبين ، ومن جملة الافلام التي استخدمت الوثيقة الفلمية ( عمر المختار – أسد الصحراء ) وقد استخدم المخرج ( مصطفى العقاد ) فيه الوثيقة الفلمية من خلال المشهد الذي تم تصويره في وقتها عن السجون التي ضمت عددا كبيرا من ابناء الشعب الليبي ابان الاحتلال الايطالي ، وكان المشهد مأخوذ من طائرة . . وكذلك اللقطات لخطاب جمال عبد الناصر في الفلم الذي جسده أحمد زكي عن شخصية عبد الناصر . . وهناك افلام كثيرة جدا استخدمت الوثيقة الفلمية ، والصور كذلك . . وما الى ذلك من الاشياء .فمثلما اعطينا الحق للفلم الوثائقي ان يستخدم عناصر اللغة السينمائية بدراما موضوعة فإن للفلم الروائي الحق في ان يستخدم الوثيقة سواء الفلمية او الصوة ليدعم موضوعه ويجعله مؤثرا اكثر . . وانا اعتبر هذا الامر من التقاربات بين النوعين من الافلام .

قطعا ان الفلم الوثائقي يتعامل مع الواقع الذي هو في ديمومة لكن للمخرج رؤيته التي من خلالها نشاهد الفلم . . لقد تناول عدة مخرجين آلة العود في العراق ولكن لكل مخرج رؤيته في صياغة الفلم . . فلو كان كل مخرج جاء بما جاء الذي قبله فأين الابداع المتجدد ؟ مع العلم ان غنه لولا الابداع لما كان هنالك فن ولولا الابداع لما كان هناك كل شيء في هذه الحياة . . ابتداءً من ابداع الخالق عز وجل وانتهاءً بابداع المخلوق المتجدد في كل مكان وزمان .

لقد اتفقنا بأن الفلم الوثائقي يقدم حقيقة واقعية اي حدث الشيء في مكان ما وفي زمان ما ، اي ان الزمان والمكان محددين ولا يمكن تجاوزهما او كسرهما ، لأن صانع الفلم يعتمد عليهما ويرسخهما ويستند عليهما في سرد احداث فلمه . . أما عملية كسر الزمان والمكان في الفلم الروائي فهذا وارد ، وافلام الخيال العلمي تتمتع بهذه الخاصية . . فالمكان يكون غير معروف واسمى كلمة تنطلق هي – في الفضاء الخارجي – لكن اين غير معروف !!! متى حدث هذا الامر ؟ في سنة 3000 اي في المستقبل . . هنا ايضا انعدم الزمان . . هذا جائز لكن في الفلم الروائي فقط .

أن كادر العمل في الفلم السينمائي ككل سواء أكان روائياً أو وثائقياً يعتمد على العمل الجماعي المنظم والمحدد لكل شخص عمله ودوره في الفلم ، وهذا التحديد مبني على اساس ان يكون الشخص المعني بالدور كفوء ، أي انني اخترت الفنان ستيفن سيكال لهذا الدور وليس نيكولاس سكيج . وأخترت سبيلبيرغ وليس آخر للاخراج . . هذا قطعاً لا يأتي عبثاً بل لأنني اعرف خلفية المخرج الفلاني من خلال تاريخه واعماله . كل هذه الخيوط تكون بيد المخرج اي اعطاء الادوار للفنيين والممثلين تكون بيد المخرج ، فقد قرأت في إحدى الصحف ان المخرج س لا يقبل اي عرض لفلم سينمائي ما لم يكن كادره معه !! نعم انه يعرف مدير التصوير والمونتير والمصور وهذا التآلف في العمل يولد راحة للمخرج كي يصرف فكره في امور اخرى . اما ان يكون المخرج مخرجا فقط او ان يكون مونتيرا بالأضافة للاخراج أو ان يكون المخرج والمونتير والمنتج ايضا هذا الامر لا اعتراض عليه ما دام ينصب في خدمة العمل الفني ، فهناك مخرجين منتجوا افلامهم بايديهم وانتجوها ايضا . وابسط مثال فلم تيتانيك .

جميل إنك تفكر في كسر حاجز الرتابه في الفلم الوثائقي لكنني اضع ملاحظتي حول كسر الرتابة في معالجة الموضوع ! الكل سيستخدم نفس هذه المعالجة لكنني ساستخدم معالجة حسب رؤيتي ، انا مخرج لست تقليدياً واريد ان أتميز ، وهذا التميز لا يكون بالرتابة او التقليدية . وليكن بالحسبان ان المشاهد يريد مني صورة نقية لهذا انا ساستخدم كل ما في وسعي من عناصر اللغة السينمائية لوصول هذه الغاية ، الكامير الجيدة والاضاءة والمرشحات والعواكس والفلاتر والى ما ذلك من التقنيات الكومبيوترية التي يستخدمها المخرجين في افلامهم اليوم . . الرتابة وكسرها يكون في المعالج وليس في ان انقل صورة غير جيدة بعدم استخدام الاضاءات الملائمة .


تجربـتي في الفلم الوثائقي

كانت تجربتي في الفلم الوثائقي تجربة مريرة تبدأ في مرحلتي الاولى للدراسة في قسم الفنون السمعية والمرئية . . واوعز الكبوات التي تعرضت لها الى الفهم الخاطئ لهذا النوع من الافلام . . ورُغم فشلي الذي اصفه احيانا بالذريع لكنني استفدت كثيرا من اخطائي من خلال تجاوزها في الافلام التي اخرجتها من الافلام الوثائقية . . ويمكنني تحديد نقاط الخلل التي تعرضت لها كي لا يقع فيها القارئ العزيز من صناع الافلام الوثائقية . . ويمكنني ان احددها في نقاط لغرض الحصر :

1) بعد ان حددت فكرتي في صناعة فلم وثائقي كان الخطأ الجسيم هو انني لم اقرأ عن الموضوع جيداً اي انني كنت فاشلاً في جمع المعلومات . . حيث ان جمع المعلومات حول موضوعك يعد ركيزة من ركائز الفلم الوثائقي . . فإذا كنت غير مسيطر على المادة كيف ستعالجها وتطرحها كفلم للناس ؟ في مرحلتي الثانية من دراستي اخرجت فلم حول الطوابع العراقية وجمعت كم هائل من المعلومات واختصرت المسافة بأن أخذت مسار التأريخ في الطوابع وعرضت تاريخ العراق القديم والحديث من خلال الطوابع والتي هي موضوع يمكنني تناوله من عدة جوانب لكنني اخترت هذا الجانب . عندما قابلت أحد هواة الطوابع وهو (طبيب جراح) كانت الطوابع هوايته منذ الصغر ونمت هذه الهواية وترعرعت بعد ان تقاعد من الوظيفة بسبب مرضه بالفقرات العنقية لأنه كان يعمل عمليات جراحية كثيرة ، لكنني وعبر الحوار ان استدرجه وهو يتحدث عن نفسه أكثر . . لاحظ انني لا احمل الكاميرا معي أثناء جمعي للمعلومات سوى مسـجل صغير يرتاح له المتحــــــاورون ويستلطفونه . . وبعد الجلسات التي تتحدد في مجموع المعلومات التي حصلت عليها انتهي بموعد للتصوير . واليك هذه الملاحظات :
* أقرأ عن الموضوع الذي تحاور عنه الخبير فيه كي يتشجع الخبير في محاورتك ، لأنني بكل تأكيد عندما أجد شخص يفهم ما اتحدث فإنني وببساطة سأتحدث اليه بجدية ، كذلك انني اعطيه بعض رؤوس الاقلام حول الموضوع وهي رؤوس اقلام موضوعية ، وتنم عن اشياء لم قرأتها حول الموضوع .
* أكتب بعض الاسئلة التي اجعلها محاوري في الفلم ، ببساطة ان لدي خطوط عامة في الموضوع . . أما الخطوط الاخرى أتركها للمتحدث أو انني احاول ان استدرجه اليها من خلال محاورتي له .
* لا تفرض على محاورك وقتاً تريده انت بل اجعله يحدد لك الموعد هو كي تحترم اوقاته اولا ، وكي لا يعتبرك انك تقيده ثانياً .

2) لا تجعل الشخص الذي تحاوره يسترسل في الامر الذي يتحدث عنه لأنك في المونتاج سوف تنهار وانت تجد محاورك قد تحدث لمدة طويلة ولا يمكنك ان تقطع اللقطة لأنه مسترسل في كلامه . . نقطتي هذه تتركز على ان تضع محاور عامة للحوار من خلال اللقاءات الميدانية التي اجريتها مع الشخص الذي احاوره .

3) لو حددت له نقطة معينة لكنه استرسل . . هل تنهره ؟ هل تُشعره أنك ناقم؟ بالتأكيد لا لأن الذي تتحاور معه انسان من الواقع وليس ممثل محترف ، في بعض الاحيان يكون التعامل مع شخص من الواقع اصعب بكثير من الممثل المحترف . . .
ماذا تفعل في مثل هذا الامر ؟ لقد سقطت في مستنقع هذا الامر واليك الحل يا صديقي . . عندما تحدد له محور الحديث ولا يمتثل اليك اتركه يتحدث كما يشاء ثم بعد توقفه حدد له المحور متحججا مثلا بان الاضاءة غير جيدة أو إن ياقة قميصه كانت غير مرتبة . . سيفرح بالتأكيد ، لقد شعرت بأنه فرح بي لأنني مهتم به وبمظهره . . كيف لا وهو بطلي الذي سيخرج على الشاشة ويعطيني معلومات لا يعرفها الا هو ، لهذا اخترته ، لو عرفته عن كل ذلك ستجد نتيجة ايجابية بالتأكيد ، لقد استخدمت أمر آخر لا ضير ان اذكره لك . . لقد تجاوز المعلومات التي طلبتها منه بعد ان استرسل ، انتقلت الى محور آخر ثم آخر وبعد ذلك عدت لنفس المحور لكنني صغته صياغة جديدة جعلته لا يشعر انني أعدت السؤال .

4) الكثيرين يخافون الكاميرا لا بأس ان يدور الشخص الذي تحاوره حول الكاميرا، لقد مازحت الشخص الذي حاورته في بعض كلمات شجعته بها عندما سألته عن الانياب التي تمتلكها الكاميرا ابتسم وقال : لا اعرف ان للكاميرا انياب . فسألته عن الاشخاص الذين يخافون من الكاميرا !! قال لي : العيب ليس في الكامير بل في الجو الجديد الذي توفره الكامير والاضاءات والهدوء الذي يرافق التصوير!! فعلا ان الجو يختلف عند التصوير لكن حاول ان تحبب الشخص الذي تحاوره بالكاميرا من خلال تقليبها امامه . . احد اصدقائي قال لي انه جعل الشخص الذي يحاوره يضع الفلم في الكاميرا بنفسه . . واخبرني ايضا انه سأل عن نوع الكاميرا ونوع الاضاءات وأحجامها . . هذا الحديث يوفر جواً نفسيا جيداً للشخص الذي تحاوره .

5) شارك الشخص الذي تحاوره همومه ولا تبوح اي شيء من همومك انت له ، أجعله يحبك من خلال احترامك له . . لقد قدمت له دعوة عندما عُرض فلمي وجعلت الصحافة تلتقي به بعد ان التقوا بي ، أشعرته بأنه لم يزل الشخص المهم الذي قابلته ، وقد حصل على نسخة من الفلم ، وعلى نسختي أخذت منه توقيعه الشخصي ، وأخيراً طلب مني أن أوقع على الشريط الذي حصل عليه مني . . أنا دائماً أتذكر المقولة التي سمعتها من جدتي ( لا تبصق في البئر فقد تحتاج يوما للشرب منه ) .

6) بعد أن أنتهيت من تصوير المشاهد لديك وحسب ما كان مخطط له في السيناريو الذي أعددته كمخطط لمشاهدك عليك أن تأخذ ما يسمى بـ الانسيرتات ( وهي لقطات منوعة للمكان تفيدك ) في المونتاج يستفاد منها المونتير للتقطيع اولاً ، ولغطية العيوب الاخراجية ثانياً ، وللقطع ثالثاً إذا ما كان الشخص الذي حاورته قد استرسل في كلامه ، كذلك تستخدم لكسر الجمود الحاصل من ملل المشاهد من متابعة لقطة واحدة مستمرة على الشاشة لفترة طويلة .




الخلاصـــة :

أن الفيلم الوثائقي هو فيلم مصمم أساسا ليقدم معلومات ويؤثر فى المتفرج ويحثه , أنه فيلم ذو رسالة يبيع أفكاره فى كل مجالات المعرفة الإنسانية , ويستمد مادته من واقع الحياة , سواء كان ذلك مباشرة أو عن تكوين هذا الواقع وهو يعتمد على فكرة رئيسية وتكون له قيمة اجتماعية كذلك . وأهم ما يميز الفيلم الوثائقي هو أنه ينبع دائماً من الواقع , فالواقع هو الموضوع الرئيسى الذى ينطلق منه الفيلم الوثائقي ولكن يجب أن يكون الخيال هنا أساسه الواقع ونابعاً منه أى أننا لا يجب أن نترك العنان لخيالنا الروائى يبتدع أشياء غير موجودة فى الواقع . إن صناع الأفلام يحاولون جاهدين أن يعطوا المتفرج الإحساس والشعور , ويقدموا انطباعاً للحقيقة الموجودة فعلياً حتي إذا لجأ بعضهم إلي استخدام التكنيك السينمائي الواضح لإنجاز هذا . إذا فالسينما الوثائقية هي معالجة للواقع وهذا الجانب الموضوعي فيها والمعالجة تكون خلاقه وهذا هو الجانب الذاتي في السينما الوثائقية .



ختاماً

أقدم هذا البحث المتواضع لكل محبي الفن السابع ، وجميع حقوق هذا العمل محفوظة لكل محبي الفن بشكل عام والفن السابع بشكل خاص . . .



المصادر التي اعتمت عليها
في البحث

(1) فورست هاري , السينما التسجيلية عند جريرسون , ترجمة صلاح التهامي , مراجعة أحمد كامل مرسي , ( القاهرة , دار مطابع الشعب , 1965 ) .

(2) لوى دى جانتيتى – فهم السينما ، ترجمة جعفر على ، برنتش هول – نيو جرسي – الولايات المتحدة الأمريكية ، 1976.

(3) أرثر نايت , قصة السينما في العالم , ترجمة سعد الدين توفيق , ( القاهرة , دار الكتاب العربي للطباعة والنشر , 1967 ) .

(4)عدنان مدانات، بحثاً عن السينما، دور الأفق الجديد للنشر والتوزيع، جبل اللوبيدة، الأردن، الطبعة الثانية 1985.

(5) كاريل رايس , فن المونتاج السينمائي , ترجمة أحمد الحضري , ( القاهرة , الدار المصرية للتأليف والترجمة , 1964 ) .

(6) بول وارن , " أهمية السينما التسجيلية اليوم " , مجلة السينما , ( القاهرة , المؤسسة المصرية العامة للسينما, 1970 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
ايمان نافع ( 2011 / 5 / 13 - 20:23 )
شكرا على المعلومات قد افادتني شخصيا

اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا